حرب الفيتنام: القصة الكاملة
هذا المقال هو ترجمة بتصرف لمقال: «Vietnam War» لكاتبه في موقع HISTORY.COM. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن توجهات تبيان.
من أجل صد التوغل الشيوعي في آسيا، دخلت الولايات المتحدة حرب الفيتنام، الحرب التي دامت طويلًا وكلفت كثيرًا، انقسمت على إثرها فيتنام إلى فيتنام الشمالية بقيادة الحكومة الشيوعية وفيتنام الجنوبية المدعومة من طرف الولايات المتحدة. قُتِل في هذا الصراع أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، أكثر من نصفهم كانوا مدنيين فيتناميين. وفي الداخل الأمريكي، كان الرأي منقسِمًا بشدة بين مؤيدٍ للحرب ومعارضٍ لها، واستمر الانقسام حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام في عام 1973. وفي عام 1975، أنهت القوات الشيوعية بقيادة هو شي منه الحرب بعد سيطرتها على فيتنام الجنوبية، ثم توحيد البلاد لتصبح دولة شيوعية واحدة تُعرف بــ : جمهورية فيتنام الاشتراكية.
جذور حرب الفيتنام
كانت فيتنام، وهي دولة تقع في جنوب شرق آسيا على الطرف الشرقي من شبه جزيرة الهند الصينية، تحت حكم الاحتلال الفرنسي منذ القرن التاسع عشر للميلاد. ثم خلال الحرب العالمية الثانية، غزت القوات اليابانية فيتنام، لتصبح تحت احتلالين. ولمحاربة كل من المحتلين اليابانيين والإدارة الاستعمارية الفرنسية، شكّل الزعيم السياسي هو تشي منه “فيت مين”، أو “رابطة استقلال فيتنام”.
سحبت اليابان قواتها من فيتنام بعد هزيمتها عام 1945 في الحرب العالمية الثانية، تاركةً الإمبراطور “باو داي” يتولى مقاليد الحكم. استغلت قوات “فيت مين” الفرصة واستولت على مدينة هانوي الشمالية وأعلنت تأسيس جمهورية فيتنام الديمقراطية برئاسة هو تشي منه. وسعيًا من فرنسا لاستعادة السيطرة على المنطقة، دعمت الإمبراطور باو وأقامت دولة فيتنام الجنوبية في يوليو 1949. أراد الجانبان الشيء نفسه: فيتنام موحدة. ولكن في حين أراد هو تشي منه وأنصاره دولةً شيوعية كباقي الدول الشيوعية، أراد باو والعديد من أنصاره دولة فيتنامية بعلاقات اقتصادية وثقافية وثيقة مع الغرب.
متى بدأت حرب الفيتنام
على الرغم من أن الصراع في المنطقة كان مستمرًا منذ عقود، إلى أن حرب الفيتنام بمشاركة الولايات المتحدة بدأت في عام 1954. بعد أن استولت القوات الشيوعية على السلطة في الشمال، استمر الصراع بين جيوش الشمال وجيوش الجنوب حتى النصر الحاسم لجيش هو تشي منه في معركة “دين بين فو” في مايو 1954، انتهت المعركة بخسارة الجيش الفرنسي، منهيةً ما يقرب مائة عامٍ من الوجود الاستعماري الفرنسي في الهند الصينية.
قسمت المعاهدة، التي تم توقيعها في مؤتمر جنيف في يوليو 1954، فيتنام على طول خط العرض 17 درجة شمالًا، مع سيطرة هو تشي منه في الشمال، وباو داي في الجنوب. دعت المعاهدة أيضا إلى إجراء انتخابات وطنية في عام 1956 من أجل توحيد الفيتنام. ولكن في عام 1955، أزاح نغو دينه ديم، السياسي الفيتنامي المناهض للشيوعية، الإمبراطور باو جانبًا، ليصبح رئيسًا لحكومة جمهورية فيتنام.
الفيت الكونغ
مع احتدام الحرب الباردة في جميع أنحاء العالم، شددت الولايات المتحدة سياساتها ضد أي حلفاءٍ في الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1955، تعهد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور بتقديم الدعم لنغو دينه ديم وفيتنام الجنوبية.
ومن خلال التدريب والتزويد بالمعدات العسكرية والأمنية من طرف الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية، قامت قوات الأمن التابعة لــنغو دينه ديم بقمع المتعاطفين مع “فيت مين” أو رابطة استقلال الفيتنام، الذين وصفهم ديم بــ “الفيت كونغ”، أو الشيوعيين الفيتناميين. اعتقلت قوات ديم حوالي مائة ألف شخص، تعرض الكثير منهم للتعذيب الوحشي ثم الإعدام.
وبحلول عام 1957، بدأ “الفيت كونغ” ومعارضون آخرون بالرد على نظام ديم القمعي، عن طريق شن هجمات ضد المسؤولين الحكوميين، وبحلول عام 1959، وصل الصراع إلى الاشتباك المباشر بين “الفيت كونغ” والجيش الفيتنامي الجنوبي. وفي ديسمبر عام 1960، أسس معارضو ديم داخل جنوب فيتنام جبهة التحرير الوطني (NLF) لتنظيم المقاومة ضد النظام.
نظرية الدومينو
وفي عام 1961، كانت تقارير فريق الدراسة الأمريكي، الذي أُرسل لدراسة أوضاع جنوب الفيتنام، تشدد على ضرورة زيادة الدعم العسكري والاقتصادي والفني الأمريكي لمساعدة ديم في مواجهته ضد قوة هو تشي منه الشيوعية، واستجاب الرئيس جون كينيدي لذلك.
مثل أحجار الدومينو، إذا سقطت دولة واحدة في جنوب شرق آسيا تحت الحكم الشيوعي، فستتبعها العديد من البلدان الأخرى المجاورة لها، وهكذا، خوفًا من تصدير المبادئ الشيوعية إلى الدولة المجاورة، زاد كينيدي من حجم المساعدات الأمريكية، إلا أن الأمر لم يصل إلى التدخل العسكري واسع النطاق بعد. ولكن هذا سرعان ما تغير، فبِحلول عام 1962 وصل الوجود العسكري الأمريكي في جنوب فيتنام إلى حوالي تسعة آلاف جندي.
خليج تونكين
في 1963، نجح بعض الجنرالات في الانقلاب على ديم وشقيقه وقتلهما، قبل ثلاثة أسابيع من حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي. بسبب هذا الاضطراب السياسي، اقتنع الساسة الأمريكيين بضرورة زيادة الدعم العسكري والاقتصادي لفيتنام الجنوبية. وفي أغسطس من عام 1964، بعد أن هاجمت زوارق من نوع طوربيد مدمرتين أمريكيتين في خليج تونكين، أمر الرئيس ليندون جونسون، خليفة جون كينيدي، بقصفٍ انتقاميٍّ لأهدافٍ عسكرية في شمال فيتنام. ثم مرر الكونجرس الأمريكي “قرار خليج تونكين”، الذي أعطى للرئيس جونسون صلاحيات واسعة في الشؤون الحربية، وسرعان ما بدأت الطائرات الأمريكية تنفذ غارات قصفٍ منتظمة.
ولم يقتصر القصف على فيتنام الشمالية فقط، بل أسقطت الولايات المتحدة سرًّا مليوني طن من القنابل على لاوس المحايدة، ما بين 1964 – 1973، خلال “الحرب السرية” التي قادتها وكالة المخابرات المركزية في جمهورية لاوس. وبحملة القصف الضخمة هذه التي تهدف إلى تعطيل تدفق الإمدادات إلى فيتنام الشمالية وكذلك منع صعود قوات شيوعية للحكم، أصبحت لاوس أكثر دولةً تعرضت للغارات الجوي في العالم.
وفي مارس 1965، أعلن الرئيس جونسون -بدعمٍ كبيرٍ من الجمهور الأمريكي- إرسال القوات الأمريكية إلى ساحات المعركة في فيتنام، وبحلول يونيو، وصل عدد المقاتلين الأمريكيين في فيتنام الشمالية إلى 82 ألف مقاتل. وعلى الرغم من تخوف بعض المستشارين الأمريكيين من هذا التصعيد، ونهوض حركات مناهضة للحرب في الداخل الأمريكي، إلا أن جونسون أذِن بنشر مائة ألف جندي في نهاية يوليو 1965، ومائة ألف آخرين في عام 1966.
ویلیام وستمورلند
على عكس الحرب في شمال فيتنام، التي كانت معتمدة على الغارات الجوية بالأساس، كان القتال في جنوب فيتنام على الأرض، تحت قيادة الجنرال ويليام وستمورلند بالتنسيق مع حكومة الجنرال نغوين فان ثيو في سايغون. اتبع الجنرال وستمورلند سياسة “الاستنزاف”، التي تهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من قوات العدو بدل محاولة تأمين الأراضي. وبحلول عام 1966، حُدِّدت مناطق واسعة من جنوب فيتنام على أنها “مناطق إطلاق نار حر”، حيث تم إجلاء جميع المدنيين الأبرياء منها، ولم يبق إلا قوات العدو.
أدى القصف الجوي المتواصل في الشمال وسياسة الاستنزاف في الجنوب إلى تزايد عدد القتلى بشكلٍ كبير، ومع ذلك، رفضت قوات هو تشي منه وقف القتال، التي كانت ترى أنها قادرة على إعادة استرجاع الأراضي التي خسرتها بالاعتماد على الإمدادات القادمة من كمبوديا ولاوس، وعلى الدعم الذي تتلقاه من الصين ومن الاتحاد السوفييتي.
وانطلقت الاحتجاجات
بحلول نوفمبر 1967، كان عدد القوات الأمريكية في فيتنام يقترب من الخمسمائة ألف، وبلغت الخسائر الأمريكية 15 ألف قتيلًا و109 ألف جريح. ومع استمرار الحرب، لم يفهم الجنود في الصفوف الأمريكية عن سبب إبقائهم هناك، وضاقوا ذرعًا بمزاعم واشنطن المتكررة بأن الولايات المتحدة منتصرة في الحرب.
كما شهدت السنوات الأخيرة من الحرب ازديادًا حادًا في نسبة التدهور الجسدي والنفسي بين الجنود الأمريكيين، بما في ذلك تعاطي المخدرات، واضطرابِ ما بعد الصدمة، وتمردات داخل الجبهات.
شهد الجيش الأمريكي احتجاجات عنيفة وعمليات قتلٍ وسجنٍ جماعي للأفراد المتمركزين في فيتنام وكذلك للذين داخل الولايات المتحدة. وبعد رؤية الجمهور الأمريكي للصور المروعة للحرب في شاشات التلفزيون، انقلب ضد الحرب هو أيضًا؛ وفي أكتوبر 1967 نظم حوالي 35 ألف متظاهرٍ احتجاجًا ضخمًا خارج البنتاجون، وجادلوا بأن المدنيين الأبرياء، وليس المقاتلين، هم الضحايا الأكثر تضررًا من الحرب، وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تدعم وتقف إلى جوار دكتاتورية فاسدة في سايغون.
هجوم تيت
بحلول نهاية عام 1967، كانت القيادة الشيوعية في هانوي قد نفد صبرها هي أيضًا، وسعت إلى توجيه ضربةٍ حاسمة تُجبر الولايات المتحدة، المزودة بأقوى العتاد العسكري وأحدث التجهيزات، على التخلي عن آمال الانتصار في هذه الحرب. وهكذا، في 31 يناير 1968، أطلقت القوات الشيوعية 70 ألف جندي تحت قيادة الجنرال “فو نغوين جياب” لتنفيذ هجوم “تيت”، وهو سلسلة منسقة من الهجمات الشرسة على أكثر من 100 مدينة وبلدة في جنوب فيتنام.
تفاجأت القوات الأمريكية والفيتنامية الجنوبية بهذا الهجوم، ولكنها تمكنت من الرد بسرعة. في الواقع، لم يقدر الشيوعيين على الاحتفاظ بالمناطق التي فتحوها لأكثر من يومٍ أو يومين. لكن التقارير التي نُشرت عن هجوم “تيت” أذهلت الجمهور الأمريكي الذي لطالما سمع من الرئاسة الأمريكية تأكيدات متكررة بأن النصر في الحرب أصبح وشيكًا، وذُهلت العامة أكثر عندما سمعت أنباء طلب الجنرال وستمورلند 200 ألف جندي إضافي. كل هذا قلّص من شعبية جونسون وقلل من فرص فوزه بعهدة جديدة في الانتخابات القادمة، ولم يلبث أن دعا إلى وقف القصف في أجزاء كبيرة في فيتنام الشمالية، ووعد الجمهور بتكريس الوقت الذي تبقى من فترة ولايته للبحث عن سُبُلٍ لتحقيق السلام عوض التركيز على الفوز بعهدة رئاسية أخرى.
نال السبيل الجديد الذي انتهجه جونسون، والذي أعلنه في خطاب له في مارس 1968، ردًّا إيجابيًا من هانوي، وسرعان ما انطلقت محادثات السلام بين الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية في باريس، في شهر مايو، ومع انضمام الفتيناميين الجنوبيين إلى المحادثات سرعان ما وصل الحوار إلى طريق مسدود. وبعد موسمٍ انتخابيٍّ عنيف عام 1968، فاز الجمهوري ريتشارد نيكسون بمقعد الرئاسة.
استراتيجية “الفَتْنَمة”
سعى ريتشارد نيكسون إلى “تفريغ” الحركة المناهضة للحرب من خلال التوجه إلى “الأغلبية الصامتة” من الأمريكية التي اعتقد أنها تدعم الحرب. وفي محاولةٍ منه للحد من حجم الخسائر الأمريكية، أعلن عن برنامجٍ سُمي بـــ “الفَتْنَمة”، والذي يعني ببساطة: سحب القوات الأمريكية، ثم زيادة القصف الجوي والمدفعي ثم تدريب قوات فيتنام الجنوبية وتزويدهم بالأسلحة اللازمة لضمان هيمنتها على الحرب في الأرض. ومع سياسة “الفَتْنَمة” هذه، واصل نيكسون محادثات السلام في باريس، ولكن مع إصرار الفيتناميون الشماليون على الانسحاب الأمريكي الكامل وغير المشروط بالإضافة إلى الإطاحة بالجنرال المدعوم من الولايات المتحدة نغوين فان ثيو كَشروط أساسية للسلام، وصلت المحادثات إلى طريقٍ مسدود.
مذبحة ماي لاي
وجلبت السنوات القادمة المزيد من الكوارث، بما في ذلك الأخبار المروعة عن مذبحة ماي لاي؛ حيث ذبح الجنود الأمريكيون أكثر من 400 مدني غير مسلح في قرية ماي لاي في مارس 1968. بعد مذبحة ماي لاي، استمرت الاحتجاجات المناهضة للحرب، وفي عامي 1968 و1969، كانت هناك مئات المسيرات والتجمعات الاحتجاجية في جميع أنحاء البلاد.
وفي 15 نوفمبر 1969، حدثت أكبر مظاهرة مناهضة للحرب في التاريخ الأمريكي في العاصمة واشنطن، حيث تجمع أكثر من 150 ألف أمريكي في مظاهرة سلمية مُطالبةٍ بسحب القوات الأمريكية من فيتنام.
انقسم الشارع الأمريكي، وبينما كانت الحركات المناهضة للحرب تظهر بقوة في الجامعات وبين أوساط الشباب، اعتبر الأمريكيون الداعمون للحرب أن معارضة الحكومة شكل من أشكال الخيانة وانعدام الوطنية.
وعندما استجابت السلطات الأمريكية وقامت بسحب أول مجموعة من فيتنام، أحس المجندون الذي بقوا بالإحباط وبالغضب المتزايد، مما أدى إلى تفاقم المشاكل وتدهور الروح المعنوية، وبين الأعوام 1965 و1973، فر حوالي 500 ألف أمريكي إلى كندا للتهرب من التجنيد الإجباري.
مجزرة الرابع من مايو
في عام 1970، قامت قوات فيتنام الجنوبية مع القوات الأمريكية بغزو كمبوديا، بهدف تدمير قواعد الإمدادات هناك، ثم قاد الفيتناميون الجنوبيون غزوًا نحو جمهورية لاوس، ولكن تم صده من قبل قوات فيتنام الشمالية.
أثار غزو هذه البلدان، الذي يعد انتهاكًا للقانون الدولي، موجة جديدة من الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، وأثناء أحد الاحتجاجات، في 4 مايو 1970، في جامعة كينت ستيت أوهايو، أطلق الحرس الوطني النار على أربعة طلاب. وبعد عشرة أيام فقط، في احتجاجٍ آخر لطلاب جامعة ولاية جاكسون في مسيسيبي، قتلت الشرطة طالبين آخرين.
وبحلول نهاية يونيو 1972، وبعد هجومٍ فاشلٍ على جنوب فيتنام، كانت هانوي مستعدة أخيرًا لتقديم تنازلات. قام وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر وممثلو فيتنام الشمالية بصياغة اتفاق سلام بحلول أوائل خريف ذلك العام، لكن الاتفاق قُوبِل بالرفض من طرف الزعماء في سايغون، وفي شهر ديسمبر من نفس العام، أذِن الرئيس ريتشارد نيسكون بعدد من الغارات الجوية ضد أهداف في هانوي وهايفونج، وتم إدانة هذه الغارات دوليًا.
نهاية حرب الفيتنام
في يناير 1973، أبرمت الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية اتفاقية سلامٍ نهائية، منهية العداء المفتوح بين البلدين. ومع ذلك، استمرت الحرب بين فيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية حتى 30 أبريل 1975، عندما استولت قوات فيتنام الشمالية على سايغون، وأعادت تسميتها مدينة هو شي منه، الذي توفي هو نفسه سنة 1969.
بعد عقدين من الحرب، كانت نتيجة هذا الصراع العنيف مروعة لسكان فيتنام، قُتل ما يقدر بنحو مليون فيتنامي، بينما أُصيب 3 ملايين وأصبح 12 مليونًا لاجئين، دُمرت البنية التحتية والاقتصادية للبلاد، وسارت عملية إعادة الإعمار ببطء.
وفي عام 1976، تم توحيد فيتنام كجمهورية فيتنام الاشتراكية، على الرغم من استمرار العنف على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة، بما في ذلك الصراعات مع الصين المجاورة لها وكمبوديا. وفي ظل سياسة السوق الحرة التي تم وضعها قيد التطبيق عام 1986، بدأ الاقتصاد في التحسن، مدعومًا بعائدات تصدير النفط وتدفق رأس المال الأجنبي. ولم تُستأنف العلاقات التجارية والدبلوماسية بين فيتنام والولايات المتحدة إلا في تسعينات القرن الماضي.
أما في الولايات المتحدة، فقد استمرت آثار الحرب لفترة طويلة، أنفقت البلاد أكثر من 120 مليار دولار على الصراع في فيتنام من 1965 إلى 1973. أدى هذا الإنفاق الضخم إلى تضخمٍ واسع النطاق، وتفاقم الوضع أكثر بعد أزمة النفط العالمية في عام 1973 وارتفاع أسعار الوقود.
ومن الناحية النفسية، كانت آثار الحرب أعمق وأشد. لقد قوّضت الحرب أسطورة القوة العسكرية الأمريكية، وقسّمت الأمة بشكلٍ مرير. كما واجه العديد من المحاربين العائدين ردود فعلٍ سلبية من الطرفين، اعتبرهم الطرف المناهض للحرب مجرد قتلة ومجرمين ذبحوا ونكلوا بجثث الأبرياء، وكانوا بالنسبة لأنصار الحرب جنودًا منهزمين.
في عام 1982، وُضع، في العاصمة واشنطن، نصبٌ تذكاريٌ لقدامى المحاربين في فيتنام، وسُجِّل فيها 58200 اسم لرجال ونساء أمريكيين قُتِلوا أو فقدوا في الحرب.
.