الإخوان بين الأمس واليوم، 5 أسئلة نجيبك عنها ستوضح لك الفرق

كلاهما شعارهما ” وأعدوا ” ولكن أيهما قالها وعمل بها وأخذها بحقها. شتّان بين الإخوان بالأمس والإخوان اليوم. أو كي نكون أكثر دقة يمكننا أن نقول شتّان بين جهاد إخوان الأمس وجهاد إخوان اليوم كما سنبين ونوضح كيف إخوان الأمس كان جهادهم في الماضي القريب؟ وكيف أخذوا شعارهم ” وأعدوا ” بحقّه وليس مجرد شعار وفقط؟ ولى هنا طلبٌ منك أيها القارئ: فقط أريد منك أن تقارن بين ما ستقرأه وبين ما تراه اليوم.

http://gty.im/71494123

ولكن بداية ولأن معظم كلامنا هنا سيكون مصدره أوراق قضية تسمى بقضية ” سيارة الجيب ” فلابد من التعريف بهذه القضية.

 فما هي تلك القضية؟

ما أريد منك أيها القارئ أن تعرفه عن قضية سيارة الجيب أنه في عام 1948م تم الاشتباه في سيارة جيب بمنطقة العباسية بالقاهرة بجوار أحد منازل أحد المخبرين، فتم الاستيلاء عليها بكل ما فيها. وقد كانت تحتوي على جميع ملفات النظام الخاص الذي نحن بصدد الكتابة عنه. قد كان مُقرر لهذه الملفات أن تُعدم وتُحرق جميعها لكن قضاء الله قد نفذ. بعد الاستيلاء على السيارة فُتحت قضية لهذا الأمر قد ذُكرت بها جميع محتويات تلك الوثائق والملفات التي وُجدت بالسيارة.

ما هي فكرة إنشاء النظام الخاص؟

كانت عرى الإسلام تفصم عروة عروة، وبسقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى زالت الخلافة الإسلامية وبدأت الدعاوى القومية، فظهر في تركيا مصطفي كمال أتاتورك الذي كرس جهده لأن تخلع تركيا ثياب الإسلام قطعة قطعة حتى إنه ألغى الحروف العربية من الكتابة التركية وأحل محلها الحروف اللاتينية. وأي كسب أكبر من هذا لأعداء الإسلام؟!!

وكانت النغمة السائدة في بلاد المسلمين حينذاك هي النغمة القومية… مصر للمصريين!!، فلا شأن لنا بما يجرى في غير مصر… كفانا أن ننظر إلى أنفسنا فإذا استطعنا أن نحرر بلادنا وأن يذهب إخواننا في كل مكان إلى الجحيم فقد نجونا. وتبلورت هذه الاتجاهات في مبادئ الأحزاب في كل مكان، وفي مصر كان حزب الوفد المصري بزعامة سعد زغلول يرفع شعار” الاستقلال التام أو الموت الزؤام”، كان هذا هو الحال حينئذ.

القومية المصرية


من هنا كانت يقظة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت وتمسكهم بإسلامهم هما الخطر الحقيقي لذلك المخطط الرهيب الذي راح كموجة المد يأخذ مداه. فإن قدر لها النجاح فقد أعادت على الأرض عهداً من الخلافة الراشدة وإن قُدر لها أن تقتل قتلت شهيدة في سبيل الله. فقد تيقظوا لليهود وحركتهم الصهيونية ولم يتوانوا من اللحظة الأولى في التحذير منها ومن خطرها ليس على فلسطين وحدها بل على بلاد الإسلام قاطبة، فهي كالورم الموجود في الجسم فكانوا يدركون أن فلسطين لن تكون الفريسة الأولى وفقط بل سيمتد الورم وسيؤثر على الجسم كله.

ويقول الأستاذ أحمد عادل كمال – وهو من رجال الصف الثاني بالنظام الخاص – عن سبب نشأة النظام الخاص في كتابه ” النقاط فوق الحروف “:

” أدرك الإخوان الأمر على حقيقته ولعل أحدًا سواهم لم يدركه فأدركوا مكائد الاستعمار في مصر وفي بلاد الإسلام فلم يكن عبث عصابات اليهود الصهاينة بالأراضي الفلسطينية منه ببعيد، وخطر الصهيونية على أقطار المسلمين. فكانت البداية أن قام الإخوان في مصر بعملية جمع التبرعات لتمويل إخواننا الفلسطينيين الذين يقاتلون من أجل دينهم ومن أجل إسلام ديارهم وكان ذلك عام ١٩٣٨م ولكن مفتي فلسطين أفاد الأستاذ البنا أن الذي يعوزهم ليس المال ولكنه السلاح. وراح الإخوان يجوبون آفاق مصر وريفها في حركة لجمع السلاح يمدون به إخوانهم المسلمين في فلسطين. ولم يكن الإخلاص وحده يكفي فنتج عن عدم الخبرة بالسلاح أن كانت بين ما جمع الإخوان قطع غير صالحة. وهنا فكر عبد الرحمن السندي لأول مرة في إنشاء نظام خاص لاستيفاء هذه الدراسة وللقيام على أمرها… اليوم لفلسطين وغدا لمصر ولسوريا وللعراق… الخ. اهـ

ويقول الأستاذ محمود الصباغ – الرجل الثاني في ذلك النظام– عن نشأة النظام الخاص أيضًا في كتابه ” حقيقة التنظيم الخاص“:

” كان لابد من مواجهة مع الاستعمار الذي قد مكث في مصر أكثر من 70 عامًا. وكان لابد من وسيلة لتلك المواجهة فهي فرض عين على كل مسلم في تلك الظروف. فقد كان هذا النظام وسيلة التنفيذ باتباع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، حيث لابد لمقاتلة العدو جيش مسلم معه سلاح يتناسب مع أسلحة العدو ولكن قدر الاستطاعة فلم يُكلفنا ربنا غير حدود الاستطاعة ولعل من عظيم الله أن يكتمل بناء هذا الجيش، وأن يوفقنا الله إلى القيام بكثير من الأعمال الفدائية التي ألهبت ظهر العدو، وأجبرته على الجلاء عن أرض مصر وأوقعت الخسائر بالصهاينة قدر ما سمحت به ظروف العمل الوطني في مصر التي حكمتها المكائد الدولية بجبروتها، والانحرافات المحلية المخزية فاستطاع الصهاينة الاستمرار حتى اليوم جاثمين فوق أرض الوطن العزيز، يدعمهم ويُثبت قواعدهم ما يقع فيه أبناء الوطن من أخطاء جسام، متباعدين عن شريعتهم السمحة، بل ومعادين لها أشد العداء وكأن الأبصار قد عميت فاتفق المرضى على ترك الدواء، وقتل الأطباء، مستعذبين إحلال المودة للعدو محل الخصام، ظانين أنهم قادرون على الاحتفاظ بالسلام على الدوام، ولقد حق فيهم قول الشاعر:

يا طالب النصر من أعداك مت كمداً             كطالب السمن من أنياب ثعبان

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم “. اهـ

وعلى كلٍ فلم يُنشأ هذا النظام لفلسطين وفقط لكن فلسطين كانت الشرارة التي ألهمت النفوس والذي توسعت أهدافه إلى تحرير بلاد الإسلام قاطبة من الاستعمار وأعوانه. هكذا نشأ النظام الخاص بمجموعات محدودة لمدة طويلة قبل أن يبدأ في الزيادة والانتشار نحو عام ١٩٤٥م.

من هم أعضاؤه وكيف كان يتم اختيارهم؟

هذا النظام الخاص كان أكثر أجهزة الإخوان المسلمين فاعلية في تربية النفوس وصقلها بروح الإسلام في تلك الفترة. فالانضمام إلى النظام الخاص كان من عناصر منتقاة. وليس معنى هذا أن إخوان النظام الخاص كانوا طبقة مترفعة على إخوان الميدان العام أبداً بل هم منهم ومن صميمهم ولكنهم هم الذين وقع الاختيار عليهم لحمل العبء الثقيل، وللتضحية والفداء بالمال والنفوس، وربما بأكثر من ذلك. فإخوان النظام كانوا صفوة منتقاة لصفات معينة ثم تعهدها النظام بمزيد من التربية والتكوين والتأهيل فكانت الثمار رجالاً لا يُبالون أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم ” رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ” فقد وضعوا على عاتقهم تحرير بلادهم وبلاد المسلمين من طغيان الاستعمار وعملائه.

فكان أول ما يختبر به جدية العضو الجديد فيما أعلنه من رغبة صادقة في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة، ولم يكن ثمن المسدس يتعد ثلاثة جنيهات، يكلف العضو الجديد بادخارها من مصروفه إذا كان طالبا أو دفعها من كسب يده إذا كان مكتسبا، لا يستثني أحد من هذه القاعدة لأي عذر من الأعذار.

ما هي أهداف النظام الخاص ومبررات وجوده؟

سجلت محكمة (قضية سيارة الجيب) أهداف النظام الخاص ومبررات وجوده في صفحة (١٧) من حيثيات حكمها في القضية، وهي تستعرض الأوراق المضبوطة تلك التي تبث في نفوس الأعضاء الوعي بقضيتهم وبقضية أمتهم وتُبصرهم بها على أتم وجه فقالت تلك الأوراق:

1- خمس ورقات من الحجم الكبير تتضمن تقريرًا مكتوبًا للحض على أعمال الفدائيين، ومصدرة بمقدمة ملخصها (أن الشعوب العربية ترى نفسها في موجة من الدسائس والمطامع بين بريطانية وصهيونية وروسية وأن البريطانيين تعمدوا التحرش بالمصريين مما يدل على خبث نواياهم وأن الصداقة المصرية البريطانية مهزلة، وأن بريطانيا تظن  شعوب الشرق ساذجة، ولكنها ستعرف في الوقت المناسب أن هذه الشعوب وإن أظهرت المسالمة فإنها ستعرف كيف تعامل الإنجليز، وأن التظاهر وتعريض صدور العزل للبنادق والمدافع الرشاشة، وإن عد بطولة فإنها غير محسوبة، لأن دماء الضحايا تذهب دون فائدة عملية، وأن مجاهدًا حيًا أجدى على وطنه من عشرة شهداء).

  وانتهت هذه المقدمة بالتساؤل عن العمل، وأجاب المتسائل بعبارات (كن فدائيًا) و(رَبِّ نفسك وصحبك على أعمال الفدائيين التي ثبتت فائدتها أثناء الاحتلال الألماني لأوروبا، وكان أثرها أن اختل نظام القيادة العسكرية الألمانية، وحدثت خسائر جسيمة في قوت الاحتلال).

ثم نصح التقرير الكاتب بالتدريب على تمرينات بسيطة في ظاهرها ولكنها كبيرة الأثر، حتى يكون الفرد مستعدًا، ولا يدع الحوادث تسبقه، ولا يترك نفسه وعائلته تحت رحمة الحرب البريطانية والأسترالية كما حدث في سنة ١٩١٩م بل يكون على استعداد لأن يرد الاعتداء حتى إذا ما اضطر إلى الاستشهاد كلف العدو ثمن حياته غاليا.

وجاء أيضا في استعراض الأوراق المضبوطة التي تُربى في نفس عضو النظام الإيمان بما يفعله والجهاد على بصيرة فتقول الأوراق:

ليكن شعارك دائما الإيمان والكتمان وكثرة المران، ولتذكر دائما أن الله لن يخذلك لأنك تدافع عن قضية عادلة مقدسة، وأن عدوك يخافك أكثر مما تخافه لأنه يدافع عن قضية يعلم أنها ظالمة خاسرة ضد شعب يعرف جيدا أنه مصمم على القضاء عليه قضاء مبرمًا.

فمما سبق نستطيع أن نقول إن الغرض من ذلك النظام هو تحرير عقول الشعوب وأراضيهم وبث روح المقاومة وجهاد المحتل وأعوان المحتل وإثارة تلك الفطرة التي شوهها أعداء الأمة أيما تشويه فجعل الاستعمار عند بعضهم تحررًا من الجهل ودعوة للتقدم.

ولكي تقارن تلك اليقظة المبكرة للنظام الخاص للإخوان المسلمين والتي جاءت في وقتها تماما، وكانت السبب الحقيقي وراء تحالف اليهودية والاستعمار وعملائها ضده، بموقف باقي النظم والأحزاب السياسية، ننقل الآتي بنصه مما جاء في كتاب ” ملفات السويس” صفحة (١٠٣) لمحمد حسنين هيكل، وكما نشرته له جريدة الأهرام يوم 15 أكتوبر عام 1987م ليعلم القارئ أين كان ” الإخوان المسلمون” ونظامهم الخاص، عل عكس غيرهم الذين كانوا يغُطُّون في نوم عميق، وينعمون بأمتع الأحلام، قال هيكل:

لم تكن النظم الحاكمة في العالم العربي قادرة على فهم ما يجرى قرب حدودها على خطوط الهدنة مع إسرائيل. ومن المؤكد أنه لم تكن هناك–خصوصًا في مصر-نظرة عميقة إلى طبيعة الفكرة الصهيونية ذاتها، ولا إلى الظروف الإقليمية التي أصبحت فيها إسرائيل واقعًا قائمًا، ولا كان هناك التنبه الكافي إلى طبائع الصراع معها، ولا إلى أساليب إدارته في المناخ الدولي المستجد، والذي راحت فيه الهيمنة الأمريكية تؤكد نفسها يوما بعد يوم.  كانت دوائر الحكم في مصر-القصر الملكي ومعظم الأحزاب السياسية-لا تعرف ما فيه الكفاية عن الحركة الصهيونية وكان النظر إليها في الفترة التي أعقبت الحرب مباشرة متأثرًا بطابع إنساني، لم يكن له في حقيقة الأمر مبررًا. اهـ

كيف تشكل الهيكل المكون للنظام الخاص؟

جاء في أوراق قضية سيارة الجيب فيما يُسمى بـ (قانون التكوين) وهو إن دَل، دَل على براعة هؤلاء الأشخاص وإخلاصهم فيما يعملون لتحقيقه:

1- الجيش

إن للجيش هيئات ثلاث: القيادة، والأركان، والجنود. وتتكون القيادة من مجلس مكون من عشرة أشخاص مهمتها دراسة طرق التنفيذ لما يصل من خطط صادرة من الأركان، وتنفيذ كل ما هو ممكن عمله، وإصدار بيانات يشترك فيها جميع الأعضاء، وبيان الصعوبات القائمة في طريق تنفيذ ما يراه المجلس غير قابل للتنفيذ ويجب أن يكون كل فرد من الأفراد العشرة المكونين على استعداد لتولي القيادة في أي لحظة.

أما الأركان: فهي مجلس مكون من خمسة أشخاص ويمكن أن يزيد عدده كلما احتاج الأمر. ومهماته وضع خطط لتنظيم القوات في كل من أوقات السلم والحرب، ودراسة المعدات عمليًا وتحديد ما يصلح منها لاستعمال الجيش وإصدار بيانات بمميزات كل منها، وطرق استعمالها وحفظها مع تحديد الأهداف ورسم خطة تنفيذها من زمان ومكان وقوات، ودراسة كل ما يصل إليها (إلى الأركان) عن طريق مجلس القيادة من صعوبات ومشاكل عملية، ومطالب مستجدة وإصدار بيانات بنتيجة الدراسة تُرسل إلى مجلس القيادة.

أما الجنود: فمهمتهم الاستعداد الروحي والعقلي والطاعة والتنفيذ.

وجاء أيضاً في قانون التكوين تحت عنوان” تنظيم الجنود في أوقات السلم”:

إن الجنود ثلاثة أنواع:
النوع الأول: يمكن أن يكون بعيدًا عن النشاط الظاهري وهذا النوع يجب أن ينقطع انقطاعا تاما ويمكن تكليفه بدراسات أكثر اتساعا وأعمال أكثر خطورة.
والنوع الثاني: لا يبتعد عن النشاط الظاهري ويكون معدًا ولا يستخدم أبدًا إلا وقت الحرب العلنية، ويلاحظ أن يجري تدريبه في حرصٍ تامٍ.
النوع الثالث: يمكن أن يمون الناحية العامة من الناحية الخاصة، ولكن بعد تمام التكوين حتى يتيسر الانقطاع التام عن الناحية الخاصة.

وأضاف القانون إلى أنه رُوعي في هذا النظام إمكان زيادة النوع الأول بقدر المستطاع وذلك بتقليل الاجتماعات السرية إلى أقل عدد ممكن ليساعد ذلك على إثبات انقطاعه عن أي نشاط عام أو خاص لدى جميع أصدقائه وأقاربه.

2- الهيكل التنظيمي وأنشطته

 هيكل النظام يتكون من ثلاثة أفرع؛ فرعٌ خاص بالتدريب وفرعٌ استخباراتي وهو الفرع الأهم على الإطلاق وفرعٌ خاص بالعمليات.

1- قسم الاستخبارات

قد قام هذا الفرع بعملية حصر وجرد لليهود بمصر إذ لم يكن ولاؤهم للحركة الصهيونية محل شك، فقد نجح هذا الفرع من حصر جميع مصانع الخمور والخمارات التي يملكها أو يديرها اليهود وكذلك الشركات التي يرأس كل منها مصري وجميع إدارتها من اليهود، فكانوا يذكرون في تلك التقارير أسماء رؤساء الشركات وأعضاء مجالس الإدارات فردًا فردًا بدقة متناهية. كذلك قام بعملية حصر مماثلة لرجالات الأحزاب في مصر، فقام بحصرهم في مناطقهم ودراسة مساكنهم ومسالكها وما تيسر من المعلومات عنهم ولم يكتف الفرع بذلك فحسب بل امتد نشاط هذا الفرع لمراقبة من يتردد على السفارات البريطانية وكذلك الأمريكية من المصريين وغيرهم للتأكد ما إذا كانوا عملاء للإنجليز والأمريكان أم لا.

يذكر الأستاذ احمد عادل كمال في كتابه:

لم يكن هدفنا في بداية الأمر التعرض لهم ولكنها دراسات متعددة الأهداف، فمن أهدافها كان تدريب الإخوان على هذا النوع من الدراسات، ومنها احتمال الحاجة إليها في يوم ما لعمل جاد، كما تم حصر عدد من الأهداف المحتملة والعمليات الممكن تنفيذها، ومنها شغل هذا الطاقة الدفَّاقة لنا كشباب عن أن يتصرف من تلقاء نفسه بدافع من حماسة كما كان يحدث أحيانًا.

  وهنا أسوق لكم ما يدل على دقة هذا النظام وخبرته في جمع المعلومات الدقيقة جداً والهامة وهو أحد تلك التقارير التي ذكرتها النيابة المصرية في قضية (سيارة الجيب) الخاصة بذلك النظام، التقرير يقول:

رسم تخطيطي بالقلم الكوبيا يشمل السفارتين البريطانية والأمريكية بقصر الدوبارة وعليه بعض التأشيرات بالخطوط والأسهم بالقلم الرصاص الأحمر ومكتوب بالقلم الحبر الأسود بعض إيضاحات عن مواضع معينة وأشير في بعض هذه العبارات إلى مواضع أسلاك التليفون وأنه يمكن تعطيلها بصهر أو قطع اللحامات الموجودة داخل حجرة يمكن فتحها بسهولة، وإلى أن المشرف على المنطقة من مصلحة التليفونات هو الحاج أحمد العادلي، ويقطن بشارع لبيب نمرة (٢١) بروض الفرج ومعه عشرون عاملًا. كما أشير إلى أنه يمكن إحداث العطل من الحجرة رقم (٣٦٧) شارع قصر العيني التي يمتد منها الكابل… الخ.

نماذج طريفة من أنشطة هذا القسم:

يذكر الأستاذ أحمد عادل كمال هذا الموقف في كتابه فيقول:

“أدخل بعض إخوان النظام الخاص في الأحزاب والهيئات الأخرى بمصر حتى نكون يقظين لما يجرى على الصعيد السياسي في مصر وكان من الأمثلة الناجحة في هذا الشأن الأخ أسعد السيد أحمد الذي انضم إلى حزب مصر الفتاة حتى وصل إلى الحرس الحديدي الذي أنشأه لحمايته زعيم الحزب الأستاذ أحمد حسين. ذلك الحرس كان مكونًا من ستة أفراد. وأصاب الملل أسعد من تلك المهمة لأنها كانت تحرمه من التردد على دور الإخوان حتى لا ينكشف أمره، فذهب يعرض على زعيم حزب مصر الفتاة أن يندس في صفوف الإخوان ليأتيه بأخبارهم، وأعجب الزعيم جدًا بالفكرة فرد موسى إلى أمه. انكشف أمر أسعد بعد ذلك في قضية السيارة الجيب، وتطوع الأستاذ أحمد حسين كمحام للدفاع عنه، وكان أهم ما عنى به أن يتبين أمرًا: هل كان أسعد من الإخوان واندس على مصر الفتاة، أم كان من مصر الفتاة واندس على الإخوان فقبض عليه معهم؟!

2- قسم التدريب

كأي تنظيم قتالي لابد له من إعداد وتدريب أفراده ولكن هذا لم يكن من السهل حدوثه في ظل حكومة المتعاونة مع الاستعمار إلى حد كبير فكان لابد من السرية المطلقة التي لا يعرفها أحد حتى أعضاء الجماعة أنفسهم من خارج النظام وكان هذا التدريب نظامه كالآتي:

أولاً: يبدأ التدريب بدراسة نظرية للأنواع المتعددة من السلاح كالمسدس وأنواعه وغيره من الأسلحة وتكون الدراسة شرحًا تفصيليًا من ناحية حركته الميكانيكية وكيف يعمل وفكه وتركيبه.
ثانيًا: يخرج التدريب من الناحية النظرية إلى الناحية العملية فقد اتخذ النظام الخاص من الجبال والصحاري المحيطة بالقاهرة ونظائرها في الأقاليم ميادين التدريب.
ثالثًا: لم يقتصر تفكير النظام الخاص على التدريب على الأسلحة والقنابل التقليدية، بل فكر في صناعة ما يستطيع تصنيعه محليًا من المتفجرات التي لا تتوفر في الأسواق مثل قطنه البارود، فقد تم إنتاجه بنجاح، وكذلك ساعات التوقيت التي تحدد وقت انفجار العبوة الزمنية، فقد تم تطوير الساعات العادية إلى ساعات زمنية لتفجير العبوات، وقد كان لهاتين الصناعتين أثرًا كبيرًا في نجاح العمليات ضد الصهاينة والإنجليز، لأن معظم عمليات النسف لا بد وأن تكون زمنية بحيث يمكن أن يجد الفدائي وقتًا كافيًا للبعد عن موقع الانفجار قبل وقوعه، ولقد قمنا بتزويد الشهيد عبد القادر الحسيني بأعداد كبيرة من الساعات الزمنية من تصنيع ورشة النظام لاستخدامها في معاركه ضد اليهود، وذلك لعدم توفر هذا الصنف في الأسواق.

من إبداع قسم التدريب للنظام الخاص:

كان قطن البارود ضروري لاستخدام بعض أنواع السلاح فكان في بداية الأمر يتم صناعته يدوياً وقد تمت تلك الصناعة اليدوية في الجبل بعيدًا عن الأنظار حتى لا يصاب أحد بأذى، ثم اتجه تفكير النظام إلى تصنيع قطن البارود على نطاق واسع، وكان لا بد لذلك من مكبس هيدروليكي كبير من نفس الحجم المستخدم في صناعة البلاط، ومن ثم اتجه التفكير إلى إنشاء مصنع بلاط لا يعمل فيه إلا عمالًا من أعضاء التنظيم الخاص، بحيث ينتج البلاط على أساس تجاري يضمن له صفة الاستمرار، وفي نفس الوقت يستخدم مكبسه في إنتاج قوالب قطن البارود بالكميات التي تحتاج إليها العمليات وقد تم شراء المكبس من قِبل أحد أفراد النظام في الثالثة والعشرين من عمره وتم إنشاء المصنع في ميدان السكاكيني بالقاهرة بصفته أحد مصانع شركة المعاملات الإسلامية، وتعين كل عماله وموظفيه من أعضاء النظام الخاص وأخذ فعلًا في إنتاج أجود أنواع البلاط، وأقوى أنواع قوالب قطن البارود، وقد استمر المصنع في إنتاج البلاط بعد أن استنفذ أغراضه من إنتاج قطن البارود، ولعله كان لا يزال باقيًا إلى وقت قريب من اليوم في موقعه بميدان السكاكيني ولكن ملكيته قد انتقلت إلى آخرين لا يعلمون شيئًا عن سابق استخدام المصنع في إنتاج قطن البارود.

3-قسم العمليات

كان لهم دور كبير في العمليات التي طالت الإنجليز وكذلك اليهود الصهاينة وشركاتهم على أرض مصر، وكذلك لا يمكن نسيان دورهم في فلسطين في ظل خذلان الدول العربية وجيوشها مجتمعة فقد أرسل الإخوان الآلاف من أفرادها إلى فلسطين قبل أن تعتقلهم حكومة النقراشي باشا عام 1948م .

90877-55628085629


ولعل ما ذكرناه سابقًا يغطى ولعلنا نوضح في مقالٍ آخر إن قُدر لنا عن تلك العمليات وأثرها.

وفي النهاية وبعد معرفة تلك المعلومات عن هذا النظام الضخم الذي عمل عليه حسن البنا–رحمه الله تعالى–لا يجب أن نتعجب من موقف الأمريكان عندما سمعوا بخبر اغتيال البنا من فرح وشرب لأنخاب الخمر عمت بلادهم تعبيرًا عن سعادتهم من وفاة ذلك الشيخ المخلص الذي كان بأقواله وأفعاله-ولا سيما ذاك النظام-يؤرق الاستعمار وعملاء الاستعمار ويعمل على نشأة جيل لا يرضى بالذل والهوان والاستسلام لأعداء الأمة؛ فرحم الله الإمام حسن البنا وهدى الله أتباعه لمنهجه القويم وجهاده الواضح السديد.

فانظر كيف كان إخوان الأمس، كانت كلمة “وأعدّوا” كلمة يعملون بها، فيُنشئون الأقسام المختلفة داخل النظام الخاص ويقومون بأعمال التدريب وإنشاء مصانع الأسلحة الخفيفة والتدريب، كانوا يجاهدون أعداء الدين والأمة من الإنجليز والصهاينة. وانظر كيف هو حال الإخوان اليوم، أصبحت كلمة “وأعدوا” مجرّد شعار أجوف لا يعملون بمقتضاه، تخلّوا عن أسباب القوة فأصبحت دماؤهم تجري أنهارًا دون أن يخاف قاتلهم من أي ردة فعل، وأصبحوا يقفون على عتبات الإنجليز الذين كانوا يجاهدونهم بالأمس، راجين أن ينالوا رضاهم ودعمهم الوهمي ضد قاتلهم. فشتان شتان بين إخوان الأمس وإخوان اليوم.

يُتبع إن شاء الله…

المصادر

  • كتاب حقيقة التنظيم الخاص لمحمود الصباغ.
  • كتاب النقاط فوق الحروف لأحمد عادل كمال.
  • ملفات السويس لمحمد حسنين هيكل

عمّار إسماعيل

المستقبل ليس سيناريو مكتوبًا وعلينا فقط أن نقوم بتمثيله؛ بل هو عمل يجب أن نصنعه… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى