دور النظام الخاص بالإخوان في الجهاد الفلسطيني
إن التدريب الروحي والعسكري لأفراد النظام الخاص قد ظهر جليًّا عندما قامت مشكلة فلسطين وأرسلت الجماعة الكثير من متطوعيها للقتال، إذ شهد الجيب كل من اللواء أحمد بك المواوي القائد الأول لحملة فلسطين واللواء أحمد صادق باشا الذي خلفه، بما قام به هؤلاء المتطوعين من أعمال دلت على بسالتهم، وحسن مرام وسمو روحهم المعنوية وإلمامهم بفنون حرب العصابات.
وقد ظهر هذا التأثير جليًا بدخول متطوعي الإخوان فلسطين، حيث أن اليهود قسموا أنفسهم إلى عصابات وتبنوا حرب العصابات في فلسطين، ومن المعلوم في فنون الحرب أن الجيوش النظامية-كالجيوش العربية التي تدخلت في فلسطين-لا يمكنها أن تصد من يتبنى حروب العصابات مهما امتلكت تلك الجيوش من عدة أو عتاد إلا إذا واجهت حرب العصابات بمثلها، لذا كان دخول الإخوان المسلمين، وخاصة النظام الخاص منهم الذي كان قد أعد نفسه على حرب العصابات أيَّما إعداد، له أثره البالغ والمؤثر على مجريات الحرب كما سنبين.
أعمال النظام الخاص داخل فلسطين
بعد أن نزل مفتي فلسطين أمين الحسيني القاهرة كان طبيعيًا أن تتجاوب جماعة الإخوان المسلمين معه ومع رجاله في قضية فلسطين، فإن مبادئهم كحمل دعوة الإسلام إلى الناس تفرض عليهم الجهاد في سبيل الله، وهو مبدأ مُعلَن من مبادئهم يقول: (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، خاصة وأن هذه الجماعة التزمت بعهدها للناس، فكونت منذ سنة ١٩٣٩م جيشها المسلم المشهور باسم «النظام_الخاص» والذي اشترك حتى هذا الوقت في عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الإنجليزي في مصر.
في بداية الأمر كان النظام الخاص يساعد في عمليات تسليح الفلسطينيين وفقط، ثم تدرجت الأمور بعد ذلك وتطورت للمساهمة في عمليات لجنود النظام داخل فلسطين كتفًا بكتف مع المجاهدين الفلسطينيين ضد الصهاينة اليهود. وهنا سنستعرض نبذة مختصرة عن تلك المساهمة الجليلة من جنود النظام الخاص وغيرهم من الإخوان في فلسطين.
1 – عمليات نقل الأسلحة لمجاهدي فلسطين
قد تركز فكر سماحة الحاج أمين الحسيني في طلب تسليح الفلسطيني ووضعه في وضع مماثل لليهودي المستوطن لمستعمرات وقرى متفرقة فوق أرض فلسطين، فبدأ جديا في شراء الأسلحة اللازمة لهذا الغرض، والاستعانة بجماعة الإخوان المسلمين في تحقيق هدفه لما لها من سبق في هذا المجال. وكان على النظام_الخاص أن يقوم بهذا الدور الهام في خدمة القضية الفلسطينية، فركز النظام الخاص على الاستفادة بالكميات الهائلة من الأسلحة والمتفجرات المتخلفة عن الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية، حيث كانت القوى المتحاربة قد نقلت إلى أرض المعركة حول العلمين كل إمكانياتها من هذه الأسلحة والمتفجرات، ثم انتهت الحرب بانتصار الحلفاء. وبكسب الحرب أصبحت كل هذه الكميات عديمة الفائدة بالنسبة إلى الدول المتحاربة ولا تستحق تكاليف نقلها إلى مخازنها. وكانت هذه الكميات من الضخامة بحيث تكفي الجيوش العربية مجتمعة للتدريب والقتال عشر سنوات.
وإلى جانب هذا المصدر الرئيسي لتسليح الفلسطينيين، كان بالإمكان تكليف رؤساء المناطق من الإخوان في جميع أنحاء القُطر بجمع الأسلحة المعروضة للبيع في الأقاليم من تجار الأسلحة المحترفين، خاصة أن أعدادًا كبيرةً من الفلسطينيين كانت تحضر إلى مصر لشراء سلاحها على حسابها، ولا تدري إلى أين تذهب. فكانت الهيئة العربية العليا تحيلهم إلى جماعة الإخوان المسلمين لتيسير تسليحهم عن هذا الطريق.
2 – عمليات جهاد الإخوان داخل فلسطين
من المعلوم أن «الإخوان المسلمون» سبقوا متطوعي القوات المسلحة المصرية وسبقوا الجيوش النظامية العربية وبدؤوا المعارك وهم وحدهم في الميدان وفاء لعقيدتهم وتحقيقًا للهدف الذي حدده إنشاء جيشهم الإسلامي المسمى بـ «النظام الخاص» دفاعا عن الوطن الإسلامي في كل مكان، مع الالتزام بأحكام الدين الحنيف شريعة الرحمن. وقد كانت نظرة الشيخ البنا-رحمه الله-تجاه فلسطين في توجيه جهاد الإخوان إلى الحرب الشاملة فذلك هو حكم الله، الذي حكم بفرضية الجهاد على كل مسلم ومسلمة في هذا الوقت الذي آل إليه الوطن الإسلامي. ومن ثم فقد ضاعف الإمام الشهيد جهوده لدفع أعداد أكبر من المتطوعين بلغ عشرة آلاف متطوع في الجبهة الجنوبية وحدها، باذلًا آخر الاستطاعة مع تفويض الأمر كله الله.
وذلك لعمري هو واجب المسلمين في كل زمان ومكان، فإن قاموا به عزوا وإن تخاذلوا عنه ذلوا.
أشهر عمليات الإخوان بفلسطين
قلنا فيم سبق أن الإخوان سبقوا القوات النظامية في دخول فلسطين فهذه بعض العمليات التي أنجزوها وحدهم في ساحات النزال:
1 – معركة بئر السبع
من أشهر معارك الإخوان بفلسطين هي معركة بئر السبع والتي أشرف عليها القائد محمود عبده-من قادة الإخوان في جهاد فلسطين-، ومن أروع ما فعله القائد في بئر السبع أنه حفر حول المدينة خندقًا كذلك الذي حفره رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حول المدينة، ولقد استعصى على العدو الصهيوني عبور هذا الخندق. ولم تكتف قوة الإخوان بحماية المدينة، ولكنها كانت تُغير على المستعمرات المرابطة بالقرب من بئر السبع، وتقطع الطرق المؤدية إليها. وقد استشهد بعض الإخوان في هذه المعارك.
2- احتلال مستعمرة رامات راحيل
تعتبر هذه المستعمرة من المستعمرات الحصينة التي تقع على ربوة عالية، وتتحكم في الطريق الرئيسي الذي يصل ببيت لحم. ويمكن لليهود منها إحصاء القوات الموجودة في بيت لحم من المجاهدين، وكذلك إحصاء حركاتها وسكناتها، لذلك كله رأى القائد الشهيد أحمد عبد العزيز أن يقتحمها.
وقد بدأ الهجوم بعد منتصف الليل بعد أن نامت قوات الهاجاناه داخل مستعمراتهم، وفي الساعة الثانية صباحًا قصفت المدفعية المستعمرة بشدة، فاشتعلت الحرائق في أكشاكها الخشبية، وتفجرت حقول الألغام التي لف بها العدو مستعمراته، ثم سكتت المدافع وأصدر الأخ القائد لبيب الترجمان أوامره لقواته فبدأت تزحف تحت غلالة كثيفة من قنابل الهاون المتفجرة، وقنابل الدخان، وفي لمح البصر، اندفع الفدائيون يفجرون ألغامهم تحت الأسلاك الشائكة، ومن ورائهم فصائل الاقتحام-وهم الانغماسيين كما يسمونهم في أيامنا هذه-تعبر مسرعة لتحتل الأغراض التي خصصت لها.
وعكف المجاهدون على الخنادق يتمون تطهيرها، وارتفع صوت المؤذن على أعلى قمة فوق أعلى برج يؤذن الله أكبر الله أكبر. وقد عثر الإخوان على مائتي جثة من جثث اليهود تحت الأنقاض، وبلغ جرحى الإخوان وشهداؤهم عشرة منهم شهيد واحد من إخوان شرق الأردن، فلله درهم.
عمليات بين الجيش المصري ومتطوعي الإخوان
بعد دخول الجيوش العربية فلسطين، استعان الجيش المصري بعد دخوله بمتطوعي الإخوان في بعض العمليات الحربية أثناء الحرب، كطلائع ودوريات وما إلى ذلك، واستخدمهم كقوة حقيقية تعمل بجانبه، وهذه بعض من تلك العمليات.
1 – فك حصار مدينة الفالوجة
تلك من أشهر معارك الإخوان ومغامراتهم فلقد تمكنوا من تحطيم الحصار على مدينة الفالوجة-الفلسطينية-، وتحملوا الأهوال لإنقاذ القوة المصرية التي أحكم اليهود حولها الحصار. ومن عجب المقادير أن قوة الإخوان بقيادة المرحوم معروف الحضري هي التي عملت على إنقاذ القوة التي من بينها جمال عبد الناصر، والذي لقيت ولقى معروف الحضري على يديه الويل والعذاب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
2- معركة تبة 86 المشهورة.
بعد أن مُني الجيش المصري بهزيمة مُنكرة قام اللواء فؤاد صادق، باستدعاء متطوعي الإخوان، فأغاروا على اليهود على التبة، وتمكنوا من دحره، في حين لم تكن قوة الإخوان تتجاوز الأربعين رجلًا. ولقد منح اللواء صادق هؤلاء الجنود نياشين فاخرة بعد إثبات تفوقهم على العدو.
ويقول اللواء أحمد فؤاد صادق باشا، قائد عام حملة فلسطين عن بسالة متطوعي الإخوان:
سمعت بعد وصولي لرئاسة القوات في قلم المخابرات العسكرية أن اليهود يبحثون دائما عن مواقع الإخوان ليتجنبوها في هجومهم، فبحثت عن حالتهم من الناحية الفنية، وأمرت بتمرينهم أسوة بالجنود ودخلوا مدارس التدريب، وأصبح يمكن الاعتماد عليهم في كثير من الأحوال التي تستدعي بطولة خاصة، اشتركوا في حملة للدفاع عن موقع ٨٦ في دير البلح وأعطيتهم واجبا من الواجبات الخطيرة فكانوا في كل مرة يقومون بأعمالهم ببطولة.
3– معركة استعادة بلدة العسلوج
العسلوج هي بلدة تقع على الطريق الشرقي واستولى عليها اليهود أول يوم هدنة. ولهذا البلد أهمية كبيرة جدًا بالنسبة لخطوط المواصلات. وكانت رئاسة الجيش المصري تهتم كل الاهتمام باسترجاع هذه البلدة، حتى أن رئيس هيئة أركان الحرب أرسل للقائد العام لحملة فلسطين أحمد المواوي إشارة هامة يقول فيها:
لا بد من استرجاع هذا البلد بالهجوم عليها من كلا الطرفين من الجانبين.
فكلفت المرحوم أحمد عبد العزيز بك بإرسال قوة من الشرق من متطوعين الإخوان، وكانت صغيرة بقيادة ملازم، وكانت مهمة اختيار تلك القوة عسيرة وصعبة، فالكل كان على روح متساوية في الإيمان والجميع يبغي الشهادة والجميع يتمثل بقول القائل:
ركضا إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل الميعاد
والصبر على الله في الجهاد وكل زاد عرضة للنفاد
غير التقى والبر والإرشاد
وإلى جانب هذه القوة الصغيرة كانت هناك قوة كبيرة من الجيش تم إرسالها من الغرب تعاونها جميع الأسلحة، ولكن القوة الصغيرة هي التي تمكنت من دخول القرية والاستيلاء عليها.
أيها القارئ عليك أن تعلم؛ أن عشرين رجلًا من المجاهدين الصادقين قد أنجزوا عملًا عجزت كتيبة بأسرها ومعها مساعد مدير العمليات بالجيش المصري أن تنجزه على الرغم من مساعدة أسلحة الطيران والمدفعية!!
وإن المتفكر في هذه الظاهرة ليدرك أن التمسك بالعقيدة الإسلامية علمًا وعملًا، وتنشئة الأمة على مبادئها، هو الضمان الأكيد للبقاء على كيان الأمة وعزها ومجدها، وأن كل ما عدا ذلك هزل لا خير فيه.
خاتمة
هذا هو الجانب العسكري من عمليات الإخوان وفي مقدمتهم جيشهم المسمى «النظام الخاص»، وستندهش أيها القارئ عندما تعرف أن هذا الجهاد المجيد في فلسطين الذي قام به هؤلاء المجاهدين كان مصيره ومصير أصحابه مأساوي في نهاية الأمر، ليس من طرف العدو الصهيوني في أرض النزال ولكن للأسف كان من طرف الجانب الحاكم في مصر، تحديدًا رئيس الوزراء المصري حينئذ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وجدنا أن حكام مصر يقلبون لأبنائهم الذين استبسلوا في القتال باعتراف كبار قادة جيوشهم استبسالًا أذهل كل من رأى ومن سمع، فيناصبونهم العداء ويبذلون كل رخيص وغال لتحطيم هذه الروح العالية الفذة الفريدة. وتلك لعمري هي الخيانة التي نفرد لبيانها المقال القادم إن شاء الله فانتظروا ما سيُكتب قريبًا والله المستعان.
المصادر:
- كتاب حقيقة النظام الخاص.
- كتاب نقاط على الحروف.
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا منهم