ما لا يسعك جهله عن صحيح البخاري-الجزء الأول
كثيرًا ما يغضب المنتقدون لكتب الصحاح والمشككون في السنة المطهرة حين يقال لهم:
لستم من أصحاب هذا الشأن ولا العارفين به، ولو كنتم من أصحابه لما انتقدتم هذه الانتقادات التي قد أُميتت هضمًا، وقد رد عليها السلف والخلف.
فيقول هؤلاء الناقدون: هذا ليس ردًا، وإنما هروبًا من السؤال، ولو أنكم رددتم علينا لكان أبين لحجتكم وأوضح لمُتتبعيكم، وأفجع لمخالفيكم. فيقال لهم: هذا علم، ما عرفتموه ولا درستموه فكيف نجادلكم في ما تجهلون.
فيرد الناقدون: هذا لا يحتاج علم، وإنما يعرفه كل ذي عقل، ولو نظرنا في أصح ما تدعون أنه صحيح وهو جامع محمد بن إسماعيل البخاري، لتبين فيه كثير مما يخالف العقل السليم والمنطق القويم، ولظهر فيه من العلل ما لا يمكن لعاقل أن ينكرها.
وأنّا إن شاء الله رادون عليهم بما يفهمه كل ذي عقل، وموضحون لهم ما يجهلون، ومبسطون لهم معاقد هذا العلم.
وأول سؤال يطرحه الناقد علي مخالفه هو:
هل كل ما في صحيح البخاري صحيحًا؟
يقال له: لقد أجملت وما وضحت، وتبين من سؤالك أنك ما عرفت هذا العلم ولا درسته. وإن في الجامع الصحيح مسند ومعلق ومرسل. وإن صاحب الكتاب قد سماه “الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه”. فما فيه حديث مسند متصل إلا هو صحيح، قد أجمعت الأمة علي صحته إلا أحرف يسيرة قد انتقدها عليه كبار النقاد أمثال الدار قطني وغيره. فهذه الأحرف اليسيرة هي صحيحه عنده رحمه الله، وهو أمير هذا الشأن وحامل لوائه. والأخذ برأيه أخذ برأي كبير هذا الشأن والأعلم به.
وأما المرسل والمعلق فليس من أصل الكتاب ولا من شرط
المرسل
الحديث المرسل هو إذا كان الذي يُحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تابعيًا وليس صحابيًا. يعني أن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو بلغنا عنه أنه قال كذا. فالتابعي لم يلقى النبي صلى الله عليه وسلم، أو لقيه قبل إسلامه وأسلم بعد موته صلي الله عليه و سلم .
فمثل هذا الحديث حديث الزهري الذي يرويه البخاري في كتاب التعبير. حيث قال الزهري بعد ذكره حديث الوحي:
وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ ؛ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فهذا الحديث ضعيف لأنه من كلام الزهري وهو من التابعين. وهو من أكثر الأحاديث دورانًا على ألسنة منكري السنة.
فيقول القائل منهم: كيف للبخاري أن يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حاول الانتحار أو همّ به، أو كيف يروي مثل هذا أو يصححه؟ فيقال لمثل هذا:
أن البخاري لم يصححه ولا من شرطه القبول بالمرسل، وإنما سمى كتابه الجامع المسند الصحيح. فما ليس بمسند ليس بصحيح عنده.
المعلق
الحديث المعلق هو ما حُذف من بداية إسناده (أي من جهة المحدث المصنف-صاحب الكتاب-) راوٍ واحد فأكثر. كأن يقول البخاري مثلًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، و هو بذالك حذف الإسناد كله، أو أن يحذف أوله فقط.
وعدد الأحاديث التي علقها البخاري في كتابه هو مئة وستون حديثًا. و لا يُشترط أن تكون كلها صحيحة ولكن فيها الصحيح وغيره. وهي علي أي حال ليس من شرطه، فشرطه هو المسند (يعني المتصل دون انقطاع، فلا انقطاع في أوله كالمعلق، ولا انقطاع في آخره كالمرسل) كما عنون كتابه.
عن الصحيح
قال البخاري:
صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حجة بيني وبين الله
وقال الفربري: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
وللحديث بقية.