أريد أن أطلب العلم الشرعي من أين أبدأ؟
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
تتوقد في نفوس الشباب الرغبة في تعلم العلم الشرعي لإزالة الجهل عنهم، ولفضل العلم العظيم. لكن تمر بهم مشكلة؛ وهي أنهم قد لا يعلمون من أين يبدأون، وعلى أي منهجية يسيرون؛ فتجد بعضهم قد مضت عليهم سنون ولم يستفيدوا حق الفائدة، أو الأدهى والأمر أن يضلوا الطريق لسوء المنهجية وعدم مراعاة مستواهم أو التتلمذ على سيئي الخلق والدين.
ثم إنه وفي هذا الزمان أرى الحاجة الشديدة لتحصين الإنسان لنفسه ولعائلته ومحيطه بالعلم الشرعي حتى لا تتخطفه الشبهات والشهوات التي تملأ العالم الإسلامي. وكم من ضحايا لهذه الشبهات كانوا سيحمون أنفسهم ودينهم لو أنهم حصنوا أنفسهم بدروع العلم بدل القفز إلى نار الشبهات دون وقاية.
فيظهر السؤال: أريد أن أطلب العلم الشرعي، فما هي الخطوات؟
ففي هذا المقال نحاول -بعون الله- أن نرسم منهجية لطلب العلم الشرعي من وصايا ونصائح الراسخين في العلم.
ما هو العلم الشرعي؟
العلم الشرعي هو العلم الذي يخدم الشرع. فيشمل ما كان مطلوبًا تعلُّمه لذاته كعلم القرآن والتفسير والحديث والفقه والتوحيد والسيرة. ويشمل ما كان مطلوبًا من باب الوسائل كالعلوم المُساعِدة مثل اللغة والنحو والأصول ومصطلح الحديث والبلاغة.(1)
لماذا نتعلم العلم الشرعي؟
قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] وقال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2].
وجدنا في هذه الدنيا لنعبد الله حتى نفوز بالجنة. ولنتم هذه المهمة لا بد أن نكون عارفين بأساسيات الشريعة حتى لا نعبد الله على جهالة. والعلم الشرعي ينقسم إلى علم فرض عين على كل مسلم؛ وهو ما لا يسع المسلم جهله، كمعرفة الله وكيفية الوضوء والصلاة والصيام وغيرها من الفروض الأساسية على كل مسلم بالغ عاقل، وفرض كفاية هو ما زاد عن هذا فلا بد أن يقوم به بعض الأمة.
ثانيًا: لشرف وفضل تعلم العلم. والذي قد جاء بآيات وأحاديث كثيرة نذكر عدد منها:
- قرن الله تعالى شهادته بشهادة أولي العلم. فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18].
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين” [صحيح البخاري].
- أجر العلم لا ينقطع حتى بعد الموت. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له” [صحيح مسلم].
- طريق إلى الجنة وسبب لاستغفار الملائكة ومن في السماوات والأرض، وأن العلماء ورثة الأنبياء. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ. وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ. وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ” [صحيح أبي داوود].
ثالثًا: وكما ألمحت سابقًا، لأننا في هذا الزمن المليء بالفتن أحوج ما نكون لأن نحصن أنفسنا وأطفالنا ومن حولنا ونحفظ ديننا. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم:6].
حكم طلب العلم الشرعي
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “طلبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ” [الجامع الصغير]. فطلب العلم منه ما هو واجب وفرض عين، ومنه ما هو مستحب وفرض كفاية. وجِيء في شرح الحديث: “أي: إنَّ مِن العِلْمِ ما هو فَرضٌ مُتعيَّنٌ على كلِّ امرئٍ مُسلمٍ في خاصَّةِ نفْسِه؛ فهو فَرضُ عينٍ، ومنه ما هو فرْضُ كِفايةٍ، إذا قام به قائِمٌ سقَطَ فرْضُه عن أهْلِ ذلِك المَوضعِ. وقد فُسِّرَ بأنَّ الَّذي يَلزَمُ الجَميعَ فرْضُه هو تعلُّمُ ما لا يسَعُ المُسلِمَ جَهْلُه، ولا بدَّ له مِن العِلْمِ به؛ لسَلامةِ دِينِه وإقامتِه، ثمَّ يأتي بعدَ ذلك سائِرُ العِلْمِ، وطَلبُهُ والتَّفقُّهُ فيه، وتَعليمُه للنَّاسِ؛ فهو فَرْضٌ على الكِفايةِ، إذا قام به قائِمٌ سقَطَ فَرْضُه عن الباقينَ. كما قال اللهُ -عَزَّ وجَلَّ-: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]”.(2)
إضاءات بين يدي الطلب
تصحيح النية وتزكية النفس
يحتاج المسلم تصحيح النية وإخلاصها لله -عز وجل- في كل أمور حياته. ومن أخص ما يحتاجها فيه في طلبه للعلم سواء كان علمًا دنيويًا أو دينيًا. وأخص من ذلك في طلب علوم الدين، لأنها متعلقة بأشرف معلوم، ألا وهو الله -عز وجل- وأوامره ونواهيه. وبالتالي فإن المغبون من قضى أيامه ولياليه يحفظ المتون ويقرأ الكتب ويسمع الدروس ثم لا يجد من ذلك شيئًا في ميزانه يوم القيامة، لأن نيته لم تكن رضا الله -تعالى- بالدرجة الأولى، فكان طلبه للعلم هباءً منثورًا!
لذلك فإن أول ما عليك ضبطه وتوجيهه توجيهًا صحيحًا قبل شروعك في طلب العلم، هو إخلاص نيتك لله، وقمع حظوظ نفسك وعدم إعطائها فرصة السيطرة على أفعالك، وتزكيتها من خلال الإكثار من الطاعات واجتناب المعاصي؛ فإن ذلك وقودك في الطلب، وقد كان هذا منهج السلف، كلما أحس أحدهم بضعف أو فتور، عاد إلى نفسه بالعتاب وطهرها من المعاصي. وهذان بيتا الشافعي -رحمه الله- يخلدان هذا المعنى العظيم:
شَكَوتُ إِلى وَكيعٍ سوءَ حِفظي *** فَأَرشَدَني إِلى تَركِ المَعاصي
وَأَخبَرَني بِأَنَّ العِلمَ نورٌ *** وَنورُ اللَهِ لا يُهدى لِعاصي!
الموازنة بين طرفي معادلة العلم والعمل
إن العلم الذي يطلبه الإنسان، قد يكون حجة له بين الله -تعالى- يبرئ بها نفسه من التقصير؛ فإنه قد يكون حجة عليه تزيده إثمًا على إثمه وعذابًا على عذابه -عياذًا بالله-. فعن أنس عن رسول الله ﷺ: “أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرضهم شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت، يعني عادت كما كانت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك الذين يقولون ولا يفعلون، ويقرأون كتاب الله ولا يعملون”. حديث حسن [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 1637]. وقد خصص الإمام الخطيب البغدادي -رحمه الله- كتابًا في هذا الموضوع سماه “اقتضاء العلم العمل”. يقول فيه: “إني موصيك يا طالب العلم: بإخلاص النية في طلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملًا”.
الأدب قبل العلم
قال سفيان الثوري:
كان الرجلُ إذا أراد أن يكتب الحديث تأدَّب وتعبَّد قبل ذلك بعشرين سنةً.
وقال ابن المبارك: قال لي مخلد بن الحسين: (نحن إلى كثيرٍ من الأدب أحوجُ منا إلى كثيرٍ مِن الحديث). هذه كانت نظرة السلف للأدب، فهو مقدم عندهم على العلم، وقد كانوا يذمون أشد الذم من كان عنده علم فلم يؤدبه. فاحرص على أن تجمع من آداب الإسلام وأخلاقه ما استطعت من خلال سيرة رسول الله ﷺ وسير صحابته وسير السلف الصالح. وفي واقعنا المعاصر، ستجد أمامك “طلاب علم” إن رأيت أخلاقهم لوجدتهم من سفهاء الناس، فالأدبَ الأدب.
الجمع بين فقه الدين وفقه الواقع
ينبغي للمسلم المعاصر عمومًا، ولطالب العلم خصوصًا، أن يكون على دراية بالواقع الذي نعيشه وبما يحتاجه المسلمون في زمنهم هذا؛ حيث تتوالى موجات التشكيك والطعن في أصول الإسلام، وتتعالى أصوات تريد فصل الناس عن دينهم من جذوره، فلا بد لطالب العلم -بعد طلبه للعلم واستيفاء الأهلية لذلك- أن يجتهد في معرفة أصول الأفكار التي تجول في العالم المعاصر.
حماس البداية شرارة اشتعال فقط
حين تريد طبخ شيء ما على موقد الغاز، فإنك لا تستطيع أن تطبخ على نار القداحة أو عود الثقاب، إنما تستعملهما فقط لإشعال النار. يجب عليك أن تتعامل بنفس هذا المبدأ مع الحماس الذي تشعر به في بداية طريقك؛ فهو شرارة لبداية السير فقط وليس وقودًا تعتمد عليه طيلة الطريق، ولستُ أخذّلك بهذا الكلام، ولكني أخبرك بواقع النفس البشرية. ستشعر في بداية طريقك بحماس وطاقة ونشاط، وسيثيرك جمال المنهجيات وكثرة أسماء الكتب والمواد وحسن تصميم الموقع، لكن مع الوقت سيتسلل الفتور والملل إلى نفسك! لكن القرار حينئذٍ سيكون بيدك في أن تطيعها وتعطيها ما تريد، أو في أن ترغمها على إكمال المسير، ولا يتسنى لك ذلك إلا إذا اقتعنت بأن طلب العلم ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة واقعية. فخذ الكتاب بقوة!
نوعا العلوم الشرعية
قسم العلماء العلوم الشرعية لقسمين رئيسيين. وهما:
1- علوم الغاية، وهي العلوم التي تقصد لذاتها مثل علم العقيدة والفقه والحديث.
2- علوم الآلة، وهي العلوم التي تعين على فهم علوم المقاصد مثل النحو وأصول الفقه ومصطلح الحديث.
كيف أبدأ بتعلم العلوم الشرعية؟
لطلب العلم طريقان:
1- التتلمذ على يد المشايخ المعروفين بعلمهم وحسن سيرتهم. وبفضل الله موجودون في كل بلد. والآن في عصرنا الإلكتروني أصبح من السهل أن ترى وتسمع شروحهم عبر شبكة الإنترنت إن لم تستطع ثني ركبتيك عندهم. والأمر يسير الزم المساجد وستجدها تقيم الحلقات والدروس. وسنترك لك في الأخير عددًا من المنصات الشرعية الإلكترونية التي تقوم مقام الأستاذ في هذا العصر، تستطيع أن تشترك فيها وتنتظم على مناهجها وأنت في بيتك.
2- التعلم من الكتب مباشرة، لكن لا ينصح به للمبتدئ؛ لأنه طريق صعب. فيلجأ إليه إذا اضطر ولم يجد من يعلمه. وبالمراجع جواب للشيخ “ابن عثيمين” -رحمه الله- عن سؤال “كيف أطلب العلم؟”.
والآن: من أين أبدأ بطلب العلم الشرعي؟
لتعلم يا باغي العلم أن العلم بلا أدب وحسن الخلق هو علم لا فائدة منه. فإن لم تتهذب بالعلم وتعمل به فهو حجة عليك. ويجب أن تعلم أيضًا حجم التكليف الذي سيكون عليك؛ فالعلم ليس تشريفًا وحسب، فأول خطوة أن تسأل الله المعونة، وتسأله أن يفقهك وييرزقك الحكمة ويحسن خلقك، وأن يكون العلم حجة لك لا حجة عليك. وراجع نيتك كل يوم حتى تخلصها من أي شوائب كبر أو رياء.
ثم إننا نتعلم العلم لنفهم ونعي كلام الله ونبيه حتى نهتدي بهما، فالأولوية لحفظ القرآن؛ ولا يعني أنك يجب أن تحفظه كاملًا ثم تبدأ في طلب العلم، بل تستطيع حفظه وأنت تتعلم فلا تجعل القرآن ثانويًا وهو الأساس. ثم إن حفظه يفتح عليك آفاق التدبر والاستهداء بنوره في ظلمات الحياة وظلمة النفوس. فاشترك في تحفيظ حضوري أو عن بعد أو في حلقات المساجد لتتعلم حفظ القرآن كما أنزل حتى تتقنه.
وهذا مقطع للأولويات من الشيخ المنجد.
وأنا لست بمن يحيل وينصح بماذا تبدأ وكيف، لذلك هذه هي القائمة التي أوصى بها الشيخ المنجد:
ففي العقيدة: تبدأ أولًا بكتاب الأصول الثلاثة، ثم كتاب التوحيد، ثم كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وبعد أن تنتهي من دراسة هذه الكتب وحفظها، انتقل إلى كتاب الآجرومية في النحو، ثم كتاب الأصول من علم الأصول في أصول الفقه ثم كتاب أصول التفسير الكتابان للشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-. ثم انتقل إلى دراسة كتاب الأربعين النووية في الحديث ثم كتاب عمدة الأحكام في الحديث أيضًا.
ثم ابدأ في الفقه ولا بأس بدراسة متن فقهي لأحد المذاهب الفقهية المعتبرة مثل (بداية السالكين – عمدة الفقه – متن أبي شجاع – متن خليل). وليس مقصودنا أن تتعصب لمذهب معين وإنما تكون دراستك دراسة مرتبة مبنية على الأصول المعتبرة، حتى تتقوى في طلب العلم؛ فتتبع الدليل ولا تتعصب لمذهب معين.
وتنبه إلى أن الكتب السابقة لا بد لدراستها من الحفظ والفهم. واحرص على اقتناء أشرطة العلماء الذين شرحوا تلك الكتب كالشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين، وغيرهم. ثم بعد الانتهاء من الفقه خذ كتابًا في التفسير، وابدأ بكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، ثم تفسير ابن كثير.(3)
ولا تنس أن تقرأ في أدب العلم ككتاب آداب الدارس والمدرس، وحلية طالب العلم.
الختام
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69].
يا من تريد رفع الجهل عن نفسك ومعرفة دينك، ويا من تريد الدفاع عن دينك ومساعدة الخلق، يا من تتوق إلى هذا كله؛ إنْ علم الله منك خيرًا يسَّر لك طريقك، واعلم أنه لا شيء سهل بل أنت في هذه الدنيا كلها في جهاد ولكن الله يعين ويجزي الصابرين.
ملحق
سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما الطريقة المثلى التي يمكن بها لطالب العلم دراسة الفقه الإسلامي، وهل من الممكن الاعتماد على الكتب ودراستها دون استشارة وطلب الشرح من الفقهاء والعلماء، أرجو التوضيح مأجورين؟”
فأجاب الشيخ -رحمه الله-:
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. طلب العلم له طريقان؛ الطريق الأول: تلقي العلم من المشايخ، والطريق الثاني: مراجعة الكتب. لكن الطريق الأولى يجب أن يكون الشيخ الذي يتلقى منه العلم شيخًا مأمونًا في علمه، ومأمونًا في دينه في العقيدة وفي العمل؛ لأن بعض المشايخ يدَّعي المشيخة وينصب نفسه معلمًا ومفتيًا، وهو جاهل لا يعرف من العلم إلا الشيء اليسير، فيضل الناس بغير علم؛ لكن إذا كان الرجل معروفًا بالاستقامة والعلم والدين والأمانة وسلامة العقيدة وسلامة الفكر، فهذا يتلقى منه العلم.
وطريق التلقي عن العلماء أسهل من طريق قراءة الكتب؛ لأن العالم كالمجهز للطعام يعطيك الطعام مطبوخًا منتهيًا، فيكون تلقي العلم من طريقه أقصر ولأن العالم إذا تلقيتَ من عنده علَّمَك كيف تتلقى العلم؟ كيف تستنبط الأحكام من الأدلة؟ كيف الترجيح بين أقوال العلماء؟ وما أشبه ذلك.
أما التلقي من الكتب فهذا يصار إليه عند الضرورة، إذا لم يجد الإنسان عالمًا في بلده يثق به علمًا ودينًا وخلقًا وفكرًا، فحينئذٍ ليس له طريق إلا التلقي من الكتب. ولكن التلقي من الكتب طريقٌ طويل يحتاج إلى جهدٍ كبير، ويحتاج إلى تأنٍ، ويحتاج إلى نظر، ويحتاج أيضًا إلى مطالعة كتب الفقهاء عمومًا؛ لأنَّك لو اقتصرت على مطالعة كتب فقهٍ معينة، فربما يكون عند الفقهاء الآخرين من الأدلة ما ليس عند هذا فالطريق طويل؛ ولهذا أطلق بعض الناس أن من كان دليله كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه. ولكن هذا ليس على إطلاقه؛ فإن من العلماء من تلقوا العلم من الكتب، ويسر الله لهم الأمر، وبرعوا في العلم، وصاروا أئمةً فيه.”
المصادر
جزاكم الله خير الجزاء
جزاكم الله خيرا
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته