ألب أرسلان: السلجوقي العظيم صاحب الانتصار الخالد على الروم في معركة ملاذ كرد
من هو السلطان ألب أرسلان؟
يعد السلطان ألب أرسلان واحدًا من أقوى السلاطين السلاجقة منذ تأسيس دولتهم وأكثرهم شهرةً، واسمه أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغري بك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُفاق بن سلجوق التركماني، وهو ثاني السلاطين السلاجقة الذين حكموا بغداد وأراضي الخلافة العباسية، و تولى السلطنة بعد وفاة عمه طغرل بيك عام 1064م، وهزيمته لابن عمه شهاب الدولة قتلمش الذي حاول الاستيلاء على السلطنة، وحشد لأجل ذلك جيشًا كبيرًا، لكنه قُتِل أثناء المعركة مع ابن عمه وهُزم جيشه، ليترك المجال مفتوحا للسلطان ألب أرسلان ليستكمل توسيع دولة السلاجقة، وتثبيت أركان وجودها.
تولي السلطان ألب أرسلان السلطنة السلجوقية
بعد أن استقر الأمر للسلطان ألب أرسلان، أخذ في استرضاء الخليفة العباسي، وذلك ليكسب وده ودعمه، فهو رأس العالم الإسلامي، وله مكانته الدينية والسياسية في نفوس الأمة، فسمح لابنة الخليفة زوجة السلطان المتوفى طغرل بك بالعودة إلى بغداد بعد أن وقفت إلى جانب شهاب الدولة قتلمش، فأرسل لها القضاة والأعيان، وأدخلها بغداد في موكبٍ عظيم، الأمر الذي أراح الخليفة العباسي، وأمر بأن يُرفع الدعاء في مساجد الدولة باسم السلطان، وبذلك حقق ألب أرسلان مكسبًا سياسيًّا بأن جعل دولته تستقر داخليًّا، ليستكمل ما بدأه عمه في القضاء على الوجود الشيعيِّ في بلاد الشام، التي لا زالت تحت الحكم الفاطمي الشيعي، فحشد جيشه وانطلق به نحوها، فأخضع الدولة المرداسية الشيعية في حلب، وأمر بأن تُقرأ الخطبة باسم الخليفة العباسي، ومن ثَمَّ اتجه نحو الجنوب فأخضع الرملة وبيت المقدس، وضمَّ أراضي واسعةً في الشام للدولة السلجوقية والخلافة العباسية، واستطاع أن يستعيد مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأن يلغي الوجود الشيعي فيهما، ومنع إقامة الأذان بعبارة “حيَّ على خير عمل”، وبذلك أضعف وجود الدولة الفاطمية، وعهِد لوزيره نظام الملك أن ينشر المدارس التي تعلم الفقه الإسلامي، والمذهب السني في أراضي الدولة، واستمر على هذه الحال سبع سنوات، لم يقم خلالها بأيّ فتوحاتٍ خارجية ريثما انتهى من تحسين واستقرار دولته داخليًّا.
فتوحات وحروب السلطان ألب أرسلان مع البيزنطيين
بعد أن استطاع السلطان ألب أرسلان أن يخضع الشام والحجاز للدولة، حشد جيشًا كبيرًا واتّجه به نحو آسيا الوسطى، فدخل أرمينيا وجورجيا، وافتتحهما، ونشر الإسلام بهما، وأخذ يتوسع على حساب الدولة البيزنطية، واتّجه نحو أذربيجان ليقمع قبائل الكرج التي كانت تُغِير على الثغور الإسلامية، فهزمها بالتعاون مع أمير مدينة مرند طغتكين التركماني، وأجبر ملك الكرج على المهادنة وقبول الاستسلام، في تلك الأثناء كان الوزير نظام الملك، وملكشاه بن ألب أرسلان يغيران على المدن البيزنطية، واستطاعا افتتاح حصن سرماري، ومدينة مريم تشين، وبدأ التوغل السلجوقي في الأناضول حتى وصلوا إلى قيصرية، وعمورية وقونية وخونية القريبة من بحر إيجة.
وفي ظل هذا التوسع السلجوقي، والتوغل في الأناضول وأراضي الدولة البيزنطية جمع ملك الروم جيشًا كبيرًا جدا اختلف المؤرخون في تعداده، فقد قيل إنَّه بلغ أكثر من ثلاثمائة ألف رجل، وقد أورد الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) أنَّ حشود الروم بلغت ضعف هذا العدد، في حين أنَّ جيش السلطان ألب أرسلان لم يتعدَّ حدود الخمسة عشر ألف رجل، وكان متوغِّلا في بلاد الروم، وبعيدًا عن حدوده، ولا مجال لطلب التعزيزات لبعد المسافة واقتراب العدو، فحاول مهادنة ملك الروم الذي رفض أي حلٍّ سلمي، وأصرَّ على المواجهة، ومن ثمَّ غزو بلاد المسلمين واحتلالها، فلم يجد السلطان بدًّا من المواجهة والدخول في معركةٍ مفتوحة أمام الروم.
معركة ملاذكرد عام 463هـ.
التقى جمع المسلمين مع الروم في يوم الجمعة الموافق السادس والعشرين من ذي القعدة عام 463هـ، فصلَّى المسلمون يومها وتوجهوا بالدعاء إلى الله والابتهال له، ولبس السلطان ألب أرسلان البياض ليكون كفنه إذا استُشهد، وقد أمر جيشه بأن يكونوا مثل الجسد الواحد، وأن يتبعوه وأن يفعلوا فعله، فحمل على قلب جيش الروم، الذي يتألف من ميمَنة وميسَرة وقلبٍ، وقد اختار قلب الجيش لوجود ملك الروم فيه، فهجم مع جيشه بخيولهم الخفيفة والسريعة، واقتحموا حشود الروم بضربةٍ سريعة تحطم لها قلب الجيش، ووصلوا إلى ملك الروم وأسروه ليكونَ أول ملك روماني يقع بيد المسلمين، فانهار الجيش بسقوط قائده، فحمل المسلمون على الروم بتكتيك الهجوم التركي المتمثل بالمهاجمة على شكل هلال فأحاطوا بالعدو، ووقعت بهم هزيمةٌ نكراء، دُمِّر خلالها جيشهم وقتل الآلاف منهم، وأسر ما تبقى، ولم ينجُ منهم إلا القليل استطاعوا الهرب وأبلغوا القسطنطينية بما جرى.
وبعد المعركة أُحضر ملك الروم بين يدي السلطان، ومعه كبار الروم الأسرى، فسأله السلطان لو أنه كان في مكانه ماذا يصنع به، فردَّ ملك الروم بأنه كان ليفعل كلَّ قبيحٍ به، فأمر السلطان بسجنه، وقبل فيما بعد أن يأخذ منه الفدية، والتي تمثلت بإطلاق كافة أسرى المسملين، وأن يدفع ألفَ ألفٍ وخمسمائة ألفِ دينار، فأطلقه السلطان بعد أن كسر هيبته، وهيبة الروم، فلم يحتمل الملك الرومي ذلك فترك السياسة والحكم بعد خلعه، وانكفأ في الدير متعبدًا، أما السلطان ألب أرسلان فقد أخضع البلاد الرومية، وأخذ ينشر فيها الإسلام، وقام بغزوها مرتين، ومن ثمّ اتَّجه إلى أصبهان وكرمان وشيراز وخراسان، فأخضعها جميعها، وكاد أن يهزم الفاطميين وأن يسيطر على مصر لولا التهديد البيزنطي، فقد كان أحد قادة الفاطميين في الإسكندرية وهو ناصر الدولة قد ثار فيها، وهزم الموالين للفاطميين، وأعلن البيعة للسلاجقة والخليفة العباسي، لكن عدم نجدته ومدِّه بالرجال والسلاح أفشلت ثورته، واستطاع الفاطميون التخلص من تهديده، لكن مع ذلك كان لانتصار السلطان في ملاذكرد عظيم الأثر على المسلمين، فقد توسعت الدولة وضمَّت ما تقارب مساحته الأربعمائة ألف كيلو متر مربع، وتم القضاء على الجيش البيزنطي الكبير الذي كان يهدد الديار الإسلامية، فأمِنت الثغور من بعد ذلك، وخضع البيزنطيون للمسلمين، وكانوا على الدوام يطلبون ودَّهم ومساعدتهم بعد أن خلت بلادهم من الجيوش التي تدافع عنهم.
وفاة السلطان ألب أرسلان
بعد أن توسَّعت السلطنة في عهد ألب أرسلان، وخضعت له الملوك والبلاد، قرر أعداؤه قتله والتخلص منه، فثار عليه أحد ولاته ويدعى يوسف الخوارزمي، لكنه وقع أسيرًا بيد السلطان، وعندما مثل بين يديه أخذ يستفزه بالكلام، فأمر السلطان بفك وثاقه ليرميه بسهمٍ كان معه، لكن السهم أخطاأ هدفه، فهاجمه يوسف الخوارزمي وهو بين حرسه ورجاله، فطعن السلطان بخنجر طعنةً قاتلة، نُقل على إثرها إلى خيمته، وقد حضر وفاته وزيره نظام الملك وابنه وولي عهده ملكشاه، وكانت يوم السبت في العاشر من ربيع الأول من سنة 465هـ.
المصادر
- دولة السلاجقة، علي الصلابي، دار ابن الجوزي، عمان، د.ط.
- تاريخ السلاجقة في بلاد الشام 471-511هـ، محمد سهيل طقوش، دار النفائس، بيروت، ط3، 2009.
- مقال ألب رسلان ..سلطان السلاجقة، موقع إسلام أونلاين.
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا.
دراسة التاريخ من مصادر موثوق بها مهم للغاية حيث أن ما حدث قبل ذلك يتكرر حدوثه إذا توافرت نفس الظروف.