الصوفية بين الرشد والضلال ومآلات التوظيف السياسي

أسماءٌ رنّانة تُلوّح في الأفق بطريقةٍ ما تم إيصالها لمناصب عُليا، ورمٌ هدأ منذ فترة وعاد للثورانِ الآن، دعمٌ حكومي وأجنبي وإفساح للطريق لا يخفى على أحد، تحت اسم الإسلام المعتدل تتربع “الصوفية” فوق عرش الطموح السلطويّ لضربِ كل محاولات البعث القائمة، في السطورِ القادمة سننظر بالعقل والدين والتاريخ إلى الصوفية، كيف نشأت الفكرة وما حقيقتها وما علاقتها بتاريخ المقاومة.

النشأة

كان العلم في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتلةً واحدة، لكن بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- نشأت العلومُ تترا “الحديث والتفسير وعلوم القرآن وغيرها” وكل علمٍ يختصُّ بجانبٍ من جوانب الإسلام وله رجاله وأهل ذكره يُرجعُ إليهم في أيّ ثغرٍ فيه، ومن هذه العلوم الناشئة علمُ التربية وهو علمٌ راشد أسسه السلف الصالح وأسموه “علم التصوف” وفيه كيفيةُ استخلاص الطرق لإصلاح وتنقية وتهذيب النفوس، وهو في الأصل قائمٌ على السننِ في مخاطبة القلوب بـ “القرآن، الزهد، زيارة القبور، الصدقة، الصلاة، الخلوة… وغير ذلك من الأمور” فهو في الأصل قائمٌ على رشدٍ وهدي، والحقيقةُ الصوفية حقيقةٌ نقيةٌ طاهرة، أصلٌ من أصول هذا الدين العظيم، أمّا ما عليه الطرق الصوفية الآن ضلالٌ عظيم.

الحديث عن الصوفية ضروريٌّ جدًا، فعلى كل من يرغب في تزكية نفسه أن يعرف المدارس التي تدور حول هذا الأمر، ولكيلا يجد نفسه ضالاً عند التطبيق لابد له أن يعلم الصواب من الخطأ في هذه المدارس، ولهذا نحن نخشى على كل قارئٍ في الصوفية أن يضل عند التطبيق فنسبة كبيرة ممن حاولوا تطبيق الصوفية فهموا حقيقتها فهمًا خاطئًا فطبقوها تطبيقًا ضالًا ووقعوا في ضلالاتٍ كثيرة سيأتي الحديث عنها.

نشأة الطرق الصوفية الضالة

نشأت بأشخاص لم يُسندوا الأمور إلى أهل العلم ولم يكتفوا بأقوالهم وبدأوا يؤولون النصوص عن حقيقتها، واهمين أنفسهم أنهم أهل علم، وبدأوا بتأسيس الطرق الصوفية الضالة -الحقيقة الصوفية بريئة منها كل البراءة- أفكارها وعقائدها غير الذي جاء به السلف الصالح وهؤلاء قال الله تعالى فيهم: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ).

فأتى الانحراف من أن الشخص القائم بالتربية أعطى لنفسه قدسية أمام أتباعه كالذي قال يومًا لتابعٍ له “يا بني هناك من إذا أراد أن يحج ذهب إلى الكعبة أما أنا إذا أردت أن أحج أتت الكعبة إليّ” وهذا كله ناشئٌ عن ابتداعٍ في الدين وقد قال الحبيب -صلى الله عليه وسلم-:

من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ.

بل إن منهم من يقع في ممارساتٍ توقعه في الشرك بالله عز وجل. كل طريقة تنشأ من مجموعة من الأشخاص يختارون لهم شيخًا يسلك بهم طريقة خاصة في العبادة بزعم تصفية قلوبهم حتى يصلوا لمعرفة الله عز وجل ولكنّ الأمر لا يسيرُ كما هو في ظاهره -زهدٌ ونقاء قلوب- ولكن يأتي بعد ذلك انحرافاتٌ عقديةٌ كثيرة سيأتي الحديث عنها فيما بعد.

علاقة الصوفية بالأنظمة الحاكمة

يمكن لنا اختصار علاقة الصوفية بالأنظمة الحاكمة في عبارة “الصوفية بنت كل نظام” ولو حاولنا حصر المواقف المخذلة التي لطالما اتخذتها الصوفية مع الأنظمة فلن تكفينا مجلدات، ولكننا سنكتفي بذكر مثالين فقط:

الاحتلال الإيطالي لليبيا

كان هناك رجل فرنسي ادعى الإسلام وجاور الأضرحة حتى صار كبيرها ولما جاء الصوفيون لأخذ المشورة من ميتهم في الضريح قال لهم الفرنسي أنه استشار الشيخ ويقول لهم أن الفرنسيين قضاء وقدر ويجب صدّ الناس عن الجهاد واحتلت فرنسا تونس وصار هذا نهج الصوفيين في ليبيا بعد ذلك -حملوا أحذية المحتلين فوق رؤوسهم- باستثناء الطريقة السنوسية وعلى رأسها المجاهد البطل عمر المختار وسيأتي الحديث عنها لاحقًا.

كان القذافي مقربًا جدًا من الصوفية واستخدمهم في الكثير من المواقف السياسية وأول شيء فعله قام بحظر الطريقة السنوسية واشترى باقي الطرق بالمال وصاروا أتباعه، ويظهر ذلك جليًا في الثورة الليبية حيث خرج الصوفيون في تظاهرات مؤيدة للقذافي واصفينه بالزعيم الثائر المسلم، وهذا محمد أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية ورئيس الإتحاد العالمي للطرق الصوفية ورأيه في القذافي وفي الشيعة:

صوفية الشيشان نموذجًا للصوفية في الحكم

تبنى الرئيس الروسي بوتين دعم الصوفية في الشيشان لمواجهة مسلحيها الإسلاميين، بل وعين واحدًا من المنتمين للطريقة الصوفية القادرية رئيسًا للشيشان وهو رمضان قديروف وهو أحد أقوى حلفاء الكرملين في القوقاز الآن والذي يستخدم علاقته بالطرق الصوفية لتعزيز سياسات الانفتاح على روسيا ونبذ دعاوى التطرف والاستقلال.

وهذا رأيه عن الربيع العربي:

ما ذكرت هنا ليس إلا بضع أمثلة فقط وقِس على ذلك، كما أن ترك الجهاد وعدم رد الصائل والانصياع لكل نظام وكل احتلال عقيدةٌ قديمة عند الطرق الصوفية، بل وفي أغلب الأحداث تقف الصوفية في وجه كل من يحاول مقاومة هذا النظام أو الاحتلال طمعًا في بعض الذهب والمنصب تارة وبُغضًا وحقدًا دفينًا تارةً أخرى.

علاقة الصوفية بتاريخ المقاومة

الحديث الآن عن وجهان متناقضان تماماً للصوفية؛ وجهٌ أخذ من الصوفية حقيقتها وترك كُل البدع، وعلى النقيض وجهٌ حمل من الصوفيةِ الاسم لا غير وكان بكل ما تحمله الكلمة “خائنًا للأمة” وهو يتمثل في غالبية الطرق الآن إن لم يكن كلّ الطرق.

الطريقة السنوسية

قاد شيخ المجاهدين أسد الصحراء عمر المختار في ليبيا مواجهة الاحتلال الإيطالي والذي حارب الإيطاليين وهو يبلغ من العمر 53 عامًا لأكثر من عشرين عامًا في عدد كبير من المعارك، إلى أن قُبض عليه من قِبل الجنود الطليان، وأجريت له محاكمة صوريّة انتهت بإصدار حكم بإعدامه شنقًا، فنُفذت فيه العقوبة على الرغم من أنه كان كبيرًا عليلًا، فقد بلغ حينها 73 عامًا وعانى من الحمّى، وكان الهدف من إعدام عمر المُختار إضعاف الروح المعنويَّة للمقاومين الليبيين والقضاء على الحركات المناهضة للحكم الإيطالي، لكن النتيجة جاءت عكسيَّة، فقد ارتفعت حدَّة الثورات، وانتهى الأمر بأن طُرد الطليان من البلاد.

الطريقة النقشبندية

بعد سقوط الخلافة عام 1924، كان هذا الحدث مُروّعًا وكارثيًا، ليس لغياب رمز الخلافة التي كانت تجمع المسلمين وإنما لغياب من ينادي بإسلامية قضايا المسلمين ولم يعد يُسمع إلا أصوات العلمانيين والقوميين فقط، ليس في تركيا وإنما في كل بلاد المسلمين بلا استثناء، ومن هنا ثارت عواطف الشعب التركي عام 1925 وقامت ثورة ضد الانقلاب على دولة الخلافة بقيادة “الشيخ سعيد بيران” انتصارًا للدين وحماية له، وبقيت الثورة تسعة أشهر وقد قوبلت بقسوة شديدة وانتهت بالقبض على الشيخ سعيد وحكم على كل من شارك في الثورة إما بالنفي أو الشنق وقد أُعدم ستة وأربعون من قادة الثورة وكان على رأسهم الشيخ سعيد بيران زعيم الثورة وشيخ الطريقة النقشبندية.

ولابد هنا من التعقيب على هاتين الطريقتين فهما يختلفان كل الاختلاف عن الطرق الموجودة الآن، فالطريقة السنوسية مؤسسها محَمّد بن علي السنوسي الذي تأثر بالدعوة الوهابية والذي أخذ من الصوفية حقيقتها، كما أنه استنكر كل البدع الشركية التي تفعلها أكثر الطرق الصوفية الآن وكذلك الطريقة النقشبندية في تركيا التي هبّت لنصرة الدين عندما استدعى الأمر، وقامت الثورة بقيادة شيخها على خلاف كل الطرق الصوفية التي وقفت موقفًا مخذّلاً مع الطواغيت والاحتلال.

أمثلة عن عرقلة الصوفية لحركات الجهاد في العالم

الصوفية

أما عن أغلب الطرق الصوفية فكما أنهم خاتمٌ في أيدي الأنظمة الحاكمة فهم خِنجرٌ مسموم في ظهر المجاهدين والمقاومين وفي ظهر الإسلام وما خبرُ صوفيّو ليبيا مع الإيطاليين -باستثناء الطريقة السنوسية -عنا ببعيد.

في الجزائر

لقد تعاون الصوفيون مع الإحتلال الفرنسي في الجزائر ضد حركة الجهاد القائمة من قبل محمد بن عبد الكريم الخطابي وكانوا يحرضون الشعوب ضده قائلين أن فرنسا هزمت دولة من أعظم دول أوروبا قوة، ألا يهب الله النصر لمن يريد، باعثين روح اليأس في الشعب وحاثّينه على الاستسلام للمحتلين ومن أبرز هؤلاء الخونة الشيخ تيجاني محمد الكبير بن بشير وهو قائد الحملة ضد القائد المجاهد الخطابي.

في الهند

بعد قيام ثورة 1857م التي استثارها المسلمون ضد الإنجليز والتي قُتل فيها العديد من علماء المسلمين قام أحمد رضا مؤسس الطريقة “البريلوية” بكتابة رسالة مستقلة بعنوان “إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام” ادعى فيها أن الهند دار سلام وليست دار حرب، ودعا فيها صراحة لترك جهاد الإنجليز، ومما جاء فيها قوله “إنه لا جهاد علينا مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم ومن يقول بوجوبه فهو مخالف للمسلمين ويريد إضرارهم”.

لذلك يمكننا القول أن علاقة الطرق الصوفية بالمقاومة الإسلامية علاقةٌ معادية، لطالما كانت حائط صدٍ في طريق محاولات البعث الإسلاميّ بتضليل الأفكار تارة وبالمحاربة المباشرة تارةً أخرى، وهذا لا يتعارض مع ما ذكرنا في حق الطريقتين السنوسية والنقشبندية فهما لم يأخذا من الصوفية ابتداعها في الدين وتركها لركن الجهاد وإنما أخذا منها حقيقتها.

كيف يستخدم الغرب الصوفية لضرب المقاومة الإسلامية؟

الصوفية

يقول ستيفن شوارتز -من منظّري تيار المحافظين الجدد بالولايات المتحدة الأمريكية- في كتابه “وجها الإسلام”: “على الأمريكيين أن يتعلموا المزيد عن الصوفية وأن يتعاملوا مع شيوخها ومريديها وأن يتعرفوا على ميولها الأساسية، يجب على أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي في المدن الإسلامية من برشتينا في كوسوفو إلى كشغار في غرب الصين ومن فاس في المغرب إلى عاصمة إندونيسيا جاكرتا أن يضعوا الصوفيين المحليين على قائمة زياراتهم الدورية، يجب أن ينتهز الطلاب الأمريكيون ورجال الأعمال وعمال الإغاثة والسائحون فرص التعرف علي الصوفيين، الأهم من ذلك أن أي شخص داخل أو خارج الحكومة يشغل منصبًا يسمح له بالتأثير على مناقشة ورسم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط يمكنه أن يستفيد من هذا التقليد الفطري من التسامح الإسلامي الصوفي”.

ويقول القبطان أدينو: “إن مشايخ الطرق بهم نهم إلى المال، وتعطش إلى السلطة، وهم يدركون أن معارضتهم لسلطات الحماية ستحرمهم من الاثنين، وهم يعرفون كيف يبررون موقفهم أمام هؤلاء الأتباع”.

ويقول أيضًا في كتابه “محور السياستين” في فصل بعنوان: “الدور السياسي للطرق الصوفية والزوايا في مراكش”(ص33): قال الشيخ تيجاني محمد الكبير بن البشير (حاضًا للإخوان على الانحياز إلى جانب الدولة المسيحية ضد بني وطنهم المسلمين): “الفرنسيون يكافئون من يقدم لهم خدمات.. ولقد هزمت فرنسا منذ عهد قريب (يقصد حرب 1914-1919) دولة من أعظم دول أوربا قوة، ألا يهب الله العلي النصر من يريد لهم النصر”.

ويقول أندري جوليان وهو صحفي ومؤرخ فرنسي:

لقد عرفت الحكومة الفرنسية كيف تجمع حول لوائها مشيخات الطرق الصوفية، بتقديم العون المالي لها وحمايتها.

وجاء في كتاب “العالم الإسلامي بعد الحادي عشر من سبتمبر” عند الحديث عن الصوفية: “يشكلون غالبية المسلمين اليوم وهم محافظون على معتقداتهم الإسلامية وتقاليدهم المحلية. غير متشددين، يعظمون قبور القديسين ويؤدون عندها الصلوات، يؤمنون بالأرواح والمعجزات ويستخدمون التعاويذ، ومجموعة الاعتقادات هذه أزالت تمامًا التعصب والشدة الوهابية وأصبح الكثير من التقليديين يشابهون الصوفية في السمات والاعتقادات، لا يرون تضاربًا بين معتقداتهم الدينية وولائهم لدولهم العلمانية وقوانينها”.

تقرير راند

الصوفية

برز إنتاج مركز راند للدراسات -وهو مركز أمريكي تابع للقوات الجوية الأمريكية- في مقدمة جهود التنظير للتعامل الغربي -الأمريكي- مع الحركات الإسلامية، وبعد هجمات سبتمبر (2001م)، أصدر المركز عددًا من الدراسات أبرزها تقرير “الإسلام المدني الديمقراطي” لمؤلفته شيريل بينارد عام (2004م)، وتقرير “بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي” عام (2007م)، وشارك في تأليفه كلٌ من: أنجيل رابسا، وشيريل بينارد، ولويل شوارتز وبيتر سكيل.

تميز التقريران الأخيران بإعطاء الطرق الصوفية مساحة متزايدة من الأهمية باعتبارها أحد البدائل المتاحة أمام المخطط الأمريكي لإزاحة التيارات الإسلامية وإحلال الصوفية محلَها، إلا أن طريقة تناول كلاً من التقريرين للطرق الصوفية جاءت مختلفة. فالتقرير الأول “الإسلام المدني الديمقراطي” أفرد مساحة أوسع للحديث عن الصوفية، وقد صنفها ضمن ما وصفه بـ”الإسلام التقليدي المعتدل” معتبرًا أن هذا التيار هو الأكثر شعبية وأغلبية في العالم الإسلامي، وأهم مزية لهذا التيار -حسب التقرير- أنه يرفض نموذج الإسلام الذي يقدمه السلفيون والتيارات المتشددة.

أما التقرير الثاني، فقد احتفظ للصوفية بأهميتها الاستراتيجية في التخطيط الأمريكي، وأسبغ سمات الصوفية على نموذج “المسلم المعتدل”، وقدم التقرير تعريفًا للمعتدلين بأنهم: “من يقومون بتقديس أئمتهم أو شيوخهم ويأخذون بالإسلام التقليدي دون التفسير الدقيق وغير الوسيط للقرآن والحديث يعني أنهم يفتقرون إلى واسطة دومًا ويصلّون في القبور ويقدمون نذورهم ويؤدون الكثير من الأمور التي يمقتها الوهابيون”.

عقول وقلوب ودولارات

في مجلة “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” الأمريكية نُشر مقال بعنوان “عقول وقلوب ودولارات” عام 2005م، يقول التقرير في إحدى فقراته: “يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحدًا من أفضل الأسلحة، وبينما لا يستطيع الرسميون الأمريكيون أن يُقرّوا الصوفية علنًا بسبب فصل الدين عن الدولة في الدستور الأمريكي، فإنهم يدفعون علنًا باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركة الصوفية، ومن بين البنود المقترحة هنا: استخدام المعونة الأمريكية لترميم المزارات الصوفية في الخارج والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها”.

وفي هذا الفيديو دليلٌ قاطع على العلاقة الوطيدة التي بين الغرب والصوفية على لسان الشيخ محمد المنتصر الأزيرق أحد قادة الصوفية بالسودان: “لقد أبدى الغربُ كلَّ الرضا عن الطرق الصوفية المُبتدعة، داعمين إياها بشتّى الطرق، باعثين إليها بأموالٍ طائلة في سبيل صدّ الناس عن دين الله الحق بإيجاد بديل له يُحركونه كيفما شاءوا وحيثما شاءوا ومتى شاءوا.”

(وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).

مؤتمر غروزني

الصوفية

وبعد أن عَلِمنا ولاء الرئيس الشيشاني رمضان قديروف -الصوفي- للرئيس الروسي بوتين -الذي تُحلق طائراته في سماء سوريا الحبيبة موقعةً فيها دمارًا شاملًا- أردنا أن نُسلّط الضوء على منعطفٍ ليس باليسير وخُطوةٍ جريئةٍ من الغرب بواسطة قديروف للتمكين للصوفية ولتثبيت أركانها في أمّة الإسلام، وهي عقد مؤتمر غروزني في دولة الشيشان تحت رعاية رئيسها قديروف يوم 25 أغسطس 2016م، تحت عنوان من هم أهل السنّة والجماعة، والمثير في الأمر أن المؤتمر كان معنيًا بنفي الإدراج تحت أهل السنة والجماعة عن بعض الفئات أكثر منه إثباتًا لهذا الإدراج لفئاتٍ أخرى.

حضر المؤتمر طائفة كبيرة من علماء السلطان ويكفي أن الراعي للمؤتمر هو رمضان قديروف نجل بوتين المدلل، كانت إحدى مخرجات المؤتمر أن الوهابيين والسلفيين والإخوان ليسوا من أهل السنة والجماعة وإنما يقتصر أهل السنة والجماعة على الصوفيين والأشاعرة والماتريدية وبعض علماء الحديث والأئمة الأربعة، وقد كان واضحًا جدًا أن هذا التحديد كان مدفوعًا بأجندات ومصالح سياسية أكثر مما هو محكوم بنوازع دينية وعلمية فلم يكن الغرض من المؤتمر إحياء جذوة العلوم الإسلامية ولا خدمة الإسلام ولكن كان بهدف منازعة دول وتيارات إسلامية وسياسية في المنطقة تناصب حكومات الطواغيت العداء، فقد أُريد لهذا المؤتمر أن يُلبس تلك القضايا السياسية لِباسًا دينيًا فقهيًا زائفًا.

فعند تلك النقطة تقاطعت أجندات الروس والإماراتيين في إخراج السلفيين والوهابيين والإخوان من دائرة أهل السنّة والجماعة وعلى الجانب الآخر تلميع الصوفية وإلباسها لباس الوسطية ولاعتدال والتغاضي عن كل الضلالات العقدية، حيث كانت إحدى أهم مخرجات أو توصيات المؤتمر أن يتم توجيه النصح للحكومات بضرورة دعم المؤسسات الدينية والمحاضن القائمة على المنهج الوسطي المعتدل -يُقصد بها الصوفية-، والتي أسلفنا وذكرنا مفاسدها وضلالاتها وخطورتها على الأمّة وتخاذلها وانصياعها للطواغيت والاحتلالات بل وصدّ الناس عن الجهاد والمقاومة والسعي للتحرر.

رموز الصوفية

فلنقل أن للصوفية عصران.. عصر رشدٍ وعصر ضلال.

أما عن عصر الرشد فمن رموز الصوفية فيه كل الصحابة تقريبًا فقد كانوا عُبّادًا زُهّادًا -لكن في عهد الصحابة لم تكن هناك تسميات للعلوم-، والإمام بن القيم وشيخه الإمام بن تيميّة والإمام أبو حامد الغزالي مؤلف الكتاب العظيم إحياء علوم الدين فهؤلاء قد أخذوا من الصوفية حقيقتها التي هي أصل من أصول الدين والتي أخذوها من السنة النبوية المطهرة وتركوا كل الأهواء والبدع.

وأما عن عصر التيه والضلال فهو الذي يمتد حتى هذه اللحظة ومن رموزه ابن عربي الذي يعتقد بوحدة الوجود ويعبر عن ذلك فيقول “فيحمدُني وأحمَده ويعبُدُني وأعبُدُه” -تعالى الله عما يقول علوًا كبيرًا- ويقول عن كتابه الفتوحات المكية أنه توقيفي أي أنه مثل القرآن. ومنهم أحمد التيجاني والحلاج ومحمد التيجاني الذي يدّعي أن من رآه ورأى من رآه.. إلى خمسة، لم تمسه النار.

عقائد الصوفية

الصوفية

فساد العقيدة عند الطرق الصوفية لا يكمُن في تواطئهم وتعاونهم مع الطواغيت والاحتلال ولا في حربهم ضد كل محاولات البعث فقط، فلو نظرنا في عقائد الصوفية لوجدناها مليئة بالبدع والشرك والضلالات.

إن عقائد الصوفية وأفكارهم تتشابه وتتعدد بتعدد طرقهم ومدارسهم ويمكن ذكر بعضها إجمالًا في الآتي:

– يعتقد الصوفية في الله تعالى عقائد شتى منها الحلول -الذي معناه أن الله تعالى يحل في بعض مخلوقاته ويتجسد فيهم- وهو مذهب الحلاج ومنها وحدة الوجود حيث لا فرق بين الخالق والمخلوق وهو مذهب ابن عربي.

– وكذلك يتنوعون في اعتقادهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمنهم من يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم، وأنه كان جاهلًا بعلوم رجال التصوف كما قال البسطامي “خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله”، ومنهم من يعتقد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو قبة الكون، وهو الله المستوي على العرش وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خُلقت من نوره، وأنه أول موجود وهذه عقيدة ابن عربي ومن تبعه.

– وفي الأولياء يعتقد الصوفية عقائد شتى، فمنهم من يفضِّل الولي على النبي، ومنهم يجعلون الولي مساويًا لله في بعض صفاته، فهو يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويتصرف في الكون، ومنهم من يعتقد في الولاة أنهم بشر ومع ذلك يتخذونهم وسائط بينهم وبين الله عز وجل، ولسان حالهم يقول: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ)، كما أن بعضهم يُسقطون التكاليف عن الولي فلا يُصلي ولا يصوم ولا يحج.

– سلك بعضهم طريق تحضير الأرواح معتقدًا بأن ذلك من التصوف، كما سلك آخرون طريق الشعوذة والدجل، وقد اهتموا ببناء الأضرحة وقبور الأولياء وإنارتها وزيارتها والتمسح بها، وكل ذلك من البدع الشركية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

المصادر

عماد عبد المعين

أدرس بكلية الطب، مدون مهتم بقضايا المسلمين بوجه عام وبالحركات الإسلامية بوجه خاص

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى