الخطابي أسطورة المغرب وأعظم أساتذة العسكريين في حروب العصابات
الاستعمار يموت بتحطيم أسواقه الاقتصادية، ويدفن بسلاح المجاهدين
كانت هذه هي رؤية الأمير محمد عبد الكريم الخطابي لدحر الاحتلال من بلادنا، الأمير محمد ابن المغرب العربي الذي لطالما أخرج لنا المجاهدين حاملين راية الدين، فمنها خرج طارق بن زياد، ومجاهدو دولة “المرابطين” إلى الأندلس.
و الآن نحاول أن نلقي الضوء على حياة البطل الذي أرعب الاحتلال.
المولد والنشأة:
في بلدة أغدير في الريف المغربي شمال شرق البلاد عام 1301 هـ الموافق 1883مـ ولد بطلنا الخطابي، درس القرآن واللغة العربية وأرسله والده إلى جامعة “القرويين” في مدينة “فاس” ليتعلم هناك الحديث والفقه الإسلامي، و ماهي إلا سنوات
و عين قاضى قضاه و عمره لم يتجاوز الثلاثون .
مؤتمر الجزيرة الخضراء:
أدرك المستعمر خطر المغرب العربي الذي أعز الإسلام، مصنع الرجال الذين فتحوا الأندلس وأوروبا، فتم عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء عام 1906، بمشاركة اثنتي عشر دولة. ولأول مرة في التاريخ يظهر ضمن الاتفاقيات الدولية اسم أمريكا، لتكسر بذلك أمريكا مبدأ قطعته على نفسها بعدم التدخل الأمريكي في السياسات الدولية، هذا المبدأ أسمته بمبدأ مونرو.
تجمعت تلك الدولة الإمبريالية حتى تكسر شوكة المغرب وتقسم أرضه لترتاح من كابوس الجهاد الإسلامي هناك.
وخرج المؤتمر بقرار تقسيم بلاد المغرب الإسلامي؛ فلم تكتفِ تلك الدول بتقسيم مملكة المغرب الإسلامي فحسب، بل قسمتها بطريقة خبيثة عجيبة لم تعرفها شعوب الأرض من قبل، بحيث تضمن تفككها بشكل نهائي.
شكل التقسيم:
نحن في عصر يضيع فيه الحق إذا لم تسنده قوة.
– فرنسا القسم الجنوبي من مملكة المغرب، لتنفصل فيما بعد موريتانيا عن مملكة المغرب الكبرى.
– إسبانيا القسم الذي يليه في الشمال وأسمته الصحراء الغربية.
– ثم مرة أخرى فرنسا إلى الشمال من الصحراء وهي منطقة وسط المغرب الحالي.
– ثم إسبانيا إلى الشمال أيضًا في الساحل الشمالي للمغرب وهي منطقة الريف المغربي.
– ألمانيا وبريطانيا احتلوا بعض المدن الباقية.
وبعد هذا التدخل و الاعتداء المجرم من قبل قوات الاحتلال ظهر الدور العظيم للشيخ عبدالكريم الخطابي وابنه محمد، فقاموا بتأليف قلوب القبائل المتناحرة وتجميعهم تحت راية الإسلام ، كما قاموا بمراسلة الخليفة العثماني لدحر الاحتلال.
الخطابي مخترع حرب العصابات:
كان رحمه الله أول من أبتكر حروب العصابات التي يطبقها ثوار العالم حتى اليوم، ولم يكتفِ بهذا الابتكار بل اخترع نظام حفر الخنادق الممتدة تحت الأرض حتى ثكنات العدو، ذلك النظام الذي اعترف الزعيم الفيتنامي “هوشيمنه” انه اقتبسه من الأمير الخطابي في قتال الفيتناميين للأمريكيين بعد ذلك بسنوات.
وأصبح الإسبان يتلقون الهزيمة تلو الهزيمة فقام ملك إسبانيا بإرسال جيشٍ كاملٍ من مدريد تحت قيادة صديقه الجنرال سلفستري، فكانت معركة أنوال.
معركة أنوال:
التقى الجيشين وكان قوام جيش المجاهدين الذي يرأسه الخطابي ثلاثة ألاف مجاهد يحملون بنادق بدائية، وجيش العدو مكون من ستين ألف جندي مع كامل عدتهم الحربية، وبالرغم من الفارق الشاسع في القوة إلا أن المجاهدين صدقوا الله واخلصوا النية فكان النصر، وتحقق قول ربنا ” كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ”، حيث قام المجاهدين بقتل 18 ألف أسباني، وأسروا عشرات الآلاف، واطلق الإسبان على هذه المعركة أسم ” كارثة أنوال.
إمارة الريف الإسلامية:
لقد قتلنا الاستعمار في الريف وما على الشعوب إلا دفنه. وإذا لم تستطع فلا عزاء لها.
بعد انتصارات المسلمين الساحقة على العدو، أقام الخطابي إمارة الريف الإسلامية في شمال المغرب الإسلامي، التي بلغت مساحتها حوالي 20.000 كم2، و سكانها قرابة نصف المليون، و طبق فيها أحكام الإسلام، و وطد دعائم الأمن، وأنشأ المدارس والمستشفيات وعاشت الإمارة في ظل الإسلام حياة الرغد، وخلال خمسة أعوام من إمارته، قام الخطابي بتعليم الناس الدين الإسلامي الصحيح، ثم قام بإرسال البعثات العلمية لدول العالم وتوحيد صفوف القبائل تحت راية التوحيد.
أسر البطل:
لم يتحمل الغزاة أن يروا تقدم الخطابي وانتصاراته ولم ينسوا ابدأ أن ذلك البطل أذاقهم الويلات فقاموا بخطفه، برغم وجود معاهدة هدنة بينهم، وأنظر إلى ظلم وتعسف المجتمع المتحضر الذي يدعو إلى الحرية وحقوق الإنسان حيث قام العدو بأسر الخطابي 20 عام! لم يرحموا كبر سنه ولا شيخوخته ولكنه في نظرهم مجرم إرهابي رفض العيش ذليلا تحت راية الغزاة وهذه جريمة لا تغتفر ولابد من التخلص من صاحبها.
كانت إرادة المحتل أن يقضي الخطابي كل عمره خلف أسوار سجون الظلم لكن الله على كل شيء قدير يدبر الأمر لعباده الصالحين، ففي عام 1947، أعلن ملك المغرب (محمد الخامس) استقلال المغرب، فقرر الفرنسيون الضغط على الملك بورقة الخطابي، فأصدر ( شارل ديغول ) أوامره بجلب الأمير الخطابي إلى باريس من منفاه بجزيرة في مجاهل المحيط الهندي، ولكن الله أصاب عقولهم بالغباء فمرت السفن من قناة السويس؛ وأثناء مرور الباخرة ببورسعيد طلب حق اللجوء السياسي من الملك فاروق، وأستجيب فورا إلى طلبه، وقد ظل مقيما بمصر حتى وفاته في فبراير 1963، ودفن في مقبرة الشهداء بالقاهرة.
شجاعة الخطابي في المعارك:
من لم يحمل السلاح ليدافع به عن نفسه، حمله ليدافع به عن غيره.
يحكي صحفيًّا أمريكيًّا كان موجودًا آنذاك في ساحة المعارك يتابعها وهو “فانسن شين” قال:
دخلت على عبد الكريم في خندق أمامي والطائرات الإسبانية والفرنسية تقذف المنطقة بحمم هائلة فوجدته متبسمًا مرحًا مقبلاً يقول الله أكبر ما أجمل وأحسن نفوس الصالحين يضرب ببندقيته الطائرات، فتعجبت من هذا الرجل الذي استطاع أن يحافظ على إيمانه وعقيدته في خضم الظروف المحيطة به، وكنت أتمنى أن أمكث أكثر فأكثر مع هذا الرجل العظيم الذي تحيطه هالة من الوقار والجلال وأقارن به ساسة أوربا التافهين المشغولين بأمور تافهة فلا أكاد أجد وجهًا للمقارنة وتمنيت أن أظل أكثر مما ظللت مع هذه الظاهرة البشرية الفريدة التي تأثرت بها أيما تأثر.
هؤلاء هم أبطالنا وساداتنا الحقيقيين الذين لم ينكثوا عهدًا ولا يهادنوا العدو ولا داهنوا في دينهم، بل كانوا دائما في الصفوف الأولى يدافعون عن الإسلام فتسيل دمائهم وتضيع أعمارهم خلف القضبان ولكنهم لو تم تخيرهم بين تلك التضحيات وبين رغد العيش لاختاروا التضحية والبذل في سبيل الله. فخذ قصصهم على محمل الجد والتطبيق اقتدِ بهم وسر خلفهم على الطريق الذي سار عليه النبيين والصديقين والشهداء.