دولة السلاجقة العظمى: عوامل النهضة وأسباب السقوط
نواصل قصة البداية والنهاية لنهضة السلاجقة العظمى، وتدافع الأحداث بعد وفاة ملكشاه بن ألب أرسلان ووزيره النجيب نظام الملك باتجاه اضطراب مملكة السلاجقة وتفككها.
النزاع بين بركياروق وأخويه محمد وسنجر
اندلع النزاع بين أبناء السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، بركياروق الأكبر وأخويه الأوسط محمد والأصغر سنجر، بعد أن استقر الحكم نسبيًا في يد بركياروق، واستمر هذا النزاع لـ 5 سنوات منذ 492 إلى 497 هـ. تمكن خلالها محمد من إعادة الخطبة لنفسه في بغداد سنة 492 ﻫ بموافقة الخليفة المستظهر العباسي.
وسنجر ومحمد من أم واحدة وهي الجارية المملوكة لملكشاه، تاج الدين خاتون السفرية. فاصطف الأول مع الثاني ضد بركياروق. وانتهت الحرب بينهما بعقد الصلح بعد إدراكهما لعواقب هذا النزاع، يقول السيوطي: “إن الحروب لما تطاولت بينهمًا وعّم الفساد وصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والسلطنة مطموعًا فيها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قادرين دخل العقلاء بينهما في الصلح وكتبت العهود والإيمان والمواثيق” [1].
ولقد تقرر أن يبرم الصلح وفق جملة شروط وقواعد أرسل بها بركياروق إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله، فما كان من الخليفة إلا أن أجابه بقبولها وأمر بإقامة الخطبة لبركياروق كسلطان للسلاجقة سنة 497ﻫ[2].
وعين السلطان بركياروق من جانبه أخاه سنجر واليًا على خراسان، وكان الأخير صاحب هيبة كبيرة وخبرة بفنون السلطنة والحكم في البلاد ولذلك استمر حكمه واحد وستين عامًا، كان خلالها ملكًا على خراسان لمدة عشرين عامًا بأمر من أخيه بركياروق، ثم واحد وأربعين عامًا سلطانًا للسلاجقة، ويعده المؤرخون آخر السلاجقة العظام وهو سادسهم.
وفاة السلطان بركياروق بن ملكشاه بن أرسلان
أصاب السلطان بركياروق مرض توفي على أثره بعد نحو عام فقط من تاريخ الصلح، أي في سنة 498 ﻫ وذلك ببروجرد، ويقول ابن كثير فيمن توفي من الأعيان في هذا العام: “بركياروق بن ملكشاه ركن الدولة السلجوقي، خطب له ببغداد سِتَّ مرات وعزل عنها ست مرات وكان عمره يوم مات أربعًا وعشرون سنة وشهورًا وقام من بعده ولده ملكشاه، فلم يتّم أمره بسبب منازعة عمه محمد له”. [3]
وقال الذهبي عنه: “وكان بركياروق شابًا شهمًا شجاعًا لعابًا، فيه كرم وحلم، وكان مدمنًا، للخمر، تسلطن وهو حدث، له ثلاث عشرة سنة، فكانت دولته في نكد وحروب بينه وبين أخيه محمد، يطول شرحها وهي مذكورة في الحوادث… مات بعلة السَّل والبواسير، وكان في أواخر دولته قد توطَّد ملكه وعظم شأنه ولما احتضر، عهد بالأمر من بعده لابنه ملكشاه بمشورة الأمراء، فعقدوا له، وهو ابن خمسة أعوام”.[4]
ولم يسمح محمد لابن أخيه ملكشاه بتولي الحكم لصغر سنه، فنازعه فيه حتى استقر له بعد ذلك مدة أكثر من ثلاثة عشر عامًا يقول في ذلك التنازع الذهبي: “عمت الفوضى في أثنائها جميع أنحاء الدولة فضعف الشرق الإسلامي أمام الصليبيين في بلاد الشام وأمام القوات الأخرى المعادية في جوف الدولة الإسلامية وأهمها الطائفة الإسماعيلية”[5].
وهكذا أعقب وفاة السلطان بركياروق انقسام شديد لسلطان الدولة السلجوقية بسبب مسألة التنازع على الملك، حيث أصبح كل جزء منها تابعًا لوالي مستقل، يقول الذهبي: “فالأجزاء الشرقية تخضع لحكم سنجر، والأجزاء الشمالية تخضع لحكم أخيه محمد وبلاد الشام تحت سيطرة أبناء تتش، وآسيا الصغرى تحت حكم أبناء سليمان بن قتلمش وتفككت وحدة الدولة عما كانت عليه في عهد السلاجقة العظام”[6].
الدولة السلجوقية في عصر السلطان محمد بن ملكشاه
بعد تعيين ملكشاه بن بركياروق سلطانًا بوصية والده واعتراف الخليفة العباسي بذلك، سارع السلطان محمد بن ملكشاه إلى بغداد ودخلها من الجانب الغربي وخطب له في مساجد هذا الجانب، في نفس الوقت الذي كانت تقام فيه الخطبة باسم ابن أخيه في الجانب الشرقي وهكذا أصبح هناك سلطانين في وقت واحد.
لكن الأتابك أياز (أتابك ملكشاه الصغير) والوزير الصفي أبا المحاسن، اتفقا بعد ذلك على الصلح مع السلطان محمد وتسليمه السلطنة، وطلبا العهد والأمان لملكشاه بن بركياروق ومن معهم فقبل السلطان محمد منهم ذلك.
وتمت البيعة بالصُّلح على يد الفقيه إلكيا الهّراسي مدرس النظامية، ليتجلى دور العلماء والفقهاء في أزمات الدولة الإسلامية وانخراطهم في قلبها للإصلاح وحفظ بنيانها.
وبذلك أصبح الملك غياث الدين أبو شجاع محمد بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، التركي السلجوقي، السلطان الوحيد للدولة السلجوقية دون منازع وخطب له في سنة 498 ﻫ.
ويجدر بنا نقل رسالة الإمام أبي حامد الغزالي للسلطان محمد عند توليه الحكم، حيث قال له فيها: “أعلم يا سلطان العالم أن بني آدم طائفتان: طائفة غفلاء نظروا إلى مشاهد حال الدنيا، وتمسكوا بتأميل العمر الطويل ولم يتفكروا في النفس الأخير، وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخير نصب أعينهم لينظروا إلى ماذا يكون مصيرهم وكيف يخرجون من الدنيا، ويفارقونها وإيمانهم سالم وما الذي ينزل من الدنيا في قبورهم وما الذي يتركون لأعاديهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله [7]. ليتجلى لنا مرة أخرى دور العلماء في توجيه السلاطين ونصيحتهم.
وتميز عصر محمد بن ملكشاه بالتركيز على حرب الباطنية والإسماعيلية، حيث شن عليهم السلطان في عام 500 هـ، هجمات مكنته من إبادة الكثير منهم وتعطيل نشاطهم. وكان محمد بن ملكشاه أول سلطان سلجوقي يخرج لحرب الباطنية بنفسه.
ويلاحظ في عهد السلطان محمد الإصرار على اقتلاع سم الإسماعيلية والباطنية بشكل لم يسبقه له أحد من سلاطين السلاجقة، الذين كانت الأولوية لديهم الحد من خطرهم فقط.
ومن أبرز إنجازاته في حرب الإسماعيلية والباطنية، تمكنه من أخذ قلعة أصبهان “شاه دز” في عام 500 هـ وكانت من أخطر مراكزهم ومن أكثرها فسادًا وأذية، وقتل زعيمهم الكبير أحمد بن عبد الملك بن عطاش بعد أن ملكها اثنتي عشرة سنة.
ثم حصاره لقلعة ألموت الحصينة، المركز الرئيسي لحسن الصباح، ومعناها عش النسر، وذلك منذ عام 505 هـ، لمدة تزيد على ست سنوات بقيادة الأمير أنوشتكين شيركبر بعد أن استفحل بها فساد الباطنية الذين كانوا يقطعون الطريق وينهبون الأموال ويقتلون الناس ويفرضون الضرائب.
وقد نجح الأمير أنوشتكين شيركبر في أخذ عدة قلاع من الباطنية لكنه لم يكمل حصاره لقلعة ألموت، بعد أن كان الاستسلام قاب قوسين أو أدنى وذلك بسبب وفاة السلطان محمد في عام 511 ﻫ وإصرار الأمراء والجند على الرحيل بعد سماعهم هذا النبأ. وهكذا تبخر جهد حصار سنوات للقلعة. فاسترجع الباطنيون أنفاسهم وقويت شوكتهم من جديد.
ولم تكن حرب السلطان محمد لهذه الطائفة سهلة وبسيطة فقد واجه الكثير من الغدر والمؤامرات والمكائد والشائعات التي حاولت صرفه عن هدفه في اقتلاعهم مما يعكس درجة تغلغل الباطنيين ومكرهم.
واستفادت الباطنية كثيرًا من وفاة السلطان محمد حيث استغل أتباع حسن الصباح الفرصة للنهوض والانتشار من جديد. خاصة مع انشغال السلاجقة في الصراع الذي أعقب وفاة السلطان محمد بين ولده محمود وعمه سنجر.
وتمكن الباطنيون خلال الخمس عشرة سنة التي أعقبت وفاة السلطان محمد من تمديد نفوذهم إلى بلاد الشام، ومن الاستيلاء على بعض القلاع والحصون [8].
وتوفي محمد بن ملكشاه، بعد سيرة من الصراع مع الباطنية، ويذكر من عدله أنه أبطل ببغداد المّكْسَ والضرائب ومنع من استخدام يهودي أو نصراني، وكسا في نهار أربع مئة فقير، وقد كان كفَّ مماليكه عن الظلم، ودخل يومًا إلى قُبة أبي حنيفة، وأغلق على نفسه يُصلي ويدعو، وقيل: إنه خلَّف من الذهب العين أحد عشر ألف ألف دينار ومات معه في العام صاحب قسطنطينية، وصاحب القُدس بغدوين لعنهما الله.[9]
وقال أحمد القرماني عن آخر أيامه: “ثم مرض زمانًا طويلًا فقيل له: مرضك سحري، وإنما سحرتك زوجتك، فأعضل داؤك وأبطل دواؤك! وحملوا السلطان إلى أن كحَّلها وحبسها في بيت ضيق، واعتقلها، وأخرجوا خاتم السلطان وقالوا إنه أمر بخنقها، ومن عجيب القدر أن الزوجين توفيا في ساعة واحدة، فالختون في بيتها خنقت، والسلطان على فراشه نفسه زهقت في أواخر سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وخلف خمس بنين، وهم محمود، ومسعود، وطغرل، وسليمان وسلجق” [10]، وكلهم ورثوا السلطنة سوى سلجق. وتزوج الخليفة المقتفي بابنته فاطمة.
ومع أن محمود ورث والده السلطان محمد بشكل رسمي إلا أنه واقعيًا كانت سيطرة البلاد آيلة بلا شك لعمه سنجر الذي كان واليًا لخراسان.
الدولة السلجوقية في عهد أحمد سنجر
تمت مبايعة محمود بن محمد بن ملكشاه للسلطنة بعد وفاة والده وكان حينئذ في الرابعة عشرة من عمره، ووافق الخليفة العباسي المستظهر بالله على إقامة الخطبة له ببغداد في سنة 512 ﻫ.
لكن عمه سنجر لم يكن ليقبل بهذا الأمر، كونه اعتبر نفسه أحق منه بالسلطنة بعد وفاة أخيه محمد، فأعلن نفسه سلطانًا على السلاجقة وغير لقبه من ناصر الدين إلى معز الدين وهو لقب أبيه ملكشاه وأدى ذلك إلى انقسام الدول السلجوقية واندلاع القتال بين سنجر وابن أخيه محمود وجمع كل منهما جيشه وقوته.
وبالفعل التقى الجمعان بالقرب من مدينة ساوة سنة 513 ﻫ، واستعمل سنجر في هذه المعركة الفيلة فرجحت كفة النصر لصالحه، لكن مع ذلك أبرم اتفاق الصلح بين العم وابن أخيه، حيث أن محمود توجه إلى عمه سنجر، فأكرمه وصفح عنه وسامحه عما بدر منه، وعامله معاملة حسنة وقبل شفاعته في آخرين وقبل محمود كل شروط عمه، وأطاعه واحترمه، فقرر السلطان سنجر اختياره وليًا لعهده ونائبًا عنه في العراق سنة 513 ﻫ، وسمح له بالتلقب بلقب سلطان.
وخطب للسلطان سنجر وابن أخيه السلطان محمود معًا في عام 514 ﻫ، على أن يكون محمود تحت حكم عمه سنجر الذي أعاد لابن أخيه كل ما كان تحت سلطانه ما عدا الري، وظل محمود يحكم لمدة أربعة عشرة عامًا حتى توفي عام 525 ﻫ وقال عنه ابن كثير:
كان من خيار الملوك وكان فيه حلم وأناة وبر وصلابة وجلسوا لعزائه ثلاثة أيام، سامحه الله.
وكما جرت به العادة فقد أعلن الخليفة العباسي المسترشد بالله في سنة 513 ﻫ سنجر سلطانًا أعظم للسلاجقة وأقام الخطبة باسمه في كافة أقاليم الدولة السلجوقية، ومن جانبه أكرم السلطان سنجر بن ملكشاه أبناء أخيه محمد، فوزع عليهم حكم مدن وأقاليم إيران والعراق، وتمكن بفضل حنكته القيادية وسياسته في الحكم من بسط نفوذه على كل أراضي ما وراء النهر حيث كان يتنقل بنفسه إلى أقاليم هذه المنطقة للاطمئنان على أحوال سلطنته فيها.
وتمكن السلطان سنجر من إخضاع جميع حركات التمرد في دولته وتأليف قلوب من يطمع في الملك من أسرته، مما أدى إلى استقرار الدولة السلجوقية في عصره، وبذلك استحق لقب سلطان جميع الممالك السلجوقية.
وامتد نفوذه إلى سائر البلاد حتى يقال إن الخطبة له وصلت إلى كاشغر، وأقصى بلاد اليمن ومكة والطائف ومكران وأذربيجان وغزنة وسمرقند، وخراسان وطبرستان، وكرمان، وسجستان، وأصفهان، وهمذان، والري، وآرنيه، وآرمينية، وبغداد والعراقين، والموصل، وديار بكر، وديار ربيعة والشام والحرمين.
وضربت له السكة في جميع هذه الأقاليم، وبذلك تمكن السلطان سنجر من إعادة الهيبة والوحدة والقوة للدولة السلجوقية ولكن لآخر مرة، فسجل عصره آخر حقبة لعصر السلاجقة العظام.
قصة السلطان سنجر الحقيقية: آخر السلاجقة العظام
هو معز الدين أحمد سنجر، واسمه أبو الحارث سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، واسم سنجر يعني يطعن. وسمي سنجر لأنه ولد في مدينة سنجر على عادة الأتراك آنذاك أن يسمى الوليد باسم مسقط رأسه. وقد ولد في سنجر عندما كان والده السلطان ملكشاه نازلًا فيها بعد اجتيازه لديار بني ربيعة متوجهًا إلى غزو بلاد الروم. وسنجر في الفارسية الطير الجارح.
واختلفوا في سنة ولادته رغم اتفاقهم على اليوم، فمنهم من قال إنها كانت في 25 من شهر رجب سنة 479 هـ، ومنهم من قال في سنة 477 هـ وقال البنداري في سنة 471 هـ، وقد توفي والده السلطان ملكشاه في سنة 485 هـ، لذلك فجميع الروايات التاريخية متفقة على أن سنجر كان صغيرًا عند وفاة والده.
وكانت والدته امرأة فاضلة صالحة متدينة متصدقة وكثيرًا ما كانت ترسل الجمال إلى طريق مكة وهي محملة بالصدقات لغرض توزيعها على الحجاج في موسم الحج. وقد تعرضت للأسر خلال الحرب التي اندلعت بين أبناء ملكشاه حول العرش، حيث أسرها بركياروق، وافتداها سنجر بما لديه من أسرى وفك أسرها.
وتزوّج السلطان سنجر من تركان خاتون بنت أرسلان خان صاحب سمرقند، ولم يذكر له زوجة غيرها، وكانت تصاحب زوجها في جميع أسفاره وحروبه، مما عرضها للأسر مرتين، الأولى عند هزيمته في معركة قطوان سنة 536 هـ/ 1141 م أمام القراخطائيين الصينيين فافتداها بخمسمائة ألف دينار. والمرة الثانية عندما أُسرت مع زوجها السلطان على إثر هزيمته أمام الغز سنة 548 هـ / 1153 م.
ومما يذكره المؤرخون أن السلطان سنجر لم يحاول الهروب طول مدة أسره وفاءً لزوجته التي مكثت في أسرها ثلاث سنين حتى توفيت هناك سنة 551 هـ.
وكان السلطان سنجر بارًا بأبناء إخوانه وأخواته، فبعد توليته محمود بن محمد ولاية العهد، ثم توفي بعد ذلك، استخلف على خراسان ابن أخته محمود بن محمد بن بغراخان، وهو على فراش الموت، واستدل المؤرخون بذلك على أن سنجر لم يكن له أبناء ذكور يوليهم السلطنة من بعده بينما أشارت المصادر إلى وجود بنات للسلطان إذ تزوج السلطان محمود بن محمد من ماه ملك خاتون ابنة سنجر سنة 513 هـ/ 1118 م. وكذلك تزوّج الخليفة العباسي المسترشد بالله 512 هـ- 529 هـ من ابنة سنجر، سنة 518 هـ/ 1124 م وبنى لها دارًا فاخرة على نهر دجلة.
وتشير بعض المصادر إلى أن لسنجر ابن واحد أُسر في معركة قطوان مع والدته سنة 536 هـ /1142 م ولم يظهر له أثر بعد ذلك.
تألق الدولة السلجوقية في زمن السلطان سنجر
ومع ما أُشيع عن سنجر بأنه كان أُمّيًا لا يجيد القراءة والكتابة، إلا أن فترة حكمه عرفت نجاحات مبهرة عسكريًا وثقافيًا، وأصبح عصره من العصور المهمة في تاريخ الأدب الفارسي، بسبب تشجيعه للعلم والكتابة.
ويعد عصره أطول مدة لسلطان سلجوقي، يصفه اليزدي قائلًا:
جلس على مسند العز والرفعة والقدرة منذ سن النشوء والنمو إلى عنوان عهد الصبا وقد أطاعه جبابرة العجم وأكاسرة العالم ودانوا بالطاعة والولاء.
وكان السلطان سنجر شديد الجود والكرم مع الرعية حتى لامه الكثير من خواصه وعاتبوه فقال: “أما رأيتموني أفتح إقليمًا يشتمل على أضعاف ما وهبته من المال، وأهبه بكلمة واحدة لمن أراه قبل السؤال”.
ولعل أبرز صفة اتسم بها السلطان سنجر بعد الحزم والقوة هي صفة الصفح عن خصومه فقد كان كثير الصفح والعفو عنهم وكانت شيمته الحلم كما عرف عنه طيلة حياته.
وقد يتكرر عفوه عدة مرات كما حصل مع خوارزم شاه أتسز صاحب إقليم خوارزم بعد كل تمرد يقوم به ضد سنجر رغم شدة خطورة هذه التمردات. فسبق عفو السلطان سيفه.
إخماده للفتن
لم يستتب الحكم لسنجر ولم تستقر دولته في زمانه حتى تمكن من إخماد جميع الفتن والتمردات التي كانت تهدد وحدة صفوف السلاجقة، فقد أخمد سنجر تمرد ابن عم أبيه الأمير محمد بن سليمان، ويعرف بأمير أميران، وتمرد صاحب سمرقند وما وراء النهر، واسمه قدر خان، وتمرد السلطان الغوري الحسين بن الحسين.
وفي سنة 526 ﻫ خرج على سنجر ابنا أخيه سلجوق ومسعود في إيران فاقتتل الطرفان في الدينور في الأهواز وانتصر سنجر عليهما، فخضع مسعود لعمه واستسلم له، فعفا عنه وأعاده إلى مملكته الأولى.
ومن أبرز مواقفه ما روي عنه في سنة 512 ﻫ حين جاءت إلى السلطان سنجر زوجة أخيه محمد من أصبهان، فلقيها ببلخ فأكرمها، فقالت له: “أدرك ابن أخيك محمود وإلا تَلِف، فإن الأموال قد تمزقت، والبلاد قد أشرفت على الأخذ، وهو صبيٌ وحوله من يلعب بالملك”. وكان وزير محمود قد أنفق في أربعة أشهر ما ورثه محمود في الخزائن عن والده.
فاستجاب لها سنجر وخرج في سنة 513 هـ ليضبط الأمور فتمرد عليه ابن أخيه محمود بن محمد وقاتله وكاد أن يهزم عمه، حتى استدرك الأخير نفسه وقاتل قتال موت فغلب جيش محمود، وانهزم الأخير إلى أصفهان لكن عفو سنجر سبق غضبه فصفح عنه وأعاده ملكاً وزوّجه ابنته.
ورغم ما مر به من خطوب في سنواته الأخيرة نجح سنجر بعزيمته وسياسته في أن يستعيد شيئاً من مكانته وهيبته، وأن يدين له بالولاء أغلب ملوك خراسان، إلا أن الموت كان له بالمرصاد.
صراعه مع الباطنية
استمر صراع السلاجقة مع الباطنية طويلاً، ووقع سنجر في خطأ كبير بعد أن كاد يقضي عليهم وهو إبرام الصلح معهم، فقد طاردهم السلطان سنجر في عام 494 ﻫ فقتل جنوده خلقاً كثيراً منهم، وحاصروا قلعة “طبس” ودمروا سورها وكانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط، ومع ذلك فإن أصحاب سنجر أشاروا عليه بأن يؤمنهم مقابل ألا يبنوا حصناً ولا يشتروا سلاحاً، ولا يدعوا أحداً إلى مذهبهم [11].
وقد أثار هذا الصلح سخط كثير من الناس على سنجر، بسبب ما نالهم من إجرام الباطنية، ولأنهم أهل غدر ونكث، وهذا ما حدث بالفعل، ففي عام 498 ﻫ خرج جمع كبير منهم من قلعة “طريثيت” قرب مدينة بيهق وأغاروا على النواحي المجاورة لهم، وأمعنوا القتل والنهب وسبي النساء ولم يقفوا على الهدنة المتقدمة [1].
ويعتبر عام 498 ﻫ نهاية المرحلة التي قاوم السلاجقة فيها نفوذ الباطنية مقاومة فيها الكثير من الحذر بسبب الخلافات في البيت السلجوقي التي تمكن خلالها الباطنيون من التسلل إلى المراكز الهامة في بلاط السلاطين، ومن أدلة ذلك موقف أحد قادة سنجر الذي أوكل له مهمة قتالهم، فقبل رشوتهم في عام 494 ﻫ ورحل عنهم بعد أن حاصر قلعتهم وأوشكت على السقوط. كما عدّ قبول سنجر الصلح معهم تهاونًا في قتالهم.
وبقي حسن الصباح في قلعة ألموت الحصينة بقية حياته ولم يخرج منها مدة 35 سنة حتى وفاته. وأمضى وقته في القراءة ومراسلة الدعاة وتجهيز الخطط وكسب الأنصار والسيطرة على القلاع الجديدة.
وتوفي الصباح عام 518 هـ/1124 م في قلعته، وكانت وفاته طبيعية، واختلفت المصادر عن مصير ذريته حيث تشير بعضها لقتله أولاده بنفسه في حياته، وخلفه بزرك أميد “برزجميد”، واستمر وأتباعه في نفس ضلال الصباح، يفسدون في الأرض بانتظار الإمام المزعوم ليتولى شؤون الطائفة الإسماعيلية.
وكان حسن الصباح مفكرًا وكاتبًا وله نصين واحد عن قصة حياته والثاني في اللاهوت. وصفه ابن الأثير بأنه كان رجلًا حاد الذهن عالمًا بالهندسة والحساب والفلك والسحر. وبقي حسن الصباح يحظى باحترام كبير عند الإسماعيليين باعتباره المحرك “للدعوة الجديدة”، أي النظرية الإسماعيلية المعدلة أو المسماة بالنزارية، وباعتباره ممثل الإمام المزعوم.
وقدمت الباطنية درسًا مهمًا للمسلمين في كيف يمكن لآلة الاغتيالات أن تفتك بالدولة الإسلامية والحركة العلمية، بالنظر إلى توقيتها ونوعية أهدافها. فقد استهدف الباطنيون مراكز القيادة والتوجيه في ميادين السياسة والفكر والجهاد في سبيل الله. ولم يتوانوا في التحالف مع الصليبيين وكل عدو في سبيل دعوتهم الضالة.
وكانت أغلب اغتيالاتهم الغادرة تستهدف الهدف وهو صائم، أو في وقت تأدية صلاة الجمعة أو خلال مجلس للوعظ الديني والإفتاء في بيوت الله، فكانت شيمتهم الغدر.
معركة قَطَوان
شكلت معركة قطوان بالقرب من سمرقند في الخامس من صفر من سنة 536 ﻫ/1141 م نقطة النهاية لدولة السلاجقة العظام، حيث التقى الجيش السلجوقي بقيادة السلطان سنجر مع جيوش دولة قراخطاي الصينية الشمالية بقيادة الملك كو خان، وهزم الصينيون جيش سنجر وأسروه، وانتهت المعركة بمقتلة كبيرة في صفوف السلاجقة. وكان هذا الانتصار لاحقًا مشجعًا للمغول بقيادة جنكيز خان على غزو أواسط آسيا الإسلامية في سنة 616 ﻫ.
وكانت هذه المعركة نتيجة طبيعية لتمدد دولة قراخطاي، حتى أصبحت متاخمة لحدود الدولة السلجوقية. وبعد هزيمة السلاجقة استمر حكم الصين على ما وراء النهر إلى سنة 612 هـ حتى استرجعها منهم علاء الدين محمد الخوارزمي.
وذكرت المصادر التاريخية الخلاف الذي وقع بين السلطان سنجر وسلطان خوازرم أتسز بن محمد بن نوشتكين حيث هرع الأخير إلى الصينيين يطمّعهم في البلاد ويسهل عليهم أمرها، وتزوج منهم، وحرضهم على غزو دولة السلطان سنجر والاستيلاء عليها.
ومما يجدر تسجيله في هذه المعركة انضمام بعض القبائل التركية للملك الصيني كو خان في حربه لإخضاع أراضي السلاجقة، وتسمى هذه القبائل بالقارغلية.
ويرجع أصل كراهية هذه القبائل للسلطان سنجر، تلبية الأخير لنداء الاستغاثة من ملك سمرقند محمود خان في عام 431 هـ، حين هاجمه كو خان. فخرج سنجر بجيشه وعبر إلى ما وراء النهر وهزم الملك الصيني في خجندة، كما هاجم القبائل التركية التي دانت بالولاء لكو خان، فهربت هذه القبائل من الجيش السلجوقي ولجأت للملك الصيني الذي طالب السلطان سنجر بالعفو عن الأتراك القارغلية، فكان رده الرفض ودعوة الملك الصيني للإسلام مع تشديد اللهجة في التهديد وهو ما عارضه وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك، ونصحه بعدم الوقوع فيه، حيث كتب سنجر مبالغًا في وصف مهارة جنوده في القتال: “وإنهم يشقون الشعر بسهامهم!”، فاستثار الخطاب كو خان الذي من شدة غضبه نتف لحية الرسول السلجوقي ثم أعطاه إبرة، وطلب منه شق شعرة من لحيته فلم يقدر أن يفعل ذلك، فقال: كيف يشق غيرك شعرة بسهم وأنت عاجز عن شقها بإبرة؟.
وجمع كو خان جنوده وقوته لقتال السلطان سنجر، وخرج بثلاث مئة ألف فارس وبالفعل التقى الجمعان في هضبة قَطَوان شمالي سمرقند، وقاتل الملك الصيني بأسلوب المناورة بينما واجهه سنجر بالترتيب التقليدي للجيش بميمنة وميسرة، فتمكن الجيش الصيني من حصار جيش سنجر في أحد الوديان وأمعن فيه تقتيلًا، وقتل من جيش سنجر مئة ألف أو أكثر، وأُسِرت زوجتُه تركان خاتون وابنته، وقتل في المعركة عدد كبير من العلماء والفقهاء قيل إن عددهم حوالي 11 ألفًا.
وممن استُشهِدَ في هذه المعركة الإمام الفقيه الحنفي أبو حفص حسام الدين ابن مازة، عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري، وهو من أكابر الحنفية من أهل خراسان. وسجل التاريخ لأول مرة هزيمة مدوية لسنجر وانسحابه مع 15 من فرسانه الذين بقوا على قيد الحياة باتجاه ترمذ. وكان ممن ثبت مع سنجر في هذه المعركة ملك سجستان نصر بن خلف، والذي حكم لمدة ثمانين سنة وعاش إلى أن بلغ القرن من عمره، وقد أبلى البلاء الحسن في معركة قطوان.
وهكذا تتجلى لنا هذه المرة مسابقة أهل العلم في ساحات المعارك وتضحيتهم بالنفس والنفيس في سبيل نصرة دولة الإسلام، فكان علمهم عملًا.
وبعد انتصاره بقي كو خان في سمرقند 90 يومًا، وعين عليها ملكًا مسلمًا، ودانت له خوارزم وبخارى، وعدة مناطق وكانت سياسته غالبًا إقرار كل ذي مُلك على مملكته.
ورغم هزيمته سجل السلطان سنجر مواقف ثبات بطولية في معركة قطوان حيث إنه بقي واقفًا في عدد قليل تحت الراية لم يتراجع أو يضطرب. وترجع صفة الشجاعة التي يتصف بها السلطان سنجر إلى كونه تسلم قيادة الملك منذ أرسله أخوه بركياروق وهو في الحادية عشرة من عمره على رأس جيش لإخضاع عمه في خراسان.
لقد أظهر آخر سلطان للسلاجقة العظام مهارات كبيرة في حكم دولته المترامية الأطراف لأكثر من ستين سنة على الرغم من صغر سنه حين توليه إمارة خراسان إذ لم يكن يتجاوز عمره 11 سنة.
يصف ابن خلكان السلطان سنجر قائلًا: “كان من أعظم الملوك همة. ومن مواقفه الشجاعة أنه كان يتحدّى الموت عند خوضه المعارك الضارية وعد الموت حقيقة واقعة لا مفر منها إذ كان يقول: ومن يئس من حياته لا يفكر في العواقب، ربما ينال الظفر بما يدفع عن نفسه”.
ما بعد معركة قطوان
انتهز إستز سلطان خوارزم الذي راسل الصينيين وأطمعهم في السلاجقة، هزيمة سنجر، فسار إلى خراسان للاستيلاء عليها فأخذ سرخس ثم مرو التي رفضه أهله فقاتلهم وقتل كثيرًا منهم، ثم استولى على نيسابور، ثم بيهق.
ولم يقبل السلطان سنجر أن يقاتله خشية أن يشتت قواته فيطمع الصينيون في الاستيلاء على بقية البلاد المجاورة لجيوشهم.
لكن سنجر بقي يضمر الرد على إستز حتى عام 538 هـ بعد أن تهيأت له الظروف لإعادة بسط سلطته على إقليم خوارزم، فهاجم إستز وحاصره وكاد أن يستولي على البلد لولا اختلاف بعض أمرائه. لكنه ورغم تمكنه من إستز قبل منه عرض الصلح وأعاده إلى مرو.
صراع السلطان سنجر مع الغز
واجه السلطان سنجر تحديًا كبيرًا في عام 548 هـ، بعد أن وقع أسيرًا في أيدي الغُزّ، وهم قبائل اليغور المقيمين اليوم في إقليم سنكيانغ أو تركستان الشرقية في الصين، وكانوا قد أسلموا في أيام الخليفة العباسي المهدي، وانتقلوا إلى ما وراء النهر على صورة القبائل الرُّحل في طلب المرعى، ولهم تجارات إلى الهند والصين، وكانوا تحت سلطان الأمير قماج كبير أمراء سنجر وصاحبُ بلخ الذي تراجع عن قرار إجلاءهم عن أراضيه، وفي سنة 547 هـ رجع قماج لقرار إجلائهم بعد خذلانهم له في حربه مع علاء الدين الغوري، لكنهم جمعوا قوتهم وقاتلوه حتى تمكنوا من هزيمته وأسره وابنه ثم قتلوهما. وأخذوا نواحي بلخ، وعاثوا في الأرض فسادًا ونهبُا.
وعندما بلغ مسامعهم عزم السلطان سنجر قتالهم راسلوه يعتذرون منه فرفض عذرهم، ورفض كل قرباتهم ومحاولاتهم لكنه عندما التقى بجمعهم لقي الهزيمة الكبيرة، ووقع أسيرًا في أيديهم مع زوجته وجماعة من الأمراء. واستشهد في حربهم الفقيه محمد بن يحي.
ومن غريب ما حدث أن قتل الغز الأمراء جميعًا لكن أمراءهم اجتمعوا وقبلوا الأرض بين يدي السلطان سنجر، وقالوا: نحن عبيدك لا نخرج عن طاعتك، فقد علمنا أنك لا تريد قتالنا، وإنما حُمِلتَ عليه، فأنت السلطان ونحن العبيد!
وبعد مرور نحو 3 أشهر على هذه الحال، تأذى سنجر من استخفافهم واعتزل الملك، ودخل إلى خانقاه مرو مع الصوفية، فاستولى الغز على البلاد، ولكنهم أفسدوا وظلموا حتى ثارت عليهم نيسابور في رمضان سنة 548 هـ فدمروها تدميرًا وجعلوها قاعًا صفصفًا، وأبادوا أهلها ولم يفرقوا بين شيخ وطفل ولا عالم وعامة، ولم يسلم من فساد ونهب واعتداء الغز غير هَراة ودهستان لأنها كانت حصينة فامتنعت.
وقتل الغز في نيسابور الإمام الشافعي أبو سعد محيي الدين النيسابوري، محمد بن يحيى بن منصور، تلميذ الإمام الغزالي.
ولم يستمر وضع سنجر كذلك فقد تمكن من الفرار من الغز في سنة 551هـ بعد وفاة زوجته في الأسر، وذلك مع مجموعة من أمرائه هربوا من قبضة الغز، وسار سنجر إلى ترمذ فاستظهر بها وتوجه نحو خراسان ليجمع شتات ملكه الذي توزع بين أقاربه ومماليكه، فاستجاب له عدد من الأمراء والملوك، ولكن أيامه لم تطل وتوفي السلطان سنجر في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 552 هـ/ 1157م عن عمر يناهز 72 سنة، بعد أن أصابه القولنج والإسهال. ودفن في مرو عاصمة ملكه في قبة بناها لنفسه أثناء حياته سماها دار الآخرة وكان قد نقش على خاتمه عبارة
توكلت على الله.
ولما وصل خبر وفاته إلى بغداد قطعت عنه الخطبة، ولم يجلس له أحدٌ في العزاء وكان ذلك دلالة على أفول نجم السلاجقة وذهاب هيبتهم وانهيار قوتهم، وبالمقابل عادت الهيبة والقوة للخلافة العباسية في زمن الخليفة المقتفي لأمر الله حيث دارت فصول تفاصيل كثيرة بعد وفاة السلطان السلجوقي مسعود سنة 547 هـ وبناء الجيش العباسي من جديد، يقول ابن الأثير: الخليفة المقتفي: هو أول من استبد بالعراق منفردًا عن سلطان يكون معه من أول أيام الديلم إلى الآن، وأول خليفة تمكن من الخلافة وحكم على عسكره وأصحابه من حيث تحكم المماليك على الخلفاء [13].
لكن الخلافة العباسية استقوت في وقت حاصرها فيه خطران، الأول من الشرق، وهو الحركة الباطنية عسكريًا وفكريًا، والثاني من الغرب، وهو الحركة الصليبية التي استهدفت الشرق وبيت المقدس.
وجاء ذلك في أسوأ وقت للأمة الاسلامية مع انهيار السلاجقة في التنازع وتربص العبيديين. إلا أن قدرًا آخر كان ينتظر هذه الأمة، واستعمالًا لأبنائها الزنكيين، الذين تهيأت لهم الظروف للصعود وسد الثغور وحمل راية الإسلام خفاقة.
وصال السلطان سنجر بنور الدين زنكي
لقد بذل السلطان سنجر جهده في حماية ثغور الإسلام والمسلمين وجمع أسباب القوة لتوحيد صفوفهم وقد نجح في ذلك حتى بعد محنته في الأسر، وكان طبيعيًا أن يثمّن جهود قائد مسلم أعلن الجهاد على أعداء الإسلام في ثغر من ثغوره، فمن المواقف النبيلة التي سجلت للسلطان سنجر، وكانت دليلًا على صدق جهاده، مراسلته للقائد المسلم الكبير، نور الدين زنكي في دمشق، في أواخر صفر من سنة 552 ﻫ، حيث أرسل له رسالة وعده فيها بتقديم المساعدة له في جهاده ضد الصليبيين، ومن جميل ما خطه في تلك الرسالة تعبيره عن شوقه إلى الاجتماع بنور الدين، وسروره بما يصله من أخبار جميل أفعاله، ففرح نور الدين بذلك كثيرًا وأمر بزينة دمشق وقلعتها، فجللت أسوارها بالجواشن، والدروع، والتروس، والسيوف، والأعلام.
وكان مما تناولته رسالة السلطان سنجر التي أدى بها واجب الولاء للمؤمنين، ذكره لما منّ الله به عليه من خلاصه من الشَّدَّة التي وقع فيها، والأسر الذي بُلي به في أيدي الأعداء الكفرة، من ملوك تركمان، بحيلة دبرها، وسياسة أحكمها وقرَّرها، بحيث عاد إلى منصبه من السلطنة المشهورة واجتماع العساكر المتفَّرقة عنه إليه [14].
وهكذا انعكس مشهد للتواصي بالحق والتواصي بالصبر والوحدة بين قادة المسلمين المجاهدين في ذلك العصر فكانت لهذا المشهد بركات ألقت بظلالها على فتح بيت المقدس.
الدولة السلجوقية بعد السلطان سنجر
لقد زال سلطان السلاجقة في فارس بوفاة آخر سلاطينهم الأقوياء وهو السلطان سنجر بينما استولى على أكثر مملكته خوارزم شاه أُتسِز بن محمد بن نوشتكين ومات أُتِسز قبل سنجر [15].
وانتهز الخليفة العباسي مرحلة الانهيار التي عرفتها الدولة السلجوقية، فاستعان بعلاء الدين تكش خوارزم شاه ضد السلطان طغرل، أحد ورثة العرش السلجوقي بعد وفاة السلطان سنجر، وذلك مقابل إقطاعه كل البلاد التي كانت لا تزال تحت نفوذ السلاجقة [16].
وخرج بالفعل خوارزمشاه على رأس جيشه لقتال السلطان طغرل، واقتتل الطرفان قريباً من الري، في عام 590 ﻫ وانهزم الجيش السلجوقي وقتل السلطان طغرل [17]، وزالت بهذه الهزيمة الدولة السلجوقية [18]. وقد كانت هزيمة الخوارزميين للسلاجقة سهلة بسبب درجة الضعف التي نالت من الجيش السلجوقي.
وانتهى بصعود الخوارزميين نفوذ سلاجقة خراسان وكرمان والعراق، وكان حينها حكم سلاجقة الشام قد زال قبل ذلك بمدة طويلة، أما سلاجقة الروم فقد استمروا حتى القرن الثامن الهجري توارث حكمهم السلاطين السلاجقة وكانت لهم إنجازات وآثار تستوجب تـأليفًا منفردًا، كان منها دعمهم لقبائل الأتراك في الأناضول في عصر الغازي أرطغرل بن سليمان شاه والتي كانت القاعدة الأساسية لقيام الدولة العثمانية لاحقًا، لكن دولة السلاجقة الروم انتهت باكتساح المغول لها، وبسقوطها انتهى تمامًا عصر الدولة السلجوقية التي كانت إحدى أقوى دول المشرق في التاريخ.
ومع أن الخلافة العباسية تخلصت من البويهيين بالسلاجقة ثم بالخوازرميين من السلاجقة، فقد دب الخلاف بين العباسيين والخوارزميين أيضًا، ولم ينته إلا بقضاء المغول على كلاهما تباعًا[19].
دور النساء في حكم السلاجقة
كنا أشرنا لدور تركان خاتون زوجة ملكشاه بن ألب أرسلان في الاقتتال الذي أعقب وفاة زوجها السلطان، لدرجة أنها أخفت خبر مقتله ولم تظهر أي حزن عليه وانشغلت بالإعداد لابنها الصغير الذي يبلغ من العمر 4 سنوات فقط لتولي الحكم. وقاتلت بجيشها السلطان بركياروق بن ملكشاه، حتى منيت بالهزيمة أمامه ورغم محاولاتها للنيل منه والتحالف مع أعدائه، عاجلها الموت فتفرق جمعها وأنصارها والتحقوا بخصمها بركياروق. وقد ذكر التاريخ الكثير من دهائها وتدخلها في الحكم حتى حسب لها الخليفة العباسي حسابًا في خطاباته وذكر المؤرخون ضعف ملكشاه أمامها، فلم يكن يرفض لها طلبًا ويسمح لها بالتدخل في حكمه.
وفي الرسالة التي أرسلها الخليفة العباسي المقتدر بأمر الله إليها سنة 477 هـ، شكرها على تدخلها لصالحه عند السلطان ملكشاه، وقال: “واختتمه بشكر الدار العالية.. وإيضاحها للمجلس السامي السلطاني ما على الخواطر الكريمة الإماميَّة من الثقل لِمَا استمرَّ في حقِّ الرعيَّة والخواص والحاشية”. ويقول الأصفهاني في وصفه لتركان خاتون: “كانت مستوليةً في أيَّام ملك شاه”. وقال عنها الحسيني: “كانت مستوليةً على الأمور في أيَّام السلطان ملكشاه”. وكذا ذكرها الذهبي، فقال عنها:
وكان لها هيبةٌ وصولةٌ وأمرٌ مطاع، ويعود هذا النفوذ الكبير لها والمكانة العالية من نشأتها وتربيتها وأصولها الملكيَّة؛ فهي من سلالة ملوك القراخانيِّين حكَّام ما وراء النهر وعاصمتهم سمرقند.
وكذلك كانت زوجة السلطان طغرل بك عم ألب أرسلان، كما يقول ابن تغري بردي: “صاحبة رأي وتدبير وحزم وعزم وكان زوجها السلطان طغرل بك سامعاً لها ومطيعاً، والأمور مردودة إلى عقلها، وكانت تسير بالعساكر وتنجده وتقاتل أعداءه” [20]، فقد سارت نجدة لزوجها السلطان طغرل بك في صراعه مع أخيه إبراهيم ينال متخطية آراء المعارضين لها في هذا العمل العسكري [21].
ومن مظاهر انخراط المرأة السلجوقية في الحكم، تكليف السلطان ألب أرسلان قبل معركة ملاذكرد سنة 463 ﻫ زوجته بالمسير مع الوزير نظام الملك لإيصال أثقال الجيش إلى همذان [22].
وكانت المرأة السلجوقية في بعض الحالات تمتلك قوة ونفوذًا، كما ظهر عندما صادر الوزير السلجوقي نظام الملك أموال كوهر خاتون عمة السلطان السلجوقي ملكشاه فحاولت التحرك بجمع الجيوش لقتال الوزير الذي أشار على السلطان بقتلها وقتلها سنة 476 ه، وقضى بذلك على حركتها [23].
كذلك لعبت زبيدة خاتون زوجة ملكشاه الثانية ووالدة ابنه الأكبر بركياروق دورًا لا يقل أهمية عن دور تركان خاتون، وكانت سببًا في تخبط ابنها فقد أجبرته على عزل وزيره مؤيد الملك الذي اشتهر بكفاءته وخبرته وأمرته بتنصيب أبي الفتح المظفر فخر الملك مكانه ولم يكن بكفاءة وزيره مؤيد الملك. واحتجت لعزله بكونها لا ترتاح إليه. وفي الواقع كانت غايتها تنصيب من تتحكم فيه وتثق ولاءه لها.
فكان نتيجة ذلك تحالف الوزير مؤيد الملك مع رجالات العراق وهمذان وأصفهان ضد بركياروق، وتحريضه محمد بن ملكشاه للخروج عن طاعة أخيه السلطان بركياروق، وأعقب هذا التدبير، نشوب القتال الذي استمر لمدة خمس سنوات بين الأخوين، وبعد أن وصل أمرهما للصلح انتقم الوزير مؤيد الملك من زبيدة خاتون، فحبسها في قلعة ثم خنقها وقتلها في عام 492 هـ – 1099 م. وكان آنذاك وزيرًا للسلطان محمد. وتقول المصادر التاريخية أن زبيدة كانت مستولية على دولة ابنها لا يصدر شيءٌ صغيرٌ ولا كبيرٌ إلَّا برأيها.
كما تزوجت السلجوقيات من الخلفاء العباسيين، كما كان حال خاتون بنت ملكشاه الثانية زوجة المستظهر، ففي سنة 502 ﻫ تزوج المستظهر خاتون بنت ملكشاه، وقد لعبت دوراً مهماً في الأحداث الكبرى يقول عنها ابن الساعي: كانت رئيسة جليلة من أعقل النساء، وأشدهن حزمًا وسدادًا وأنشأت مدرسة بشارع سوق العسكر ووقفتها على أصحاب الإمام أبي حنيفة وليس في الدنيا مدرسة أكبر منها [24].
ومن النساء اللواتي كان لهن التأثير المباشر في وصول المستظهر إلى مركز الخلافة قهرمانة المقتدي التي كانت تتمتع بنفوذ كبير فهي تنفذ مهام الدار العزيزة كما ينفذ الوزير مهام الديوان العزيز، وحين قدمت الطبق للمقتدي مات فجأة، فأغلقت باب الحجرة ووكلت بالباب من يحرسه وأرسلت إلى الوزير، وتعاهدت وإياه على تأمين مصلحة أصحابها وأصحابه، وعندما أكد لها ذلك قالت: أحسن الله عزاءك في أمير المؤمنين، فقط زممت أمر الدار، فزم أنت أمر البلد ثم أدخلته على ولي العهد المستظهر، وقرر معه موت المقتدي وخلافته بعده ومضى الوزير إلى السلطان وتدارس معه الأمر ثم عاد وأجلس المستظهر وأشاع موت المقتدى كل ذلك كان بتدبير القهرمانة [25].
ومن نساء السلاجقة البارزات نذكر والدة محمد وسنجر، خاتون السفرية التي كانت حظية ملكشاه ومن جوارية، وكانت متدينة، وتبعث حمال السبيل إلى طريق مكة ولما حصلت في الملك بحثت عن أهلها وأمها وأخواتها حتى عرفت مكانهم ثم بذلت الأموال لمن يأتيها بهم، فلما وصلوا إليها ودخلت أمها كانت قد فارقتها منُذ أربعين سنة، فجلست البنت بين جوارٍ يقاربنها في الشبه حتى تنظر هل تعرفها أم لا، فلما سمعت الأم صوتها نهضت إليها فقبلتها وأسلمت الأم، فلما توفيت خاتون قعد لها السلطان محمود في العزاء [26].
وكما كان هناك ذكر للنساء في ميدان الحكم والسلطنة كان هناك ذكر لهن في ميدان العلم والزهد والوعظ، فقد ظهرت العديد من النساء السلجوقيات الرائدات في العلم مثل دلال بنت أبي الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهتدي ورابعة بنت أبي الحكم ابن أبي عبد الله الحيري والحرانية وبنت الجنيد وبنت الغراد وقد تتلمذ عليهن في الزهد أبو الوفاء علي بن عقيل وهو فريد دهره وإمام عصره، وبنت الغراد كانت منقطعة إلى قعر بيتها لم تصعد قط ولها كلام في الورع[27].
وكان منهن فاطمة بنت عبد الله الخيري الفرضي والسيدة فاطمة بنت الحسين ابن الحسن بن فضلويه الرازي[28]. وكلهن من أهل العلم والدعوة.
الديوان الخاتوني
ومما يثير الاهتمام أن الخواتين السلجوقيات كن يملكن جهازًا إداريًا يعرف بالديوان الخاتوني، أو الدار العالية أو العزيزة، ولدى كل واحدة منهن وزير ونائبه وعمال حيث أُضيف لقب الخاتوني إلى أسماء من يعمل في هذا الديوان.
ويتلخص دور موظَّفي الديوان الخاتوني في الإشراف على أملاك الخاتون، والإنفاق على الموظَّفين واستقبال الرسائل والردِّ عليها بدلًا عن الخاتون، كذلك استقبال المبعوثين للخاتون وإرسال مبعوثين إلى من تريد الخاتون. وكانت خواتين السلاجقة تمتلكن ثروات وإقطاعات كبيرة جدًا.
أسباب سقوط الدولة السلجوقية
لقد جعل الله أسبابًا لكل دولة لتقوم وأخرى لتسقط، وكذلك لم تخرج الدولة السلجوقية عن هذه القاعدة، فقد سقطت كما سقطت الكثير من الدول رغم تربعها على ذروة النجاح في فترة سبقت. وكان أكثر ما أضعف الدولة السلجوقية التنازع على الملك والاقتتال الذي وصل لحمل السلاح ومواجهة الجيوش بين الورثة.
كما شهدت الدولة تدخل النساء في شؤون الحكم وتصرفهن بجشع وحب للسلطة، كما كان من أسباب سقوطها عجز السلاجقة عن توحيد بلاد الشام ومصر والعراق، وكذا تعرض الدولة للمكر الباطني الخبيث وحملات الاغتيالات والتصفية للعلماء والقادة والسلاطين ثم انتهاز الصليبيون فرصة الضعف السلجوقي وشنهم لحملاتهم الصليبية.
ومع ذلك فإن الدولة السلجوقية قدمت القاعدة الأولى لتوحيد المشرق الإسلامي لاحقًا على يد صلاح الدين الأيوبي.
ويكفي السلاجقة شرفًا بناءهم لدولة إسلامية ومؤسسات ساهمت بشكل كبير في صناعة حضارة متألقة وحفظ سلطان أهل السنة وتأمين صعودهم، وكان على رأس إنجازاتها: ازدهار المدارس النظامية التي خرجت قادة وعلماء رفعوا راية العلم والجهاد لعصور تلت، ونشاط الحركة العلمية في عصرهم، واستلامها راية الجهاد التي حفظت قوة الدولة لقرون، كما ردت عدوان الرافضة والباطنيين والصليبيين.
لقد شكلت الدولة السلجوقية مصدر إلهام للكثير من الدول التي جاءت بعدها، ويقول ابن الأثير أن ديوان زنكي كان يشبه إلى حد كبير دواوين السلاجقة في نظمه من كثرة الحاشية وجمال الزينة ونفاذ الأمر.
وقد ورث الزنكيون النظم العسكرية من السلاجقة، فكان عماد الدين زنكي، يستعين بنفس تنظيمات السلاجقة الإدارية من تنظيمات الجيش والديوان الخاص بطعامهم ومرتباتهم وأسلحتهم، وغيره من فنون الإدارة.
ومن تدبر في سيرة السلاجقة وجد أن امتلاك القوة والتنظيم والقدرة على إخماد الفتن والعناية بأهل العلم والتعليم كانت الأسباب الأساسية لصعود الدولة وأن التنازع والاقتتال الداخلي ومكر الباطنية في وقت يتربص به الصليبيون بالمسلمين كانت أهم أسباب سقوطها.
ونخرج من نهاية قصة دولة السلاجقة بدرس عظيم في قيادة العلماء واقتحامهم جميع مجالات الصراع مع أهل البدعة والكفر، وإحرازهم انتصارات حاسمة لصالح عقيدة أهل السنة فبرز أئمة كبار من أمثال أبي حامد الغزالي والبغوي وأبي إسماعيل الأنصاري الهروي والجويني وغيرهم ممن حمل المشعل في مختلف ساحات التضحية والعطاء.
لقد كان دورًا عظيمًا قام به العلماء الذين قاتلوا بالقلم والسيف ولم يزالوا يحرضون الأمة ويعبؤون الجيوش وينصحون السلطان ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم. فشاهدنا العلماء في ميدان التعليم ونشر العلم والدعوة، وفي ميدان القضاء وعقد الصلح وحل الأزمات، وفي ميدان نصح السلطان وتقويمه، وفي ميدان القتال على مقدمة الجيوش وفي عداد الشهداء، وذلك هو الدور المناط بأهل العلم لترتفع ببذلهم وتضحياتهم الدول الإسلامية.
وختامًا (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وإنما جعل القصص للتدبر واستخلاص العبر، فطوبى لمن أدرك أسرار بداية ونهاية الإنسان والدول.
المصادر
- تاريخ الخلفاء ص 283.
- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (4/41 ، 42).
- الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
- سير أعلام النبلاء (19/196).
- الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
- الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 56.
- وفيات الأعيان (5/72 ، 73).
- التاريخ السياسي والفكري للمذهب السني ص 142.
- سير أعلام النبلاء – الذهبي – ج ١٩ صفحة 507.
- أخبار الدول وآثار الأول (2/458 ، 459).
- الكامل في التاريخ نقلاً عن التاريخ السياسي والفكري ص 138.
- دائرة المعارف الإسلامية (3/377) مادة إسماعيلية .
- الجيش وتأثيراته في سياسة الدولة الإسلامية ص 254.
- كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/359، 360).
- سير أعلام النبلاء (20/365).
- الكامل في التاريخ نقلاً عن نظام الوزارة في الدول العباسية ص 67.
- دولة آل سلجوق ص 277 – 278.
- نظام الوزارة في الدولة العباسية ص 67.
- الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 60.
- النجوم الزاهرة (5/101).
- تاريخ بغداد (9/400 ، 401).
- الكامل في التاريخ نقلاً عن النظم الحربية ص 228.
- النجوم الزاهرة (5/101).
- نساء الخلفاء ص 108 ، 109 الحضارة الإسلامية ص 175.
- الحضارة الإسلامية في بغداد ص 176.
- المنتظم (10/7 ، 8 ، 88).
- الحضارة الإسلامية في بغداد ص 177.
- المنتظم (9/212 ، 229) الحضارة الإسلامية ص 177.
- الصلابي علي محمد، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي.
- ابن الأثير عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الكرم الشيباني الكامل في التاريخ – المجلد التاسع.
- د. محمد عبد العظيم يوسف أبو النصر. عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم – ابن الجوزي البغدادي.
- تاريخ العراق في العصر السلجوقي – د. حسين أمين – بغداد – مطبعة الأرشاد 1385 هـ/1965 م.
- قصة السلاجقة من الظهور إلى الزوال، قصة الإسلام.
- كتاب الأميرات السلجوقيات ودورهن في الحياة السياسية والعسكرية السلجوقية حتى سنة 500 هـ