لقاء تبيان مع الأستاذ أحمد دعدوش.. قراءة في أبرز القضايا الفكرية والإعلامية
يقول الأستاذ أحمد دعدوش عن الحجة الباطلة: “هذه الأخيرة تقوم أساسًا على مغالطة منطقية، فإذا كانت المقدمات خاطئة فإن النتائج تكون خاطئة بالضرورة… وغالبًا ما تكون المغالطات المنطقية مقصودة بهدف التضليل والخداع”.
تلخص هذه الكلمات تشخيصًا دقيقًا لما تعيشه الساحة الفكرية من تدافع بين حجج الحق وحجج الباطل. وقد عوّدنا ضيفنا الأستاذ أحمد دعدوش على دراسة القضايا الفكرية والإعلامية المفصلية والرئيسية التي تهم الأمة الإسلامية بتأصيل متين وإحاطة معرفية واسعة، انعكست ملهِمة في نتاجه الفكري المتميّز الذي يصل للجماهير بـأساليب متنوعة لتوسيع دائرة الانتشار في عالم تسيطر عليه التكنولوجيا، لذلك سنجد في نتاج الأستاذ أحمد إصدارات الكتب والوثائقيات والفيديوهات والمنشورات القصيرة.
من أبرز إصداراته كتاب “ضريبة هوليود” وكتاب “المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام” وكتاب “مشكلة الزمن من الفلسفة إلى العلم”، وكتابه “قوة الصورة – كيف نقاومها؟ وكيف نستثمرها؟”.
ومن خلال هذه العناوين يمكننا استقراء منهج الأستاذ أحمد في تحديد مواطن التأثير لصناعة القوة وتجاوز الضعف وهو ما ميّز مسيرة عطائه كأحد أبرز صناع الوعي في الساحة الإسلامية.
نرحب بضيفنا اليوم، الأستاذ أحمد دعدوش، الكاتب والباحث الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في العلاقات الدولية، والمجاز في العقيدة والفلسفة من كلية أصول الدين. عرفته المنابر الفكرية والإعلامية، والبرامج والأفلام الوثائقية، ولعل أبرز عنوان يجمع مشاريع وطموحات ضيفنا هو موقع السبيل الذي يشرف عليه ويضع لبناته بعناية وإخلاص ملحوظ، كما نحسبه.
تبيان: ما هي أهداف مشروع السبيل؟ وهل هو خطوة أولية لبناء مشروع إعلامي دعوي توعوي كبير على الأرض أم رؤية السبيل أن تبقى في العالم الافتراضي ببرامج محدودة؟
أرجو من المولى في البداية أن أكون مستحقًا لهذا الإطراء وأهلًا لحسن الظن والثقة. المشروع جاء استجابة لموجة الفتنة التي جرفت أفواجًا من الأجيال الشابة اليوم، في ظل الاضطرابات السياسية وتخلخل المجتمعات وانهيار الدول وسقوط الرموز والانفتاح الإعلامي، وما زلت أحاول مع إخواني أن نسد به ثغرات تتسع وأخرى تنفتح، وطموحنا بلا شك يتطور مع مرور الأيام وتوالي المستجدات، ونأمل أن يشمل مشاريع أخرى في الواقعين الافتراضي والملموس.
تبيان: من خلال الأطروحات التي تناولتها، كيف ترى تأثير صناعة الوعي في الجماهير المسلمة وكيف تقيّم نتائج هذه المعركة في ضوء المستجدات والتعقيدات التي تشهدها الساحة الفكرية والإعلامية. ثم كيف أثرت موجة صناعة التفاهة على الشباب في الأمة، وكيف يمكن التصدي لهذه الموجة؟
العالم الإسلامي أصبح منذ قرن كامل خارج خريطة التأثير، وبات في موقع المتلقي والضحية، والتسارع في مجال التأثير والإبهار يحقق قفزات مرعبة كل عقد، بينما يستمر الجدل بيننا في جدوى اقتحام أوساط الفن والدراما وضوابط العمل فيها، مع العلم بأننا لن نملك المنافسة فيها حتى إذا اتفقنا. السيادة الآن بلا منازع لمن وضع أسس الصناعة الثقافية، وضخ فيها مليارات الدولارات، ووظف فيها أبحاث الهندسة الاجتماعية وعلم النفس وتجارب غسيل الأدمغة. ومن الطبيعي والمتوقع أن يخترق نتاج هذا القطاع الهائل عقول وقلوب الجماهير المسلمة كغيرها، لا سيما أن التربية الدينية نُسفت جذورها في مناهج التعليم حتى لا يكاد الكثير من الشباب المنتسبين للإسلام يعرفون عن دينهم شيئًا يتعدى أركان الإسلام.
في ظل هذا التردي الممنهج تأتي موجة التفاهة لتطبّع النفوس الخاوية مع ثقافة التساهل والكسل المعرفي، فعندما يعتاد الشاب أو الفتاة على اكتساب المعلومات الجاهزة من برامج ومواقع ومشاهد ترفيهية ستصعب عليه القراءة الفكرية والعلمية الواعية، وستضطرب حتمًا لديه معايير التقويم والتمييز، وتنمحي من ذهنه ضوابط التفكير التي ينبغي أن تكون بدهية.
أما سؤال التصدي فهو تحدّ كبير، ولاختصار الإجابة أقول إننا مدفوعون حتى الرمق الأخير بواجب العمل مهما خبت جذوة الأمل، فإنما “عليك النداء وعلينا البلاغ”، وحسبنا أن نلقى الله ونحن مجتهدون في محاولة الإصلاح وإن لم نحقق الغاية. فلا بد من تكرار التذكير والوعظ بكل وسيلة ممكنة، والسعي للمزاحمة على المنابر التي تستقطب الشباب، وتكامل الجهود بدلًا من تشتتها، وسد منابر التفاهة ما أمكن.
تبيان: كيف يمكن لصناعة الوعي أن تؤتي أكلها؟ وما هي أبرز النقاط التي يجب أن يحرص عليها صنّاع الوعي في زماننا برأيك؟ وكيف يمكن تحويل منابر صناعة الوعي لجبهة إسلامية موحدة واسعة التأثير؟
سؤال من مفصلين، وكل منهما يستحق وقفات مطولة. وأقول باختصار: أولًا على الدعاة والمفكرين أن يوظفوا أبحاث علم النفس الاجتماعي والهندسة الاجتماعية وفنون الدعاية، وقد كانوا سباقين في خوض مجال التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية عندما كان في أوج شهرته، وقبل أن يتهاوى برج هذا العلم الزائف، فمن الأولى اهتمامهم الآن بالأبحاث الجادة لصناعة التأثير.
ثانيًا، حلم توحيد الصفوف مستحيل التحقق، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، ولا أقول إن التنوع دائمًا خير فهو غالبًا يفضي إلى التشتت، إلا أنها حكمة الله في خلقه، والواجب أن نبذل الجهد في التقارب والتكامل، وأن نجعل “فقه الاختلاف” من أسس مناهج التعليم والتدريب، فهو شبه غائب عن أذهان الكثير من طلبة العلم والشباب المتحمسين للدعوة.
والتكامل المرجو يجمع كل القادرين على التأثير، من طلاب العلم والعلماء والعاملين في الدعاة والمؤثرين في مواقع التواصل، والأثرياء وصناع القرار، وكل من يملك القدرة على فعل أي شيء يبرئ به ذمته أمام الله.
تبيان: كيف يختار الأستاذ أحمد دعدوش أطروحاته الفكرية والإعلامية، بالاستناد على كثرة التداول؟ قوة التأثير؟ غياب الفكرة عن الجماهير؟ أو غير ذلك؟ وما هي أبرز العناوين التي تشغل بالك في هذه الأيام وترى أهمية استمرار العمل على تبيانها؟
هناك نوعان من القضايا التي أشتغل عليها في الغالب: الأولى قضايا تحتاج إلى تأمل وتمهل، وهي التي تحتل جزءًا من الوقت الذي ينبغي أن يسير بالتوازي مع أي اهتمامات أخرى، والثانية قضايا ملحّة وطارئة، قد أؤجل بعضها قليلًا ريثما أقرر تناولها بالتعليق والنقد أو أعلق عليها في اليوم نفسه.
لا شك في أن كل العوامل التي تفضلتَ بها مهمة، وهناك قضايا تفرض نفسها بقوة فتكون لها الأولوية على غيرها، وما لم يتسع له الوقت فيأخذ مكانه في الأرشيف، وقد يُنتج تراكمه لاحقًا فكرة تستحق معالجة أعمق من التناول اليومي.
أما العنوان الأبرز الذي أشتغل عليه منذ شهور فهو “الخوف”، وثمة عناوين فرعية تحته أفردت لكل منها بابًا في كتاب سأصدره قريبًا بإذن الله، فالبحث في هذا الباب أجبرني على مناقشة أسئلة مصيرية تؤرقني، وربما تؤرق كثيرًا من الناس.
تبيان: كنت تناولت قضية المغالطات المنطقية في وسائل الإعلام، برأيك كيف يمكن التصدي لها ومقاومة توجيهها لعقول الشباب والنشء؟ وما هي الأدوات والوسائل التي تساعدنا في ذلك؟ هل من مثال للطرح.
بداية العلاج بالمعرفة، ويبدو أن هذا الفن صار شائعًا جدًا وربما أصبح معظم القراء على إلمام به، وهذا أمر مبشر، مع ضرورة الانتباه إلى أن المبالغة في تقصي المغالطات قد تنقلب نفسها إلى مغالطة أو مشاغبة.
هناك وسائل أخرى من التضليل تتجاوز المغالطات المنطقية، مثل تكرار الأكاذيب والتنميط والتحيز التوكيدي، وهذه أيضًا نحتاج إلى التوعية بخطرها لا سيما في وسائل الإعلام.
تبيان: لا شك أن تسليطك الضوء على أهمية الصورة وتطورها، ومجالات توظيفها واستغلالها والإفادة منها يضع من جديد الإعلام على رأس قائمة الآلات الموظّفة في الصراع بين الإسلام والغرب، كيف تطور توظيف الصورة في هذه المعركة وكيف كان توظيفها لدى المسلمين على امتداد محور الزمن، وكيف يمكننا توظيفها نحن بما يصب في مصلحة الأمة؟
في العصور السابقة كان التركيز على فنون العمارة والنحت لإبهار الجماهير، لذا ارتبطت الوثنية والعبادات الشيطانية بالصور ارتباطًا عضويًا، وهذا يبرر تشديد حرمتها في الإسلام نظرًا لقوة تأثيرها على النفوس.
في القرن العشرين شهدنا طفرة في كل شيء، وبطبيعة الحال قطعت بعض الجهات في توظيف “قوة الصورة” أشواطًا هائلة، ونجحت في الاستفادة من أبحاث علم النفس والهندسة الاجتماعية، أما المسلمون فما زالوا متأخرين جدًا كما نعلم، لا سيما أن قيود الشريعة تحول دون المنافسة في مجالات الترفيه، مثل السينما والتلفزيون وألعاب الفيديو، وحتى المحافظون من الأديان الأخرى لا يمكنهم اللحاق بأقطاب الترفيه المنفلت من كل الضوابط الأخلاقية، فالمنافسة الحرة في هذا المجال تميل حتمًا إلى جانب التفاهة والشهوات ولا يجدي معها إلا الردع.
أما عن سؤال كيفية التوظيف فالإجابة أوسع من هذه المساحة، وأنا لا أؤيد طموح اللحاق بهوليود فهذا مستحيل، ولدينا أولويات أهم، لكن لا بد من سد جزء من الثغرة وعدم ترك الساحة لشياطين الإنس يعيثون فيها فسادًا.
تبيان: بمقارنة بين التاريخ والحاضر، ما هي أبرز الأدوات والأساليب التي اختلف توظيفها في صراع الحق والباطل وما هي الأدوات والأساليب التي لا تزال مشتركة، في نقاط هل يمكنك تلخيص الفوارق بين مشهد صراع الحق والباطل بين التاريخ القديم والحاضر أم أنه لم يتغير كثيرًا؟
أنا على قناعة بأن إبليس يقود جيشًا من شياطين الإنس والجن، وأن خطره الذي حذرنا منه القرآن الكريم في قوله: (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) لا يقتصر على الوسوسة كما هو شائع للأسف في الخطاب الوعظي.
نحن في صراع منذ نزول أبينا آدم إلى الأرض مع كائن يمتد عمره مما قبل خلق آدم إلى (يوم الوقت المعلوم)، ولديه من الخبرة ما لا يحلم به أي مخطط إستراتيجي بشري مهما تراكمت لديه المعارف على مر القرون، ولديه من القدرات ما كان كفيلًا بتضليل غالبية بني آدم منذ بدء الصراع.
إبليس وجنوده يطورون أساليبهم وفقًا للزمان والمكان، وبما يلائم تطور الأمم والمعرفة الإنسانية، ففي الماضي كان الملوك يتحالفون مع كهنة المعابد الشيطانية، ويسيطرون على الناس بالأساطير التي تفعل فعلها في العقول كما يفعل السلاح في الأجساد. وحتى في الأمم التي تسمى “بدائية” كان الشامانات والسحرة يفعلون الأمر نفسه، أما اليوم فيمارس كهنة العلم الطبيعي دورًا جوهريًا في صرف الناس عن عالم الغيب كله، ثم تتابع هوليود وإمبراطوريات الترفيه مهمة تنويم البشرية.
المشهد تغير جذريًا على صعيد الأدوات والوسائل وتوظيف مخرجات العلم، أما الفاعلون فهم أنفسهم، والنتيجة قد تتغير من وثنية إلى إلحاد، إلا أنها تؤدي في النهاية إلى هدف إبليس الذي يلخص الصراع كله: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا).
تبيان: كنت تناولت أطروحات العلم والفلسفة في قضية مفهوم الزمن والمكان والنظريات المتصلة بهذا الموضوع والتناقضات التي تحتويها كل تلك النظريات. كيف كان تأثير الزمان والمكان في صناعة مجد الأمة ونهضتها في السابق وكيف يمكن أن نستفيد منه في حال أمتنا اليوم؟
نعم بحثت في كتيّب صغير قضية الزمن ومعالجات الفلاسفة والفيزيائيين لها من خلال استعراض أهم النظريات، أما سؤالك فهو انعطافة جميلة نحو موضوع آخر.
مالك بن نبي رحمه الله كان ينظر للحضارة من خلال معادلة ثلاثية الحدود، هي الإنسان والتراب والزمن. وعندما تحدث عن العنصر الأخير في كتابه “شروط النهضة” استشهد بتجربة بألمانيا التي خرجت شبه مدمرة من الحرب العالمية الثانية، إلا أنها نجحت في توظيف العناصر الثلاث لإعادة بعث حضارتها من تحت الرماد، وكان من بين شروطها فرض ساعتين من العمل يوميًا دون مقابل على كل الشعب تحت مسمى التجنيد العام للمصلحة العامة.
وحتى اليوم تجد لدى الألمان اهتمامًا بالغًا في عنصر الوقت وقيمته العملية، ولا شك في أنك تجد هذه الثقافة شائعة لدى كل الشعوب التي حققت تقدمًا صناعيًا، ويفترض أن نكون في مقدمة تلك الشعوب لما لدينا من نصوص وآثار وتعليمات تنص على أهمية الوقت واستثماره.
تبيان: ما هي أبرز التوصيات التي تنصح بها في توجيه الخطاب الإعلامي لصناعة الوعي بين الجماهير؟ وما هي نقاط ضعفه البارزة؟ وكيف يمكن معالجتها وتحقيق وصول أكبر وأكثر فعالية؟
هي أمنية لا توصية، فالمأمول ألا يقود المؤسسات الإعلامية إلا أصحاب الرسالة، ولا بأس في أن ينفذ رؤيتهم المهنيون التنفيذيون وفقًا لآليات السوق، أما لحاق الرسالة نفسها بتقلبات السوق فهذا ينفي عنها صفتها الرسالية نفسها، ولعل هذا من أبرز نقاط الضعف.
أضف أيضًا عدم الاستقلالية واضطرار الإعلاميين لتقديم التنازلات، إن لم يكن من أجل المصالح الشخصية فلضمان استمرارية العمل، وهذا داء قاتل.
تبيان: يتميز أسلوب أحمد دعدوش بالبساطة وعدم التكلف وسلاسة المعاني، برأيك ما هي مكاسب الخطاب البسيط وتكاليف الخطاب المعقد في صناعة الوعي؟ وأي الوسائل تحقق تأثيرًا أكبر، صناعة الكتابة أو صناعة الفيديو؟ وما هي سلبيات كل منهما والإيجابيات؟
هناك مستويات لا بد من مراعاتها في الخطاب: أكاديمي تخصصي، وثقافي مبسط، وعامّ في غاية البساطة. والاختيار بينها يخضع لمستوى صاحب الرسالة والجمهور معًا. ما أقدمه غالبًا يستهدف المثقفين والعامة، مما يستلزم اتخاذ مذهب وسط. فالبساطة والسهولة والجاذبية من أهم عوامل صناعة الوعي، أما من يروم إحداث تغيير في الساحة العامة بخطاب معقد فلن يجني إلا الخيبة.
أما عن الوسيلة، فنحن كما تعلم في عصر الصورة والمعلومة السريعة والتواصل اللحظي، مما يسحب البساط كل يوم من تحت أقدام الكلمة المكتوبة لصالح المرئية، لذا لا بد للدعاة والمصلحين من اقتحام هذا الباب وعدم تهيّبه، وبالقدر المعقول وفي حدود التوازن. فليس كل ما يُكتب يمكن أن يُرى، والعمل المرئي لا يغني عن المكتوب أبدًا، كما لا ينبغي أن ننساق في هذا المجال وراء مطالب الترفيه حتى نهايتها فيفقد العلم هيبته.
تبيان: تعد المرأة أحد أهم القضايا التي يثيرها الغرب في نقده للإسلام، كيف ترى دور المرأة في صناعة الوعي وكيف يمكنها أن تواجه الاستهداف المباشر لها مع كل دعوة باطلة؟
إفساد المرأة يعني ضياع الجنسين معًا، وهذا سبب استهدافها خصوصًا من شياطين الإنس والجن. وبالمقابل إصلاحها يختصر الكثير من مراحل الإصلاح، فهي المربي الأول وصانع الإنسان.
أتمنى أن توكل مهمة الدفاع عن حقوق المرأة إلى المرأة نفسها، وأن يكون خط الدفاع الأول في وجه النسويات نساء من جنسهن.
هناك موجة جديدة من “النسويات الإسلاميات” اللاتي أرى أنهن أخطر من العلمانيات، ولدي شواهد وأدلة على أن خطابهن قد أدى بالفعل نحو دفع بعض النساء إلى السفور والردة بدلا من إصلاح الدين نفسه كما يُدّعى، والتصدي لهذه الظاهرة من أهم النوازل التي يجب الاستنفار لها.
تبيان: نشاهد جميعًا الحرب الشرسة على الإسلام منظومة وفكرًا وقيمًا، وتطاول فرنسا على مقام نبينا -صلى الله عليه وسلم- واستهانتها بمشاعر المسلمين، كيف تقرأ كل هذه المعطيات معًا، وكيف يمكننا مواجهة هذا الكيد والعدوان؟ وهل برأيك ردة فعل الشعوب المسلمة كانت في المستوى المطلوب وما هي دلالاتها؟
الصدام حلله وبرره سامويل هنتنغتون في كتابه “صدام الحضارات” بمنتصف التسعينات، وما زالت نظريته تشرح لنا واقع الصراع مهما حاول الدبلوماسيون تجميله، فالحضارات تتنافس وتتصادم ثقافيًا ودينيًا وليس اقتصاديًا فقط، وصناع القرار فيهم من يؤمن بنبوءات آخر الزمان ويتخذ قراراته في ضوئها وليس من أجل النفط ومكاسب الجغرافيا فحسب.
فرنسا تحمل تاريخيًا منذ “حروب الفرنجة” لواء المواجهة، ولديها ثأر قديم لم تغسله دماء ملايين الجزائريين، وما زالت وستبقى مذعورة من احتمال بعث إسلامي لحضارة لا تستطيع تخيل وجودها حتى خارج حدودها، ولو كانت على الضفة الأخرى من البحر المتوسط. لذا يمكنك أن تتوقع اهتزاز الجمهورية العلمانية كلها إذا رفضت طالبة مراهقة خلع حجابها في مدرسة بضواحي باريس، أو أصرت على لبس “البوركيني” بدلًا من البكيني على شواطئ مرسيليا.
المواجهة بالمقاطعة الاقتصادية فعالة جدًا، وينبغي أن تستمر، أما عن “المستوى المطلوب” فلا يمكنني تحديده ولا مراقبة معاييره، إلا أني متفائل بالحد الأدنى من الاستجابة الشعبية.
تبيان: كيف ترى أثر نتفليكس وأخواتها في تطبيع الشذوذ؟
هو جزء من مخططها لإعادة تشكيل الوعي، فالأمر لا علاقة له بحقوق الأقليات. أيديولوجيا حقوق الإنسان تتخذ منذ نشأتها على يد الأمم المتحدة في منتصف الأربعينات شكل الديانة المتطرفة، وهي تغزو العالم اليوم عبر وسائل الترفيه، وتعيد صياغة عقول المراهقين بسلاسة، وربما من دون مقاومة تذكر.
تبيان: ما هي رؤيتك الاستشرافية لواقع الأمة الإسلامية في وعيها وثباتها من خلال تجربتك ونشاطك؟
الثقافة تتغير بسرعة مذهلة، فمفهوم الجيل الذي كان يحدده علماء الاجتماع بثلاثة عقود أصبح يُختصر اليوم في خمس سنوات.
قبل عشر سنوات كنا نتحدث عن ثقافة الثورات التي تغزو الشارع، وكانت مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية تقتحم تفاصيل حياتنا اليومية. اليوم لدينا جيل من الشباب الذين لم يعاصروا تلك المرحلة ولم يعرفوا عنها شيئًا، بل نشؤوا على خطاب مختلف صاغته الحكومات والثورة المضادة، وتشربت قلوبهم أيضًا ما يكفي من تفاهة الترفيه الذي لا يتوقف عن الضخ على مدار الساعة.
لا أدري حقًا هل أتفاءل أم أتشاءم. كل شيء يتغير بسرعة، وما كان محظورًا قبل بضع سنوات أصبح الآن محل جدل وقبول، ومع ذلك هناك مبشرات في المقابل. وأنا أحاول دائمًا أن أشغل نفسي بالعمل عن التفكير بالنتيجة.
تبيان: هل من كلمة توجهها لقرائنا؟
بما أن قراءكم من المثقفين فأرجو أن يستشعروا عبء الأمانة في هذا العصر، ففي الوضع الطبيعي:
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
أما في وضعنا المأزوم فنحن مسؤولون أيضًا -بالإضافة إلى رعية كل منا- عن سد الثغور التي لا تحصى.
علينا أن نتصدى لموجة تسونامي التفاهة، وأن نعالج النوازل، ونبدد الشبهات، ونحيي الأمل، ونعزز الهوية في نفوس الأجيال الناشئة. هذه أمانة واجبة، لا ترف فكري نتلكؤ في الجدل حوله على طاولات المقاهي وصفحات الإنترنت.
تبيان: ما هي أمنية أو أمنيات الأستاذ أحمد دعدوش التي يتمنى أن تتحقق؟
على الصعيد الشخصي، أستحضر أمنية سيدي عمر بن الخطاب على فراش الموت: “وددتُ أني خرجت منها كفافًا لا لي ولا عليّ”، والأمل برحمة الله وجنته هو مدار الأمر كله.
وعلى الصعيد العام، أتمنى أن نلمس في حياة هذا الجيل تغييرًا يعيد للمسلمين شعور العزة بالنفس، فهو المفتاح الذي تنفتح به أبواب أخرى كثيرة قد يستعصي فيها الوعظ والجدل والنقاش الفكري. وما ذلك على الله بعزيز.
نشكر ضيفنا الكريم جزيل الشكر على استجابته لدعوتنا في إجراء لقائنا هذا، ونسأل الله أن يبارك في سعيه ويتقبل منه وينفع به ويفتح عليه ويديمه ذخرًا لأمته.