الدیمقراطیة الدولیة تحت قیادة أمریكا

بقي أن نقول أن سعي النظام العالمي وعلى رأسه أمریكا في نشر قیم الدیمقراطیة في بلادنا وتلمیعها عبر منظماتهم الثقافیة لیس الغرض منه حدوث دیمقراطیة بالفعل عندنا ولو -حتى- على الوجه الموجود في الغرب، فأمریكا دعمت -ومازالت تدعم- كل الأنظمة الاستبدادیة في بلادنا لكون هذه الأنظمة هي الحامي الاول والأخیر لمصالحها.

لواء الديمقراطية الأمريكية

الديمقراطية الأمريكية

حَمْلُ أمریكا للواء الدیمقراطیة الدولیة غرضه الآتي:

1. خلق ذریعة “استعماریة” مقبولة دولیًا للتدخل العسكري ضد البلدان التي لا تروق لها، فلأمریكا دائما ثلاث ذرائع منمقة تدخل من خلالها في شؤون بلادنا: (حمایة حقوق الإنسان + حمایة حقوق المرأة + حمایة قیم الدیمقراطیة) وعند تكشیر الأنیاب تراها تصرح بذریعتین أكثر وضوحًا: (حمایة المصالح الأمریكیة + حمایة أمن إسرائیل)!

2. إشغال الشعوب عن التفكیر في إیجاد بدیل مثالي غیر الدیمقراطیة وقیمها، ولتصبح الدیمقراطیة المثال الذي یحلم به كل من یسعى إلى التغییر ومصرفًا تصرف فیه طاقات التغییر بلا طائل، إذ أن أمریكا تدرك أن تفكیر الشعوب في بدیل یخرج عن الدیمقراطیة یعني بدایة الخروج الحقیقي عن المسارات المرسومة كلها وخطوة أولى على طریق التحرر ولذلك فهي تلمع في الدیمقراطیة وتكثف من الدعوة إلیها حتى لا یفكر الشباب في وجود أي بدیل آخر خاصة البدیل المنبثق من الإسلام!

3. الاحتواء العملي لكل تحركات التغییر التي تقع بالفعل في بلادنا “كالثورات” الأخیرة، فإن أي تحرك للتغییر إذا انتهى للمسار الدیمقراطي فهذا یعني دخوله مرة أخرى تحت سیطرة واحتواء الخارج لأنه مسار سهل التلاعب به ومتصالح مع النظام العالمي القائم، كما أن الإعلام ورأس المال هما المتحكمان الرئیسیان في هذا المسار، والخارج مسیطر على الإعلام ورأس المال سیطرة كاملة إما مباشرة أو عبر عملائهم في الداخل.

هذا غیر أن جمیع القوى التي تخوض اللعبة الدیمقراطیة وقادرة على حسمها سواء كانوا من اللیبراللین أو من تیار ما یسمى “الإسلام السیاسي” هم في الواقع ملتزمون بالإطار الأمریكي، متصالحون جدًا مع مصالح أمریكا ولیسوا مصطدمین معها ولو فكروا في الاصطدام فالتعامل معهم سهل والتخلص منهم بسیط، كل هذا یجعل المسار الدیمقراطي أفضل وسیلة تستخدم لدفن الثورات واحتوائها بالتدریج ثم الانقضاض الكامل علیها.

وبذلك تفهم أن السیاسة الأمریكیة سیاسة لها وجهان، فهي تبقي دائمًا على مسارین لخططها، مسار رئیسي یمثل إرادتها الحقیقیة كدعمها للأنظمة المستبدة، ومسار آخر تحتوي به المعارضة على هذا المسار الرئیسي، بحیث لو سقط المسار الرئیسي یكون البدیل من عندها هي أیضًا، فهي لا تضع البیض في سلة واحدة، لتضمن أن المسارات كلها لن تخرج عن صندوقها، ولذلك ستجدها تدعم قیم الدیمقراطیة وحاملیها في المعارضة، في الوقت الذي تدعم فیه أیضًا أنظمة الاستبداد.

وبالتالي تظل بلادنا تدور في نفس الدائرة المغلقة لأن الذي یدعم السلطة أمریكا، والذي یدعم المعارضة أیضًا أمریكا، وهذا بالضبط ما رأیناه عقب “ثورة” ینایر! والتقاریر الاستراتیجیة الأمریكیة تنبه مع ذلك إلى ضرورة التوازن لئلا یصطدم المساران كما یقول تقریر راند 2007: “إن المعضلة التي تواجه السیاسة الأمریكیة هي أن الدعوة إلى الدیمقراطیة قد تساعد على إضعاف الأنظمة الاستبدادیة التي تدعمها الولایات المتحدة الأمریكیة”.

الرابط بین الدیمقراطیة والعلمانیة

بالرجوع إلى التعریف الذي قدمناه عن العلمانیة باعتبارها إقصاء للدین من أن یكون مصدرًا للشرعیة أو میزانًا توزن بها الأمور، تجد أن الشرعیة في النظام الدیمقراطي مصدرها هو إرادة الأغلبیة، فالشيء لا یكتسب الشرعیة إلا عندما توافق الأغلبیة علیه مهما كان مقدسًا، وبالتالي الدیمقراطیة سیاسیًا هي صورة من صور العلمانیة لأنها لا تجعل الدین مصدرًا للشرعیة ولا مقیاسًا ولا میزانًا توزن به الأمور، فقط إرادة الأغلبیة هي التي تحدد.

خاتمة حول النظام الدیمقراطي: إن أطروحات نقض الدیمقراطیة كثیرة حدیثًا وقدیمًا، ومن أشهر ما كُتب في ذلك مؤخرًا كتاب: “أسطورة الناخب الرشید: لماذا الدیمقراطیة تختار أسوأ السیاسات” وهو للبروفیسیر Bryan Calpan والعجیب أنه جعل غلافه صورة لقطیع من الخراف للتدلیل على الناخبین!

لقد أتیتك من كلام غیر العرب والمسلمین قدیمًا وحدیثًا ما ندلل به على نقدنا ونقضنا للدیمواقرطیة، لتعلم أنها لیست كما صورها لنا بنو قومنا من القداسة حتى في موطنها الأصلي الیوم، ولیست نظامًا مطلق المثالیة واجب الاحترام والتقدیر كما یدعون، وقد تتابع كبار الحكماء والفلافسة والمفكرون على نقدها ونقضها من قبل المیلاد!

فقیمتها المثالیة العلیا لیست مثالیة، وإذا كانت مثالیة فلا سبیل لتحقیقها، والمعیار الذي وُضع للتدلیل على هذه القیمة معیار خاطئ، ولو كان معیارًا صحیحًا فنظریة النواب التي وضعت لتحقیقه لا تحققه، والآلیة الانتخابیة التي وضعت لتحقیق النظریة أسوأ وأسوأ، فهو نظام یتلاعب به رأس المال مستخدمًا بوقه الإعلامي، نظام یقوم على الخداع والكذب الدعائي حتى في أكبر الدول التي تشدقت به “أمریكا”، وقد أثبتت الأیام عوار هذا النظام وحقیقته.

وإذا كان البعض یرى أن النموذج الغربي للدیمقراطیة وعلى رأس ذلك أمریكا هو نموذج الحكم المثالي فنحن نرى أنه النموذج الأسوأ للبشریة، نموذج لم یقدم إلا خداعًا وتضییعًا منمقًا للحقائق، نموذج لا علاقة بین شعاراته وبین حقیقته على الأرض، نموذج لم یقدم إلا فاشیة واعتداء على الشعوب المستضعفة، نموذج لم یصدر إلا ما یخدم مصالح فئة محددة على حساب الآخرین، ونعتقد أنه على كل حر أن یشغل نفسه لیل نهار بهدم قیمه وإزالته وإنهاء أسطورته وكم في ذلك من خدمة للشعوب كلها..

اضغط هنا لتحميل كتاب معركة الأحرار كاملًا PDF – الطبعة الثانية

أحمد سمير

ناشط ومهتم بالشأن الإسلامي والعالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى