ما المقصود بالغزو الفكري؟ وما الدليل على أنه ليس وهمًا؟

لقد عرف العالم المعاصر أنواع عدة من الغزو من أبرزها الغزو العسكري ويكون من دولة قوية لأخرى ضعيفة، وقد عانت الكثير من الدول ويلات هذا الغزو، وقدمت الكثير من التضحيات، ونافحت من أجل الحصول على استقلالها وحريتها، وقد عاشت هذه الدول الضعيفة مرارة غزو آخر ألا وهو الغزو الاقتصادي الذي تجرعت به هذه الدول كأس الحرمان والتجويع، ودفعت من خيرات أرضها حتي ينعم المحتل، واضطرت إلى أن تعيش تابعة لا متبوعة، متخلفة لا متقدمة، وتدفع في سبيل ذلك أبهظ الأثمان، وبذلت من الدماء ما تصورت به أنها سوف تتخلص من أنواع الغزو المختلفة، إلا أن أعداء البلدان الإسلامية –خاصة– والبلدان النامية –عامة– لجؤوا إلى غزو مختلف؛ غزو السلاح فيه هو الكلمة والحرب هي حرب قيم وثوابت.

وكانت هذه الحرب لا يحصرها ميدان بل هي متصفة بالشمول والامتداد فهي دائمة دائبة ممتدة إلى شعب الحياة الإنسانية جميعاً وتساعد حروب السلاح بل وتسبقها ثم تستمر بعدها لتكسب ما عجز السلاح عنه، فتشل إرادة المهزوم وعزيمته حتي يلين ويستكين فيقبل التلاشي والفناء في بوتقة أعدائه أو يصبح امتداداً ذليلاً لهم .

هذا هو الغزو الفكري وهو أن تظل بلدان العالم الإسلامي تابعة لدول الغرب لا تشعر بأدنى تميز لها بل تظل في قيود الذل والتبعية، وأن تتبنى قيم وثوابت غيرها من الأمم الأجنبية ، وأن تتخذ من تلك الأمم الأجنبية مناهجها في التربية والتعليم فتطبقها علي أبنائها وجيلها فيظهر لنا جيل ممسوخ الهوية والعقيدة مشوه التفكير.

الغزو الفكري هو أن يحول العدو بيننا وبين تاريخنا وماضينا وسير الأبطال من أسلافنا، ليحل محل هذا تاريخ تلك الدولة الغازية وسير أعلامها وقادتها.

الغزو الفكري هو أن تزاحم لغة الغالب لغة المغلوب فضلاً عن أن تحل محلها أو تحاربها بل ويفتخر أبناء الأمة الإسلامية باستخدام لغة الغرب!

الغزو الفكري هو الوسائل غير العسكرية التي اتخذها الغزو الصليبي لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية وصرف المسلمين عن التمسك بالإسلام مما يتعلق بعقيدتهم وما يتصل بها من أفكار ومعتقدات.

تركيز الغزو الفكري

وقد أصبح الغزو الفكري لعقول المسلمين يستهدف الجذور لا القشور ويحاول القضاء على الجوهر لا العرض، ومن هنا تركز الغزو الفكري ضدنا في أمرين أساسيين :

  1. القران الكريم والسنة النبوية أساسا التشريع للمسلمين .
  2. اللغة العربية لغة القرآن ولغة المسلمين علي اختلاف جنسياتهم وأوطانهم.

وكان السلاح المدمر الذي استخدموه في هذه الحرب هو :الفكرة والكلمة والرأي والحيلة والنظريات والشبهات وتحريف الكلم عن مواضعه وغير ذلك مما يقوم مقام السيف .

لماذا الإسلام؟

لقد أيقن الغرب في صراعه الطويل مع الإسلام والمسلمين أن مصدر قوة المسلمين تكمن في دينهم لذا سعوا جاهدين إلى تعميق شقة البعد بين المسلمين وعقيدتهم ، فكانت خطتهم الممنهجة هي إسقاط الخلافة الإسلامية وتشتيت أوصال دولة الإسلام ثم في نهاية المطاف الاحتلال العسكري لبلاد المسلمين، ولكن أدرك الأوروبيون بعد حملاتهم العسكرية المتكررة علي العالم الإسلامي أن هذه الحروب وحدها لن تحقق لهم القضاء علي المسلمين بل إنها كانت في أكثر الأحيان سبباً لإثارة روح الجهاد وبث الحماسة في نفوس المسلمين أوقات ضعفهم وتشتتهم، ولهذا كان الغزو الفكري لعقول المسلمين.

 ركائز الغزو الفكري وأدواته

لم يعتمد الغرب علي أداة واحدة للغزو الفكري لعقول المسلمين بل على عدة ركائز وأدوات حتي يشن الغارة وراء الغارة علي المسلمين فكراً وسلوكاً، وعلي بلاد المسلمين وخيراتهم في الحاضر والمستقبل .

وكان من أهم هذه الركائز:

الصهيونية أو اليهودية

ليس من الصحيح ما يحاول المضلون نشره من أن اليهودية دين والصهيونية فكرة قومية سياسية، ولكن الواقع يقول بأن الصهيونية واليهودية شيء واحد أو وجهان لعملة واحدة، إذ الصهيونية تخدم اليهودية وهى حركة خبيثة تستهدف القضاء على القيم والمبادئ وكل ماهو غير يهودي، ومن مراحلها إقامة وطن لليهود في فلسطين المسلمة، وأما بقية مراحلها فهي خدمة اليهودية العالمية، حتى يصبح العالم كله في قبضة اليهود وتحت سيطرتهم كما يزعمون في كتابهم الذي زيفوه حيث يقول “سيقوم الرب ويقيس الأرض ويجعل عبدة الأوثان –الأمميين – تحت يد إسرائيل ويسلم جميع ممتلكاتهم لليهود”، فالصهيونية إذاً هي أهم ركيزة من ركائز الغزو الفكري، تتخذ إلى ذلك كل سبيل وتسعى في كل مجال لتشويه الإسلام وتاريخه وحضارته، وتقوم بإفساد أخلاق المسلمين ونسائهم وتصطنع الفتن وتقتنص العديد من المسلمين لتضمهم إلى مؤسساتها ومنظماتها وسائر الأنشطة الاجتماعية الأخرى. .

التبشير بالمسيحية

أو التنصير -وهي التسمية الأدق- قد اهتمت الكنيسة بتوجيه جهودها إلى التبشير بالمسيحية في العالم الإسلامي لتقتلع الإسلام من نفوس الناس وتحل المسيحية محله، ويكاد يجمع المبشرون فيما بينهم على الكلمة التالية :إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا، ويصرح لورانس براون للهدف الحقيقي من التبشير فيقول “إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية واحدة فإنهم يصبحون حينئذ خطراً علينا أما إذا بقوا مفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير”، وكل المبشرين لا يخشون شيئا مثل الوحدة الإسلامية، صرح بذلك القس المبشر سيمون حينما قال:

إذا كانت الوحدة الإسلامية تكتلًا ضد الاستعمار الأوروبي، ثم استطاع المبشرون أن يظهروا الأوروبيين في غير مظهر المستعمر، فإن الوحدة الإسلامية حينئذ تفقد حجة من حججها وسبباً من أسباب وجودها.

ويقول مستر بالس “إن الإسلام هو العقبة القائمة في طريق التبشير بالنصرانية، والمسلم فقط هو العدو اللدود لنا”،ولقد كان التبشير الخطوة الأولى التي مهدت للاستعمار ومكنته من الاستيلاء على بلاد المسلمين وتسخير أرضها وخيراتها وكثير من أبنائها لخدمة الأغراض التبشيرية والسياسية معاً .

الاستعمار للدول الإسلامية المتحالف مع الصهيونية والتنصير

ليس الاستعمار حديث الميلاد كما يتوهم بعض الناس بل امتدت جذوره في ماضي الأمة الإسلامية ما يقرب من تسعة قرون ويدلل على ذلك ما فعله القائد اللنبي الذي قاد حملة من مصر للسيطرة على فلسطين عام 1917م حين قال “ها قد عدنا يا صلاح الدين”، ولقد استطاع الاستعمار أن يصبغ حياة المسلمين بصبغة الحضارة الغربية، فيحول كثير من المسلمين إلى أتباع وأعوان لهذه الحضارة، وقد قام باتخاذ وسائل أخرى للوصول إلى أهدافه المعادية للإسلام والمسلمين، مثل السيطرة على التعليم والثقافة ووسائل النشر والإعلام وكثير من الكتاب والأدباء .

المبادئ والنظريات المعادية للإسلام

(الديموقراطية–الشيوعية والاشتراكية–الرأسمالية-القوميات بأنواعها المختلفة): وهذه النظريات والمبادئ قد أصبحت الشغل الشاغل اليوم لكثير من المسلمين، وهي كلها تعادي الإسلام بما تشتمل عليه من نظم لا يعترف الإسلام بها، فالديموقراطية تجعل السلطة للشعب صاحب السلطة الكاملة والسيادة المطلقة أما الإسلام فيقر بأن الأمر كله لله والسلطة له أيضاً ونحن مقيدون بالشرع الذي أوحاه الله لنبينا وفى هذا التقييد كل الخير في الدنيا والآخرة.

الرأسمالية

وأما الرأسمالية فتعني تشجيع أصحاب رؤوس الأموال بإطلاق الحريات الواسعة لهم في التملك والإنتاج، ولقد ذاق العالم بسبب هذا النظام ويلات كثيرة نتيجة قيامه على كون المنفعة واللذة هما أقصي ما يمكن تحقيقه من السعادة للإنسان، والرأسمالية لا تهتم بالمبادئ الأخلاقية بل هي تنادى بإطلاق الحريات والتمرد على كل ما هو أخلاقي، وفى كنف الرأسمالية تربت العلمانية والمادية الملحدة وقد ساهمت الثورة الصناعية في أوروبا في بلورة النظام الرأسمالي.

وقد غالت الرأسمالية في مراعاة الملكية الفردية وإطلاق الحريات، فتحولت الحياة الإنسانية إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف؛ وكان من أبرز تصادماتها مع الإسلام أنها تقوم على النظام الربوي ويعد الربا من أسوأ ما يعاني منه المجتمع البشري اليوم، فقد أُخضع الفقير المثقل بالديون إلى الغني المرابي.

كما أن الرأسمالية لا تعترف بحق الفقير في مال الغني (فريضة الزكاة)، كما أن النظام الرأسمالي يشجع الدول الغنية على استعمار الدول الفقيرة وإخضاعها لها سياسياً واقتصادياً بغرض السيطرة عليها للحصول على الخامات والمواد الأولية وفتح أسواق جديدة للفائض من المنتجات مع استغلال الأيدي العاملة في حالة الحاجة إليها.

وقد اتخذ النظام الرأسمالي شكل التدخل العسكري المباشر في القرون السابقة أعقاب الثورة الصناعية، وهو الآن يتخذ شكل الغزو الاقتصادي لربط عجلة الاقتصاد في الدول الفقيرة باقتصاد الدول الغنية، وأيضا يشجع النظام الرأسمالي الحروب الإقليمية لدفع الشعوب الصغيرة إلى النزاعات العسكرية  لإثارة الحروب الإقليمية مما يؤدي إلى الإكثار من شراء الأسلحة من الدول الغنية، ومعلوم أن تجارة السلاح هي أكبر تجارة مربحة للدول الرأسمالية .

الشيوعية والاشتراكية

وأما الشيوعية والاشتراكية فما وقع نظام من النظم في تناقضٍ صارخ كما في النظام الشيوعي والاشتراكي، فالتناقضات التي وقع فيها هذا النظام كافية لمحق مبادئه ونظرياته وما يدعو إليه، ولم يحقق الشيوعيون والاشتراكيون أدنى نجاح في أخص ما يدعون إليه وهو النظام الاقتصادي وملكية الدولة لوسائل الإنتاج ولم يكن فشلهم في الاجتماع والسياسة بأقل من فشلهم في الاقتصاد، فليس فيما رآه هيجل أو كارل ماركس غناء أو نفع للإنسان فهي كلها نظريات لا تستساغ في عقل عاقل فضلا عن مصادمتها للدين والأخلاق والنظم الاجتماعية الراشدة.

القومية

ونجد أن مفهوم القومية قد غزا وحدتنا الإسلامية في العصر الحديث حين دخل نابليون محتلا مصر فعاني من شعار “الله أكبر والعزة للمسلمين”، فلم يجد نابليون حلا لتفتيت الوحدة الإسلامية إلا بالقوميات. فتركزت خططهم على أن العثمانيين ليسوا إلا شعبا آخر غير المصريين، وإقناع الناس بأن الدولة العثمانية ما هي إلا دولة غازية استعمارية متخلفة .

ولقد كان ظهور مبادئ القومية العربية على يد رجال الفكر اللبنانيين المسيحيين اللذين تثقفوا في المدارس الأمريكية؛ فالقوميات المختلفة في العالم الإسلامي كله كالفرعونية والفينيقية والبربرية ما هي إلا معاول هدم للإسلام والوحدة التي يقيمها بين معتنقيه ويجعلها أكبر وأجل من روابط الجنس واللون والإقليم واللغة.

طويل الأمد ولكن أكيد المفعول

جملة مختصرة إلا أنها ألمت بما حدث معنا منذ قرون، فقد كان الغرب ينشر الأمراض والأوبئة في جسد الأمة الإسلامية عبر أزمنة طويلة ولكنهم كانوا متأكدين من استشرائها وتغلغلها وصعوبة العلاج منها، فبعد أن كنا نرى المرأة المسلمة محجبة عفيفة تحافظ على عاداتها وتقاليدها أصبحنا نراها الآن عارية سافرة بل ومجاهرة بهذا بدعوى أن هذه هي حرية المرأة التي سلبها الإسلام منها.

أقوالهم التي دللت على خبث نواياهم وكذب ادعاءاتهم

(1) قول لويس التاسع ملك فرنسا بعد حملته الصليبية علي مصر: نحن لا يمكننا الانتصار علي المسلمين من خلال الحرب، وإنما يمكننا الانتصار عليهم من خلال السياسة.

(2) الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكري مرور مائة عام علي احتلال فرنسا للجزائر: إننا لن ننتصر علي المسلمين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية، ويجب علينا أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع الحرف العربي من ألسنتهم.

(3)ما قاله المبشر تاكلي: يجب أن نستخدم القرآن كسلاح ضد الإسلام نفسه حتي نقضي عليه تماماً، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحا.

(4)يقول (غاردنر ): إن الحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ القدس، إنها كانت لتدمير الإسلام.

(5)يقول البشر (تكلي ):يجب أن نشجع إنشاء المدارس علي النمط الغربي العلماني، لأن كثيرا من المسلمين قد تزعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حين درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية.

(6)آرنولد تويبني في كتابه الإسلام والغرب والمستقبل: إن الوحدة الإسلامية نائمة لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ .

وبهذه الأقوال وغيرها نرى أن هذه الحرب الفكرية كانت ممنهجة عبر قرون عديدة لتغريب المجتمعات الإسلامية بطرق المكر والخديعة تارة وبالقهر والإجبار تارة أخرى، وحُشدت لتنفيذ هذه الحرب الجيوش الجرارة وعدداً هائلاً من الجنود اللذين يحملون الأسلحة ولكن كانت هذه الأسلحة هي أقلامهم أما الرصاصات التي استخدموها فكانت كلماتهم التي انهمرت على عقول المسلمين، وأصابتهم في مقتل، ودسوا بها السم في العسل.

المصادر

  • قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله للأستاذ جلال العالم .
  • الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام .
  • مذاهب فكرية في الميزان .

آلاء أحمد

مهتمة بمجالات السياسة والاقتصاد والتاريخ وفروع اللغة العربية المختلفة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الليبراليون العرب يروجون لقاطرة واحدة فقط من العلمانية وهي الجانب السياسي، وينافقون الشعوب بتكتمهم وتسترهم عما يهدفون إليه ويجرون الشعوب إليه جرا، وهو تغير الإنسانية من الفطرة النقية الطبيعية التي خلقها عليه الخالق سبحانه، إلى حياة البهائم، باسم الفكر الحر والحرية الشخصية والحداثة وما إلى ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى