القضية الفلسطينية.. قضية كل مسلم، شرح مبسط وموجز
تعد القضية الفلسطينية واحدةً من أكثر قضايا العالم تعقيدًا في زمننا الحاضر، إذ إنها تعبر عن مأساة شعبٍ بأكمله تم اقتلاعه وتجريده من أرضه بصورةٍ قسرية، ويرفض القبول بالأمر الواقع ويسعى إلى استعادة ما فقده من المحتل الصهيوني الذي انتزع أرض فلسطين من أصحابها ومارس أشدّ أنواع التنكيل والإرهاب بحق الفلسطينيين العُزّل، والمقاومين المدافعين عن أرضهم، بغية إخراجهم من مدنهم ومساكنهم وقراهم، ليؤسسوا دولتهم المزعومة على أرض فلسطين التي هي في نظرهم حقٌ شرعيٌ لهم على اعتبار أنّها أرض الميعاد، لتكون ملاذًا وموطنًا ليهود العالم بعد ما تعرضوا له -حسب زعمهم- من تمييزٍ عنصري في فترة الحرب العالمية الثانية، وما سبقها.
الحلم الصهيوني في أرض الميعاد
تعد خرافة أرض الميعاد التي تبناها زعماء الحركة الصهيونية العالمية استنادًا لنصوصهم الدينية الحلمَ اليهودي لكافة يهود العالم، فقد أدرك زعماء الصهيونية أنَّ ما يوحد الشعب اليهودي هو الأرض، فأعلنوا دعوتهم لإنشاء وطنٍ قومي لهم في فلسطين، فتلقت دعوتهم تأييدًا كبيرًا من اليهود المنتشرين في كافة الدول الأوروبية، وأخذ كثيرٌ منهم في دعم فكرة هذا المشروع الذي تسعى من ورائه الصهيونية بالسيطرة على أكبر قدرٍ من المكاسب لا سيما السلطة، ولتحقيق ذلك استغلوا سلطة الدين التي لها تأثيرها على اليهود بفضل نفوذهم على الحاخامات، وتحكمهم في وسائل الإعلام في ذلك الوقت خصوصا الصحف والمجلات، فحشدوا لذلك تأييد اليهود في أوروبا، وبدأ الصهاينة ينشرون دعوتهم في العالم تحت شعار «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض».
وقد بلغت الحركة الصهيونية أوجها في تنصيب الصهيوني تيودور هرتزل زعيمًا للحركة الصهيونية، الذي دعا لمؤتمر بال في النمسا، إذ تم إعلان نيتهم إنشاء إسرائيل الكبرى، التي تمتد من النيل حتى الفرات، ورُفع العلم الصهيوني الذي يتألف من خلفيةٍ بيضاء في وسطها نجمة خماسية ادَّعوا بأنها نجمة نبي الله داود عليه السلام، ويحيطها من الأعلى والأسفل خطان أزرقان يرمزان إلى نهري النيل والفرات، وبدأ اليهود يجمعون التبرعات عقب هذا المؤتمر لشراء الأراضي في فلسطين التي كانت تابعةً للدولة العثمانية، التي حافظت على فلسطين من شرورهم، إذ رفض السلطان عبد الحميد الثاني بيع فلسطين لهم مقابل مبالغ هائلة، بل تنبه لخطر شراء الأراضي في فلسطين والمدينة المقدسة على وجه الخصوص، فأعلنها أرضًا وقفًا يمنع بيعها أو التصرف بها، وقد بقي الحال كذلك إلى أن تم إنزاله عن العرش، لتبدأ حركة شراء الأراضي في فلسطين، والتي تم أغلبها في السر، إذ لم يكن اليهود يعلنون عن هويتهم، بل كانت عمليات الشراء تجري من خلال وسطاء متعاملين مع الصهاينة.
الحرب العالمية الأولى وبداية القضية الفلسطينية
اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1913 بين دول الحلفاء المتمثلة في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا القيصرية وغير قليل من الدول الأوروبية والآسيوية، ودول الوسط التي تألفت من ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية، وكانت من نتائج هذه الحرب انتزاع أراضي الدولة العثمانية، إذ تعاونت بعض القبائل العربية مع الإنجليز في قتال العثمانيين، فاحتُلَّت فلسطين من قبل الجيش البريطاني بقيادة الجنرال اللنبي، ومُنح وعد لليهود بتأسيس وطن قومي لهم هو وعد بلفور المشؤوم الذي اعترفت بموجبه بريطانيا وفرنسا بأحقية اليهود في فلسطين، وقد سبق اندلاع الحرب العالمية الأولى معاهدة سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، تم بموجبها تحديد أحقية كل دولة بأراضي الدولة العثمانية، لكن استُبعِدت روسيا فيما بعد من الاتفاق بعد خروجها من الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي دفع البلاشفة إلى فضح هذه الاتفاقية التي شكلت صدمة للأمة العربية التي حاربت مع الإنجليز ضد إخوانهم في الدين من الأتراك.
بداية التوطين اليهودي في فلسطين
بدأ الاستيطان اليهودي في فلسطين بشكل علني بعد استيلاء الإنجليز على فلسطين، فبدأ نقل اليهود إليها وتوطينهم في مستعمرات لهم، وقد استمر هذا الحال حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية إذ بدأت ألمانيا بحصر اليهود في أوروبا وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال، أما البقية فقد التحقوا بجيوش الحلفاء التي استوعبت الآلاف من اليهود لقتال دول المحور، لكن بعد الحرب العالمية الثانية تم إرسال هؤلاء الجنود المدربين إلى فلسطين ليشكلوا عصابات صهيونية مدربة ومسلحة تسليحًا عصريًا عاليًا، بغية احتلال فلسطين وتجريدها من أهلها إثر اكتسابهم تأييد دول العالم التي تعاطفت مع اليهود إثر محارق الهولوكوست الألمانية.
ومنذ قدوم هذه العصابات إلى فلسطين بدأوا بمهاجمة القرى العربية، والمعسكرات الإنجليزية لتعجيل انسحابهم من فلسطين، وإثارة الرعب لدى جنودهم، وقد بقيت القوات البريطانية تمنع دخول الجيوش العربية ريثما ينتهي انسحابها وتسليم سلاحها الثقيل للعصابات الصهيونية التي نجحت بفضل هذا السلاح بالتغلب على الجيوش العربية النظامية مجتمعة في عام 1948م، واحتلال أجزاءٍ من فلسطين مستندين في ذلك على قرار التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947م الذي نص على إعطاء اليهود مساحة 55% من فلسطين، لذلك وقفت دول العالم في صمتٍ مخزٍ أمام ما جرى للشعب الفلسطيني من مآسٍ واضحة تمثلت في المذابح والقتل والتفجير والتهجير.
تعمق المأساة الفلسطينية في حرب حزيران
لم يكن اليهود في يوم من الأيام شعبًا يتوق للسلام، فلم يستكينوا للراحة والهدوء بعد انتصارهم على الدول العربية واحتلال أجزاءٍ من فلسطين، بل سعوا لبناء قواتهم العسكرية بعد إعلان قيام دولتهم المزعومة، لاحتلال ما تبقى من أرض فلسطين، وبقية البلاد العربية، فعمدوا إلى تحييد القوة العسكرية المصرية في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1955م، ومن ثم أطلقوا هجومًا على ثلاثة محاور في عام 1967م استمر لمدة ستة أيام عرف باسم حرب حزيران أو الأيام الستة أو النكسة، وكان نتيجتها احتلال كامل فلسطين والجولان السوري، وشبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى موجة لجوءٍ فلسطينية جديدة إلى البلاد العربية المجاورة، لتصبح فلسطين من ذلك اليوم أسيرةً بيد الصهاينة، ولتبدأ مرحلة جديدة في القضية الفلسطينية أكثر عمقًا وألما تمثلت بضياع كافة الوطن، وتهجير آلاف العائلات من أرضها، وتدمير الجيوش العربية وتحييدها، الأمر الذي شكل صدمةً للشعوب العربية كلها، وفقدوا ثقتهم بجيوشهم وقدرتها على استعادة فلسطين أو حتى الدفاع عن أوطانهم، لكن جاءت معركة الكرامة في قرية الكرامة الأردنية عام 1968م، لتعيد شيئًا من الأمل المفقود، وتحقق انتصارًا على جيش الاحتلال الذي أراد احتلال مرتفعات السلط الأردنية، لتعقبها حرب تشرين أو رمضان التحريرية عام 1973م، التي استطاعت استرجاع سيناء وبعض الأراضي السورية، لكن الاحتلال الإسرائيلي حافظ على وجوده في فلسطين حتى يومنا هذا، ولم تستطع الجيوش العربية تحرير شيءٍ منها، ولتستمر القضية الفلسطينية بلا حل أمام سكوت المجتمع الدولي وتخاذل الأمة العربية، إذ يرفض الفلسطينيون التخلي عن حقهم في العودة، وتأبى الصهيونية سوى الثبات على الباطل وعدم التخلي عما احتلوه من أرض، لذلك يمارس الصهاينة كل يومٍ جرائم جديدة بحق الفلسطينين الثابتين على قضيتهم، والذين لم يتخلوا عن وطنهم.
القضية الفلسطينية هي مسؤولية كل مسلم
لا تعد القضية الفلسطينية مجرّد قضية سياسية فحسب، أو مجرد صراع على قطعة أرض بين شعبين، فمثل هذه القضايا تحدث بين أي شعبين، حتى وإن كانا من نفس القومية أو الدين، بل إنّ ما يميز القضية الفلسطينية هي أنها قضية عقائدية، ووجودية، فاليهود يستمدون حججهم في ادعائهم بأحقيتهم في فلسطين من كتبهم ومصادرهم لا سيما التوراة والتلمود، في حين إنَّ الفلسطينين العرب يستمدون حجتهم من دينهم الذي يأمرهم بالدفاع عن وطنهم وأرضهم، وعن المسجد الأقصى الذي يمثل ثالث أقدس مكان على الأرض عند المسلمين، بالإضافة إلى ثبوت حقهم التاريخي في فلسطين، فهم أصحاب هذه الأرض حسب ما تقرّ به المصادر التاريخية، من نقوش وكتب وآثار، إلا أنّ اليهود يدعون أنّ فلسطين هي أرض الميعاد، وأنّ الله تعالى وهبهم إياها وجعلها أرضا لهم، وقد أُخرِجوا منها، والآن عادوا إليها ليستعيدوا حقهم فيها.
إنّ اليهود والحركة الصهيونية العالمية قد أطلقوا دعوة كاذبة بأنَّ فلسطين أرضٌ بلا شعب، وأنهم شعبٌ بلا أرض، وقد استندوا بشكل صريح على نصوصهم الدينية في التوراة التي تحكي عن كونهم منحوا فلسطين، لكن في حقيقة الأمر لا بد من الإشارة إلى أنَّ اليهود يقيمون دعواهم على نصوص مزيفة ثبت بالعلم والبرهان أنّ الكتاب المقدس المعروف بالتوراة هو كتابٌ محرف، وقد كتب بعد وفاة سيدنا موسى على يد عدد من أحبار اليهود، فقد كسر سيدنا موسى الألواح التي حُفظت بها التوراة عندما عاد إلى قومه ووجدهم يعبدون العجل، ومن المرجح أن أسفار التوراة قد كتبت على مر السنين بعد وفاة سيدنا موسى، على يد بعض الكهنة لا سيما الكاهن صموئيل الذي كان أشد الكهنة اليهود تعصبا، وأعلمهم بالقراءة والكتابة، وهو الذي أنشأ نصوصًا لليهود بضرورة إنشاء مملكةٍ لهم في فلسطين، وذلك لتوحيد قوتهم لمواجهة الكنعانيين، لذلك يرى عدد من الباحثين -لا سيما المتخصصين في التاريخ- أنَّ أيّ نصٍ يكتب بعد موت الشخص المعني به مشكوك بصحته، فكيف وهو الذي دُوِّن بعد عشرات ومئات السنين، ويوجد بين نسخه المكتوبة بلغات مختلفة اختلاف بيِّن وواضح، ولا يمكن الربط بينها بأي حالٍ من الأحوال، بالإضافة إلى أنّ ما يذكر به من معلومات تارخية مخالفة للحقيقة بشكلٍ كامل، فهناك أحداث لم تحدث أصلا، أو أنها حدثت لكن في غير الزمن الذي تذكره التوراة، فالتوراة على حد زعمهم خليط من الحكايات الشعبية، والقصص المخترعة التي امتزج بعضها بالحقيقة، وبعضها الآخر بالكذب المطلق.
ومع ذلك يصر اليهود على تمسكهم بالتوراة، ويعتبرونها مصدر التشريع الأول لديهم، بل إنّ الكنيسة المسيحية تعترف به أيضا، وتعده جزءًا من الكتاب المقدس، وتطلق عليه العهد القديم، رغم أنّ اليهود في باطنهم لا يعترفون بالنصرانية كدين، بل كانوا يحاربونها ردحًا طويلا من الزمن، لكن اليهود استطاعوا السيطرة على الكنيسة المسيحية في عصر النهضة، وجعلها تابعةً لهم، إضافة إلى وجود هدف مشترك بينهما وهو القضاء على الإسلام، فالمسيحية إن ناصرت اليهود بعد سنوات من قمع الكنيسة لهم في أوروبا، واجتثاثهم على يد محاكم التفتيش الإسبانية، فإنَّ محاربة الإسلام تمثل أولوية عقائدية لديهم، لذلك نجدهم يمدون يد العون لليهود في احتلالهم لفلسطين، وعرقلة أيّ تحرك إسلامي ضدها.
إنّ اليهود في عصرنا الحديث، وفي كافة أنحاء العالم يؤمنون بقضيتهم الباطلة في احتلال فلسطين، ويعتبرون وجودهم فيها قضية وجودية، كذلك ينبغي على كافة مسلمي العالم أن يعتبروا قضية فلسطين قضيتهم الأولى، فمنذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بدأ العرب والمسلمون بالتنصل شيئًا فشيئًا من واجبهم تجاه حمايتها وتحريرها، فبدأت الطموحات والأهداف تتضاءل كل يوم، فبعد أن كانت الأولوية تحريرها، تقلصت الطموحات للحفاظ على استقرار الحدود مع إسرائيل، بل إنَّ كثيرا من الدول لم تعد تهتم لما يجري مع الشعب الفلسطيني من ممارسات إرهابية بحقهم، ولم يبق مَن يُعنى بهذه القضية إلا أهل فلسطين الذين لا زالوا موالين لقضيتهم، وعددٌ غير قليل من أبناء الشعوب الإسلامية، التي لا زالت تعتبر فلسطين قضيتها الأولى، وإن تخلت حكوماتهم عنها، والتي عمد بعضهم لتطبيع العلاقات مع المحتلين اليهود، معترفين بحقهم فيها.
المسجد الأقصى وواجب حمايته
إنّ المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهو عند المسلمين من الأماكن المقدسة التي يجب حمايتها والتضحية بالنفس لأجلها، وقد استطاع اليهود أن يحتلوا المسجد الأقصى من الجيش الأردني في حرب النكسة عام 1967، بعد أن أبادوا كافة الجنود الأردنيين فيه، ومنذ ذلك الوقت أصبح المسجد الأقصى أسيرًا بيد اليهود الساعين لتدميره بغية بناء هيكلهم المزعوم بدلا منه، فعمدوا لإحراقه عام 1969م، إلا أنّ الأردن عمدت إلى ترميمه، وبادرت غير مرةٍ لإجراء أعمال الصيانة فيه، واستطاع الأردن تحقيق الوصاية على المسجد الأقصى التي ساهمت إلى حد ما في ترميم وإصلاح ما يدمره اليهود بالمسجد المبارك، وفي يومنا هذا يشهد المسجد الأقصى جرائم كبيرة من اقتحامات وانتهاكات لقدسيته الشريفة، والتي تقابل بمقاومة عنيفة من قبل الفلسطينيين الذين لا زالوا يحافظون على وجودهم في المدينة المقدسة رغم عمليات التهجير القسري، ومحاولات شراء المنازل والأراضي المحيطة بالمسجد، إلا أنَّ واجبهم الديني فرض عليهم الثبات كي لا يسمحوا بتغيير وجه المدينة المقدسة من الإسلامي إلى اليهودي الصهيوني.
أزمة الوعي عند المسلمين
إن المسلمين في عالمنا اليوم لاسيما العرب منهم يعانون من أزمةٍ حقيقية في الوعي إذ إنّ كثيرًا من البلاد العربية، تخلت عن القضية الفلسطينية، وأخذت تهادن العدو الإسرائيلي وتعد وجوده شرعيًا رغم ما ارتكبه من مجازر بحق إخوانهم في الدين الإسلامي، بالإضافة إلى أنَّ وسائل الإعلام العربية والإسلامية أضحت تتخلى عن واجبها في نصرة الإسلام وفلسطين، مما جعل حضور القضية الفلسطينية في نفوس الشعوب الإسلامية قليلا، وخافتا، لكن على الرغم من ذلك نجد في زمننا هذا من لا زال يثير القضية الفلسطينية بقلمه أو بفعله، إذ لا زال عدد من الكتاب والمؤلفين ينشرون مؤلفاتهم حول هذه القضية، ويذكرون بها باستمرار منطلقين من واجبهم الديني والوطني في سبيل تحرير فلسطين.
المصادر:
- المفسدون في الأرض، سليمان ناجي، مكتبة السائح، القاهرة، ط1، 1973.
- أساطير الصهيونية، جون روز، مكتبة الشروق الوطنية، القاهرة، ط1، د.ت.
- دراسات في القضية الفلسطينية، وليد حسن، وعدنان عبد الرحمن، جامعة الأمة للتعليم المفتوحة، غزة، ط1، 2013.