كيف يصنع الإسلام الإنسان الصالح؟

ينظر الإسلام إلى الإنسان نظرًا خاصًا نابعًا من مهمته التي خلقه الله لها والأمانة التي كلفه بحمله، وهي مهمة الاستخلاف في الأرض وقيادة البشرية نحو معرفة ربها والقيام على منهجه الذي ارتضاه لعباده، لذلك فقد كانت عناية الإسلام بخليفة الله في الأرض عناية فائقة تبدأ من تعريفه بنفسه وبأصل خلقته وطاقاته التي وهبها الله له.

ومنذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الابتلاء بحمل الأمانة بدا واضحًا أن الله قد زود الإنسان بطاقات وخصائص تعينه على أداء المسؤولية التي كلف بها كما زوده بأهم خاصية وهي حرية الإرادة والقدرة على سلوك الطريق الذي يروق له.

لكنه مع هذا يريد لهذه البشرية التي خلقها واستخلفها أن تسلك طريق الحق لا طريق الباطل، وتسعى إلى السمو والرقي الأخلاقي لا إلى السقوط والتردي في أوحال الطريق.

لماذا يهتم الإسلام بصناعة الإنسان الصالح

حين جاء الإسلام ليختم رسالات الله إلى البشرية كان هدفه الأسمى صناعة إنسان متجرد يعرف قيمته وقدره ويسعى نحو تحقيق الغاية التي من أجلها خُلِق، وهو في هذا الطريق وأثناء ذلك السعي يتطهر وتزكو نفسه وترنو روحه نحو الكمال ونحو إخلاص الوجهة والقلب لخالقه العظيم.

الإنسان الصالح هو نواة الأمة الصالحة: كان حرص الإسلام عظيمًا على صناعة نموذج للإنسان يكون أساسًا للأمة التي تظهر فيها رسالة الإسلام وأخلاقه وتعاليمه. هذا الإنسان الذي يزكي نفسه ويهذب طبائعه ويتربى بهدي الإسلام سيقيم أسرة صالحة تكون سندًا وعونًا له فإذا تعددت الأسر الصالحة نشأ لدينا المجتمع المسلم الصالح الذي هو عنوان كل خير وبه تقوم أمة صالحة تعرف حق ربها عليها وتؤديه بأحسن الأداء.

الإنسان الصالح هو الدعوة العملية لرسالة الإسلام: عندما ننظر إلى صورة المسلم في العالم اليوم ونقارنها بالصورة التي كان عليها يوم كان الإسلام مازال حيًا في نفوس أتباعه، سندرك تلك الأهمية القصوى لصناعة الإنسان الذي يعيد تلك الصورة النقية التي اندثرت تحت ركام الجهل والتعصب وسوء الفهم، لذلك فإن كثيرًا من شعوب الغرب تُعادي الإسلام لأنها لا تعرفه ولأنها لم ترَ صورته الحقيقية ممثلة في أمة.

فها هنا ندرك لم كان الإسلام حريصًا على أن يقدم لنا نموذج الإنسان الكامل والصالح ممثلًا في شخص خير البشر رسول الله، وليقم منهج التربية القرآنية والنبوية بصناعة مثل هذا النموذج الإنساني الفريد والذي تمثل في جيل الصحابة والتابعين.

وقد كان هذا الفرد المسلم في تلك الأجيال الأولى هو صورة الإسلام التي يطالعها غيره ممن لم تصله الرسالة بعد، فتصل الرسالة ناصعة صافية ويتم البلاغ في أبهى صوره.

كيف يصنع الإسلام الإنسان الصالح

توحيد الخالق

إذا نظرنا إلى منهج الإسلام في صناعة الإنسان الذي ينصلح به حال الدنيا، وجدنا أنه بدأ بتلك الصلة الخالصة بينه وبين خالقه، الصلة التي تجعله يرد كل شيء إلى الله، أنه عبد له ومرده إليه والكون من حوله من إرسائه وتسخيره، فإذا فهم ذلك فإنه يقرأ باسم الله يستكشف الكون لتعظيم ربه ويؤدي وظيفته لتحقيق معنى عبوديته فإذا تحقق هذا في نفس الإنسان كان على الطريق متناسقًا مع كون الله المسبح بحمده فلا فساد ولا تعدي ولا جور بل سعي حثيث إلى البناء وإلى اكتشاف الأسرار وتسخيرها لخدمة البشرية.

الإيمان باليوم الآخر

يعد الإيمان باليوم الآخر أساسًا هامًا في صناعة إنسان صالح متصالح مع نفسه ومع الحياة، فإيمانه بهذا اليوم يعصمه من الانغماس في الشهوات أو ممارسة الظلم والعلو في الأرض، إذ أن عاصمه حينذاك ليس الضمير الذي قد يضعف ويتهاوى أمام طرقات شياطين الإنس والجن، وليس القانون الذي يسهل النفاذ منه، وإنما يعصمه ذلك الإيمان الذي يبقى ضميره حيًا مهما تزين له الباطل واستشرف له، إنه يقينه بذلك اليوم سيدفعه إلى اختيار سبيل النجاة وتجنب سبل الضلال.

أمة واحدة

يصنع الإسلام إنسانًا يعلم أنه فرد في جماعة تمتد لتكون أمة هادية للناس، هذه الأمة يقرأ كل فرد فيها في كل صلاة يقيمها (اهدنا الصراط المستقيم) فتلهمه تلك الآية وهذا الدعاء أن يكون مع إخوانه على درب واحد يقتفي به أثر الصالحين الذين هداهم الله ورضي عنهم.

تتوحد هذه الأمة في شعائرها وعبادتها ومنهجها وتصورها عن الحياة وعن الكون، ويشدها رباط علاقتها بالله لا علاقتها بالمكان أو الزمان. بل إن تلك الاختلافات التي مزقت الشعوب والأمم اليوم هي ذاتها كانت مكمن القوة وأداة التفوق إذ تتكامل القدرات والطاقات والعقليات ويشترك الأسود والأبيض والأحمر في إثراء البشرية وصناعة نموذج حضارة فريد.

أثر العبادات

منهج الإسلام في العبادات يختلف عن أي منهج آخر فهو لا يريد من المسلم أن يقيم الشعائر ويتعبد ليشعر بسمو روحي ويتوازن في حياته وحسب ثم يعود ليمارس حياته كما كانت. بل إن كل عبادة فرضها الإسلام لها هدف تربوي يسعى لأن تتشرَّبه روحه وعقله وقلبه فلا يعود بعد أن يؤدي أيًّ من تلك العبادات كما كان قبلًا، بل تتهذب نفسه وتتزكى وتتطهر حتى يرى أثر ذلك في سلوكه مع الناس وفى أدائه لعمله وفى قيامه بواجباته المختلفة.

وإذا نظرنا سريعًا للعبادات لوجدنا مثلًا أن الهدف الذي تحققه الصلاة هو البعد عن الفحشاء والمنكر وأن الصيام يحقق التقوى ومراقبة الله وأن الزكاة تزيل شح النفس والحج يعيد علاقته مع سائر البشر على أساس عقدي بلا كبر أو تفاخر وتعال، وهكذا في سائر ما يقوم به من شعائر وعبادات.

تحمّل المسؤولية

يعلّم الإسلام أتباعه أن إرادتهم الحرة التي تنتج عقلًا مفكرًا قادرًا على الاختيار يتبعها مسؤولية كاملة عن كل ما يصدر منه من قول وفعل وسلوك، لذلك عليه أن يعمل على تهذيب نفسه ليكون صاحب خلق قويم وعليه أن يأخذ دوره في الحياة ولا يتباطأ ويكسل فيؤدى إلى خلل وإلى تصدع في البناء.

كان من جراء الشعور بالمسؤولية في القرون الأولى أن انطلق الإنسان المسلم الصالح في الأرض يستخرج أسرارها ويسبر أغوارها ويكتشف من العلوم والفنون ما تتقدم به الحياة وتتحسن به سبل العيش فيها، ثم دفعته تلك المسؤولية أن يدفع الباطل ويقف له فارسًا مجاهدًا يذود عن الحق وعن المستضعفين وليكون شاهدًا على إقامة العدل بين الناس.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هذه الركيزة الأساسية التي يقيمها الإسلام في صدر الإنسان المسلم هي أساس بقاءه صالحًا نابضًا بالخير متجنبًا للفساد، إذ أن حرصه على أخيه المسلم من أن تلوثه المعاصي أو أن تجره يد الباطل إلى ساحتها سيجعله ناصحًا مشفقًا يبذل نفسه لكي يبقى الخير هو الأعلى والأبقى في مجتمعه، ويعلم أنه إن تعايش يومًا مع ظلم أو فساد ورضي به فإن فرص ركونه إليه أو تلطخه به أكبر من أن تنكر.

لذلك كان تعليم الإسلام للفرد المسلم أن يبقى مذكرًا نفسه وإخوانه إذا تعثر أحدهم في الطريق أو سعى نحو الغواية كان هو أساس خيرية الأمة المسلمة وأساس بقاءها حية رافعة رأسها.

القوانين والسنن الثابتة

من خلال اتباع الإنسان المسلم لدينه يتعلم أن هناك سننًا وقوانين ثابتة، عليه أن يتبعها وأن يلتزم بخطها، هذا النظام في الكون يحرضه على أن يسير في حياته سيرًا منظمًا لا سير التائهين الضائعين، ويرشده أن يقيم أسرته ومجتمعه على أُسُاس، لا كيفما تسير به الأمور ولا مثلما يفعل الناس فيقلدهم ويحذو حذوهم.

ولو ظل المسلم على هذا المنهاج كما كان يوم تعلمه من رسول الله لانتظمت به الحياة ولكان بذله وسعيه مشهودًا يقدِّره أصحاب العقل والنظر، ولكنه خالف وابتدع من عنده وخلط بين ما عنده وما عند غيره فضلَّ وفسد وأفسد.

إخلاص الوجهة

للإنسان كما خلقه الله نزعات وحاجات تحتاج أن تعالج وأن تتهذب وتترقى، ومن تلك الحاجات أنه يحب أن يرى أثر عمله وأن يشكره الناس عليه وأن يأخذ أجره على ما يبذل، فما الحال إذا عدم ثمرة عمله أو جحد الناس فضله، هل ينزوي ويعتزل ويكف على الأداء، لا ليس هذا هو حال الإنسان الذي يصنعه الإسلام، بل إنسان يعرف أن عمله محط نظر الله وملائكته فلا يهتم بعد ذلك أحمده الناس أم عابوه.

إنه إنسان يبذل لإصلاح نفسه وإصلاح دنياه كل ما يقدر عليه ثم تظل روحه سامقة طيبة لا تخاصم الناس أو تعتزلهم إذ أن تعلقه بالجزاء الأوفى من الله هو الذي يلح عليه بالبذل والتضحية والجود بنفسه إذا تطلب الأمر.

تتعدد الوسائل التي جاء بها الإسلام ليصنع بها إنسانًا صالحًا متميزًا في جوهره كما هو في مظهره ولكنها جميعًا تؤدي إلى طريق الرفعة والسمو وبناء أمة تصنع حضارة وتكون ميزانًا لإقامة الحق والعدل.

المصادر

  1. بحث: إعداد الإنسان الصالح في ضوء التربية القرآنية د.داود درويش حلِّس.
  2. كتاب: القرآن وقضايا العصر د.عائشة عبد الرحمن.
  3. كتاب: منهج التربية الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى