نقد الرأسمالية.. آثارها الاقتصادية، السياسية والاجتماعية
قبل البدء في الاستطراد في نقد الرأسمالية لابد من تبيان الخلفية التاريخية لنشوء اللبنة الأولى لتبلور فكرة الرأسمالية؛ لكي تستبين الرؤية الكاملة للقارئ.
النبذة التاريخية.. البدايات
ترجع فكرة نشوء النظام الرأسمالي إلى فترة القرنين الرابع عشر والسادس عشر في أوروبا حيث إن في تلك الفترة قد ورثت أوروبا النظام الإقطاعي من الإمبراطورية الرومانية، وكتطور طبيعي للأحداث والظواهر الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة ظهرت الطبقة البرجوازية بشكل متدرج، وتعتبر تلك الفترة الأولى هي فترة الدعوة. وكنتيجة للتطورات والتغيرات التي طرأت على المجتمع الأوروبي تمظهرت الرأسمالية في عدة مظاهر منها:
1- ظهور طبقة النبلاء: تتميز هذه الطبقة بتملكها لوسائل الإنتاج ومقدرتها غير المحدودة على استغلال هذه الوسائل لتوليد المقدرة المستمرة على الإنتاج من خلال سيطرتها على المجتمع ككل، ومؤسسات الدولة التي تمتلك رؤوس الأموال الكافية لتدوير عجلة الإنتاج.
2- الدعاوى المستمرة لتقليص دور الكنيسة والحريات المطلقة: ظهرت هذه الدعاوى بالتزامن مع ظهور أفكار التحرر من سلطة النظام الكنسي، هذه الروح اندلعت في تلك الفترة بسبب شعور المجتمع الأوروبي بالقهر والسيطرة المطلقة للبابا على شؤون الحياة العامة للناس (اجتماعية، اقتصادية، سياسية).
3- ظهور المذهب الفيزيوقراطي: مؤسس هذا المذهب هو “فرنسوا كيناي عام 1694م”؛ وهو القول بحرية الصناعة والتجارة وبأن الأرض هي مصدر الثروة كلها. “وسائل الإنتاج”. من أهم مبادئ هذا المذهب الاعتقاد بوجود نظام طبيعي يستمد قواه من العناية الإلهية وهي ليست من صنع البشر، والعمل الزراعي هو العمل المنتِج الوحيد.
ترجع فكرة تبلور النظام الرأسمالي إلى مجموعة من الأطروحات والأعمال التي تُنسب إلى مجموعة من علماء الاقتصاد والاجتماع منهم:
1- أدم سميث: يعد من أشهر علماء الاقتصاد على الإطلاق من خلال إصداره كتاب (ثروة الأمم) عام 1776م، وكتاب (نظرية الشعور الأخلاقي) عام 1759م.
2- جون ستيوارت ميل: الذي قام بطرح كتاب (مبادئ الاقتصاد السياسي) عام 1848م الذي يناقش القضايا المعيارية مثل النظم المثالية للاقتصاد السياسي، ونقد النظم البديلة المقترحة مثل الشيوعية والاشتراكية. يعتبر ميل هو حلقة الوصل بين الأفكار الرأسمالية والاشتراكية.
3- روبرت مالتوس: الذي قام بتقديم نظرية “الفجوة السكانية” وهي التي تقول في مضمونها بأن السكان يتزايدون بصورة مطردة مع محدودية الموارد الطبيعية والغير طبيعية، وهو ما أدى لظهور مفهوم الندرة. وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين مثل كينز وميلتون فريدمان في العصر الحديث.
ماهية الرأسمالية
تعرف الرأسمالية بأنها: نظام اقتصادي يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وخلق السلع والخدمات من أجل الربح. تشمل الخصائص الأساسية للرأسمالية كتراكم رأس المال والعمل المأجور والأسواق التنافسية والملكية الخاصة.
في اقتصاد السوق الرأسمالي، تحدد عمليات اتخاذ القرار والاستثمارات من قبل كل صاحب ثروة أو ملكية أو وسيلة إنتاج في الأسواق الاقتصادية أو أسواق رأس المال، في حين يلجأ إلى تحديد الأسعار وتوزيع البضائع والخدمات وفقًا للمنافسة في أسواق السلع والخدمات. من خلال تعريف الرأسمالية يتضح جليًا أنها مأخوذة من الإرث الروماني والنظام الإقطاعي الذي يشجع على تملك وسائل الإنتاج. ظهور المذهب الحر أو الطبيعي الداعي لحرية التملك أدى لزيادة الإيمان بفكرة الرأسمالية.
يقول آدم سميث:
أن نمو الحياة الاقتصادية وتقدمها وازدهارها إنما يتوقف على الحرية الاقتصادية.
وتتمثل هذه الحرية في عدة مظاهر وسمات أساسية وهي: الحرية الفردية؛ هي التي تتيح للفرد حرية اختيار العمل الذي يراه مناسبًا لتحقيق الربح المطلوب. الحرية التجارية؛ وهي التي يتم فيها الإنتاج والتداول للسلع والخدمات في ضوء المنافسة العامة.
يرى الرأسماليون بأن الحرية ضرورية للفرد من أجل تحقيق التوافق بينه وبين المجتمع ولأنها القوة الدافعة للإنتاج لكونها حقًا إنسانيًا يعبر عن الكرامة البشرية.
مناهضة وانتقاد الرأسمالية
تتراوح أشكال نقد النظام الرأسمالي من التعبير عن الاختلاف مع مبادئ الرأسمالية إلى التعبير عن الاختلاف مع بعض مآلات النظام الرأسمالي.
يتم توجيه النقد للرأسمالية من عدة وجهات نظر سياسية وفلسفية، بما فيها الاناركية، والاشتراكية، والدينية، والوطنية. ولتوجيه نقد موضوعي للرأسمالية لابد من تحديد منهج معين للنقد، ولكن نسبة لتشعب النظام الرأسمالي وتغلغله في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يصعب بمكان أن يتم تحديد المنهج، ولكن لتسهيل عملية النقد سيتم التركيز على الجانب الاجتماعي المرتبط بالظاهرة الشعبوية الأوروبية في تلك الحقبة، ومآلات تطبيق النظام الرأسمالي في الوقت الراهن وآثاره الملموسة والظاهرة للعيان.
لذلك سأقوم بطرح عدة نقاط وعرضها وتفصيلها ومن ثم توجيه النقد لها.
السمات الأساسية للرأسمالية
لنبدأ بالسمات الأساسية للرأسمالية: وهي:
1- تقديس الملكية الفردية: بمعنى أن النزعة الأساسية للإنسان تتجه نحو التملك لوسائل الإنتاج وحريته في الاستحواذ هي غاية وهدف سامي. وللرد على هذه السمة الأساسية للرأسمالية فإن الرد هو: “يعتبر التملك وظيفة عادية لحياتنا فمن أجل أن يحيا المرء عليه أن يتملك بعض الأشياء لاستمرار الحياة”، ولكن ونسبة للمادية المغرق بها المجتمع الأوروبي فإن نزعة التملك تحولت من سمة ضرورية للحياة إلى نزعة شهوانية للشعور باللذة، في حضارة أصبح هدفها الأساسي وغاياتها الأسمى هي التملك أكثر فأكثر، فهذا التقديس يؤدي بالتأكيد للمساواة بين الإنسان والأشياء، حيث يمكن فيها أن نقول عن فرد من الأفراد بأنه: “يساوي مليون دولار”.
2- الحرية في تحديد أسعار السلع والخدمات وفقًا لحركة العرض والطلب: من المعلوم أن العلاقة بين العرض والطلب هي علاقة عكسية، فكلما زاد العرض قل الطلب وبالتالي قل السعر وكلما زاد الطلب قل العرض وبالتالي زاد السعر بالنسبة للسلعة المعينة. ولكن يمكن توجيه المنحنى الخاص بالعرض والطلب لتوجيه وإعادة تسعير أسعار السلع والخدمات عن طريق التدخل من قِبل مجموعة أصحاب مصالح مشتركة كما يحدث في الأسواق الموازية للعملات الأجنبية، والبورصات العالمية كبورصة وول استريت. لتفادي مثل هذه التدخلات التي تحدث نتيجة صراع القوى المهيمنة على سوق معين يرى الكينزيون بضرورة تدخل الدولة بصفة المراقب للنشاط الاقتصادي.
3- البحث عن الربح بشتى الأساليب: هذا إن لم يتم في حدود المسموح به مع مراعاة بعض الضوابط التي تراعي مصلحة العامل والمستهلك للخدمة والسلعة المعينة، سيؤدي بالتأكيد لنشوب صراع حميم من أجل الكسب ومنافسة شرسة بين أقطاب الإنتاج (المنتجين، أصحاب الأموال)، وكنتيجة حتمية لهذا الصراع سيخسر الإنسان بعضًا من قيمه ومبادئه.
أشكال النظام الرأسمالي
من خلال شرح ونقد السمات الأساسية للنظام الرأسمالي يتضح جليًا أن لهذا النظام أشكال معينة؛ وهي:
1- الرأسمالية التجارية: وهي التي أتاحت للمواطن حرية التنقل والاتجار بالسلع والمنتجات التي لا تخالف القانون، وهي ظهرت مع توسع الطبقة البرجوازية في أوروبا مع نهاية القرن السادس عشر.
2- الرأسمالية الصناعية: وكانت الثورة الصناعية والتقدم في التصنيع أبرز وسائل ظهور ذلك الشكل من الرأسمالية، وهي تقوم على أساس الفصل بين رأس المال وبين العامل؛ أي بين الإنسان والآلة. قد ظهر هذا الشكل إبان الثورة الصناعية.
3- نظام الترست: وهذا النظام يعني اتفاق الشركات المتنافسة فيما بينها على تكوين شراكة قوية تجمعهم ليكونوا قادرين على الإنتاج بشكل أكبر، والسيطرة والتحكم في السوق والأسعار كيفما شاءوا.
4- نظام الكارتل: وهو نظام خبيث يعد أحد أبرز أشكال النظام الرأسمالي وأسوؤه على الإطلاق؛ حيث تلجأ الشركات الكبيرة للاتفاق فيما بينها على اقتسام السوق العالمية مما يعطيها فرصة احتكار هذه الأسواق وابتزاز الأهالي بحرية تامة.
5- نظام الكوربوريتزم: وتعني النقاباوية؛ وهي الشركات متعددة الجنسيات الضخمة التي تمتلك رؤوس أموال ضخمة وتدير تحتها العديد من المؤسسات ذات الطباع المختلفة، وتتميز بهيمنتها وسلطتها الكبيرة على القرار السياسي والاقتصادي للدول التي لديها فروع بها أو أعمال، وقد انتقد هذا النظام القاتل الاقتصادي (جونز برينكز) في كتابه اعترافات قاتل اقتصادي (الاغتيال الاقتصادي للأمم) الذي انتقد فيه هذا النظام بشدة وتطرقه للأساليب الغير إنسانية التي يتم بها تجنيد العملاء الخاصين بنظام الكوربوريتزم، وكيفية تدمير اقتصاديات الدول النامية بغرض نهب ثرواتها بدون أدنى وازع أخلاقي أو إنساني، وقد أعطى نماذجًا للدول التي تم تدميرها اقتصاديًا واحتلالها عسكريًا كالاكوادور وغواتيمالا وبنما. “راجع الكتاب – الاغتيال الاقتصادي للأمم”.
من كل هذا يتضح بأن المقارنة بين نظام الإقطاع والرأسمالية من حيث المكونات والأركان الأساسية لا يوجد اختلاف كبير من ناحية ممارسة السلطوية على العمال وامتلاك وسائل الإنتاج من أجل التملك واللذة، كل هذا يؤدي بالتأكيد لتوسيع الفجوة بين الطبقة البرجوازية والطبقة الكادحة البروتارية، لذلك يزداد الغني غنًا والفقير فقرًا فهذا يؤدي لمزيد من الرتق فيما بين طبقات المجتمع المختلفة وبروز الصراعات الطبقية والظلم الاجتماعي.
وجهات النظر المناهضة للنظام الرأسمالي
هنا سنتطرق لبعض وجهات النظر المناهضة للنظام الرأسمالي؛ وهم هؤلاء الأفراد الذين يرغبون في استبدال الرأسمالية تمامًا بنظام آخر: على سبيل المثال لا الحصر:
1- مذهب المحافظين والتقليديين: يعترض المحافظين على فترات عصر النهضة والتنوير والثورة الأمريكية والفرنسية، خصوصًا تطوير الليبرالية الفردية كنظرية سياسية، والطموح في أن تتمكن الممارسات الاجتماعية المؤسسية من الحفاظ على التدرجات الهرمية الاجتماعية التقليدية. هذا الانتقاد تركز على مناهضة أخلاقيات الرأسمالية وتأثيرها على المجتمع بشكل عام، يرونه فسادًا واعتداء على التقاليد المجتمعية المحافظة.
2- النسوية الايكولوجية: ينتقد مؤيدو النسوية الايكولوجية الرأسمالية لتعريفها العالم الطبيعي على أنه مجرد مجموعة من الموارد المتاحة للاستغلال وإعادة التشكيل من أجل خدمة الأغراض والمصالح البشرية. كذلك يرون أن النظام الرأسمالي يضعف بشكل واضح العلاقة بين البشر وبعضهم البعض وبين العالم الطبيعي.
3- الفاشية: تتبنى الفاشية مواقف مختلطة تجاه الرأسمالية، هي تؤيد الملكية الخاصة ولكنها تساند مذهب مركزية الدولة وهيمنة جماعات المصلحة وتعادي المفاهيم الرأسمالية الخاصة بعدم التدخل في الاقتصاد وأنظمة السوق الحر والتجارة الحرة والثقافة الفردية الاقتصادية والاستهلاكية. يعتقد الفاشيون أن الصراع الطبقي صفة متأصلة في المجتمعات الرأسمالية ويسعون إلى إصلاحها عبر الوسائل الحكومية وهم بذلك يتفقون مع الماركسيين.
4- الاقتصاد التشاركي والديمقراطية الشاملة: الاقتصاد التشاركي هو نظام اقتصادي مقترح يستخدم عملية اتخاذ القرارات التشاركية كآلية اقتصادية لتوجيه الإنتاج والاستهلاك وتوزيع الموارد في مجتمع معين. تم تقديم هذا النظام كبديل لاقتصاديات السوق الرأسمالي المعاصرة، وبديل للاشتراكية المتفرعة من باريسون، حيث يرى أحقية الطبقة العاملة في امتلاك وسائل الإنتاج.
الديمقراطية الشاملة هي ديمقراطية مباشرة وهي نظرية سياسية ومشروع سياسي يطمح إلى تطبيق الديمقراطية المباشرة في جميع فروع الحياة الاجتماعية. هنا يتخذ العامة جميع القرارات ويمكن تلبية الاحتياجات الاقتصادية الأساسية للجميع بناءً على مقدار معين من العمل.
5- الدين: يحرم الإسلام الربا وكذلك المسيحية، ولكن مع الحركة الإصلاحية وثورتها ضد التعاليم العقائدية البابوية، ثم عصر التنوير ورفضه للتعاليم الأخلاقية بدأت أوروبا المسيحية مع مرور الوقت تتقبل بعض أشكال الفوائد المدنية حيث أتاحت بعض التغييرات الاجتماعية بعد استبدال النظام الإقطاعي. وكذلك في كثير من الدول الإسلامية توجد فروع لمصارف وشركات ربوية تتعامل بنظام الفائدة “المُرابي” في العصر الحالي.
6- الاشتراكية، الفوضوية، والشيوعية: العديد من نظريات التنظيم الاقتصادي التي تؤيد امتلاك العامة لوسائل الإنتاج وتوزيع الموارد وإدارتها، وإقامة مجتمع يتميز بالمساواة بين جميع أفراده في الوصول إلى الموارد إلى جانب الأسلوب المساواتي في التعويض. يجادل الاشتراكيون من أجل التعاون والمشاركة أو الرقابة الحكومية على الاقتصاد.
يؤيد الاشتراكيون الفوضويون إلغاء الدولة بالكامل إلى جانب أن معظم الفوضويين يعارضون الرأسمالية على أساس أنها تشمل الهيمنة الاجتماعية عن طريق عدم المساواة في توزيع الثروات والعلاقات الجبرية والتدرج الهرمي القهري من خلال الضغط المدرك على الأفراد للمشاركة في العمل الحر. كذلك تختلف الشيوعية والماركسية والاشتراكية الثورية مع الرأسمالية والليبرالية الاقتصادية في مبادئ أساسية، حيث تؤيد الشيوعية الملكية المشتركة لكافة وسائل الإنتاج واتخاذ القرارات الاقتصادية في أي مجتمع، إلى جانب إلغاء الملكية الخاصة والحكومة.
يؤيد فريدرج أنغلز أحد واضعي النظرية الاشتراكية الحديثة إقامة مجتمع يسمح بانتشار استخدام التكنولوجيا الحديثة لتبرير النشاط الاقتصادي من خلال تقليل الفوضوية في إنتاج الرأسمالية.
7- الحركة المناهضة للعولمة: هي حركة نشطاء على مستوى العالم تنتقد عولمة الرأسمالية، وينتقد المناهضون للعولمة بشكل خاص الطبيعة غير الديمقراطية للعولمة الرأسمالية وترويج النيوليبرالية من جانب المؤسسات الدولية؛ مثل (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) دون الاهتمام بالآثار المدمرة في الغالب للرأسمالية العالمية على الظروف المحلية.
كذلك مما سبق وبعد الانتقادات التي ناهضت النظام الرأسمالي يجب البحث عن أنسب أسلوب لإدارة الاقتصاد مع مراعاة حق المجتمع والعامة في التملك، فالبحث عن هذا النظام سيكون بصعوبة بمكان حسب ما تقتضيه طبيعة كل دولة وظروفها السياسية والاجتماعية، لكن في غالب الأمر توجد رأسمالية محايدة وهي نظام اقتصاد السوق الاجتماعي وهو اقتصاد رأسمالي يتبنى اقتصاد السوق لكنه يرفض الشكل الرأسمالي المطلق حيث يجمع بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع بعض الضوابط الحكومية لضمان المنافسة العادلة وعدم الاحتكار وتقليل البطالة ومعدلات التضخم.
كذلك الاقتصاد الكنزي الذي يؤيد الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ولكن مع إمكانية التدخل الحكومي لرقابة النشاط الاقتصادي بما يسمح بضمان الاستمرارية في دعم الفئات الضعيفة. لا ننسى أن الاقتصاد الإسلامي يتعامل مع قضية الملكية الخاصة بصورة أكثر وضوحًا وأنه لا يعارض الملكية الخاصة ولكن حسب ضوابط معينة لأن المال مال الله والبشر مستخلفون فيه، لذلك نجد أن المسؤولية عن المال في النظام الإسلامي هي مسؤولية تشاركية تستند على مبدأ متجاوز للطبيعة الإنسانية.
نجد أن الإسلام قد شرع الزكاة ووجب على المسلمين إخراجها وقتال من يمنعها لأنها تمثل الجانب الإنساني المجتمعي في تفتيت الثروة حتى لا يكون المال دولة بين فئة معينة من الناس، ولتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية.
آثار الرأسمالية
(أ) الاقتصادية: عدم التوزيع العادل للثروة وبذلك نجد أنه من المستحيل ضمان توزيع عادل للثروة في ظل النظام الرأسمالي وفقًا لكتابات (جوزيف إستغلينز) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001م، حيث قال إنه حسب منحنى السواء وبالنظر للنشاط الاقتصادي الأمريكي نجد أن 15% من المجتمع الأمريكي يحصل على 80% من الثروة والباقي يتم تقسيمه على بقية المجتمع.
(ب) السياسية: عدم تحقيق الديمقراطية ونجد أن كلمتي ديمقراطية ورأسمالية قد تكونا متعارضتين بشكل واضح ومنهجي، عدم تحقيق الديمقراطية يرجع إلى هيمنة أصحاب رؤوس الأموال على القرار السياسي للدول؛ فقديمًا أثرت شركة (شل الأمريكية للبترول) على القرار السياسي للولايات المتحدة الأمريكية في شن الحرب على دولة فيتنام لمحاولة السيطرة على البترول في تلك المناطق، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا لا يسعنا المجال لذكرها ولكن يمكنك مراجعة مذكرات (جون بركنز) ومقالات (نعوم تشومسكي) في انتقاده للنظام الرأسمالي.
(ج) الاجتماعية: وفقًا لتعزيز المبادئ الرأسمالية في التكسب والربح غير المشروط أصبح كل قابلًا للبيع والشراء من خلال تعزيز عمليات السوق الحر وتغوله داخل المجتمعات، هذا وأن للمجتمع قيم وأخلاقيات تربطه مع بعضه البعض وتنظم معاملاته اليومية فأصبحت هذه القيم مجرد بضاعة يمكن أن يتم تداولها في السوق. وفقًا للفيلسوف (عبد الوهاب المسيري) نجد أن ظاهرة التسلع والتشيؤ أصبحت مسيطرة على العقل الغربي بالكلية فأصبح كل شي له ثمن معين.
استمر في نشر الوعي