تعرّف على الشيخ محمد بن عبدالوهاب
قصة الإمام محمد بن عبد الوهاب والدعوة الوهابية
يعد الإمام محمد بن عبد الوهاب واحدًا من أكثر الشخصيات الإسلامية تأثيرًا في العصر الحديث، فقد استطاع أن يبث دعوةً عمَّت مساحاتٍ واسعة من البلاد العربية، وتسبَّبت في تغيير شكل ومستقبل المنطقة العربية حتى يومنا هذا، إذ تم إنشاءُ كيانٍ سياسي في شبه الجزيرة العربية يُعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية التي تتبنى تطبيق الفكر الوهَّابي في عصر وقت متأخرٍ من زمننا.
نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
نشأ الشيخ محمد في مدينة العُيَيْنَة التي ولد فيها عام (1115)هجري، وتفقَّه في الدينِ على يدِ والدِه وكبارِ مُعلمي العيينة، بدأَ الشيخُ منذُ مراحلِ حياتِه المبكرةِ يُنفِّرُ من المخالفاتِ الشرعيةِ التي كانَ يراها من سكانِ بلدتِه، ولكنَّه كان يتمهلُ في الإنكارِ؛ لأنه ما يزالُ يطلبُ العلمَ الشرعي، بعد ذلكَ رحلَ إلى مكةَ لأداءِ فريضةِ الحجِّ وطلبِ العلمِ على شيوخِها هناك، وفي أثناءِ تواجدِه في مكةَ والمدينةِ اطَّلع على مظاهرَ شركيةٍ صريحةٍ، فقررَ العودةَ إلى بلدِه بعدما حققَ مُرادَه من سفرتِه تلك.
لقد أدركَ الإمام ما كانَ عليه قومُه من الضلالِ وتفشِّي البِدَعِ، وما كانتْ عليه بلادُه من حالاتِ الفوضى والانحلالِ، فلم تَرُقْه الطريقةُ التي كانَ يسيرُ عليها علماءُ الدينِ في نجد، وهي طريقةُ السكونِ والهدوءِ، فجاشتْ نفسُه بما تجيشُ به نفسُ كلِّ مُصلحٍ غَيورٍ على دينِه وأُمَّتِه، وعقدَ العزمَ على انتهاجِ منهجِ السلفِ الصالحِ بالدعوةِ، لنبذِ البدَعِ وتطهيرِ ما عَلِقَ بالإسلامِ من الأوهامِ والخرافاتِ فرجعَ الشيخُ إلى العيينة وقد عقدَ العزمَ على تصحيحِ عقائدِ الناس، وردَّهم إلى جادةِ الصوابِ والحق، ولكنَّ هذا لم يرقْ للكثيرِ من الناسِ في العيينة، وبدؤوا يطعنونَ فيه ويحرضونَ عليه الغوغاءَ من الناسِ، حتى كادتْ تقعُ فتنةً بينَ أُسرتِه وبينَ جماعةٍ من معارضيهِ، عندَها قررَ الشيخُ محمد الخروجَ من العيينة، فتركَها عام ألفٍ وسبعمئةٍ وأربعةٍ وعشرينَ (1724م) واتجهَ إلى البصرةِ، وفي أثناءِ طريقِه التقى بعالمِ الأحساءِ الشافعي عبد الله بن محمد الذي أطْلعَه على كراريسَ اختصرَها من صحيحِ البخاري حولَ مسائلَ تتعلقُ بكيفيةِ الإيمانِ بالله عزَّ وجل، وكان فيها عددٌ من الأفكارِ المُخالِفةِ لما يدعو إليه بعضُ علماءِ الأحساء في ذلكَ العصر، فأعجبتِ الشيخَ كثيرًا.
رحلات الشيخ محمد بن عبد الوهاب
استقرَّ الشيخُ في البصرةِ والتقى بعلمائِها، وكان في بدايةِ مقامِه مُتخفِّيًا فلم يُعرِّفْ بنفسه، حتى ذاعتْ شهرتُه بينَ الناسِ والعلماءِ في مدنِ العراق، فتحوَّلَ الشيخُ من تلميذٍ إلى معلِّمٍ، وبدأَ بإعطاءِ الدروسِ في الفقهِ والعقائدِ، ويحاولُ أن يثنيَ الناسَ عن تعلقِهم بآثارِ الصالحينَ، والتوقفِ عن تقديمِ الأضاحي للأضرحةِ والقبورِ، وكان ممن أُعجِبَ بعقلِه وعلمِه واعتنقَ فكرَه متصرِّفُ البصرةِ العثماني عمرُ آغا، ومن بعدِه القاضي حسين الإسلامبولي، الذي توسَّم بالشيخِ الصلاحَ، ولكنَّ مشاكلَ الشيخِ لم تنتهِ، فقد تعرضَ للتهديدِ بالقتلِ من حُسَّادِه فخرجَ خائفًا من البصرةِ، وكاد يموتُ من العطشِ في الطريقِ.
ومن ثم نزلَ الشيخُ في مدينةِ حريملا بعدما بلغَه أن والدَه سكنَها بعدَ عزلِه عن القضاءِ، واستمرَّ الشيخُ بإلقاءِ الدروسِ والمحاضراتِ وتصحيحِ عقائدِ الناسِ فيها، وزادَ نشاطُه في الدعوةِ بعدَ وفاةِ والدِه، حتى انقسمَ الناسُ في الحريملا بين مؤيدٍ لدعوتِه ومعارضٍ لها بكلِّ قوةٍ، كانتْ فترةُ مكوثِ الشيخِ في حريملا قرابةَ الأربعةِ أعوامٍ، ويمكنُ اعتبارُ هذه الفترةِ بأنها: المرحلةُ التأسيسيةُ الأُولى من مراحلِ دعوتِه المباركةِ، وبعدها في عام (1743م) انتقلَ الشيخُ إلى العيينة مسقطِ رأسِه ودارِ أصدقائِه وخلَّانِه، خصوصًا أنَّ أَميرَها عثمان بن معمر من أنصارِ دعوةِ الشيخِ المدافعينَ عنها.
لم يتغيرْ حالُ الشيخِ محمد بن عبد الوهاب في عيينة، فبقي يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ، وزادَ من نشاطِه فقامَ بمُراسلةِ العديدِ من العلماءِ والشيوخِ في الرياضِ والدرعية وثاذق ورغبة وغيرها من المناطق، حثَّهم في تلك الرسائلِ على نبذِ البِدَعِ والطقوسِ الشركيةِ، وإخلاصِ التوحيدِ للهِ عزَّ وجل، كما قامَ الشيخُ وتلاميذُه بقطعِ الأشجارِ والأضرحةِ والقبابِ التي كانَ الناسُ يتبرَّكونَ بها، ولما رأى عامةُ الناسِ أن الشيخَ لم يحصلْ له مكروهٌ من اللهِ على أفعالِه، ضعفَ إيمانُهم بتلكَ القببِ والأشجار، وهكذا كانتْ إمارةُ العيينة أولَ بلدٍ طُبِّقتْ فيها مبادئُ دعوةِ الشيخِ محمد بن عبد الوهاب في بلاد نجْد.
مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب
تتميز مؤلفات الشيخ بأنها واضحة سهلة، لغتها غير معقدة، يسهل على كل صاحب عقل أن يفهم دعوة التوحيد ومعنى لا إله إلا الله منها، وتتميز أيضًا بأنها معتمدة أساسًا على كتاب الله وسنة رسول الله دون أقوال الشيوخ و العلماء؛ لتكون الحجة واضحة جلية لا يختلط بها رأي فلان أو علان.
التفتَ الشيخُ إلى تأليفِ كتابٍ للناسِ يُبينُ فيه جوهرَ التوحيدِ بالله عزَّ وجلَّ، فاعتكفَ طوالَ ثمانيةِ أشهرٍ على تأليفِ كتابٍ سمَّاهُ (التوحيد فيما يجب في حق الله على العبيد)، وعندما خرجَ به على الناسِ بيَّن لهم أن كلَّ ما في الكتابِ حقٌّ، فقالَ له رجلٌ: فمن لا يؤمنُ بما في الكتابِ هل عليه شيء؟ قال له الشيخ: بيننا وبينَه السيفُ؛ لأنَّ كلَّ ما في الكتابِ هو حقٌّ.
ثم أتبعَ الشيخُ كتابَه التوحيد بكتابٍ أسماهُ (كشف الشبهات)، تعرَّض فيه لكشفِ الشبهاتِ التي تقعُ للناسِ في أمورِ الاعتقادِ في الدين، واستمرَّ الشيخُ بالتأليفِ والكتابةِ وإلقاءِ الدروسِ والخروجِ بنفسِه في إبطالِ المخالفاتِ الشرعيةِ، وكان مما زادَ من حنَقِ أعداءِ الشيخِ عليه أمره برجمِ امرأةٍ زانيةٍ، فاعترضوا عليه بأن تنفيذَ الحُكمِ هو من شأنِ ولي الأمر، فردّ عليهم بأنَّ هذا حكمُ اللهِ ورسولِه ومن تغلَّب على بلدٍ فهو إمامُها، فكانت حادثةُ الرجمِ سببًا في تأجُّج نفوس القبائل عليه.
ومن كتبه
1- كتاب التوحيد: وهو أشهر كتبه، وشرح فيه الشيخ معنى التوحيد ومعنى لا إله إلا الله وما هو الشرك؟ و قد كتبه في الحريملاء في بداية دعوته.
2- كتاب كشف الشبهات: وهو كتاب يكمل مفهوم التوحيد الذي شرحه الشيخ في كتاب التوحيد، وينقض الشبهات التي يثيرها العلماء الفاسدون والجهلاء الذين لا يعرفون معنى التوحيد من كتاب الله وسنة رسول الله.
3- كتاب الأصول الثلاثة: وشرح فيه كيف يعرف العبد ربه وكيف يهتدي إلى الإسلام بالأدلة وكيف يعرف محمد رسول الله من سنته.
4- كتاب القواعد الأربعة: وقد زاد في هذا الكتاب في شرح معنى التوحيد.
5- كتاب الكبائر: شرح فيه الكبائر و وضحها كلها، واستدل على ذلك بالكتاب والسنة.
6- كتاب ستة مواضع من السيرة : قسّم السيرة النبوية ستة أجزاء ابتداءً من نزول الوحي وحتى وفاة الرسول وارتداد العرب عن الإسلام بعده.
7- تفسير سورة الفاتحة.
8- كتاب مسائل الجاهلية: وضح فيه الشيخ أن رسول الله قد خالف الجاهلية في مائة وواحد وثلاثين موضع.
رابط الكتاب
9- كتاب تفسير الشهادة: وضح فيه معنى لا إله إلا الله.
ظل الشيخ على جهاده بالعلم والعمل و النصح والإرشاد والجهاد بالسيف حتى توفاه الله بالمرض سنة ألف ومائتين وستة من الهجرة (1206هـ).
هجرة محمد بن عبد الوهاب الأخيرة إلى الدرعية
بدأتِ القبائلُ المجاورةُ تحسُّ بالخطرِ على نفسِها، لا سيَّما أميرُ الأحساء وشيخ قبيلةِ عنزة، اللذانِ أَجبرا أميرَ العيينة على إخراجِ الشيخ منها، وفي النهايةِ خرجَ الشيخُ إلى الدرعية مع عائلتِه وبعضِ المُقرَّبينَ منه، وذلك في عامِ (1745م)، واستقبلهم أميرُ الدرعيةِ محمد بن سعود الذي أخذ يناصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لكنه لم يكتفي بالدفاع عنه ومنع أذى الناس عنه، بل استغل كثرة أنصاره وصواب دعوته حتى يوسع قاعدة حكمه، ويغير على القبائل ومشايخ العشائر الرافضين للدعوة الوهابية، فضم غير قليل من القرى والبلدات لنفوذه، وقتل كبار مشايخهم، ولم يتبع معهم الأمر سياسة الدعوة، والتبليغ، إنما كان يغير عليهم فجاءةً ويرتكب فيهم مجازر ويجبرهم على إعلان الطاعة له ولدولته باسم الدعوة الوهابية.
وبعد وفاة الأمير محمد بن سعود سارَ الأميرُ عبدُ العزيز على نهجِ والدِه، فاستمرَّ في توجيه الغزوات وقيادتها، ورفض الانصياع للدولة العثمانية بأن يكف عن هذه الغزوات التي أدت حتى إلى منع الحج عن غير أصحاب الفكر الوهابي بسبب احتلال جدة، الأمر الذي أثارالدولة العثمانية التي أرسلت حملةً عسكرية بقيادة علي باشا، لكنها فشلت بسبب الجوع والعطش وخيانة بعض أفراده أثناء حصار مدينة الأحساء، فتم الصلح بين الطرفين، لكن عبد العزيز غدر بالعثمانيين فهاجم مدينة كربلاء في يوم عيد الإمام علي بن أبي طالب عند الشيعة، ودخل ابنه المقام وذبح كل من فيه من رجال ونساء وأطفال، الأمر الذي خلق عداوةً كبيرة بين الدولة العثمانية والدرعية، أدت إلى مهاجمة الوهابية لمكة والمدينة، وخلع السلطان العثماني، وذلك بفضل السلاح الإنجليزي الذي تلقته الدرعية لإضعاف الدولة العثمانية، وقد حاولت الوهابية التمدد نحو الشام والعراق ومصر لكنها كانت تلاقي تصديًا من قبل العثمانيين والعشائر المناصرة للدولة حتى قامت دولة محمد علي باشا في مصر الذي استطاع فبما بعد قهر الدولة السعودية واحتلال عاصمتها الدرعية منهيًا في ذلك سنوات من الخوف والرعب بثها آل سعود رغبة في الملك وطمعًا به.
أما الإمام محمد بن عبد الوهاب فإنَّه بعد فتحِ الرياض، أخذ الأميرِ عبدِ العزيز في عزله وإبعاده عن السياسة والحكم، وأمره بالتفرغَ للدعوةِ واستمرَّ على ذلك حتى توفاه اللهُ عزَّ وجلَّ عام (1792م) وهو على تلك الحالِ، كان الشيخُ محمد بن عبد الوهاب شديدَ الإيمانِ دائمَ الذِّكرِ للهِ عزَّ وجلَّ، شهدَ له الكثيرُ من العلماءِ بالتبحُّرِ وقوةِ الحُجةِ وسَعةِ العلمِ، أما عن صفاتِه الجسديةِ، فكان رَبعَ القامةِ جميلَ المنظرِ، قويَّ البنيةِ، جلله اللهُ بكثيرٍ من الهيبةِ والوقارِ، وقد ترك لنا غير قليل من المؤلفات في الجانب الشرعي.
المصادر
- تاريخُ الجزيرةِ العربيةِ في عصرِ الشيخِ محمد بن عبد الوهاب، حسن الشيخ خزعل، دار الكتب، بيروت، د.ط.
- الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، محاضرة منشورة على الرابط.
- الوهابيون تاريخ ما أهمله التاريخ، لويس دو كورانسي، رياض الريس للكتب والنشر، القاهرة، د.ط.
هذه صورة الشاعر محمد بن عبدالوهاب الفيحاني السبيعي ولالها علاقة بالشيخ محمد
بن عبدالوهاب رحمه الله، ثم أن مخترع التصوير جوزيف نيبس ولد عام 1765م
وتوفي عام 1833م، واول صوره له عام 1826م، والشيخ توفي عام 1791م
جزاك الله خيرًا أخي، سننظر فيما قلت وقد غيرنا الصورة المستخدمة تجنبًا للشبهة.