الغزو الفكري.. الوسائل والأركان

مفهوم الغزو هو التعدي على حقوق الآخرين دون وجه حق، والسيطرة على أموالهم وديارهم وقهرهم للسيطرة على جميع ممتلكاتهم، وذلك التعريف هو المفهوم السائد لفكرة الغزو قديمًا. وكانت تطلق كلمة “الغزو” على الاحتلال العسكري أو احتلال دولة لدولة أقل منها من حيث القوة، تمتلك مصادر مهمة مثل الغذاء أو المواد الطبيعية. وكانت تحتل هذه الدول الدول الأخرى بالقوة عن طريق المعارك والحروب وتتسبب في قتل العديد من الأشخاص لفرض سيطرتها في أراضيهم.

ما مفهوم الغزو الفكري؟

الغزو الفكري

أصبح الغزو الآن غزوًا فكريًا؛ وهو السيطرة على الأمم بدون سلاح وإنما بالتفكير، واستخدام أساليب مختلفة لتدمير القوة والمقاومة الداخلية للدولة المستهدفة. فتعريف كلمة “غزو” هي السيطرة أو نهب شيء ما بغير حق، ويمكن أن يكون هذا الشيء فكريًا مثل اعتقاد ديني أو تقاليد معينة تخص هذه الدولة.

لهذا فإن مفهوم الغزو يعتبر أدق وصف لتوضيح الخطورة والآثار التي يترتب عليها غزو الأمة فكريًا. وعلى الرغم من أن هناك الكثيرين الذين يعتقدون أن الغزو الفكري لا يشكل خطورة على الأمة بسبب عدم وجود حروب أو معارك، إلا أن هذا الغزو يعتبر من أخطر المعارك والحروب التي تحدث لدولة ما خاصة الدول الإسلامية.

هناك العديد من المفاهيم والتعريفات التي أوضحها الباحثون للغزو الفكري. منها أن الغزو الفكري عبارة عن مجموعة من الأمور والجهود التي تساعد أمة أو دولة في الاستيلاء على دولة أخرى، وهذا الاستيلاء يكون سببًا في التأثير عليها وجعلها تحت سيطرتها.

أما المفهوم الثاني فهو أن تقوم دولة بتبني معتقدات وأفكار دولة أخرى؛ مما ينتج عن ذلك ضياع وتبديد لحاضر ومستقبل هذه الأمة مثلما حدث مع الدول الإسلامية حديثًا. أما المفهوم الثالث فهو أن تتخذ دولة أو أمة من دولة أخرى مناهج للتعليم وتطبقها< سواء كانت هذه المناهج صحيحة ويمكن تطبيقها مع تفكير مجتمعهم وعاداته وتقاليده أم لا.

كيف بدأ الغزو الفكري؟

بدأ الغزو الفكري عن طريق الحروب الصليبية التي كانت تشن على الإسلام والمسلمين في كل مكان، وهذا بعد فشل الصليبيين في فرض السيطرة على المسلمين؛ حيث باءت جميع الخطط والمؤامرات بالفشل ولم يستطيعوا السيطرة على المسلمين من خلال الحروب والمعارك. ونرى استمرارًا لهذا النهج عندما قرر نابليون شن حروب أخرى وهي حروب الكلمة أو “الغزو الفكري” على المسلمين، وبدأ في نشر أفكار هدامة لزعزعة الدين الإسلامي في نفوس المسلمين.

هل تتعرض الدول الإسلامية إلى الغزو الفكري؟

الغزو الفكري

الإجابة هي نعم تتعرض جميع الدول الإسلامية إلى الغزو الفكري؛ حيث يرغب المجتمع الغربي في نشر العديد من الأمور التي تخالف العقيدة الإسلامية، ويعتبر هذا الغزو من أشد الحروب خطورة في الوقت الراهن، ومن أخطر الغزوات الفكرية التي تقوم بها الدول الغربية على الشرق وبلاد الإسلام هي الغزوات الصليبية والغزوات الصهيونية وأخيرًا الغزوات الإلحادية وهي الأكثر انتشارًا في الوقت الحالي.

وهذا بسبب انتشار الجهل وعدم تربية الأبناء تربية صحيحة من خلال معرفة الشريعة والأمور الدينية الإسلامية الصحيحة، وأيضًا يلعب الفراغ دورًا مهمًا في انتشار هذه الأفكار التي استطاعت الأحزاب من خلالها السيطرة على قليلي الإيمان ومزعزعي الثقة، ونشر أفكار خاطئة؛ مما أدى إلى انتشار الملحدين في البلاد.

آراء المفكرين العرب في الغزو الفكري

الغزو الفكري لديه العديد من الوسائل وآراء المفكرين فيه هي:

محمد جلال كشك: يقول -رحمه الله-، في كتابه الغزو الفكري: “إن الاستعمار الصهيوني قد قرر تدمير الخلافة الإسلامية منذ القرن التاسع عشر، وهذا لأنهم فشلوا في مواجهة ومحاربة الإسلام بالسلاح فقد حاربوه بالتفكير من أجل تشويه وتخريب الشريعة الإسلامية. وكذلك حرصوا على تشويه عقل المسلمين بأفكار غير حقيقية وشعارات مزيفة، ومع مرور الوقت وتغير الزمان يظل الغزو التفكيري سائدًا ولكن بطرق مختلفة، والهدف منه هو إبعاد المسلمين عن عقائدهم السماوية وإيمانهم بالله ورسوله، وهذا من أجل الدخول إلى صفوف المسلمين والقدرة على محاربتهم والتفرقة بينهم لجعلهم ضعفاء”.

الأديب محب الدين الخطيب: “إن الاستعمار الفكري يمثل خطرًا أكبر بكثير من الاستعمار الأرضي، فيمكن للأمة والجيش استرداد الأرض المحتلة بالسلاح، ولكن لا يمكن استرداد الفكر المحتل إذا تمكن الغرب من السيطرة على قلوب الرجال وعقول النساء، فالغزو الفكري من الأمور الخطيرة التي تحاول أوروبا أن تصل بها إلى الشرق وتحديدًا إلى المسلمين”.

 المفكر الإسلامي أنور الجندي: يقول -رحمة الله عليه- إن التغريب “وهو ركن من أركان الغزو الفكري” عبارة عن أفكار جديدة ينشرها الغرب من أجل التحكم في الفكر الإسلامي والحصول على السيادة من أجل نشر الحضارة والفكر الغربي، وبذلك تستطيع أوروبا والدول الغربية القضاء على الحضارة الإسلامية ونشر حضارتها الغربية.

وسائل الغزو الفكري المستخدمة ضد الإسلام

الغزو الفكري

هناك العديد من الوسائل التي يتم استخدامها من قبل الغرب ضد الإسلام والمسلمين عن طريق الغزو الفكري، وهذه الأفكار هي:

المنهج التعليمي

يعتبر المنهج التعليمي من أكثر وسائل الغزو التفكيري خطورة، فعلى أساسه يبنى جيل كامل. وقد يتضمن المنهج التعليمي في المدارس الحكومية أفكارًا تخالف الإسلام بل تهدمه. كذلك في الجامعات أو المدارس الخاصة الأجنبية، والغزو الفكري يحدث في هذه الأماكن عن طريق اختيار المدارس أو الدول التي لا يكون فيها الفكر الديني قويًا. وهذا الأمر يشوش فكر الطالب ويجعله يثق في أفكار الغرب المليئة بالانحراف السلوكي.

عدم الاهتمام بالمواد الدينية

عدم الاهتمام بالمواد الدينية من وسائل المساعدة على الغزو الفكري وذلك بسبب تقليل المواد الدينية في الجدول الدراسي للطلاب،  أو من خلال وضعها في آخر الجدول وهذا الأمر يجعل الطالب يتلقى المعلومة بصعوبة نظرًا لشعوره بالملل والإرهاق طوال اليوم الدراسي، وكذلك يتم تهميشها من خلال جعلها مادة غير مفيدة لا تساعد في نجاح الطالب أو رسوبه.

أيضًا حصر المواد الدينية في في المواد الخاصة بالشريعة فقط وتدريس باقي المواد مثل الاقتصاد والعلوم الأخرى كعلم النفس وعلم الاجتماع بعيدًا عن الدين وأوامر الإسلام. فيعتقد الطالب أن جميع الأشياء منفصلة عن الدين.

إهمال اللغة العربية

إهمال اللغة العربية واحد من وسائل الغزو الفكري حيث يتم هجر اللغة العربية الفصحى والتحدث باللغة العامية، مما يجعل المجتمع يجهل الفصحى ولا يستطيع النطق بها، كذلك تطالب بعض الجامعات والمدارس والأماكن الوظيفية مثل الشركات التحدث والكتابة باللغة الأجنبية بدلًا من اللغة العربية. وأخيرًا دعوة الأطفال إلى تعلم اللغة الأجنبية في المدارس مما يساعد في نسيانهم للغة العربية وعدم القدرة على تحدثها، إضافة إلى ذلك الدعوة بأن اللغة العربية صعبة وتحتاج إلى الكثير من الشرح والوقت ليستطيع الإنسان تعلمها.

تشويه تاريخ الإسلام

يحاول العلمانيون توصيل أن الإسلام كان في عهد رسول الله فقط ثم عهد الخلفاء الراشدين من بعده، أما بعد ذلك فقد انحرف الإسلام عن موضعه ولم يعد المسلمون كما كانوا، ثم يقومون بتصدير الانحرافات التي حدثت في عصور الإسلام الأخرى، ومحاولة إظهار النوايا السيئة للفتوحات الإسلامية وتصديرها على أنها نوع من أنواع الاحتلال. وأفضل شاهد على ذلك هي الكتب التي كتبها “جورجي زيدان” عن التاريخ الإسلامي.

طرق انتشار الغزو الفكري في المجتمع

الغزو الثقافي

يتم انتشار الغزو الفكري عن طريق العديد من الأمور التي تقوم بها الدول الغربية ضد الدول الإسلامية، وأبرز الطرق والوسائل هي:

الاختلاط وكثرة التعامل بين الجنسين

يسود في الوقت الحالي اختلاط الفتيات والفتيان في الجامعات والمدارس وجميع المراحل التعليمية، أما في المدارس والجامعات الأجنبية فيكون الاختلاط بين الطالبات والمعلمين وبين المعلمات والطلاب وكذلك بين المعلمين والمعلمات، وكذلك ينتشر في الحدائق والمستشفيات والأسواق وغيرها من الأماكن.

السفر والبعثات الدراسية

وهذا الأمر يتم من خلال إرسال الطلاب المسلمين للدراسة في الدول الغربية، مما يجعلهم يتعلمون أمورًا خاصة بهذه الدول والتي تبتعد كل البعد عن أصول الدين الإسلامي وتعاليمه، وكذلك لا يستطيع الطالب وضع ضوابط بسبب سيطرة العلوم التي يدرسها على عقله، إضافة إلى ذلك مشاركته في الأعياد الخاصة بهم والاقتناع بها مثل “عيد الحب وعيد الميلاد”.

فهذه الأعياد لا تمت للإسلام بصلة، بالإضافة إلى نشر الأفكار الوهمية واقتناع الطالب بالثقافة والمعتقدات الخاصة بهم، مما يجعله يحتقر ثقافة بلده ومعتقداته الدينية، وأخيرًا السيطرة على فكر الطالب من خلال الدخول إلى عقولهم عن طريق الأدب والحرية الفكرية في نشر الأدبيات المنحلة وتمجيد أصحابها واتخاذهم كمثال للشخصية الجديرة بالثقة.

تشويه العادات والتقاليد

تحاول الدول السيطرة على دول أخرى من خلال دراسة العادات والتقاليد الخاصة بهم، ثم يقومون بتدمير عاداتهم وتقاليدهم وإقناع بعضهم بعدم أهمية هذه الأمور.

فتنة النساء

المرأة لها دور كبير في المجتمع فهي التي تربي أجيالًا كاملة، لهذا تلجأ الدول الغربية والاتجاهات العلمانية إلى إفساد المرأة من خلال إقناعها بالاختلاط وسفرها بمفردها، ومحاولة استغلال المرأة ضد الرجل من خلال تعيينهم في وظائف مهمة وتحديد شروط لقبولهم في هذه الوظيفة مثل خلع الحجاب وغيره، وأخيرًا ظهور مصطلح العولمة من الأمور التي ساعدت في الابتعاد عن الفكر الإسلامي.

أركان الغزو الفكري

هناك ركنان أساسيان للغزو الفكري. هما:

الركن الأول “الاستشراق”

مفهوم الاستشراق هنا يعني دراسة المجتمع الشرقي من ناحية الأفكار والأسلوب وكذلك الصفات، وأيضًا دراسة العلوم الشرقية ولغتها. ويقول الدكتور الراحل إدوارد سعيد وهو مسيحي الديانة أمريكي الجنسية في كتابه الاستشراق صفحة رقم 39 “الاستشراق هو أسلوب ابتدعه الغرب لتطبيقه على الشرق من أجل السيطرة عليه” بمعنى بناء الشرق بالأفكار الغربية.

ويتضمن مفهوم الاستشراق هو دراسة العقيدة الإسلامية والتشريعية واللغوية والحضارات الإسلامية من قبل الغرب، من أجل القدرة على تشكيك المسلمين في أمور دينهم وتشويه الدين الإسلامي بشكل عام، إضافة إلى ذلك محاولة نشر الحضارة الغربية والادعاء بأنها الأفضل.

الدوافع الدينية للاسشتراقية

هناك ثلاثة دوافع أساسية للدراسات الاستشراقية. الدافع الأول هو الرغبة في عدم انتشار الإسلام داخل الأراضي الغربية والنصرانية أبدًا، الدافع الثاني هو شن حرب على الإسلام ومحاربة المسلمين من خلال الطعن في الفكر الإسلامي وتشكيكهم في أمور دينهم، وهذا من خلال تحريف وتزوير الحقائق والحط من قدر الإسلام عن طريق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استمد الدين من اليهودية والنصرانية. والدافع الثالث هو السيطرة على المسلمين ودعوتهم إلى اليهودية والنصرانية، من خلال تمجيد هذه الأديان عن الدين الإسلامي، ويعتبر هذا الدافع من أكثر الدوافع التي تستغلها الدول الغربية عن طريق دراسة التفكير الإسلامي لمعرفة طرق احتوائها من أجل احتلالها فكريًا.

الركن الثاني “التغريب”

يأتي مصطلح التغريب موضحًا لنفسه، فهو عبارة عن نقل سلوكيات وأسلوب وأفكار الغرب إلى العالم الشرقي الإسلامي، ويحاول التغريب الدخول في منافسة بين حضاراته والحضارة الإسلامية، كما يحاول السيطرة على عقل وقلب المسلمين من خلال تربيتهم على المناهج الغربية النصرانية التي تتيح عقائد وأمورًا يحرمها الإسلام ويخالفها.

وقد نجح هذا الركن في استخدام الشباب المسلمين الذين تلوثت عقولهم بالفكر الغربي، مما جعلهم تحت سيطرة الفكر والنهج الغربي سواء في أسلوبهم أو سلوكهم وكل هذا يخالف أوامر الإسلام التي جاء بها، ويخالف أوامر الله عز وجل وقرآنه الكريم وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. ويعتبر التغريب من أقسى الغزوات الفكرية التي واجهت الإسلام في جميع العصور. 

أسباب ظهور التغريب

هناك سببان أساسيان لظهور التغريب في الدول الإسلامية وبين المسلمين. السبب الأول هو تدهور الحضارة الإسلامية بسبب اتباع الناس لأهوائهم والركض وراء عقولهم دون تطبيق كلام الله -عز وجل-، مما جعلهم يغيرون في أنفسهم ويقعون في انحرافات ومعاصٍ كثيرة أبرزها “الابتعاد عن العقيدة” والابتعاد عن العلوم الدينية والاهتمام فقط بالعلوم الدنيوية مثل التجارة والفلك والطب.

أما السبب الثاني فهو انبهار المسلمين والشرق بالحضارة الغربية، هذا الانبهار أدى إلى تزعزع العقيدة في نفوس المسلمين بسبب جهلهم بأمور دينهم، فهناك أشخاص من المسلمين ذوو قيمة وقامة قد دعوا إلى فهم الحضارة الغربية ومحاولة تطبيقها في الدول الإسلامية بمميزاتها وعيوبها، من أجل توطيد العلاقات بين الغرب والشرق خاصة المسلمين. مثل طه حسين ورفاعة رافع الطهطاوي.

أهداف الغزو الفكري

  • إبعاد المسلمين عن دينهم.
  • القضاء على الحياة الإسلامية.
  • تفريغ العقول من التفكير في الله إلى التفكير في الأزياء والملابس وقصص الحب.
  • تشكيك المسلمين بالتراث الإسلامي والحضارة الإسلامية.

المصادر

  1. الغزو الفكري: معناه – أهدافه ووسائله وكيفية مواجهته
  2. الغزو الفكري وأركانه
  3. كتاب تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري
  4. تاريخ وأهداف الغزو الفكري والتغريب
  5. حوار مجلة البحوث الإسلامية حول الغزو الفكري

شيماء سعد

كاتبة محتوى حصري منذ 2017م، حاصلة على بكالوريوس تجارة، أحب القراءة، الكتابة، والسفر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى