إحياء الأرض بين الإسلام والدول الحديثة

الأرض هي الكوكب الذي يرتبط به الإنسان ويعيش عليه، من ترابه خلق وهي موطنه ومسكنه، مدخرة فيها أقوات الخلق، ومعاشهم على سطحها، ومأمورون بالسعي في جنباتها، منها نحصل على الخير الوفير والزاد والإنتاج الكافي، وفي كل شيء منها وفيها آية لله ودلالة على وجوده.

والأرض لا تمنح خيراتها سُدًى بغير سعي؛ لذلك أمر الله الإنسان بالسعي واستخلفه على إعمار الأرض، فباتت الأرض شُغل الإنسان الشاغل، وأصبحت ملكية الأرض ظاهرة اجتماعية رافقت الإنسان في كل زمان ومكان، وأخذ توزيع الأراضي مكانًا مهمًا في أعمال الدول، وصار للأرض مركز بارز في الاقتصاد والتجارة وغيرها من أشغال الإنسان ومعاشه.

ونجد أن الأرض اليوم مقسومة لقسمين: قسم تم استثماره في الزراعة والصناعة والسكن وغير ذلك، وقسم -وهو الأكبر- مُهمل بغير استثمار في العالم كُلّه عامة والعالم المسلم خاصة، ورغم أن القسم الأول أصغر إلّا أن الدول والحكومات والقبائل والشعوب تتنازع فيه وتتقاتل عليه، بالغصب والاحتلال والمصادرة والاستيلاء والحيازة وما إلى ذلك، بينما في القسم الأكبر غير المُستثمَر تقلُّ هذه النزاعات وربما تنعدم وهي ما تُعرف بالأرض الموات.

ورغم توفر الأراضي يموت الناس جوعًا وفقرًا ولا تُتاح لهم الفرص لاستثمار تلك الأراضي وإحيائها.

الأرض في الشرع الإسلامي 

اهتمّ الشرع الإسلامي بالأرض وأعطاها حقها من الرعاية والعناية ووجه الأنظار إليها وأمر بالسعي والاستفادة منها، وقد تكرر لفظ الأرض في القرآن الكريم أربعمائة وإحدى وخمسين مرة، والأرض واسعة لمنح الإنسان الحرية في الحياة، ولينقذ نفسه من الذل والتبعية؛ فإن ضاق به مكان هاجر إلى آخر لينعم بالعيش الرغيد وهي مقر للخير ومستقر للنفع قال تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وإليه النشور}.

الأرض الموات في الإسلام

الموات في اللّغة اسمٌ لما لا حياة فيه، وفي الاصطلاح: هي الأرض التي لم تُحْيَ بعد وهي التي ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها.

أما في الاصطلاح الشرعي: فهي الأرض التي تكون في حكم الميت، لا ينتفع بها بالبناء أو الغرس أو الحرث أو السقي ولا يُستفاد منها بكل الوسائل التي تعود على الإنسان بالنفع؛ ضمن شروط معينة وأعمال مخصوصة تتناسب مع طبيعة الأرض والغرض المقصود منها.

وقد ثبت في الشرع أن الأصل إحياء الموات وأنه مشروع باتفاق الفقهاء، وعن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :((من أحيا أرضًا ميتًة فهي له)) صحيح الترمذي (1379).

محاسن إحياء الأرض الموات وفقًا للشرع الإسلامي

  1. إقامة البناء عليها وتوفير المسكن للمحتاجين والقضاء على أزمة السكن.
  2. إحياؤها بالزرع يؤدي لتوفير القوت وتخفيف الفقر وتأمين الغذاء وتسهيل الحصول عليه.
  3. التوزيع العادل لمصادر الإنتاج للأفراد والأمة. 
  4. إزالة ويلات ومشاكل النظام الإقطاعي والرأسمالي القائم في كثير من البلاد لتتحقق العدالة بين الناس وتقلّ الفوارق الطبقية والاجتماعية.

تبرز أهمية قضية إحياء الأرض الموات وإعمارها واستصلاحها عندما نذكر على سبيل المثال ظاهرة التصحّر، فعلى الصعيد العالمي تتعرض كثير من الأراضي للتصحر وهذا  التصحر يدفع الكثير من السكان لمغادرة أراضيهم والنزوح داخل بلدانهم أو اللجوء إلى أماكن أخرى مما يتسبب في مشكلات اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية نتيجة هروب أعداد هائلة من السكان.

مقاصد الشريعة من إحياء الأرض الموات

  1. بيان أهمية الأرض وضرورة الاستفادة منها وإحيائها وتوجيه أفراد الأمة لإصلاحها واستثمار خيراتها وجني ثمارها وإعمارها لتعود بالخير العميم على أهلها وعلى الأمة جمعاء.
  2. تنظيم العلاقة بين الأفراد فيما بينهم ليحدث التكاتف والتعاون وينتهي الخلاف والنزاع ويحفظ لكل حقه.
  3. إصلاح الأراضي المهجورة وتوسيع الرقعة الزراعية وحل كثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية كالبطالة وهجرة العلماء والعمال والعقول المفكرة إلى الخارج وتحقيق الازدهار العمراني وتوسيع القرى والمدن لحل مشكلة السكن.
  4. بناء إنسان عزيز فمن أساسيات العزة أن يملك الإنسان مسكنًا يؤويه ومستقرًا يحفظ عليه نفسه وماله وأهله، وإلا فإنه يظل مكسورًا دون سكن ومأوى.

الفرق بين الإحياء في الإسلام والقوانين الحديثة

إحياء-الأرض

الإحياء الذي يملك به الإنسان الأرض يختلف بحسب المقصود من الأرض، وبحسب اختلاف عرف البلد، فيرجع فيه إلى العرف والمقصود، وقد اشترط الفقهاء عدة شروط في إحياء الموات وإصلاح الأرض؛ بعضها يتعلق بالشخص المُحيي وبعضها يختص بالأرض المحياة وبعضها يتّصل بإجراء الإحياء وكيفيته.

ويظهر الفرقُ الكبير بين إحياء الأرض لإصلاحها في الفقه الإسلامي وبين قوانين الإصلاح الزراعي في العالم العربي، إذ نصت القوانين على تحديد الحد الأعلى لملكية الأراضي ومن ثم الاستيلاء على الباقي لتوزيعه على الفلاحين مما أثار النزاعات والمشكلات وزرع الأحقاد وسوء التصرف في الأراضي التي كانت مزروعة ما أدى لتردي الإنتاج وانخفاض الكمية، بينما أهملت الأراضي البور والأراضي الميتة دون أن يمسّها إصلاح أو إحياء.

يقول الدكتور جميل أكبر: «كل فرد لا يملك مسكنا هو إنسان مكسور من الداخل، لا يوجد مجتمع قوي وأفراده مكسورون، في الشريعة الأرض التي ليس عليها مزرعة أو مصنع أو مدرسة هي أرض بيضاء قابلة للإحياء تسمى أرض مواتا».

ويظهر الفرق كذلك بين الشريعة الإسلامية وقوانين الدول الحديثة، فالقانون الإسلامي قائم على مبدأ إحياء الأرض الميتة وتحويلها لأرض صالحة للانتفاع بها في السكن والزراعة والبناء وإقرار الملكية الفردية وصيانتها وحمايتها، بينما تُنادي بعض قوانين الدول الحديثة بالزراعة الاشتراكية وإلغاء قانون الملكية الفردية وتحويل الأراضي إلى ملكية جمعيات تعاونية أو ملكية اجتماعية، أو تأميم الأراضي الزراعية وتحويلها لملكية الدول.

المصادر:

  1. كتاب إحياء الأرض الموات، الدكتور محمد الزحيلي
  2. أ.د. جميل أكبر، إحياء الإحياء – إحياء الأرض بعد موتها

د. إيلاف بدر الدين عثمان

إيلاف بدر الدين عثمان، خريجة صيدلة، باحثة في الدراسات الإسلامية والتاريخ وعلم الاجتماع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى