هجرة المسلم إلى بلاد الغرب في عصر حكم اليسار.. رسالة مختصرة
تعريف مختصر لمصطلح “اليسار” و”اليمين” السياسيين
تاريخ هذين المصطلحين يعود إلى الثورة الفرنسية؛ حيث جلس أعضاء البرلمان حينها على يمين الرئيس وعلى يساره، منقسمَيْن بين مؤيدين للملك (اليمين) ومؤيدين للثورة (اليسار).
وبذلك اليسار السياسي: هو فكر الابتداع والتجديد العشوائي باتجاه إعطاء كل فرد في المجتمع حريّة اتباع هواه، دون النظر في أبعاد وأثر ذلك على بنية المجتمع ككل.
ويكون اليمين السياسي: هو فكر المحافظة على الأسس الاجتماعية التقليدية والمنبعثة من الترسبات الدينية في المجتمع؛ مما أدى إلى تسميتهم أيضًا بالمحافظين.
المفهوم السائد لمصطلح “بلاد الغرب” هو أمريكا وأوروبا، إلا أنّ الصحيح هو أنّ بلاد الغرب تشمل أيضًا أستراليا وروسيا وكل بلد يشاركهما الثقافة الأصليَّة.
محاذير المسلم في بلاد الغرب
نقاط الحذر التي ينبغي على المسلم الانتباه لها قبل اتخاذ قرار الهجرة إلى بلاد الغرب:
هيمنة اليسارية السياسية (1)
إن اليسارية السياسية هي التي تهيمن على الحكم في معظم بلاد الغرب اليوم. وبالتالي فإنّ كل ما يخصّها من مبادئ وقِيم اجتماعية هو أيضا السائد والمروَّج له بقوة في بلادهم؛ مما يجعل إمكانية تمسّك المسلم الذي يعيش في بلادهم بقِيم دينه الحنيف في غاية الصعوبة.
الفرديّة لا المجتمعيّة
إنّ مسيرة التطور للقِيم في المجتمعات الغربية عبر العقود الأخيرة باتت مبنيّة على تقديس الحريّة الفرديّة. فإنّ للفرد ما هوى وما يرى وعلى المجتمع احترام بل وتقديس ذلك الهوى الفردي. وقد اتبعوا ذلك دون أدنى اعتبار لعواقب الهوى الفردي على المجتمع ككل. فإن شاء الفرد الزنى أو الشذوذ الجنسي أو حتى تحويل الجنس؛ فذلك يكون حقه المقدس ويدخل في نطاق الحرية الشخصية بغضّ النظر عمّا ينتج عن ذلك من آثار مجتمعية سلبية على المدى المتوسط والبعيد.
التمادي في الفردية
لقد وصل بالنُظم الغربية التمادي بتقديسهم للحرية الفردية إلى درجة أنهم باتوا لا يميّزون بين راشد وطفل. ففي أيامنا هذه وفي كثير من المدارس الأمريكية، على سبيل المثال، باتت برامج التدريس تشمل تدريس العلاقات الجنسية والشذوذ الجنسي وحتى ثقافة حريّة التحوّل الجنسي لطلاب الحضانة الذين لم تتجاوز أعمارهم الخمس أو الست سنوات. فهم يرون بل ويقدّسون حرية الطفل حتى في اختيار المسلك الجنسي الذي يريد.
مطالب بتعديل اللغة
لقد وصل بهم التمادي أيضًا إلى أنهم اليوم يطالبون بتعديل اللغة؛ بحيث يضيفون إليها ضميرًا جديدًا للغائب كي لا تظل محصورة بـ “هو” و “هي”. فهم يريدون ابتداع ضمير غائب جديد يحاكي الجنس المتحوّل، ويعطيه حق الوجود بصيغة خاصة تمثّله بانفرادية تامة.
سلب دور الوالدين
إنّ من أخطر تداعيات التمادي في تقديس الحرية الفردية على الطريقة الغربية اليوم؛ هي حصر دور الوالدين على توفير المسكن والمطعم والأمور المادية الأساسية، ومنعهما مساحة التأثير على أولادهما في الأمور التربوية والثقافية والسلوكية. فإنْ اختار ابنك صاحب الخمس سنوات أن يحوّل جنسه إلى أنثى، وعلمتْ مدرسته بذلك ومنعْتَهُ فستواجه عواقب ذلك المنع على شتى الأصعدة والتي قد تصل الى المحاكمات القانونية.
فرنسا تمنع الحجاب وتغلق مدارس ومساجد
إنّ ما تفعله فرنسا في أيامنا هذه من منع لارتداء الحجاب في المدارس وإغلاق لبعض المدارس الإسلامية بتهمة أنها “انفصالية” لتدريسها قِيَمًا إسلامية مخالفةً للقيَم الفرنسية وإغلاق المساجد التي تقوم بتعيين إمام غير مرخّص به من قِبل السلطات الفرنسية؛ كل ذلك هو دليل قاطع بأن فرنسا تشترط لعيشك فيها أن تكون مثلها وإلّا لا مكان لك في دارهم.
تجربة الآخرين
هناك تجارب لا تُعَد ولا تُحصى لعائلات مسلمة ملتزمة بتعاليم دينها؛ عاشت وأنشأت أولادها في بلاد الغرب وأدخلتهم المدارس الإسلامية هناك إلّا أنّ أولادهم انجرفوا مع التيار الهائج للمجتمع الغربي فأصبحوا نادمين!
ضد التيّار
وكيف لا يخسر أكثر الأهالي من المسلمين أولادهم في بلاد الغرب لتيار الهوى والدنيا الفانية؟ أهي حقّاً مفاجئة؟ ألم يكن خيار الأهالي منذ البداية أن يسكنوا تلك البلاد؟ كيف لا؛ وحالهم مع تربية أولادهم كمثل الذي يعلِّم الطفل السباحة في نهر جارف.. أنتفاجىء في حال انجرف الطفل مع النهر؟ وهل نلوم الطفل لانجرافه؟
حتى وإن وُفّقتَ أنت
صحيح أنه يوجد هناك بعض الحالات بحيث وُفقت بعض العائلات لتربية أبنائها وبناتها في بلاد الغرب على القِيَم الإسلامية، ونجحوا ونجا أولادهم من الانجراف مع التيار الفاسد. إلّا أنّ هناك نقطة في غاية الأهمية يجب التفكُّر بها؛ وهي أنّ احتمال النجاح في التربية الإسلامية في بلاد الغرب، وإنْ توفر في الجيل الأول، فهو يصبح شبه معدوم في الجيل الثاني، ناهيك عن الجيل الثالث والرابع وما بعد ذلك.
فكل الأجيال التابعة تكون أنت مسؤولًا عنها يوم القيامة، يوم يقول رب العالمين (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) {الصافات 24}. تكون أنت أول من زرع تلك البذرة في تلك البلاد؛ والتي انتجت أجيالًا لا تبت إلى الإسلام بصلة رغم حرصك في البداية.
كلنا على يقين أن الغرب كمنظومة سياسية هم أعداء ديننا الحنيف، ولا يريدون لهذا الدين أن تقوم له قائمة حتى ولو بعيدًا عنهم في بلاد المسلمين، فكيف إذًا نثق بأنْ نُودِع فلِذات أكبادنا في عقر دارهم ليربّوهم على طريقتهم؟
العالم يتغيّر بسرعة، فماذا عن دورك؟
في ظل التغيّرات السريعة التي تحصل في العالم اليوم وانقسامه إلى معسكرين واضحَيْ المعالم؛ ما بين معسكر الشر ومعسكر الخير؛ فمن الأولى أن يفكر المسلم بدوره في هذه المرحلة وكيف يخدم ويشارك في تقوية معسكر الخير، بدلًا من أن يهاجر بأهله إلى بلاد الغرب ويكثّر سوادهم على أقل تقدير.
في الختام، ينبغي الإشارة إلى أنه من المعلوم والواضح أن الأوضاع المعيشية في الكثير من بلاد المسلمين باتت مترديةً إلى درجة تكاد لا تُحتمَل. كما أنه من المعلوم أنّ ظاهر الحياة في بلاد الغرب جذّاب ومُغرٍ .. إلّا أن الإنسان المسلم لا يزن الأمور بهذه السطحية ولا بمكيال دنيوي فحسب؛ إنما يشمل في ميزانه الشق الأخروي كي يحظى بنتيجة سليمة بشموليتها وعواقبها.
المصادر
1-اليساريَّة الفكريَّة تميل إلى حريَّة الإنسان في أمور لا تجيزها الاتجاهات اليمينيَّة والمُحافِظة؛ مثل حريَّة الشذوذ وحريَّة التحوُّل الجِنسيّ. كما يسعى اليمين إلى الحفاظ على الأجناس الغربيَّة والأعراق الغربيَّة والدين المسيحيّ. ويَقصد الكاتبُ هنا اليساريَّة الفكريَّة، وتطبيق أفكارها عَلَنًا والتشدُّق بها. أمَّا سياسيًّا فاليمين واليسار كلاهُما يتناوب السلطة؛ إلا في السنوات الأخيرة التي صعد فيها “اليمين” السياسيّ، وانتعش اليمين الفكريّ -خاصةً مع توالي الهجرات من العرب والمسلمين بسبب الحروب-. وعلى وجه التدقيق فكلا الاتجاهَيْنِ اليمين أو اليسار لا يرضى بالوجود الإسلاميّ للتضادّ الموجود بين المَنظومَتَيْنِ في الفكر والقِيَم (المحرر).