معارك غيرت مجرى التاريخ الإسلامي… ربما لم تسمع عنها من قبل!

“حالة الصدمة ليست فقط ما يحدث لنا عند حدوث شيء سيء! وإنما تحدث أيضًا عندما نفقد تسلسل الأحداث، عندما نفقد تاريخنا، عندما نصبح مضطربين وما يبقينا في حالة وعي وانتباه وضد الصدمة هو (تاريخنا) إذًا في فترة الازمة، كالتي نمر بها الآن هي الوقت المناسب جدًا للتفكير في التاريخ، للتفكير في الاستمرارية، للتفكير في الجذور! إنه الوقت المناسب لنضع أنفسنا في القصة الممتدة لصراع البشرية”. نعومي كلاين – عقيدة الصدمة.

هكذا أدركها الغرب قبل أن ندركها نحن، فـ درسوا تاريخنا ومنهاجنا وما كان عليه سير نبلائنا، وخرجوا منه بما لم يسعنا نحن حتى المعرفة عنه والوعي به، ولنجبر مثل ذاك الخلل، ولنعلم كيف وصل إلينا هذا الدين؟ وكم من التضحيات التي بذلت في سبيله؟! تلك بعض المعارك التي خاضتها الأمة وغيرت بها مجرى تاريخنا.

موقعة بدر 2هـ

في رمضان من السنة الثانية للهجرة، علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قافلة كبيرة قادمة من الشام عليها أبو سفيان بن حرب، وأنها ستمر ببدر تستقي من مائها وتريح فيها، فجهز النبي -صلى الله عليه وسلم- حملة من ثلاثمائة رجل ونيف، واتجه بها إلى بدر ليفاجئ القافلة، فعلمت قريش وتنادوا إلى حرب المسلمين. ومع أن أبا سفيان أرسل بعد ذلك يخبرهم أنه تحول إلى الساحل ونجا من المسلمين ودعاهم إلى الرجوع إلى مكة إلا أن كبراء قريش عزموا على قتال المسلمين.

وفي 17 رمضان من تلك السنة التقى الجمعان في أول معركة تفجرت فيها طاقة الإيمان وانتصر فيها المسلمون على قلة عددهم وقتلوا نحو سبعين من أبطال قريش ورؤساؤهم، وأسروا مثل ذلك.

لقد كانت واقعة بدر فاتحة التاريخ الإسلامي، فلم تكن حربًا بين متكافئين في العدد والعدة، وإنما كانت حربًا بين حب العقيدة التي تطلب من أجلها الشهادة، وبين حب المال الذي تطلب من أجله الحياة، ولا يمكن لطالب الحياة أن يقهر طالب الشهادة.

نقض اليهود عهد النبي

عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة فوجد اليهود قد تغيرت قلوبهم، فقد آلمهم نصر المسلمين ببدر، ولم يحتسبوه ولم يصبروا على كتمان ما في نفوسهم.

وكان بنو قينقاع أكثر اليهود سخطًا لهذا النصر وتهوينًا من شأنه، فأخذوا ينفسون على المسلمين ما نالوا من فوز ويتحدونهم ويتحرشون بهم، فحاصرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حصونهم، فاستسلموا له واكتفى النبي -صلى الله عليه وسلم- بإجلائهم عن المدينة وإبعادهم إلى بلاد الشام.

موقعة أحد 3هـ

أحد

ثارت ثائرة اليهود لما حل ببني قينقاع، فأخذوا يغرون الأعراب بالإغارة على المدينة والاعتداء على المسلمين. كذلك أخذوا يحرضون قريشًا على حرب المسلمين ليثأروا لقتلاهم في وقعة بدر ووعدوهم بمظاهرتهم في الحرب، وكان أشد المحرضين اثنان من رؤساء يهود بني النضير وهما: كعب الأشرف، وسلام ابن أبي الحقيق.

فتطوع فريق من الأنصار لاغتيالهما بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقتلوهما، فتأثرت قريش ولا زلت بتحريض اليهود، فجهزت جموعها لحرب المسلمين، وتوجهت قريش بمن حشدت نحو المدينة يقود حشدها أبو سفيان ابن حرب.

ولما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك جهز جيشًا وخرج بهم إلى جبل أحد القريب من المدينة ووضع خيرة الرماة في أعلى الجبل لحماية ظهور المسلمين. وظهرت طلائع النصر وتراجعت قريش يتبعهم المسلمون ويجمعون ما غنموه منهم. وظن رماة المسلمين أن المعركة قد انتهت فأخلوا أماكنهم وسارعوا لينالوا نصيبهم من الغنائم.

وانتهز خالد بن الوليد الفرصة، وكان يقود رماة المشركين، فصعد الجبل من الخلف وأخذ يمطر المسلمين بوابل من السهام، وارتدت جموع قريش عليهم، فأصبحوا بين نارين واضطربت صفوفهم وعم الذعر فيهم حتى قتل بعضهم بعضًا وانهزم من نجا من القتل.

وقد قتل في هذه الوقعة أكثر من سبعين رجلًا من المسلمين بينهم بطل الإسلام حمزة بن عبد المطلب عم النبي، قتله (وحشي) أحد رماة الأحباش، وأصيب النبي -صلى الله عليه وسلم- بجرح في وجنته وشج رأسه الشريف. وصاح صائح قريش أن محمدًا قد قتل، وصدق المشركون وكفوًا عن القتال وانسحبوا، فقد نالوا -بظنهم- ما كانوا يبتغون.

اليهود يحاولون اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم-

لم يهنأ يهود بني النضير بنجاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعقدوا العزم على اغتياله أخذا بثأر ابن الأشرف وابن أبي الحقيق، ففشلوا وانكشف أمرهم وعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيعاقبهم فآووا إلى حصونهم.

فحمل عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحاصرهم، ولما استيأسوا طلبوا أن يأذن لهم بالخروج من المدينة كما خرج بنو قينقاع، فاستجاب لهم وخرجوا بأموالهم، ونزل فريق منهم في خيبر وانضموا إلى يهودها، وتابع الآخرون مسيرتهم إلى بلاد الشام.

موقعة الخندق – الأحزاب 5هـ

khandaq

لم يبق من يهود المدينة سوى بني قريظة، وقد آلمهم ما حل بإخوانهم بني قينقاع وبني النضير، ورأوا أن يحرضوا قريشًا وأحلافهم من قبائل العرب على حرب المسلمين والقضاء على دولتهم، وتعهدوا بمظاهرتهم في هذه الحرب، وحشدت قريش ونادت أحلافها وأحزابها فجاءوها برجالهم يلبون نداءها، وبلغ الحشد عشرة آلاف مقاتل.

وعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- بخبر هذه الحملة العظيمة فاستشار أصحابه فأشاروا عليه أن يقف المسلمون موقف المدافع عن مدينتهم، وأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بحفر خندق حول المدينة يقف الرماة دونه، يمنعون من يحاول اجتيازه من المشركين.

وجاء من يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بما فعل بنو قريظة فأرسل إليهم سيدين من سادة الأنصار هما سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج لتذكيرهم بعهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهيهم عن الغدر بالمسلمين وتحذيرهم عاقبته، فسخروا منهما وأظهروا عزمهم على مظاهرة قريش.

ولما وصل جيش المشركين وقف دون الخندق ولم يستطع الدخول إلى المدينة وأخذ رماة المسلمين يصرعون من يحاول اجتياز الخندق، ودام الحصار شهرًا حتى برم حلفاء قريش (الأحزاب) بطول الانتظار وفوت ما كانوا يأملون من الغنائم، ووقع الخلف والشقاق بينهم وبين قريش.

وهنا يسر الله إسلام زعيم من زعماء العرب هو نعيم بن مسعود الأشجعي. وكان قد قدم مع قومه بني الأشجع لقتال المسلمين مع من قدم من أحلاف قريش، فأعلن إسلامه وطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشترك مع المسلمين في الدفاع عن المدينة فطلب منه الرسول أن يخفي إسلامه وأن يخذل قريشًا وبني قريظة ويوقع بينهما الشقاق، ففعل ونجحت الخطة.

ثم أرسل الله ريحًا عاتية على جيش قريش والأحلاف فانتزعت الخيام وكفأت القدور وملأت الأفواه والعيون بالرماد، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا العون الإلهي بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) وكان الأحزاب قد سئموا الانتظار وطول الحصار، فأخذوا يتراجعون، وارتدت قريش وهي تتجرع غيظها، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ).

تحكيم سعد بن معاذ بما فعل يهود بني قريظة

فور انتهاء غزوة الخندق جهز النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية وتوجه إلى بني قريظة ليعاقبهم على نقضهم العهد، فتحصنوا في حصونهم، ولما اشتد عليهم الحصار طلبوا تحكيم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه، واستجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لطلبهم، فحكم سعد بقتل رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، ونفذ النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم سعد فيهم.

الرسول يوجه رسائل إلى ملوك وأمراء الدول المجاورة

أخذ الإسلام ينتشر في جزيرة العرب بعد الانتصارات التي حققها النبي -صلى الله عليه وسلم- في أعقاب صلح الحديبية ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تبلغ دعوته مسامع ملوك وأمراء الدول المجاورة، فأرسل إليهم كتبًا مع سفراء يدعوهم إلى الإسلام، فاستجاب البعض لدعوته كالمنذر بن ساوى أمير البحرين ورد الآخرون السفراء.

فمنهم من كان رده جميلا كملك الروم والمقوقس صاحب مصر، ومنهم من كان رده قبيحًا ككسرى أبرويز ملك فارس فقد مزق كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. وكذلك شرحبيل أمير غسان الذي سخر من الدعوة للإسلام، وقتل سفير رسول الله -صلى الله عليه وسلم -الحارث بن عمير الأزدي- رضي الله عنه-.

موقعة مؤتة 8هـ

غزوة مؤتة

الرسول يجهز حملة انتقام لقتل سفيره الحارث بن عمرو:  كان قتل هذا السفير شديد الوقع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجهز حملة عدتها ثلاثة آلاف رجل لحرب الغساسنة، وجعل قيادتها لزيد بن حارثة. ولما علم الغساسنة بأمرها استنجدوا بحلفائهم الروم فأنجدوهم بجيش عظيم. وكان اللقاء في (مؤتة).

وفي تلك المعركة قتل زيد بن حارثة قائد الجيش، وقتل من بعده عبد الله بن رواحة ثم جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، ثم انتدب الناس خالد بن الوليد لتولي قيادته، وأدرك أن في استمرار المعركة فناء جيش المسلمين، فانسحب بخطة عسكرية باهرة، إذ أثار الغبار خلف جيشه المنسحب، فآوهم الروم أن مددًا ضخمًا جاء من المدينة وأرهبتهم حيلة خالد فتوقفوا عن تتبع الجيش المنسحب.

وبهذا الانسحاب ظهرت مهارة خالد الحربية وارتقى إلى صف القادة الذين رفعوا راية الإسلام. وكانت وقعة مؤتة فاتحة النضال للفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة، وبداية الصراع بين المسلمين والروم.

غزو ثقيف وهوازن – غزوة حنين 8هـ

انضمت قريش إلى صفوف المسلمين بعد فتح مكة وانتظمت معهم في جيشه لحرب قبيلتي هوازن وثقيف، وقد رفضوا الدخول في الإسلام. والتقى المسلمون مع هوازن في (وادي حنين) وانتصروا عليهم بعد حرب ضروس، كاد أن يغلب فيها المسلمون لولا ثبات النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم حاصر المسلمون ثقيفًا في مدينتهم (الطائف) فاضطروا للاستسلام، ودخلت هوازن وثقيف في الإسلام.

فتح مكة 8هـ

وجاءت السنة الثامنة للهجرة وقد كثر عدد المسلمين بدخول كثير من القبائل في الإسلام. ويشاء الله أن تنقض قريش عهدها مع المسلمين، فقد عدت قبيلة بني بكر على قبيلة خزاعة، وكان بنو بكر قد دخلوا في عهد قريش ودخل بنو خزاعة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فانتصرت قريش لحلفائها واستنجدت خزاعة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وحانت بذلك فرصة لفتح مكة.

فقد أصبحت قريش في عزلة بعد أن أسلمت أكثر القبائل العربية وفقدت قريش في حروبها مع المسلمين كثيرًا من رجالها، ولحق بالمسلمين جمع من أبطالها المغاوير.

أعد النبي -صلى الله عليه وسلم- جيشًا عظيمًا من المهاجرين والأنصار وانضمت إليه القبائل التي أسلمت، وأعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يريد مكة لحرب قريش التي نقضت عهدها.

وسار الجيش يتبع قائده العظيم -عليه الصلاة والسلام-، وعسكر خارج مكة ورأت قريش أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء ومعه جمع كبير من العرب وأنه لا طاقة لها بحربهم، فاستسلمت. وجاء العباس، عم النبي ومعه أبو سفيان فأسلما وفتحا له أبواب البلد الحرام، وقبل أن يدخلها استعرض الجيش بحضورهما، فمرت سراياه أمامهما وهي تهتف: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).

ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الجيش إلى مكة وتوجه إلى الكعبة راكبًا ناقته بتواضع جمّ، فأخذ بتحطيم الأصنام ومحو الصور من جدران الكعبة، ثم أمر بلالًا الحبشي أن يصعد إلى سطح الكعبة فأذّن بالناس معلنًا هزيمة الشرك.

المسيرة النبوية لقتال الروم: غزو تبوك ودومة الجندل 9هـ

المسلمين والروم

عاد النبي إلى المدينة بعد فتح مكة وكانت السنة التاسعة للهجرة قد حلت، فجهز جيشًا كبيرًا عدته أربعون ألف رجل، وسار به نحو (مؤتة) يريد أن يثأر لما حل بجيش المسلمين فيها. ولما وصل إلى مدينة تبوك عسكر فيها، وعلم الروم بقدومه فلم يتقدموا لحربه، فقد راعهم لقاء هذا الجيش الكبير، يقوده رجال لا يعرفون الهزيمة، واتخذ جيش الروم مكانه داخل بلاده مدافعًا بعد أن كان يريد الهجوم.

واكتفى النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أحدثه من رهبة في قلوب الروم، وعقد بعض المعاهدات مع مدن الحدود وكانوا على النصرانية مقابل تعهدهم بدفع الجزية، واستعصت (دومة الجندل)، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد على رأس سرية فأخضعها وأسر صاحبها أكيدر بن عبد الملك فقدم به المدينة فأسلم وعقد معه النبي -صلى الله عليه وسلم- معاهدة ورده إلى قومه، وكانت غزوة تبوك آخر غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم-.

إقبال وفود القبائل العربية إلى المدينة وإعلان إسلامها

وبلغت مسامع العرب انتصارات النبي -صلى الله عليه وسلم- بفتح مكة وإسلام قريش وإسلام ثقيف وهوازن، وإخضاع صاحب دومة الجندل ودخول مدن الحدود الشمالية في عهد النبي وتعهدها بدفع الجزية إليه. فأقبلت وفود القبائل العربية من كل فج تعلن إسلامها، فكان النبي يعرفها بعقيدة الإسلام ومبادئه ويرسل معها من يختاره لها من صحابته ليعلمها شعائر الدين ويبين لها أحكامه.

ظهور حركة الردة: اليمامة 11هــ

لم يكد النبي -صلى الله عليه وسلم- يفرغ من حجة الوداع حتى ظهرت في اليمن حركة الارتداد عن الإسلام وقد تزعمها مشعوذ يدعى عبهلة بن كعب العنسي ويعرف بالأسود العنسي، وقد استهوى قومه بما أراهم من ضلالات سحره فاتبعوه.

وسرت حركة الردة إلى اليمامة وظهر فيها رجل من بني حنيفة يدعى مسيلمة بن ثمامة، وأرسل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب منه أن يشركه في أمره، ودعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- مسيلمة الكذاب.

واتسع خطر الأسود العنسي في السنة الحادية عشرة للهجرة، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى من بقي في اليمن من المسلمين يحضهم على قتله فاغتالوه، وقُضي على حركة الردة في اليمن بعد مقتله، ولكنها ظلت قائمة في اليمامة حتى خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- فقضى عليها في عهده.

موقعة القادسية 14هـ

القادسية

في العراق تولى قيادة الجيش الإسلامي سعد بن أبي وقاص، وتم على يده فتح ما تبقى من العراق بعد وقعة القادسية سنة 14هـ وفيها هزم جيش الفرس وقتل قادته، واجتاز المسلمون حدود بلاد إيران ففتحوا خراسان والأهواز وإقليم فارس وامتد الفتح جنوبًا حتى مكران (بلوشستان) إلى حدود السند وشرقًا إلى سجستان (أفغانستان).

موقعة اليرموك 15هــ

وقعت معركة في وادي يرموك بقيادة خالد بن الوليد حيث بدهائه قسم الجيش إلى (36-40) كردوسًا، كل كردوس فيه 1000 مقاتل، ثم قسم كراديس الجيش إلى قلب وميمنة وميسرة وجعل على كل منها أميرًا وقد اختارت الروم الوادي لأنه المكان الذي يتسع لجيشهم الضخم، الذي يبلغ عدده مائتين وأربعين ألف مقاتل تقريبًا، وأما المسلمون فقد عبروا النهر إلى الجهة اليمنى، وضربوا معسكرهم هناك في وادٍ منبطح يقع على الطريق المفتوح لجيش الروم، وبذلك أغلقوا الطريق أمام الجيش المزهو بعدده وعدته، فلم يعد للروم طريق يسلكونه، أو يفرون إذا اضطروا للفرار؛ لأن جيش المسلمين قد أخذ عليهم مسلكهم الوحيد وتحقق وعد الله للمؤمنين بالنصر .

معركة جلولاء 16هـ

مسار الفتح الإسلامي في بلاد الشام والعراق.

بعد أن حقق المسلمون فتحهم الكبير لعاصمة الفرس (المدائن) أصيب الفرس بهزيمة نفسية مروعة وتشرذمت الجيوش الفارسية تحت الضربات الموجعة للجيوش الإسلامية، وتفرقت فلول الفرس المنهزمة من المدائن والأهواز وغيرها في عدة أماكن، وفي ظلمة اليأس القاتل قرر رجلان من آخر قادة الفرس بقاءً وهما (مهران الرازي) و(الهرمزان) تجميع شتات فلول الفرس والتحصين بهم في إحدى البقاع القريبة من (المدائن) لمنع تقدم المسلمين أكثر من ذلك.

فاختاروا مدينة على بعد أربعين ميلًا شمال المدائن، وكانت ذات موقع استراتيجي جيد، وبالغوا في تحصينها لتكون عقبة أمام الحملات الإسلامية، وعمل “مهران” على رفع معنويات جنوده بشتى الوسائل للتصدي للمسلمين، وصلت أخبار هذه الاستعدادات الحربية للقائد العام للعراق “سعد بن أبي وقاص“، فأرسل جيشًا من اثني عشر ألفًا بقيادة ابن أخيه “هاشم بن عتبة” الملقب بالمرقال، ومعه بطل العراق “القعقاع بن عمرو”.

وبمنتهى السرعة وصل المسلمون إلى المدينة فوجدوا أحاطوها بخندق مائي متسع وعميق، وزرعوا حول المدينة حقولًا من حسك الحديد لإعاقة خيل المسلمين عن التقدم، ولمس المسلمون الاستماتة الدفاعية الكبيرة عند الفرس، فضربوا على المدينة حصارًا شديدًا استطال حتى جاوز سبعة أشهر وهي أطول مدة حاصر المسلمون فيها مدينة بالعراق، ومع طول الحصار طلب “هاشم المرقال” من القائد العام “سعد بن أبي وقاص” إرسال إمدادات جديدة.

وفي صباح يوم الأحد 15 من ذي القعدة سنة 16هـ خرج الفرس بأعداد ضخمة من المدينة وأنشبوا القتال مع المسلمين بمنتهى الضراوة، وقابلهم المسلمون بضراوة أشد وأنكى، ومع تطبيق خطة الفرس بالتناوب على المسلمين بدأ التعب والإرهاق يحل بالمسلمين، وهذا الأمر أخذ يؤثر على نفسيتهم وشدتهم في القتال، وهنا برز دور البطل العظيم الذي لم ينل حظه من الشهرة والمعرفة عند المسلمين وهو “القعقاع بن عمرو”؛ إذ وقف بين الصفوف يحرض المسلمين على الثبات ومواصلة القتال.

ثم قام بخطوة عبقرية في القتال، إذ كان الليل على وشك الحلول، فضغط بسرية من خلاصة الفرسان على مؤخرة الفرس المنسحبين لدخول المدينة، ليتمكن بذلك من السيطرة على الخندق وبالتالي يمنع باقي الفرس من العودة لتحصينات المدينة، ثم نادى في المسلمين: “أين أيها المسلمون؟ هذا أميركم -يعني المرقال- على باب خندقهم، فأقبلوا عليه ولا يمنعكم مَن بينكم وبينه من دخوله”، فأثار حمية المسلمين وأوقعوهم في فخهم فترجلوا عن خيلهم ورحالهم وحينها طحنهم المسلمون طحنًا شديدًا وأفنوهم عن بكرة أبيهم، حتى بلغ قتلى الفرس مئة ألف قتيل، وجللت جثثهم الساحات أمام المدينة، لذلك سميت المدينة بعد ذلك “جلولاء” لما جللها من قتلى الفرس.

تابع معنا بقية الموضوع في الجزء الثاني إن شاء الله.

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى