مراجعة كتاب مستقبل الخوف.. دراسة في واقع الخوف ومستقبله
“مستقبل الخوف” هكذا اختار الأستاذ أحمد دعدوش -الباحث والصحفي المهتم بالقضايا الدينية والفكرية والمشرف على موقع السبيل- عنوان كتابه الجديد الذي شمل تسعة فصول ومقدمة، افتتحها بالإهداء الذي قال فيه: “إلى كل مسلم وصل إليه هذا الكتاب.. أرجوك، اقرأه كأنه كُتب خصّيصًا لك”.
كتاب جاء ما بين اجتياح وباء كورونا للعالم، وتزايد التدهور الاقتصادي، وإعادة ترتيب مواقع القوى، وتوالي تداعيات الثورات والاحتجاجات، وانهيار الأخلاق وفوضوية الإعلام وانتشار التفاهة. ليطرح الإجابات عن: أين موقعنا من هذا العالم؟ وما موقفنا من الفتن؟ وكيف نفكر في “مستقبل الخوف” أثناء بحثنا عن مشاعر الأمان؟
المقدمة
أشار الكاتب في مقدمته إلى أن الكتاب جاء محاولة للنظر في واقع اليوم حيث يتسارع الزمن إلى درجة يصعب معها الإمساك بالحاضر، وإلى ما وصفه بالصدمة الأشد وقعًا في المرحلة الانتقالية بين العقدين الأول والثاني من القرن الميلادي الحادي والعشرين. وآثارها الأكثر عمقًا. وبغض النظر عما طوره عامة الناس من مهارات اللامبالاة لتجاوز تداعيات الصدمة على حياتهم اليومية بحسب الكاتب، فإن الخوف هو السائد حيثما نظرت والغموض هو شعار كل مرحلة جديدة.
ولعل أهم ما جاء في مقدمة الكاتب قوله: “أكتفي بالقول وأنا أضع بين يديك -عزيزي القارئ- خلاصة قراءتي وعصارة أفكاري: أرجو أن تضع كلماتي في موضعها الصحيح، فكتابي هذا ليس دراسة أكاديمية لقراءة التاريخ واستشراف المستقبل، ولا خارطة طريق عملية لإرشادك في مستقبل شعاره الخوف، فأنا لا أملك سوى التفكير والتحليل والتحذير، ولا أنسى التحلّي بروح الأمل وأستأنس بالدعاء والتضرع بين يدي المولى عسى ألا تأسرنا ربقة الخوف”.
الفصل الأول: وباء كورونا.. الخوف المباغت
في فصله الأول؛ ناقش الكاتب حديث الساعة وأكثر موضوع يشغل الأذهان في الوقت الراهن؛ ألا وهو وباء كورونا، وكيف أن الفيروس المستجد لم يحول وجهته نحو الفقراء في الهند وأمريكا الجنوبية إلا بعدما كشف عورات أوروبا وأنهكها سياسيًا واقتصاديًا على نحو غير مسبوق.
واستغرق الكاتب في تفصيل مشاهداته وخلاصاته في هذا الملف من حيث التكيّف والمرونة والجدل الدائر بشأن المؤامرة، وكيف أن جميع نظرياتها المتضاربة – بالرغم من أن الاحتمال وارد للمؤامرة – لا ترقى إلى مستوى الأدلة.
ولم يفت الكاتب الحديث عن الوجه الآخر والمعضلة الأخرى التي تقابل عقلية المؤامرة وهي عقلية اللامؤامرة. كما كشف في هذا الفصل أيضًا عن الوجه الآخر للحضارة الغربية وكيف فضح كورونا هذا الوجه اللاأخلاقي اللاإنساني.
كما تناول الكاتب في فصله الأول حقيقة العولمة والرأسمالية والديمقراطية التي أصبحت كلها على المحك مع انتشار الوباء. وطرح الكاتب الأمثلة والأرقام عن عجز الولايات المتحدة التي فشلت في الاختبارات الثلاثة وهي: أساس جودة الحكم الديمقراطي، وتسهيل تزويد العالم باحتياجاته، وحشد الاستجابة الدولية للأزمات، في وقت قفزت الصين بسرعة لتملأ هذا الفراغ.
وكذلك عرض الكاتب الآراء في مستقبل الرأسمالية وكيف استغل مشاهير الفكر الماركسي فرصة ذهبية للتفشي من الرأسمالية. مستندًا إلى جولة استطلاعية لأهم الأقوال في هذا الشأن. والتي انتهت بأن كورونا دفع المثقفين الغربيين إلى مراجعة عميقة تُنزل الديمقراطية عن عرشها المقدس، وتكاد تلمس ما كنا نتحدث عنه في النظام الإسلامي عن “الحكم الرشيد” و”الشورى”.
كما عرّج الكاتب على تاريخ الأوبئة وواقعها وحقيقة توظيفها، ثم بعد الحديث عن المأزق الحاد لليبرالية والرأسمالية والديمقراطية عاد الكاتب بالنقد إلى الأصل الفلسفي الذي نشأت عنه كل هذه الأنظمة ألا وهو رؤية الحداثة الغربية للإنسان ولعلاقته بالمجتمع والطبيعة ثم موقفهما من الإله.
ناقش الكاتب في هذا القسم أيضًا الخلاصة من تجربة كورونا القاسية، وهل غيرت شيئًا في قلوب الناس والجبابرة، مستشهدًا بالآية 65 من سورة العنكبوت:
(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ).
الفصل الثاني: المدينة الفاضلة بين الخوف والحلم
استهل الكاتب هذا الفصل بذكر قصة وصوله في صيف 2020م إلى مونتريال؛ المدينة الكندية التي وصفها بأيقونة من أيقونات الرأسمالية الحديثة، لخص فيه شعور الخوف الذي عاشه مع المشردين في مدينة تعتبر من أكثر الدول أمانًا في العالم.
وتناول الكاتب في هذا الفصل حقائقًا عن الرأسمالية المتوحشة مشيرًا إلى أن هذه السياسة الاقتصادية لم تقتصر على اقتصادات الدول العظمى بل باتت منهجًا معتمدًا لدى المؤسسات الدولية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، حيث فرضت بدورها هذه السياسة على الدول النامية التي لم تتمكن بعد من بناء اقتصادات وطنية تقوى على دخول السوق ومنافسة العمالقة.
كما لفت الكاتب الانتباه إلى كيف أصبحت الكوارث الطبيعية في النهاية مدخلًا لاستعباد الإنسان أينما كان.
وتحت عنوان جانبي “الماركسية ونهاية التاريخ” ناقش الكاتب أطروحة المفكر الفرنسي الماركسي هنري لوفيفر في كتابه “نهاية التاريخ”؛ الكتاب الفلسفي المعقد، الذي يعيد فيه قراءة سيرورة التاريخ من خلال نظرية الجدلية (الديالكتيك) لدى هيغل وصراع الطبقات لدى ماركس وتراتبية الحضارات لدى نيتشه.
وعلى الرغم من أن نموذج المدينة الفاضلة التي تنبأ بها ماركس تفضي إلى نهاية حتمية للتاريخ، تسود فيها المساومة عندما يملك العمال وسائل الإنتاج، إلا أن التجربة التطبيقية للفكرة انتهت بإحدى أبشع كوارث الدكتاتورية العمياء بحسبما لخص الكاتب. الذي أوضح بعد ذلك كيف انهار نموذج المدينة الفاضلة مع انهيار سور برلين وانحلال الاتحاد السوفيتي، لكنه بقي في كوريا الشمالية التي تصر على أنها المدينة الفاضلة الوحيدة على هذه الأرض.
كما ناقش الكاتب ما وصفه بأحلام الشعراء والفلاسفة مع المدينة الفاضلة، وكيف أن بعض فلاسفة عالمنا الإسلامي لم يتخلفوا عن اقتباس الفكرة ومحاولة أسلمتها، كان أبرزهم الفيلسوف أبو نصر الفارابي الذي وضع في القرن العاشر الميلادي كتابه “آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها”، على نفس الأسس الأفلاطونية، ولكن بنكهة إسلامية.
ثم انتشرت الكثير من الأفكار الجديدة والحالمة في بداية عصر النهضة الأوروبية؛ كفكرة إحياء المدينة الفاضلة، وانتشرت أكثر مع انفتاح الأوروبيين على العالم في عصر الاكتشافات الجغرافية بحسب ما أوضح الكاتب.
وتحت عنوان “النقلة التي عرفها الإنسان من المزارع والغابات إلى الروبوتات”. يفصل الكاتب أكثر في أن الأمر لم يقتصر على التنظير والشعر، إذ حاول بعض الحكام في العصور القديمة تنزيل الحلم على الواقع بسن تشريعات جديدة وإنشاء بنى تحتية متميزة؛ أملًا في بناء المجتمعات النموذجية.
كما تناول في هذا القسم التعاونيات الزراعية كأحد أفضل المحاولات وأكثرها قربًا من أحلام الفلاسفة، وأيضًا ظاهرة “الهيبيز” التي ظهرت بعد انتشار حالة اليأس من الحضارة كلها عقب الحرب العالمية الثانية وتفجير القنبلتين النوويتين على رؤوس العباد في اليابان.
كما تناول الكاتب نماذج المدن الذكية، ثم ضرب مثالًا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمة البناء. ثم تحت عنوان جانبي تحدث الكاتب عن حلم “العولمة الفاضلة” ثم “عولمة الهوية”. وتناول في ذلك النظريات الحالمة التي لا تتعدى حدود الساحة الثقافية النخبوية في الشرق والغرب. لكن هذا الفكر العولمي هو الذي أقيمت على أساسه المنظمات الدولية، وتسعى لنشره حكومات عظمى بشتى الوسائل.
وتناول الفصل الثاني من كتاب “مستقبل الخوف”؛ “العلمنة غطاء للشيطنة” حيث قال الكاتب تحت هذا العنوان الفرعي: “تعد الفلسفة الإنسانوية اليوم وعاءً فكريًا للمشاريع العولمية السابقة، ومحافل الجمعيات السرية -الماسونية وأخواتها- هي العقل المدبر لها، والأمم المتحدة وفروعها هي الحامل والراعي الرسمي لتنفيذها”.
وفي هذا القسم سلط الكاتب الضوء على حقيقة أن شخصًا مؤدلجًا مثل البريطاني هكسلي -عالم بيولوجيا مهووس بنظرية التطور الدارويني- أوكلت له مهمة توحيد ثقافات العالم وهو يؤمن صراحة بفلسفة تأليه الإنسان وازدراء الأديان.
ومن خلاصات الكاتب المهمة في هذا القسم أن ما يحدث الآن حقيقة؛ هو انتزاع سلطة سن القوانين والتشريعات من الوحي ووضعها في يد إبليس عبر وكلائه في الجمعيات السرية، وضرب أمثلة عديدة على ذلك.
وبعد الحديث عن المدينة غير الفاضلة لخص الكاتب دور هوليود؛ معقل اليسار الليبرالي العولمي أو منبر الشيطان كما يراها وكما هي حقيقة، حيث أنها لم تقصر في تناول سيناريوهات نهاية العالم بكافة الأشكال التي تحقق أهدافها.
ومن خلاصات الكاتب في عالم ما بعد الحداثة أنها تسقط الركائز الكبرى للإنسانوية فلم يعد الإنسان صاحب الأفضلية على بقية الكائنات، ولم تعد هناك ثقة بأن طبيعته يغلب عليها الخير، ولم يبق أي مبرر للاعتقاد بوجود “قانون طبيعي” ولا جدوى من التفكير بإمكانية إصلاح الإنسان بالدين أو العلم أو السياسة. وهي عقيدة إلحادية شيطانية.
ثم انتقل الكاتب إلى خلاصة جامعة تحت عنوان “عود على بدء” رجع خلالها الكاتب بعد جولة بين النظريات والأحلام والمشاريع الجريئة والفاشلة لتفاصيل مغامرته في مونتريال مع قصة المشردين. ثم ضرب مقارنة مع أهل سوريا وما يعيشونه من مأساة ليؤكد أنه مع ذلك لا نشاهد المشردين في شوارعها كما نشاهده بكثافة في مونتريال.
الفصل الثالث: صناعة الخوف
كما يظهر من عنوانه يسبر الكاتب في هذا الفصل أغوار صناعة عقلية الخوف، في عالم تحكمه سياسة الدولة السجن، مستندًا في ذلك إلى الحقيقة التاريخية أن “لا شيء يجمع الناس على قلب رجل واحد مثل الخوف”، وهي الحقيقة التي أدركها كل الطغاة والمستبدين والطامحين إلى استعباد الناس على مر العصور ومازالوا ينجحون في استغلالها جيدًا حتى الولايات المتحدة التي ترفع لواء الديمقراطية.
وتحدث الكاتب في هذا الفصل عن تحطيم الإنسان وترويضه، ومفهوم الخنوع أولى من الحب. كما تناول مفهوم الدولة السجن وعناوين فرعية أخرى: “الغرب المتحضر” و”الحروب الأكثر حداثة”، وما يسمى “الحرب على الإرهاب”.
وفي تشخيصه لحال الحروب الحديثة طرح نموذج انتصار طالبان على الولايات المتحدة الأمريكية. وسلط الضوء أيضًا على تكلفة ما يسمى بحرب الولايات المتحدة على الإرهاب في مثل العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان التي قُدّر أنها ستصل إلى 6.4 تريليون دولار في عام 2020م بحسب تقرير سنوي صدر عن جامعة براون في نهاية 2019م.
وخلص في هذا القسم إلى أن الخوف ليس دائمًا نتيجة عدوان خارجي بحت بل قد يتم تضخيمه أحيانًا وربما صناعته في أحيان أخرى. وأصبح الخوف بحسب ما خلص الكاتب الوسيلة التي يحارب بها العدو، لقد أصبح الخوف ضرورة لاستمرار اللعبة أيًا كانت، فالخوف مفتاح السيطرة وصناعته هي حرفة السياسة.
كما سلط الكاتب الضوء على مفهوم الشمولية الليبرالية وكيف يستعمل السياسيون الخوف للنجاح في الانتخابات. وعرض نموذج ماكرون في فرنسا بعدائه الشديد للإسلام، واستغلاله لمشاعر الغضب من الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم وتفاصيل عديدة مهمة عن الواقع الفرنسي أبحر معها الكاتب لسبر أغوار قصة صناعة الخوف في فرنسا.
ليختم الكاتب فصله الثالث من كتابه “مستقبل الخوف” بعنوان جانبي “عندما يخاف الطاغية”. واستشهد فيه بعبد الرحمن الكواكبي وكتابه الشهير “طبائع الاستبداد” الذي أبدى إعجابه الكبير بما حواه من خلاصات متينة نافعة.
الفصل الرابع: تجارة الخوف
تناول الكاتب في الفصل الرابع من كتاب “مستقبل الخوف” حركتي البقائية والتخفف، وكيف استثمر الرأسماليون في تجارة الخوف عندما انفتح شبح الإرهاب في العالم الغربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
وكيف أصبحت قيمة النجاح التي جعلتها الرأسمالية بخلفيتها البروتستانتية والبراغماتية وسيلة للتوحش ومبررًا لكل أشكال الجريمة ولا شيء يدعو للخوف بل يغذي وحش الخوف أكثر من هذا. وختم فصله الرابع بما وصفه “سوق التمرد”. حيث سلط الضوء فيه على حركة “الهيبييز”.
الفصل الخامس: عولمة الخوف
ناقش الكاتب في الفصل الخامس من كتاب “مستقبل الخوف” نظريات سيادة الليبرالية في العالم، وعرج فيه على الأيديولوجية الهرمجدونية التي يعتنقها بوش الابن كسلفه الرئيس الأمريكي الأسبق؛ رونالد ريغان. ثم صراع القوى مع الصين ونظرية صعود الاتحاد الأوروبي والتكتلات الكبرى وتراجع فرانسيس فوكوياما عن نظريته لنهاية التاريخ وسيادة الرأسمالية الأمريكية إلى الأبد.
تناول الكاتب في هذا القسم أيضًا قضايا الدعاية والهوية المعولمة، وكتاب بعنوان “سيارة لكزس وشجرة الزيتون” للصحفي الصهيوني توماس فريدمان. وأشار الكاتب إلى زيارته لثلاث دول إفريقية للسياحة وهي تنزانيا وإثيوبيا وسيشل، حيث عاين بنفسه الحضور الصيني اللافت في هذه الدول.
ليعقبه بعد ذلك قسم بعنوان “من ينتصر النسر أم التنين؟” ناقش فيه الصراع بين أمريكا والصين محذرًا من “وحشية جديدة”؛ وحشية الصين الأخطر.
وتحت عنوان جانبي آخر “النمل بين الأفيال” قدم فيه الكاتب مثالًا على واقع بلدان المسلمين في مشهد الصراع الدولي. وخلص الكاتب إلى أن كافة السيناريوهات سواء اندلاع حرب نووية أو باردة أو عدم اندلاعها كلها تذهب إلى مستقبل مقلق.
الفصل السادس: الخوف من الشيطان
تحدث الكاتب في الفصل السادس من كتاب “مستقبل الخوف” عن قصة آدم وإبليس وتأملاته في الصراع بينهما. وأجاب خلال ذلك على عدة أسئلة وعرض النظريات والأمثلة من التاريخ والحاضر. ولعل من أهم خلاصاته في هذا الباب؛ أن إبليس وبقية الشياطين لم يوفروا أية فرصة لاتخاذ موقع الآلهة التي تعبد؛ أي منافسة لله جل وعلا على الألوهية، وليس الاكتفاء فقط بتضليل بني آدم وصرفهم عن عبادة ربهم والإيمان به وحده. مع تفاوت الطرق والوسائل والمناهج، بتنوع الشياطين أنفسهم وتنوع عابديهم.
كما سلط الضوء في هذا القسم على إصرار الشركات الكبرى العاملة في الصناعة الثقافية والترفيهية على إغراق أطفال العالم كله بقصص السحر والعفاريت. وبيّن فيه تلك العلاقة التي جمعت الجمعية الملكية والماسونية وحقائق مهمة عن الماسونية التي حملت في مرحلتها الذهبية على أجنحة العلم في كل مكان.
ووقف الكاتب بعد ذلك عند عنوان جانبي “مؤامرة أم خيال” والذي يشكل نقطة منهجية أمام تيارين متناقضين يحشدان أدلتهما ووثائقهما. تناول فيه عقليتي المؤامرة المطلقة واللامؤامرة. وقول الإسلام الذي يحسم ذلك.
الفصل السابع: الخوف من الدجال (أو آخر الزمان)
ناقش الكاتب في هذا الفصل حديث الفسطاطين، وما ورد في السنة من أحاديث عن ابن صيّاد والجساسة وليجيب عن سؤال: متى يخرج الدجال؟ مشددًا على خطورة الفتن قبل خروج الدجال والمقدمات التي تسبق خروجه، وعارضًا خلاصاته في هذا الباب.
وختم الكاتب فصله بعنوان جانبي “بين الخوف والأمل” ناقش فيه عقلية التواكل عند المسلمين بانتظار ظهور المخلّص وتقاعسهم عن العمل على استعادة الخلافة أو حتى مقاومة العدو والسعي لامتلاك بعض أسباب القوة.
ووجه الكاتب توصياته ونصائحه في هذا الباب والتي تستند على الحديث والسنة كي يتحرك المسلم للعمل لا لليأس أو التواكل، ومما قاله في ذلك: “إننا أحق بالخوف من كل الأجيال التي سبقتنا منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض، فإبليس لم يبلغ من القوة والسلطة ما بلغه اليوم ولم يكن الدجال قريبًا من الخروج كما هو حاله اليوم”.
ويؤكد الكاتب في نهاية هذا الفصل على حقيقة أن الخوف ضروري للتحريض على العمل والامتناع عن الركون إلى الدنيا. مستشهدًا بالحديث النبوي:
من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.
الفصل الثامن: الخوف من الإسلام
في هذا الفصل انتقل الكاتب إلى نوع مختلف من الخوف؛ هو الخوف من الإسلام، الذي لا يغيب عمن يدرك حقيقة الصراع القائم اليوم، حيث تناول الموضوع بضرب الأمثلة بتناقضات الغرب في التعامل مع شعائر الإسلام وحريات المسلمين الذين يعيشون تحت سلطانه.
ثم سلط الكاتب الضوء على قضية ما وصفه بـ “الاستبدال العظيم”، حيث نقاش المصطلح وتطوره ملتزمًا بالتسلسل التاريخي لظهوره.
ثم انتقل الكاتب إلى باب جديد بعنوان “الإرهاب الأبيض الجديد” وإنشاء جيل كامل من الإرهابيين في الطرف الآخر المعادي للإسلام بعد عشر سنوات حافلة بتغذية وحش الكراهية والخوف من الإسلام. لكن مع ذلك بقي الإرهاب صفة لصيقة بالمسلمين رغم أن حجم الجرائم ارتفع بشكل لافت في الغرب خاصة في أمريكا.
ومن أهم الملفات التي تناولها الكاتب في هذا الفصل؛ ملف دعم الإسلاميين “المعتدلين”، والثورات والربيع العربي. وبعد تمهيد لقضية المهاجرين تناول الكاتب الحديث عن الخوف من المهاجرين. ثم عن الذعر المزيف من “الاستبدال العظيم”، في كل من أوروبا وأمريكا.
وفي نفس الفصل تناول الكاتب ما أسماه “إحياء الاستبدال العظيم” وتناقضات القضاء الغربي وميوعة القوانين التي يفرضها تيار العولمة الليبرالي مستشهدًا بحادثة نيوزيلندا ومجزرة المسجدين في منتصف مارس 2019م.
ملف آخر مهم تناوله الكاتب في هذا الفصل تحت عنوان “الإسلاموفوبيا على الطريقة الهندوسية” ناقش فيه المصطلح ثم تاريخ اضطهاد المسلمين في الهند، وأحاط الكاتب في هذا القسم بأشهر مآسي الأقليات المسلمة المضطهدة في العالم في هذا الزمان وهي الروهينجا والايغور والمسلمين في الهند والمسلمين في الغرب. وطرح الكاتب بعد هذا السفر المليء بالتفاصيل المهمة والمؤلمة، التساؤل: خوف على المسلمين أم منهم؟ واستشهد فيه بقصص واقعية عن “الذعر من النموذج الإسلامي”.
ومن النقاط المهمة التي أشار لها الكاتب في هذا القسم؛ أنه ليس فقط الحكام الذين يتحركون بعقلية المصالح والصراع الاستراتيجي، بل حتى الحقوقيون، وخلف ذلك سر الليبرالية العولمية التي هي عقيدة أشد أصولية من الإسلام وكل الأديان الأخرى.
وختم الكاتب فصله هذا بفقرة عنوانها: أليس منكم رجل رشيد؟
أكد فيها على أن المسلمين يتشاطرون مسؤولية ضعفهم وانشقاق صفوفهم إذ لا تكاد تجد جالية مسلمة في أي بلد غربي قادرة على حل مشاكلها بنفسها فضلًا عن أن تقدم صورة مشرقة للإسلام الذي ينبغي أن تحمل رسالته.
الفصل التاسع: الخوف من الموت وما بعده
“سبحان من قهر عباده بالموت” بهذه العبارة استهل الكاتب فصله التاسع من كتابه “مستقبل الخوف”، ليدخل في مناقشة سؤالين:
- الأول: من يتحدى الموت؟
- الثاني: ماذا أعددت لها؟
وبطريقته العلمية بطرح الأمثلة والمفارقات ومناقشة الأقوال الغربية وتناقضاتها والاستشهاد بشواهد الإسلام ختم الكاتب فصله الأخير بعنوان جانبي: “كجناحي طائر”، عرض فيه خلاصة الفقهاء بضرورة التوازن حتى يكون الخوف والرجاء جناحي طائر فهما متوازيان متساويان، مؤكدًا على أن الخوف من الله يجرد المسلم من مخاوفه الأخرى، فهو وجه من وجوه التوحيد وسلامة القلب وصفاء العقيدة.
ختم الكاتب أحمد دعدوش فصول كتابه “مستقبل الخوف” بعدد من التوصيات والنصائح عرضها في هذا الفصل. وأخيرًا قبل الوداع، عرفت فالزم.
خلاصة المراجعة
لقد تميّز كتاب “مستقبل الخوف” الذي عرض فيه الأستاذ أحمد خلاصاته في نحو 370 صفحة بذلك الربط الجميل السلس بين يوميات الكاتب والأفكار التي تشغله لبناء هذا التأليف، فيجعلك تعيشها بشكل واقعيّ وتدرك حقيقة أن خلاصاته لا تنفك تستند إلى حقائق من الواقع الذي نعيشه جميعًا.
ثم ذلك السرد التاريخي المهم جدًّا لفهم الواقع واستيعاب أحداثه ومتغيراته، ومناقشة الأقوال والآراء والنظريات بحسب مصادرها المختلفة بإحاطة واسعة بخلفيات أصحابها وتفاصيل ظهورها وقصورها، فضلًا عن غزارة الاستشهاد التي تكشف قوة الرصد والاستطلاع التي يمتلكها الكاتب لدراسة الساحة الإعلامية وللإحاطة بمكونات مشاهد الصراع المختلفة بما في ذلك النظريات، والمؤلفات، والأفلام، والوثائقيات.
وهذا ما سهّل مهمته في إجراء مقارنات وافية وضرب الأمثلة الواقعية وتحديد المفارقات والحقائق المهمة على طول امتداد الزمن، والتي لا تخلو من آرائه وقراءاته الشخصية وشهادته على العصر، دون تعصّب أو تغييب لبقية المعطيات وإن خالفتها.
كما كان لافتًا ذلك الربط التحليلي بين مفاهيم الخوف في مختلف البيئات والأزمنة والظروف والحيثيات، والذي يستند في نفس الوقت إلى خلفية إسلامية عقدية راسخة تجلت بوضوح في خاتمة الكتاب وفصوله الأخيرة.
كتاب “مستقبل الخوف” إضافة زاخرة للمكتبة العربية والإسلامية، تجمع العديد من المحاور التاريخية والسياسية والعقدية والاقتصادية والثقافية والتربوية والدعوية وحتى العسكرية، انتهت بطرح ماتع لصناعة الوعي، أنصح بقراءته والاستفادة منه.
جزى الله كاتبه خير الجزاء ونفع بجهوده وإضافاته المميّزة في مجال البحث في القضايا المصيرية لنهضة الأمة المسلمة.
من مقال على TRT العربية بعنوان: طالبان ومستقبل “الجهادية العالمية” بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
7/يوليو/2021
“وعندما وقّعت واشنطن اتفاقاً تاريخياً مع حركة طالبان في الدوحة في 29 شباط/فبراير 2020، كان أحد أهم بنود الاتفاق عدم سماح طالبان لأي من أعضائها أو أفراد أو مجموعات أخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة استخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وأمن حلفائها،”
“في هذا السياق فإن حركة طالبان تعتبر تنظيم الدولة خصمها الأكبر لكونه نازعها قيادة الجهاد العالمي، وقد تعاملت مع ولاية خراسان التابعة للتنظيم في أفغانستان بحزم وعنف، حيث وجهت طالبان ضربة قاسية للمنشقين عن الحركة منذ أواخر 2015 وقتلوا زعيم التمرد عثمان غازي ومئة من مناصريه في قاعدة في مقاطعة زابول.”
____________
أنظر أيضا: سيطرت طالبان علي أفغانستان
بعدما سيطرت أمريكا علي طالبان
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=364628905037950&id=100044725303659
كتاب مستقبل الخوف يتفق مع بعض ما جاء في الكتاب والسنة النبوية الشريفة ويحضرني في هذا الممجال الحديث النبوي الشريف ( تركت فيكم ما ان تمسكم بهما لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وسنتي فعضوا عليهما بالنواجذ وفي هذا الحديث هندسة ميكانيكة .