ما هي الرغبة.. وكيف تعرف ما تريد؟
هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: How to know what you really want لكاتبه: Luke Burgis في موقع: psyche.co. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
من الخيارات المهنية إلى خيارات الشراء الجديدة، استخدم نظرية المُحاكاة لِرينيه جيرارد لمقاومة ضغط القطيع الجمعي، ولصياغة طريقك الخاص في الحياة.
كلار؛ طالبة ذكية وطموحة في جامعة تولين في لويزيانا، كانت بسبيل اختيار كلية الحقوق، لكنها قررت أنها ترغب في الحصول على بعض الخبرة العملية -والاستمتاع- في نيو أورلينز أولًا. حصلت على وظيفة كمساعدٍ قانوني، وأمضت أيامها في البحث عن شهودٍ خبراء للدفاع عن قضايا شركات الأدوية الكبرى، وهنا بدأتِ الأزمة. لطالما أحبت كلار الطبخ، ولطالما كانت شغوفة بالتعلم عن البشر عبر كونها في المطبخ، لكنها وضعت نفسها داخل قوقعة من العمل المرهق، وكان هذا يجعل حياتها بائسة.
بدأت في التفكير في ترك مكتب المحاماة والعمل في مطبخٍ أو مقهى لفترة تعرف فيها كيف يمكنها بناء مهنة في المجال. لكن الشكوك بقيت تُطاردها؛ ماذا سوف يعتقد الآخرون؟ ربما سيقولون: إنها لم تكن شغوفة بما يكفي، أو ربما ليست ذكية بما يكفي، أو ربما هي كسولة ليس إلا.. ما توقع الآخرون منها أن تفعله -وقدرتها على تلبية توقعاتهم- بدأ في تحديد قيمتها الذاتية.
كثيرٌ من الناس يواجهون ما واجهته كلار. كثيرًا ما يُغمر كل واحد منا بالعديد من الرغبات المتنافسة: هل أعمل مع هذا أو ذاك؟ هل أتزوج أم أبقى أعزب؟ هل أشترك في سباق الماراثون، أو أستمتع بعدم الاستيقاظ باكرًا للتدريب؟ لكن الحياة مليئة بسباقات الماراثون، وهي لا تعني بالضرورة الجري. من الجيد معرفة أي من الرغبات يجب السعي وراءها، وأيها يجب أن يتركه المرء خلفه، من المهم معرفة أي سباقات الماراثون التي تستحق الجري فيها. في هذا المقال، أهدف إلى توضيح كيفية معرفة كل هذا.
الرغبة تختلف اختلافًا جوهريًّا عن الاحتياج
صحيحٌ أنه عندما يرغب الناس بشدة في شيء ما -كقميصٍ جديد مثلًا- فقد يظنون ويشعرون أنهم بحاجة إليه، لكنهم في حقيقة الأمر لا يحتاجون إليه مثل احتياجهم للماء أو الطعام، بقاؤهم ونجاتهم ليسا مرهونين بوجوده.
الرغبة (على نقيض الحاجة) هي شهية فكرية لأشياء ترى أنها حسنة وطيبة، ولكن دون أساسٍ ماديٍّ وغريزيٍّ للرغبة، وهذا أمرٌ سائرٌ سواءٌ كان الشيء الذي تريده حسنًا في حقيقته أم غير حسن.
قد تكون الشهية الفكرية معرفة الإجابة على معادلة رياضية، أو تلقي رسالة نصية من شخصٍ لك مشاعر تجاهه، أو الحصول على عرض في وظيفة كنت دومًا ترغب فيها. هذه الأشياء لن تسبب بالضرورة متعة جسدية، قد تعطي في المستقبل شيئًا من المتعة الجسدية، لكنها لا تعتمد عليها، إنما هي متعة فكرية في المقام الأول.
كتب الفيلسوف واللاهوتي توماس أكويناس في القرن الثالث عشر أن هذه الشهوات الفكرية هي جزءٌ مما يطلق عليه تقليديًّا “الإرادة”. عندما يريد شخص ما شيئًا، فإنه يجاهد لتحقيقه أو الحصول عليه، وإذا حصّله، فإن إرادته تجد الراحة في تملّك هذا الشيء الذي سعى إليه، وهنا تولد القدرة على تجربة الفرح، طالما أنه قادرٌ على الشعور بالراحة لتحقيقه ما رام.
لكن بالنسبة لمعظم الناس، فإن هذا الفرح زائلٌ؛ لأن هناك دائمًا شيءٌ آخر نكافح من أجله، وهذا يُبقي معظمنا في حالة مستمرة وأحيانًا مؤلمة من السعي المتواصل، الذي يفتقد ويُفقِد الشعور بالرضى. وهذا السعي وراء ما لا نملكه بعد يُسمى الرغبة. الرغبة لا تجلب لنا السعادة؛ لأنها بحكم طبيعتها وتعريفها هي سعيٌ خلف ما نظن أننا نفتقر إليه، وأننا سنكون أكثر سعادة بوجوده. ومع ذلك، فإن فهم هذه الآلية التي تتشكل من خلالها الرغبات يمكن أن يساعدنا في تجنب نذر حياتنا لجولة مُطاردةٍ لا نهاية لها.
الرغبة هي عملية اجتماعية، هي تقليدٌ بطبيعتها
عندما يتعلق الأمر بفهم لغز الرغبة، فإن أحد المفكرين المعاصرين سوف يلمع نجمه أكثر من الآخرين: هو المُنَظِّر الاجتماعي الفرنسي رينيه جيرارد، وهو مؤرخ تحول إلى عالمٍ موسوعيٍّ متعدد الثقافات جاء إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة، ودرّس في العديد من الجامعات الأمريكية؛ بما في ذلك جون هوبكنز وستانفورد. بحلول الزمن الذي توفي فيه في عام 2015م، كان قد تم تعيينه في الأكاديمية الفرنسية، وكان يُعتبر أحد أعظم العقول في القرن العشرين.
أدرك جيرارد إحدى السمات المميزة للرغبة: “أننا نود منها أن تأتي من أعمق ذواتنا، وأعماقنا الشخصية”، “ولكن إذا حدث ذلك، فلن تكون رغبة. الرغبة دائمًا تكون حول شيء نشعر أننا نفتقر إليه.” وأشار جيرارد إلى أن الرغبة -كما نتخيلها غالبًا- ليست شيئًا نتحكم فيه نحن بأنفسنا تمامًا. إنها ليست شيئًا يمكننا إنتاجه أو تصنيعه بمفردنا. إنها إلى حد كبير نتاج عملية اجتماعية.
كتب جيرارد: “الإنسان هو الكائن الذي لا يعرف ماذا يريد، ويلجأ إلى الآخرين ليحسم رأيه”. وقد أطلق على هذا “الرغبة المُحاكية” أو “الرغبة المُقلِّدة”. تأتي كلمة Mimesis من الكلمة اليونانية التي تعني “التقليد”، وهي أصل الكلمة الإنجليزية “Mimic”. الرغبات المحاكية هي الرغبات التي نحاكيها من الناس ومن الثقافة حولنا. إذا رأيت بعض الوظائف، أو نمط حياة أو إجازةٍ بدت لك جيدة، فذلك لأن شخصًا آخر عاشها وشكّلها بطريقة تبدو لك جيدة.
لقد عرفت جيرارد أول مرة خلال فترةٍ كنت فيها في سبيل بحثٍ عن الذات. لقد قفزت حول تخصصات عديدة في المدرسة، ثم وظائف مختلفة، وفي النهاية حول شركات مختلفة أنشأتها أو فكرت في إنشائها. لكنني خلال كل هذا لاحظت شيئًا غريبًا لم يغب أبدًا: سواء نجحت مشاريعي التجارية أم لا، كنت دائمًا أشعر بالملل بسرعة.
ثم بناء على طلب من صديق، انضممت إلى معتكف. أوصاني مدير المعتكف أن أقرأ كتب جيرارد لأستطيع فهم سبب وصول رغباتٍ مختلفة إلى وعيي، ثم تتلاشى بسرعة.
عندما بحثت عنه في جوجل، وجدت مقطع فيديو له في برنامجٍ حواريٍّ فرنسي في السبعينيات وكان فيه يدخن سيجارة على المباشر، ويشرح أفكاره أمام جماعةٍ من المحاورين. في البداية، لم أتقبله، فقد بدا لي أكاديميًّا فرنسيًّا غريب الأطوار ليس له الكثير ليعلمني. لكن الأفكار الموجودة في كتابه “الأشياء المخفية منذ بداية العالم” الذي صدر في 1978م بدأت تطاردني، فقد كنت أرى رغبة الإنسان في المحاكاة تتجلى في كل مكان، حتى داخل نفسي.
تعلمت بعدها أن جيرارد أمضى آخر 14 عامًا من حياته المهنية كأستاذ للغة الفرنسية والأدب والحضارة في ستانفورد، حيث كان المرشد الفلسفي لبيتر ثيل؛ المؤسس المشارك في شركة بايبال، وشركة الاستخبارات بالانتير للتكنولوجيا، الملياردير الذي كان أول مستثمر رئيسي في شركة فيسبوك. وقد نسب ثيل الفضل إلى جيرارد، وقال إنه هو من ساعده على رؤية قوة فيسبوك قبل الآخرين، وأيضًا ساعده في الهروب من مهنة لم يكن ينتج منها شيئًا كثيرًا. وقال إنه بمجرد أن حصلت له القدرة على التحرر من القطيع المُقلِّد، أمكنه البدء في التفكير أكثر لنفسه، والقيام بمشاريع لم تكن مجرد نتاجٍ لرغبات الآخرين.
هذا عندما بدأت أدرك أن فهم “الرغبة المحاكية” أمر بالغ الأهمية إذا أردت التحرر من الحلقة التي كنت عالقًا فيها. إذا كنت مثلي ترغب في الحصول على فهمٍ أعمقَ لاحتياجاتك ورغباتك والسيطرة عليها أكثر، فتابع القراءة.
فكِّر بالأمر مليًّا
حدد الأشخاص الذين يؤثرون على ما تريد
الخطوة الأولى هي تحديد نماذج الرغبة التي تؤثر على ما تريد. هؤلاء هم الأشخاص الذين يعملون كنماذج، أو وسطاء، يحددون ما تعتبره مرغوبًا فيه.
في مرحلة ما، كنت أرغب في شراء سيارة تسلا موديل S. لقد كدت أن أقوم بعملية الشراء مع جميع الأسباب “الموضوعية” التي اعتقدت أنها تجعلها مرغوبة: مثل أنها تنتقل من صفر إلى 60 ميلًا في الساعة في أقل من ثانيتين.
لكن كان من الأفضل لي أن أطرح السؤال: من -وليس ماذا- هو الذي ولّد وشكّل رغبتي في هذه السيارة؟ وينطبق الشيء نفسه على رغباتك الخاصة، سواء فيما يتعلق بالمشتريات المادية، أو المسارات التعليمية، أو الاختيارات المهنية، وحتى الاهتمامات الرومانسية. بالنسبة لسيارة تسلا، لم أعرف من سبب الرغبة إلا بعدما فكرت بجدية في الأمر فأدركت أنني أتابع شخصًا ما على Twitter كثيرًا ما يعرض مقاطع فيديو لنفسه وهو يقود سيارته التسلا في أماكن رائعة في تلك السيارة بالذات، وأدركت أنني لم تكن لي أبدًا الرغبة في امتلاك هذه السيارة إلا بعدما رأيت هذا الشخص. من هناك، بدأت في جمع كل الأدلة التي ظننت أنها قد دعمت الرغبة التي تكونت بالفعل بداخلي -تقليدًا-. إن الرغبة تأتي في المقام الأول من التأثيرات الاجتماعية، غالبًا قبل أن ندركها بوقت طويل، أو قبل أن نفهم السبب.
لتصبح أكثر وعيًا بالنماذج التي تؤثر على رغبتك، اسأل نفسك الأسئلة التالية:
عندما أفكر في نمط الحياة الذي أتمنى أن أعيشه، أفكر فيمن الذي أشعر أنه يجسده أكثر من غيره؟ في الواقع، من شبه المؤكد أن هذا الشخص لا يعيش نمط الحياة الذي تتخيل أنه يعيشه، ولكن يبقى من الجيد تحديد أولئك الذين تظن أنهم يُجسِّدونه أكثر من غيرهم عندما تفكر في نوع الحياة التي تريدها.
بعد والديّ، من كان مؤثِّرًا عليّ في طفولتي؟ من أي “عالَمٍ” أتى أو أتوا؟ عالم مألوف أم عالمٌ أقل ألفة؟ هل كانوا قريبين مني (الأصدقاء، العائلة)، أم بعيدين عني (الرياضيون المحترفون، نجوم الروك)؟ كما سأشرح بعد قليل، فإن التقارب بين نماذج الرغبة لدينا يحدد كيفية تأثيرها علينا.
هل هناك أي شخص لا أرغب في رؤيته ينجح؟ هل هناك أشخاص معينون تجعلني إنجازاتهم غير مرتاح أو خجِلًا من نفسي؟ هذا هو أول دليل على أن هذه الشخصيات قد تكون “نموذجًا سلبيًا للرغبة”، قد يكونون أي شخص تقيس نفسك ضده باستمرار.
صنف النماذج الخاصة بك بين نموذجٍ داخلي، وآخر خارجي
بعد ذلك، من المفيد معرفة نوع النماذج التي تؤثر عليك. حدد جيرارد نوعين رئيسيين: أولئك الموجودون داخل عالمك، وأولئك الذين هم خارجه.
النماذج الموجودة داخل عالمك (النماذج “الداخلية” للرغبة) هم الأشخاص الذين قد تتواصل معهم بشكلٍ مباشر: الأصدقاء أو العائلة أو زملاء العمل أو حقًا أي شخص يمكنك التفاعل معه فعليًا بطريقة ما، قد يكون حتى الحلاق الذي تذهب إليه، على سبيل المثال. هؤلاء هم الأشخاص الذين تتشابك رغباتهم إلى حد ما مع رغباتك، يمكنهم التأثير على رغباتك، ويمكنك بدورك التأثير على رغباتهم.
النماذج من خارج عالمك (النماذج “الخارجية” للرغبة) هم أشخاص ليس لديك إمكانية فعلية للتواصل معهم: كالمشاهير والشخصيات التاريخية والكثير من شخصيات الإعلام التقليدية لدينا. (على سبيل المثال؛ لا يستطيع معظمنا التفاعل مع ستيفن سبيلبرغ بعد مشاهدة أحد أفلامه، أو النقاش مع كاتب مقال في صحيفة نيويورك تايمز لا نتفق معه). النماذج الخارجية عبارة عن تيارات أحادية الاتجاه للرغبة، يمكنهم أن يؤثروا على رغباتك، لكن لا يمكنك التأثير على رغباتهم. على سبيل المثال؛ كان كونت مونت كريستو -بطل رواية ألكسندر دوما عام 1844م التي تحمل الاسم نفسه- نموذجًا قويًا للرغبة بالنسبة لي (للأفضل أو للأسوأ) بعد أن قرأت الكتاب لأول مرة عندما كنت طفلًا. لكن الكونت شخصية خيالية، لذا فهو بالضرورة نموذج خارجي للرغبة بالنسبة لي. لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون ذا نفوذ كبير. لا يجب أن تكون النماذج -وغالبًا لا تكون كذلك- أناسًا حقيقيين.
تقع مواقع التواصل الاجتماعي في منطقة رمادية غريبة. العديد من الأشخاص الذين تصادفهم هناك هم نماذج خارجية للرغبة، بمعنى أنك ربما لن تقابلهم أبدًا وقد لا “يتبعونك”. في الوقت نفسه، يشعر الجميع على الأقل أنه في متناول الجميع. أنت لا تعرف أبدًا متى سيلاحظ شخص ما شيئًا تغرّده أو تنشره. هذا جزء مما يجعل وسائل التواصل الاجتماعي جذابة للغاية: فهي تمتد عبر عوالم الوساطة الداخلية والخارجية للرغبة. (عندما تكون على وسائل التواصل الاجتماعي، اسأل نفسك: هل هؤلاء الأشخاص حقيقيون؟ هل يريدون حقًا الأشياء التي يشكّلون رغبتهم فيها، أم أننا جميعًا منخرطون في لعبة؟).
سواء كنت متصلًا ونشطًا في الإنترنت أو غير متصل، كلما بدا لك أن شخصًا ما يشبهك، زاد ارتباطك به، وكلما زاد احتمال اهتمامك بما يريده. ممن يغار أكثر الناس؟ من جيف بيزوس أغنى رجل في العالم؟ أو من الزميل في العمل، الذي حصل على تعليم مشابه، ووظيفة مماثلة، ويعمل نفس الساعات التي تعملها تقريبًا، ولكنه يكسب 5000 دولار إضافي سنويًّا؟ بالنسبة للجميع تقريبًا، إنه الشخص الثاني. الفرق بين الوساطة الداخلية والخارجية للرغبة يفسر السبب.
من البديهيّ أن الإعلانات تُشكِّل رغباتنا أيضًا، لكن لاحظ كيف تعمل عادةً: الشركات التي تقدم الإعلانات لا تظهر لك الشيء الذي تود بيعه لك، ولكنها تُظهر أشخاصًا آخرين يريدون كسب ذلك الشيء. إن المعلنين يلعبون دورًا هامًّا وكبيرًا في طبيعتنا المحاكية.
اعلم أن النماذج الداخلية تؤدي إلى مزيد من تقلب الرغبة في حياتك؛ لأن عالم النماذج الداخلية شديد الانعكاس: يمكننا التأثير على رغبات بعضنا البعض، وهو أمر غير ممكن في عالم النماذج الخارجية.
سيساعدك تحديد من هي نماذج رغباتك الداخلية والخارجية (وأي منها في المنطقة الرمادية) على اكتساب سيطرة أكبر على رغباتك. أوصي برسم الدائرتين المتداخلتين أعلاه على قطعة فارغة من الورق ومحاولة ملء الدائرتين بأكبر عدد ممكن من الأمثلة المحددة من حياتك الخاصة.
احذر من أن تصبح مهووسًا بما يملكه أو ما يريده جيرانك
لأن الرغبة مُحاكية، ينجذب الناس بشكل طبيعي إلى الرغبة فيما يريده الآخرون. كتب جيرارد: “إن كان هناك رغبتان في نفس الشيء، فلا بد أن يحدث صدامٌ بينهما”. هذا يعني أن رغبة المحاكاة غالبًا ما تقود الناس إلى منافسة غير ضرورية، تنافسٌ في لعبة شيطانية لا تنتج غير القلق، وانعدام الرغبة في التقليد، وهي السبب في أن فئة من الطلاب يمكن أن يدخلوا الجامعة بأفكار مختلفة تمامًا عما يريدون القيام به بعد التخرج (الأفكار التي تشكلت من جميع التأثيرات والأماكن التي أتوا منها) لكنها تتلاقى مع مجموعة أصغر بكثير من الفرص -والتي تعزز بعضها البعض بالتقليد- بحلول الوقت الذي يتخرجون فيه.
كن على علم بأن رغباتك يمكن أن يتم اختطافها عبر عملية الجذب المحاكي هذه. من السهل أن تركز بهوسٍ على ما يمتلكه أو يريده جيرانك، بدلًا من التركيز على مسؤولياتك المباشرة والْتزاماتك العائلية والاجتماعية. نحن البشر مخلوقات اجتماعية، نعرف الآخرين حتى نتمكن أيضًا من معرفة أنفسنا، وهذا شيء جيد، ولكن إذا لم نتوخَّ الحذر، فقد نصبح مهتمين بشكل مفرط بالآخرين.
يتضمن الحل تعلم سُبُلٍ جديدة للدخول في علاقات غير تنافسية مع الآخرين، نوع جديد من العلاقة لا يُبنى عليها إحساسك بقيمتك الذاتية (المزيد حول هذا لاحقًا).
ضع خريطة لأنظمة الرغبة في حياتك
بالإضافة إلى تحديد النماذج المحددة التي تؤثر على رغباتك، من المفيد أيضًا التفكير فيما إذا كنت قد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نظام معين للرغبة. على سبيل المثال؛ ضع في اعتبارك الشيف سيباستيان براس؛ صاحب مطعم Le Suquet في Laguiole في فرنسا، الذي حصل على ثلاث نجوم ميشلان -وهو أعلى تمييز في الطهي لمطعم فرنسي- وحافظ عليها لمدة 18 عامًا كاملة. حتى عام 2018م، اتخذ خطوة غير مسبوقة عندما طالب دليل ميشلان بالتوقف عن تقييم مطعمه وعدم العودة إليه أبدًا.
أدرك براس أن سعيه المستمر للحفاظ على نجوم ميشلان الثلاثة عامًا بعد عام قد منعه من تجربة أطباق إبداعية جديدة، والتي قد لا يحبها مفتشو ميشلان. لقد جعله تصنيف ميشلان له عالقًا في “نظام الرغبة”. كان المبدأ التنظيمي لجميع اختياراته بسيطًا: إبقاء ميشلان سعيدة.
عندما فكر مرة أخرى في سبب اختياره أن يكون طاهيًا في المقام الأول، أخبرني براس أنه أحب مشاركة أطباق منطقة أوبراك في فرنسا مع بقية العالم، وليس أن يصبح عبدًا لنظام التصنيف.
عندما فهم براس الطريقة التي أنشأ بها دليل ميشلان نظامًا للرغبة والذي كان محاصرًا فيه، وجد الشجاعة لإخراج نفسه من هذا النظام.
هل تتذكر كلار؛ المساعدة القانونية التي أرادت التخصص في المطاعم؟ هي أيضًا كانت محاصرة داخل نظام الرغبة. في العالم الذي تهيمن عليه المكانة الاجتماعية، لم يكن ليُنظر إليها على أنها طموحة أو ناجحة بما يكفي إذا هي اختارت وظيفة ذات دخلٍ أقل بعد التخرج من الكلية، لذلك لفترة من الوقت اتبعت الجاذبية المغناطيسية لمحاكاة مسار “أكثر شهرة وفخامة”. اتضح أن كلار لديها ببساطة نظام ميشلان خاص بها، ومحاصرةٌ داخله. وكلنا كذلك.
حتى يكون لك تحكمٌ أكبر في رغباتك، اكتشف كيف هي نسختك الخاصة من دليل ميشلان. قد لا يشمل دليل ميشلان الخاص بك نجومًا وتقييماتٍ على الإطلاق، ولكن لعله مبنيٌّ على موافقة ورضى أشخاص محددين، أو على توقعات أصدقائك أو عائلتك؛ أو حرج المشاركة مع الآخرين شغفك الحقيقي الذي تود البذل في سبيله، والذي لا يفهمه الكثير من الناس.
من خلال تحديد نظام الرغبة الذي وقعت فيه (وربما كنت واقعًا فيه طوال حياتك)، يمكنك البدء في اتخاذ بعض المسافة الحاسمة ابتعادًا عنه. سيسمح لك هذا بالتوقف عن قبول رغباتك المسيطرة عليك حاليًا بقيمتها الاسمية وفخامة اللقب، ويخلصك من التفريط في خيارات الحياة المهمة والحقيقية بالنسبة لك.
الأهم من ذلك كله: أن تعرف من أين أتت رغباتك. رغباتك لها تاريخ. لا يمكنك معرفة ما هي الرغبة “الحقيقية” أو “الأصيلة” ما لم تفهم من أين أتت، وهذا يتضمن الغوص بعمق في ماضيك، وفهم كيف تطورت كشخص، ومعرفة أي الرغبات كانت معك لوقت طويل وأي منها أتى وذهب مثل الريح.
سيطر على رغباتك
هل الرغبات غير المحاكية موجودة؟ هذا أمر خاضع للنقاش، حتى بين العلماء، لذلك من الأفضل التفكير في المحاكاة على نمط:
في أقصى الجانب الأيسر من هذا النمط توجد رغبات غير مقلدة على الإطلاق، على سبيل المثال؛ حب الأم لطفلها المولود حديثًا. وعلى الجانب الأقل تقليدًا، قد تكون هناك أيضًا رغبات ليست غير محاكية تمامًا، ولكنها رغبات قد نسميها “عميقة”؛ فهي متجذرة بعمق في تربية الشخص، أو متأثرة بعمق في خياله. بالنسبة لشخص له حس ديني مثلًا، يمكن اعتبار هذه الرغبات على أنها مقدمة من الله كجزء من “النداء الإلهي”. هي أقل تقليدًا بمعنى أن لديهم جذورًا أعمق، ولا يمكن تغييرها بسهولة بناءً على لقاءات أو مواسم أو تجارب جديدة.
في أقصى اليمين، هناك رغبات شبه مقلدة تمامًا، على سبيل المثال؛ الرغبة في امتلاك سهم لمجرد أن الجميع يريد امتلاكه. (إنها مبنية على الخوف من تفويت ما يهم القطيع، وهو في الحقيقة مجرد شكل من أشكال الرغبة المحاكية).
قد تتضمن الرغبات المحاكية الأقل تأثيرًا الرغبة في الالتحاق بجامعة معينة لأن جميع أصدقائك يريدون الذهاب إليها. ومع ذلك، يمكن أن يكون للرغبة أيضًا علاقة بالسمعة الأكاديمية للمدرسة. يمكن أن يكون للرغبات تأثيرات مختلفة؛ بعضها مقلد وبعضها غير مقلد. المفتاح هو فهم القوى العاملة، وفصل الحنطة عن القشر.
فهل الرغبات “الأصيلة” موجودة؟ أحد جذور كلمة “أصيل” بالإنجليزية هو “مؤلف”. فهل يمكن لأيٍّ منها أن يكون مؤلف رغباته الخاصة؟ نعم نستطيع. قد لا تكون المؤلف الوحيد لرغباتك، ولكن يمكنك بالتأكيد أن تأخذ الملكية وأن تضع بصمتك على التأليف من خلال حريتك الإبداعية.
فكر في شخص يريد كتابة كتاب عن موضوع معين؛ من أين أتت الرغبة في تأليف كتاب في المقام الأول؟ بالكاد كتب الناس الكتب قبل 1000 عام. من المحتمل أن يكون للرغبة في تأليف كتاب اليوم بُعدٌ اجتماعي، ربما كتب معلم أو صديق أو منافس كتابًا. غالبًا ما تكون الرغبة في كتابة كتاب -مثل بدء شركة أو الشروع في تغيير مهني- نتاج تفاعلات اجتماعية.
ولكن سواء كانت لديك الرغبة في أن تصبح مؤلفًا أو أن تفعل شيئًا آخر، فإن النقطة الحاسمة هي ألا تمنعك التأثيرات المنتشرة في كل مكان والتي ستشكل هذه الرغبة من وضع طابعك الخاص على الإبداع. يمكن لعشرة أشخاص أن يرغبوا في تحقيق هدف وظيفي أو نمط حياة مشابه، ولكنهم يصلون إليه بعشر طرق فريدة تمامًا، بعد أن اكتشفوا الفروق الدقيقة في رغباتهم والطريقة التي يتبعونها ويعيشونها.
من الممكن أيضًا أن تبدأ الرغبة كرغبةٍ في التقليد بدرجة كبيرة، ولكنها تتحول لاحقًا إلى رغبة أصيلة غير مقلدة عندما تضع بصمة إصبعك عليها. لمعت فكرة التوسع عند فيروتشيو لامبورغيني إلى ما بعد تصنيع الجرارات بسبب التنافس الشخصي مع إنزو فيراري الذي قاد سياراته. عندما ظل يعاني من مشكلة مع القابض في إحدى سيارات الفيراري التي كان يملكها، زار إنزو ليخبره بالمشكلة لكنه تعرض لسوء معاملة، في ذلك اليوم، ولدت فيه الرغبة في صنع سيارة رياضية أفضل من الفيراري، هذه الرغبة لم تكن موجودة من قبل.
فهل هذا يعني أن رغبته كانت مجرد رغبة في التقليد؟ بالطبع لا. بمجرد أن شرع في تصنيع اللامبورغيني، جعل الرغبة ملكًا له، سيطر عليها، صنّع سيارات جميلة وفقًا لتصميمه الخاص بالاعتماد على البراعة الهندسية لشركته الخاصة.
قصة لامبورغيني هي تجسيدٌ رائع لعدم بقاء الرغبات في مكان واحد. إنها متنقلة؛ يمكنها الانتقال إلى اليمين (فتصبح أكثر تقليدًا)، ويمكنها الانتقال إلى اليسار (وتصبح أقل تقليدًا).
فكر في الرغبات التي تريد حقًا امتلاكها وتنميتها. لا يهم ما إذا كانت في الأصل مقلدة أم لا، النية التي تقدمها هي ما يمكن أن يجعلك مؤلف ابتكار جديد.
عِش حياةً لا تقف على التقليد
أن تكون ضد التقليد يعني أن تكون متحررًا من التبعية غير الواعية للرغبات ودون معرفة مصدرها؛ التحرر من عقلية القطيع. التحرر من الوضع “الافتراضي” الذي يجعل علينا تبعية للأشياء دون مراجعة الأسباب.
من الممكن تطوير آلية لمكافحة المحاكاة داخلك -الأشياء التي كانت تسمى تقليديًا بالفضائل، أو عادات الوجود، مثل الحكمة والثبات والشجاعة والصدق- التي تجعلك متأصلًا في شيء أعمق حتى أثناء دوران أمواج التقليد حولك. بعبارة أخرى، هناك بعض القيم والرغبات الإنسانية الدائمة التي تستحق الإيمان بها مهما كانت لأنها أثبتت أنها لا تخيب الأمل أبدًا.
إن الشخص الذي لديه قيم أساسية قوية يقف عليها -سواء كانت دينية أو فلسفية أو لها أساس آخر- أقل عرضة لرياح رغبات المحاكاة غير الصحية أو المؤقتة التي لا جوهر لها.
ليس القلق الناجم عن الرغبة أمرًا سيئًا بالضرورة -إنه ما يدفع الناس إلى البحث عن المزيد- ولكن الشعور المستمر بالضيق وعدم الراحة والخوف من التفويت قد يكون علامة على أن الرغبات التي تطاردها ليس لها القدرة على إعطائك الشعور بالرِّضى.
إن كلار المحبَطة -التي قصصت قصتها في بداية المقال- هي الآن زوجتي. لقد تركت وظيفتها في مكتب المحاماة وشرعت في مسارها الخاص البعيد عن التقليد. الْتحقت ببرنامج ماجستير في دراسات الغذاء في جامعة نيويورك، وأصبحت في النهاية مديرة تنفيذية في شركة طعام ناشئة سريعة النمو. التقينا في حانة أيرلندية في روما بينما كانت تسافر لإجراء أبحاثٍ عن الطعام وكنت أنا في صدد الحصول على شهادة التخرج. لقد كنا تطابقًا مضادًّا للتقليد: لم يكن أحدٌ منا يبحث عن الآن، أو لم يكن لأحدنا أن تتاح له الفرصة حتى يقابل الآخر، لو اخترنا أن نعيش حياةً وفق الأعراف التقليدية والضغوط المجتمعية السائدة، كان التقليد سيحول بيننا وبين اللقاء والوقوع في الحب. لحسن الحظ، تمكنّا من الخروج من ذلك العالم، والْتقينا في تلك الليلة.
ربما يكون الموقف الأكثر معاداة للتقليد هو الانفتاح على التساؤل والرغبة في ترك الواقع يسير سيره، إنها عادة ما يفاجئك، ونادرًا ما يُخيِّبك.
النقاط الأساسية
الرغبات تختلف اختلافًا جوهريًا عن الاحتياجات؛ على عكس الاحتياجات الفسيولوجية -مثل الجوع والعطش- فإن الرغبة هي شهية فكرية للأشياء التي ترى أنها جيدة.
الرغبة هي عملية اجتماعية، إنها تقليد؛ كما لاحظ المنظر الاجتماعي رينيه جيرارد، فإن رغباتنا لا تأتي من الداخل؛ بدلًا من ذلك، نحن نحاكي ما يريده الآخرون.
حدد الأشخاص أو “النماذج” التي تؤثر على ما تريد؛ إن الخطوة الأولى للتحكم في رغباتك بشكل أفضل هي تحديد الأشخاص الذين يؤثرون عليك.
صنف هذه النماذج؛ إن معرفة من يؤثر عليك من داخل عالمك، ومن يؤثر عليك من الخارج، سيساعدك على اكتساب سيطرةٍ أكبر على رغباتك.
احذر من أن تصبح مهووسًا بما يريده جيرانك؛ غالبًا ما تقود رغبة المحاكاة الناس إلى منافسة غير ضرورية وتنافس مع بعضهم البعض.
ضع خريطة لأنظمة الرغبة في حياتك؛ ليس الأفراد فقط هم من يؤثرون علينا، ولكن الأنظمة الاجتماعية بأكملها. إذا تعرّفت عليهم، ستتمكن من الهروب من جاذبيتهم.
املك رغباتك؛ فقط لأنك لست المؤلف الوحيد لرغباتك، فهذا لا يعني أنه لا يمكنك البدء في خصخصتها.
عش حياة مناهضة للتقليد؛ حرر نفسك من عقلية القطيع عبر ترسيخ حياتك في شيء أعمق، وإقامتها على بنيان قويم غير متغير.
لماذا هذا مهم
الرغبة المُقلِّدة هي جزء من حالة الإنسان، لذلك فهي تتقاطع مع جميع مجالات الحياة. فيما يلي بعض الأمثلة المختصرة وكيفية التعامل معها:
العلاقات
كثير من الناس لا يدركون أنهم في تنافس تقليد مع أزواجهم. قال عالم النفس جيرارديان جان ميشيل أوغورليان في كتابه نشأة الرغبة (2007م)، إنه يرى هذه العلاقة ديناميكية طوال الوقت. يسميها نموذج الأرجوحة الجهنمية للعلاقات.
“الأزواج الذين تربطهم الغيرة من بعضهم البعض هم دائمًا سجناء للآلية نفسها: تتأرجح رغباتهم العاكسة باستمرار بين موقعي الهيمنة والسيطرة، نمط العلاقة الذي يدعو إليه تحليل المعاملات “واحدًا لأعلى” و “واحدًا لأسفل”. قد يبدو من الغريب الاعتقاد بأن الزوجين قد يشعران بالغيرة من بعضهما البعض، أو يتنافسان مع بعضهما البعض، ولكن هذا أمرٌ كثير الحدوث.
قالت لي إحدى النساء: “إذا اقترحت على زوجي قراءة كتاب ما، فهذه أفضل طريقة للتأكد من أنه لن يقرأه أبدًا”. إن التنافس يجعل كل فردٍ ينظر إلى الآخر على أنه تهديد لاستقلاليته.
عليك السعي دائمًا للخروج من هذه الآلية إذا وجدت نفسك داخلها. ويجب أن تكون مهمتك الأولى هي إيجاد طريقة للقيام بشيء سخيّ سخاء غير عادي للشخص الآخر دون أي توقع لتلقي أي شيء في المقابل. إنه صعب لأنه ينطوي على التخلي (التخلي عن الحاجة الطبيعية للحصول على شيء في المقابل)، لكنه يكسر الحلقة.
مواقع التواصل الاجتماعي
وسائل التواصل الاجتماعي هي آلة محاكاة. ما نسميه عادةً “وسائل التواصل الاجتماعي” هو حقًا وساطة اجتماعية، وساطةٌ للرغبات. طوال اليوم، كل يوم، يتم تشكيل الرغبات لنا من خلال أشخاص بالكاد نعرفهم. الرغبة المحاكية هي المحرك الخفي لهذه المنصات.
قد يكون الخروج من وسائل التواصل الاجتماعي تمامًا أمرًا مثيرًا للإعجاب، لكنه ليس واقعيًا بالنسبة لمعظم الناس. هناك شيء واحد يمكنك القيام به رغم ذلك، هو توخي الحذر الشديد -والمتعمد- بشأن من “تتابع”. قم بإجراء تقييم صادق لأنواع الرغبات التي يزرعها الأشخاص الذين تتابعهم فيك. اسأل نفسك: هل هذا الشخص الذي أتبعه يقودني في الواقع إلى تطوير أي رغبات إيجابية، والتطلع إلى أشياء أعظم؟ أم أنه يسبب لي المزيد من القلق؟ في الوقت نفسه، أدرك أن كل ما تقوله أو تفعله هو نموذج للرغبة في شخص آخر.
التطوير الوظيفي
الوظائف طويلة المدى والمستقرة نادرة اليوم. كثير من الناس يغيرون مهنهم بسرعة، لكن معرفة الاتجاه الذي يجب اتباعه ليس بالأمر السهل دائمًا. قد يكون من المفيد تحديد وتطوير بعض الرغبات “العميقة” الأساسية التي تكمن وراء دافعك في تغيير الوظيفة، بدلًا من التفكير في مسميات وظيفية أو وظائف أو مؤسسات محددة.
إذًا، ما هو دافعك الأساسي؟ ما الذي يقودك حقًا، وربما كان دافعك معظم حياتك؟ من المهم أن تضع إصبعك على هذا لأنه يمكنك تطبيق دافعك التحفيزي الأساسي عبر العديد من أنواع العمل المختلفة. على سبيل المثال؛ لدى بعض الأشخاص رغبة أساسية في “الفهم والتعبير”، دافع دائم وتحفيزي لفعل هذا الشيء، بغض النظر عن السياق. هذا هو أحد رغباتي الأساسية، ولهذا السبب أستمتع بكتابة الكتب. لكن الفهم بالنسبة لي مرضٍ فقط إذا وجدت أيضًا متنفسًا للتعبير. وبما أنني أعرف ذلك عن نفسي، فأنا أتأكد من أن أي مشروع طويل الأمد أقوم به ينطوي على فرصة بالنسبة لي لفهم الأشياء والتعبير عنها باستمرار. إذا تمكنت من تحديد تلك الرغبات الأساسية، فستكون لديك أداة قوية للتغلب على الارتباك الوظيفي؛ لأنك تتخطى أيضًا المحاكاة.
الممتلكات
كتب الفيلسوف الرواقي إبيكتيتوس: “ليست الأشياء نفسها هي التي تزعج الناس، بل الأحكام التي يصدرونها عنها”. تعطي رغبة المحاكاة أهمية للأشياء بسبب الأشخاص الآخرين الذين يريدون هذه الأشياء. عندما يزول نموذج الرغبة، كذلك يزول اهتمامنا بالشيء.
إننا نهتم أكثر بالأشخاص وليس الأشياء. إذا كان بإمكانك تحديد مدى الأهمية التي توليها لشيء ما مجرد علاقة شخص آخر به، يمكنك البدء في تحرير نفسك من قبضته.
كرّس أصدقائي جوشوا فيلدز ميلبورن ورايان نيكوديموس -مؤلفو البودكاستThe Minimalists- أنفسهم لاستكشاف كيفية العيش مع الحد الأدنى من الأشياء المادية. يقولون: “أحب الناس، استخدم الأشياء”. نصيحة حكيمة، كل ما تحوزه، من أجهزة التلفزيون إلى الـ NFTs (الرموز غير القابلة للاستبدال)، يجب استخدامها فقط.
لذا، قبل السعي وراء نوع معين من الامتلاك المادي، اسأل نفسك عن نوع الشخص الذي تعتقد أنك ستكونه بعد امتلاكك لهذا الشيء، وإذا لم تعجبك الإجابة، فربما عليك أن تفكر أكثر في امتلاكه من عدمه.
أسلوب الحياة
بدا هاشتاغ #VanLife على الإنستغرام ساحرًا للعديد من الأشخاص في عام 2020م. لقد كانت فكرة الهروب إلى الطريق المفتوح في منازل متنقلة ومشاركة الصور المعدلة للتجربة على وسائل التواصل الاجتماعي جذابة. ولكن أصبح من الواضح الآن أن الصور غالبًا ما غطت المصاعب الخطيرة التي ينطوي عليها السفر مع شخص آخر لفترات طويلة، كل شيء بدءًا من مخاوف المرور المؤقتة إلى انعدام الاستقرار الدائم.
شرع بعض الناس في هذه الرحلة دون التفكير في التكاليف النفسية. نحن نعلم الآن أن العديد منهم ندموا على ذلك، بل إن بعضهم فقد حياته بسبب مرض عقلي، كل هذا مع تقديمهم لصور عن الحرية طوال الوقت.
ونفس الشيء مع حياة المزرعة؛ حلم الكثيرون بحياة المزرعة ورعاية الحيوانات، لكنهم تجاهلوا حقيقة الاضطرار إلى تنظيف روث البقر أو إطعام الخنازير كل صباح.
من المعتاد أن يفكر الناس: “إذا عشت فقط في تلك المدينة، أو المنزل، أو الحي، أو البلد… كل شيء سيكون أفضل.” ولكن عندما يتعلق الأمر بنمط الحياة، لا يوجد شكل معين يكون هو الحل لكل مشاكلنا أو يكون هو مفتاح سعادتنا.
من المحتمل أنه إذا لم تكن سعيدًا في المكان الذي تتواجد فيه الآن، فإنك لن تكون سعيدًا في أي مكان؛ لأنك تجعل سعادتك دائمًا شيئًا “في الخارج” وراء الأفق، وستستمر رغبة المحاكاة في ممارسة سيطرة غير صحية عليك.
من ناحية أخرى، هناك بعض القيم الثابتة -مثل الصحة والإبداع أو فرصة مشاركة الوجبات مع أشخاص آخرين- والتي لا تتلاشى أبدًا، وهناك سبلٌ لا تنتهي لممارستها باستمرار. أسلوب الحياة هو شيء ينبثق من قيم المرء وانضباطه، وليس شيئًا تجده في رمز بريدي معين أو عبر مفاتيح منزل أو شاحنة مختلفة.
لا يوجد نموذج مثالي للحياة التي تريد أن تعيشها؛ لأنك شخص فريد، وغير قابل للتكرار، والطابع الذي تتركه على هذا العالم سيكون ملكك. أولئك الذين يأتون من بعدك قد تكون أنت مصدر إلهام لهم لتصميم أجزاء من حياتهم أو رغباتهم استنادًا على الطابع الذي تركته، لكنهم أيضًا سيحتاجون إلى الشروع في مغامرتك ذاتها، مغامرة أن يكون المرء قائدًا لنفسه في عالمٍ يضج بالتقليد. رؤية الأنماط الموجودة في حياة ورغبات الآخرين، ثم ابتكار شيء جديد وجميل منهم: هذه هي فرصتك وإرثك.
مقال رائع ، كل حرف فيه كانت مساحة و مُتنفس من الحرية ، شكراً لك