دون اللغة العربية.. الإسلام سيندثر

تنتمي اللغة العربية إلى فصيلة اللغات السامية ويتكلم بها ما يزيد عن 400 مليون نسمة وفق إحصائيات الأمم المتحدة، وتشتهر بقواعدها النحوية والصرفية  المنطقية، وتتميز بغناها وتنوعها في المفردات والمصطلحات وتاريخها القديم الغني بالثقافة والأدب، لكن أهم ما يميز اللغة العربية أنها اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى ليختم بها آخر رسالة للبشرية جمعاء وهي رسالة الإسلام، قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. 

أهمية اللغة العربية في الإسلام

تحمل اللغة العربية أهمية كبيرة في الإسلام وذلك لعدة أسباب نجملها في الآتي:

  1. القرآن الكريم: العربية هي لغة نزول القرآن الكريم، الكتاب الذي أنزله الله عزَّ وجل دستورًا ومنهاجًا وشريعة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويتعين على المسلمين فهمه وتلاوته وحفظه بلغته العربية الأصلية واستيعاب معانيه وتعاليمه.
  2. الصلاة والعبادة: تستخدم اللغة العربية في الصلاة والعبادة الإسلامية، إذ يجب على الفرد المسلم قراءة القرآن والأدعية والأذكار بالعربية، كما أن الصلاة والخطب والدروس الدينية بالعربية جزءٌ أساسي من الدين.
  3. فهم التفسير والأدب الإسلامي: يتوجب فهم اللغة العربية للوصول إلى التفاسير والشروح العلمية للقرآن والحديث النبوي، ويوجد الكثير من الكتب والمؤلفات الدينية والأدب الإسلامي المهمة التي تكتب بالعربية وتتطلب فهمًا جيدًا للغة.
  4. الوحدة والهوية للأمة الإسلامية: تعزز اللغة العربية الوحدة والهوية بين المسلمين، إذ إن القدرة على التواصل والتفاهم باللغة العربية تعزز الروابط الثقافية والاجتماعية بين المسلمين في جميع أنحاء العالم.
  5. التراث والتاريخ: اللغة العربية تحمل في طياتها ثروة من التراث والأدب والتاريخ الإسلامي، وتعدُّ اللغة العربية وسيلة لنقل المعرفة والحكمة والثقافة الإسلامية من جيل إلى جيل.

بشكل عام، يمكن القول بأن اللغة العربية تعتبر جزءًا لا يتجزَّأ من الهوية الإسلامية والممارسة الدينية للمسلمين، لذلك فإن فهمها واستخدامها يسهم في التواصل والتفاهم الديني والثقافي بين المسلمين ويوثق علاقة المسلم  بتراثه الإسلامي.

كيف سيندثر الإسلام لو اختفت اللغة العربية؟

اللغة العربية

اللغة العربية هي لغة القرآن، ولكي يظل القرآن الكريم محفوظًا قيَّد الله عز وجل له من يحفظه، حفظ في الصدور وحفظ  في الكتاب، فمن غير النقاط والعلامات والأحزاب والترقيم وعدّ الآي لربما دخل عليه الفساد، ومن ثم جاء التسجيل الصوتي وضبط العلوم والتفسير واللغة والنحو والبلاغة وبقية علوم العربية التي تحفظ القرآن الذي هو شريعة الأمة الإسلامية. 

لكن أحد الأخطار التي تتعرّض لها الأمم عبر التاريخ هو الخطر اللغوي إذ يعرِّف بعض علماء السياسة الدولةَ القومية الحديثة بأنها كيان ذو لغة قومية في حماية قوى مسلحة.  وعندما يغير المستعمر اللغة فهو يغيّر نظرتك للعالم (الصورة التي يبدو عليها العالم عندما تنظر إليه) ويغير المنظومة القيمية كما يغير الهوية والانتماء، فاللغة تحدد الكلمات التي تقرأ بها والديانة التي تعتنقها والكتب التي تقرأها والفلسفة التي تتبعها وأسلوب الحياة الذي تعيشه. 

إذا نظرنا للتاريخ الإسلامي نجد أن الدول التي مرّ عليها المغول قبل إسلامهم، ضعف فيها اللّسان العربي، وذلك لأن المغول قتلوا العلماء وطلبة العلم وحرقوا الكتب، أي دمروا الشبكة التي تحفظ الإسلام واللسان العربي والعلوم الشرعية الأصيلة، وبالتالي تبقّى قدر كبير من الإسلام في تلك المناطق لكنه كان إسلامًا مشوّهًا.

اللغة الميتة تموت بموت المتكلمين بها أو تتحول إلى لغة ترانيم (لغة مقدسة) مثل اللغة القبطية في مصر، ويجب ملاحظة أن الاستعمار الحديث لم يدمّر اللغة العربية بشكل كامل، وأنها لا تزال لغة حية ومستخدمة على نطاق واسع في العالم العربي والإسلامي، وما زالت اللغة العربية تحتفظ بمكانتها كلغة دينية وثقافية رئيسية للمسلمين، ولكن تأثرت بعض البلدان بشكل أكبر من غيرها، وقد يرجع ذلك لعدة أسباب منها:

  • القمع الثقافي: قامت السلطات الاستعمارية بتقويض الثقافة العربية والتعليم باللغة العربية، وترويج اللغة والثقافة الخاصة بالقوة الاستعمارية، تم تحقيق هذا من خلال تغييب اللغة العربية عن المناهج التعليمية والمؤسسات الثقافية، وتشجيع الاستخدام الحصري للغة الاستعمار والتعلم بلغاتها، في مصر على سبيل المثال  تم إصدار قرار عام 1898م بجعل التعليم باللغة الإنجليزية، ولكن حكومة الوفد برئاسة سعد زغلول عام 1922م أوقفت القرار وعملت على تعريب ما دون الجامعة، وفي عام 1936م شرعت في تعريب الدراسة الجامعية ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية ثم تتابع الانقلابات القومية أوقف القرار.
  • السياسات اللغوية: نفّذت سياسات لغوية  أقصت اللغة العربية وعززت اللغة الاستعمارية كلغة رسمية، إذ تم تشجيع النخب السياسية والاقتصادية على استخدام اللغة الاستعمارية وتجاهل العربية، مما أدى إلى تراجع استخدام العربية في المجالات الرسمية والإدارية.
  • الهيمنة الاقتصادية والتجارية: كان للقوى الاستعمارية سيطرة اقتصادية وتجارية قوية على البلدان المستعمَرة، وتم تشجيع التجارة والنشاط الاقتصادي بلغات القوى الاستعمارية، مما أدى إلى استخدامها كلغة تجارة واتصال، وتراجع استخدام اللغة العربية في هذا السياق.
  • التأثير الاجتماعي والثقافي: كما قدم الاستعمار تأثيرًا اجتماعيًا وثقافيًا قويًا على المجتمعات المستعمرة، روّجت القيم والعادات والثقافة الغربية على حساب التراث العربي، مما أدى إلى تراجع الاستخدام العام للغة العربية وتأثيرها على الثقافة الشعبية.

تراجعُ استخدام اللغة العربية في العالم العربي قد يؤدي إلى عدّة عواقب محتملة، فقد نفقد الهوية الثقافية للأمة الإسلامية لأن اللغة العربية عنصر أساسي في هوية العالم الإسلامي والعربي وثقافته، فإذا تراجع استخدام اللغة العربية، قد يؤدي ذلك إلى فقدان الروابط الثقافية والتاريخية والأدبية التي تتجذر في اللغة، وبالتالي فقدان الهوية الثقافية كما سيتأثر التراث اللغوي والأدبي العربي وقد يقل اهتمام الأجيال القادمة بالحفاظ عليه وتطويره.

تقييد الوصول إلى المعرفة: فالعربية لغة غنية بالمعارف والمصادر الثقافية والتراث الإسلامي، إذا تراجع استخدامها فقد يترتب على ذلك تقليص الوصول إلى المعرفة والمصادر العربية، مما يؤثر على تطور المجتمع والعلوم والآداب.

التأثير على التواصل بين أفراد الأمة الإسلامية: إذ إن اللغة هي وسيلة للتواصل والتفاهم بين الأفراد والثقافات المختلفة، وتراجع استخدامها، يصعب التواصل والتفاهم بين الأشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة في العالم العربي والإسلامي.

من أجل تجنب هذه العواقب المحتملة، من المهم تعزيز استخدام وتعلم اللغة العربية وتطوير برامج تعليمية قوية وتشجيع الأدب والإبداع اللغوي، والاهتمام بتراث اللغة وثقافتها.

العوامل المساعدة في الحفاظ على اللغة العربية 

اللغة العربية

الحفاظ على اللغة يعتمد على عوامل متعددة مثل الإرادة السياسية والتعليم والتوعية الثقافية والتمسك بالهوية العربية، وهناك بلدان نجحت في الحفاظ على اللغة العربية رغم التأثير الاستعماري وبعضها يواجه صعوبة في الحفاظ على اللغة وذلك لعدة عوامل:

  • التأثير الثقافي الغربي: العولمة وتزايد التأثير الثقافي الغربي يمكن أن يؤثر على استخدام اللغة العربية في بعض البلدان، إذ يزداد الاهتمام بلغات أخرى مثل الإنجليزية، ويتم تبني العديد من العبارات والمصطلحات الغربية في المجالات المختلفة.
  • القضايا السياسية والاجتماعية: الصراعات السياسية والاجتماعية في بعض البلدان يمكن أن تؤثر على التركيز على اللغة العربية ودعمها، قد يتم التركيز على قضايا أخرى ذات أولوية أعلى، مما يؤدي إلى تراجع الدعم والاهتمام بتعزيز اللغة العربية.
  • التعليم والمناهج الدراسية: قد تواجه بعض البلدان تحديات في تطوير برامج تعليمية قوية تعزز اللغة العربية، قد يكون هناك نقص في الموارد التعليمية والتدريبية اللازمة لتعزيز اللغة العربية، مما يؤثر على مستوى التحصيل اللغوي للأفراد.
  • التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة: تطور التكنولوجيا واستخدام وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤثر على استخدام اللغة العربية، باستخدام لغات أخرى في المحتوى الرقمي والتواصل الاجتماعي، يقلّ استخدام اللغة العربية على الإنترنت.

مع الأسف، تبقى الجهود المبذولة لتعزيز المحتوى العربي عبر الإنترنت وتعريف البرمجيات والذكاء الاصطناعي على اللغة العربية ضعيفة جدًا، مقارنة بما يُبذل للغات أخرى لا يبلغ عدد متكلميها ربع متكلمي العربية.

ويكفي المسلم غبطة وشرًفا أن يستخدم اللغة العربية ويتحدث بها، فبها أُنزل كلام الله عز وجل وبها دعا النبي العربي صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وعلى كل فرد أن ينظر كيف بإمكانه المحافظة عليها وفقًا لرتبته ومكانته، فيتعلمها ويُعلمها لأبنائه وللأجيال من بعده.

د. إيلاف بدر الدين عثمان

إيلاف بدر الدين عثمان، خريجة صيدلة، باحثة في الدراسات الإسلامية والتاريخ وعلم الاجتماع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى