الفرق بين القيمة والسلوك
من المعلوم في علم النفس أن كل سلوك إنما ینبثق من قیمة تدفع إليه، فالقیم هي الدوافع المحركة والمنظمة للسلوك، والقیم لا یقصد بها فقط القیم الشریفة ولا السامیة بل قد تكون القیم الدافعة للسلوك قیمًا متدنیة جدًا وقد لا تتجاوز المادیات المجردة، كالذي یحرك سلوكه في الحیاة حب المال، فالمال هو قیمته التي تتحكم في كل سلوكیاته.
فالطفل الذي لدیه سلوك عدواني مثلًا تجاه الآخرین، من أكبر الأخطاء التي یتم التعامل بها معه هو أن یبدأ أهله في مواجهة هذا السلوك دون النظر للقیم التي أدت إلیه، فیقومون بضربه ومعاقبته مما قد یزید من عدوانیته، بینما العلاج النفسي الصحیح لا یعالج السلوك الظاهر، بل یبدأ في معالجة القیم التي ترسخت داخل الطفل وجعلت سلوكه عدوانیًا، قد یكون السبب هو شعوره بالنقص وهي قیمة سلبیة تدفعه لهذا السلوك، وقد یكون التقلید لشخص یحبه له قیمة عنده، وهكذا یتم تصحیح القیم داخل الطفل وبعدها سینضبط سلوكه تلقائیًا.
الإسلام والقيمة
وفي الإسلام ما یؤید هذه النظرة التحلیلیة في إرجاع السلوك الشخصي الظاهر إلى القیم الداخلیة، ولیس أدل على هذا من حدیث عائشة -رضي لله عنها-:
إنما نزل أول ما نزل منه (أي القرآن) سورة من المفصل، فیها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام.
ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر؛ لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا.. ولو نزل: لا تزنوا؛ لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا.. فهي توضح كیف أن الإسلام لم یتطرق للجانب السلوكي للصحابة حتى رسخ في قلوبهم قیمة طلب الجنة وقیمة الخوف من النار فبعدها كان من السهل علیهم ترك المحرمات بناء على هذه القیم الراسخة.
ولذلك فالإیمان في الإسلام لیس مجرد اعتقاد بل هو اعتقاد وقول وعمل، فالعمل أصبح ركنًا في الإیمان بالرغم أن الإیمان محله القلب لأن هذا الإیمان ببساطة إذا لم ینبثق عنه عمل أو سلوك فمعناه أنه لم یتحول إلى قیمة في القلب لأن القیم یجب أن ینتج عنها سلوك ظاهر، والإیمان الذي لم یتحول إلى قیمة في القلب هو إیمان لا ینفع صاحبه یوم القیامة.
قدمنا هذه المقدمة التأسیسیة الهامة لنقول أن هذا الأسلوب التحلیلي لا یقتصر على القیم الشخصیة التي یحملها كل فرد وینبع عنها سلوكه، بل إن الجماعات والحركات والأنظمة لها أیضًا منظومة قیم عامة، هذه القیم یخرج منها السلوك التفصیلي لهذه الجماعات أو الحركات أو الأنظمة، والسلوك نعني به كل الظواهر التي تراها على أرض الواقع من قرارات وتصریحات وبیانات وشعارات وممارسات وأفعال.
وقد ینبع السلوك الواحد من قیم مختلفة، فالاتفاق السلوكي لا یدل دائمًا على الاتفاق القیمي، هذا هو ما یسمى بتقاطع المصالح، فتقاطع المصالح لا یعني أبدًا الاتفاق في القیم، بل تعني أن الأطراف المختلفین -قیمیًا- تقاطعت مصالحهم في سلوك معین، كما سیحدث في آخر الزمان عندما یقاتل المسلمون والروم عدوًا واحدًا مشتركًا، ولكل فئة قیمة مختلفة تدفعهم لهذه الحرب المشتركة، ومن أمثلة الاتفاق السلوكي كذلك ما حدث في 25 ینایر فقد توافقت تیارات وجماعات وأفراد على سلوك مشترك وهو المطالبة بإسقاط النظام ورحیل رأسه رغم اختلاف القیم، فمنهم من كانت تدفعه قیم دینیة ومنهم من كنت تدفعه قیم لیبرالیة أو علمانیة وهكذا، وهو ما اتضح بعد ذلك.
إذا طبقت هذه النظرة التحلیلیة ستكتشف أن كثیرًا من حركات المعارضة في بلادنا قد تشترك مع النظام في القیم وتختلف معه في السلوك فقط، ولهذا السبب قد یشترك البعض معك في سلوكك المعارض للنظام الیوم، ولكنه یحمل قیما مختلفة تجعله یقف مع النظام ویحاربك غدًا!
ما كُنّا لنفهم معنى كلمة “قيمة” لولا أن صاحب المقال ترجمها لنا نحن العرب الى اللغة الانجليزية!!!! !!!!!!!
كلمات “قيمة” و”سلوك” معلوم معناها لكل ناطق باللغة العربية، فهاته كلمات عربية أصيلة فلا داعي البتة لترجمتها بين قوسين الى الانجليزية! ثم إن الترجمة خاطئة: سلوك (value) إنما ینبثق من قیمة (behavior) ! والصحيح أن قيمة هي (value) و سلوك هو (behaviour).
لكن رجاء حدف الكلمات الانجليزية من المقال، فوالله إنه للعار إذا لم يفهم أحدٌ معنى “قيمة” و”سلوك” ويحتاج لترجمة انجليزية!