خليج غوانتانامو: الحاضر والماضي

هذا المقال ترجمة لمقالة بعنوان: Guantanamo Bay: Past And Present لكاتبه منظمة: CAGE في موقع: muslimmatters. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

إن عبارة “خليج غوانتانامو” لا تحتاج إلى مقدمات. لقد تم افتتاح معسكر الاعتقال هذا وسط الهستيريا والتعطش للدماء في عالم ما بعد 11 سبتمبر، وهو اليوم يقف كواحد من أكثر سجون العصر الحديث شهرةً.

لقد أصبحت الصور التي تحوي (حصريًا) رجالًا مسلمين مقيدين بالأصفاد ومغطاة رؤوسهم، مجبرين على الركوع داخل الأقفاص؛ صورًا تجسد ما سمحت “الحرب على الإرهاب” بتمكينه منذ عام 2002 إلى اليوم.

ومع ذلك، فإن خليج غوانتانامو هو أكثر من مجرد أرض حرام قانونية؛ لقد أشارت ‘إلى بداية حركة عالمية لاغتصاب القانوني الدولي، والإساءة إلى كرامة الإنسان، وإنكار الحقوق الأساسية للتمثيل العادل للرجال الذين قُدِّموا للعالم على أنهم “أسوأ الأسوأ”.

باسم الحرية، خليج غوانتانامو هو مجرد ترس واحد ضمن آلة ضخمة من المواقع السوداء لوكالة المخابرات المركزية في جميع أنحاء العالم؛ حيث يتم اعتقال السجناء لأسابيع وشهور وسنوات وإِخضاعهم لتعذيبٍ وحشيّ. بعضهم لا يخرج على قيد الحياة، وبعضهم يختفي تمامًا، ويُنقل كثيرٌ منهم إلى خليج غوانتانامو ليواجهوا الاعتقال إلى أجل غير مسمى دون محاكمة أو تهمة.

إننا في عصر التعذيب الذي تجيزه الدولة، وتنفذه على مرأى من الجميع. لقد سلط تقرير مجلس الشيوخ لعام 2014 الضوء على عمليات التعذيب البشعة التي تنفذها وكالة المخابرات المركزية، والتي يُشار إليها بأسلوبٍ تلطيفيٍّ باسم: “تقنيات الاستجواب المتقدمة”. إن الافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة هو واقع يخنق المحامين الذين يكافحون لتمثيل موكليهم؛ فَملفات هؤلاء الموكلين هي ملفات محجوبة بشدة يُمنع السجناء أنفسهم من رؤيتها، كما لا يتم إعطاء الكثير من الإجابات على الأسئلة الأساسية التي يطرحها السجناء: لماذا أنا هنا؟ ما هي التهم الموجهة إلي؟ ما هي الأدلة التي لديك؟ هل سأحصل على يومي في المحكمة؟ هل سأخرج من هذا المكان حيًّا؟

أُنشأت منظمتنا باسم “CagePrisoners”، في إشارة إلى ما أصبح عليه هؤلاء الرجال: سجناء جُرِّدوا من إنسانيتهم، محتجزين في أقفاص. مع السرية والصمت اللعين حول محنة هؤلاء. كانت منظمتنا Cage أول من أصدر قائمة بأسماء السجناء، نُشرت القائمة في الواشنطن بوست عام 2005. إلى اليوم، غوانتانامو هو واحد من عدد كبيرٍ ومتزايدٍ من القضايا التي ندافع عنها. نحن نعمل تحت راية واحدة مشتركة من الانتهاكات التي يتم ارتكابها باسم “الحرب على الإرهاب”.

وبعد عقدين من النضال، لا يزال غوانتانامو مفتوحًا، ولا يزال يُنظر إليه على أنه رمزٌ للظلم الذي تميزت به الحرب على الإرهاب. لقد اعترف الرئيس أوباما سابقًا بأن وجود هذا السجن “يتعارض مع هويتنا، ويتعارض مع مصالحنا، ويجب أن ينتهي”، وينتهجُ الرئيس بايدن اليوم إجراءات لإغلاقه. إن التحول في الرأي حول غوانتانامو يدين بنفسه إلى حد كبير للجهود الدؤوبة التي يبذلها النشطاء في الدعوة إلى العدالة.

نحن في منظمة Cage نظل ملتزمين بتسليط الضوء على إساءة استخدام سلطة الدولة، وهو العمل الأكثر أهمية في عالم اليوم. في عالمٍ من الروايات المتنافسة والمتضارِبة، فإن رفع أصواتنا لحماية العدالة هو مسؤوليتنا الفردية والجماعية. نحتفل بالنجاح عندما يأتي، ويسعدنا أن نرى العديد من المعتقلين يغادرون المعتقل ليصبحوا مؤلفين ومتحدثين وناشطين وقادة في الفكر، ومع ذلك، فإن العمل لم ينته بعد، ولكن نحقق المزيد، يجب علينا أولًا أن نعرف المزيد. فيما يلي ملخص لما نحتاج جميعًا إلى معرفته بخصوص خليج غوانتانامو:

حقائق مفتاحية

غوانتانامو
  • عدد المحتجزين الكلي وصل إلى 779 معتقل.
  • تم توجيه الاتهام إلى 12 منهم فقط؛ 10 معتقلين ينتظرون المحكمين، بينما أُدين 2. 
  • الفئة العمرية للسجناء: من 13 إلى 87 سنة. 
  • 9 من المعتقلين لقوا حتفهم، سُجلت وفاة بعضهم على أنها حالات انتحار، ويعتقد العديد من الخبراء بعدم صدق السجلات، إذ يرجحون أن الإدارة الأمريكية تحاول التستر من خلالها. 
  • 86 بالمائة من السجناء تم تسليمهم في عام 2006 من قبل باكستان أو تحالف الشمال، في وقت عرضت فيه الولايات المتحدة مكافآت كبيرة للقبض عليهم. 
  • اليوم، بقي 37 سجينًا رهن الاعتقال. 
  • ظل العديد من المعتقلين محتجزين لأكثر من 10 سنواتٍ دون محاكمة. 
  • عندما تجري هذه المحاكمات، فإنها تجري في “الكنغر” العسكري السري التابع للولايات المتحدة الأمريكية دون تمثيلٍ عادل أو محاكمة عادلة. 
  • يحظر دستور الولايات المتحدة تعليق أمر الوقوف أمام المحكمة. مثل هذا التعليق هو أمر أساسي في غوانتانامو.
  • تزعم الولايات المتحدة أن السجناء معفون من الحماية القانونية الأمريكية أو الدولية.
  • تتلاعب الولايات المتحدة بتفسيرات اتفاقية جنيف لتجنب الالتزامات تجاه السجناء.
  • كانت هناك العديد من الأحكام القضائية ضد الممارسات في غوانتانامو، بما في ذلك حكمان رفيعا المستوى للمحكمة العليا: حكم “رسول” ضد بوش (2004) وحكم “بومدين” ضد بوش (2008). أعطى هذان الحكمان السجناء الحق في الاستماع إلى قضاياهم في المحكمة العليا والوصول إلى النظام القانوني للولايات المتحدة، مما يضمن تغطيتهم بموجب قانون حماية السجناء الأمريكي.

كيف حدث كل هذا؟

غوانتانامو
  • تستخدم هجمات 11 سبتمبر كمذكرة ترتكز عليها الولايات المتحدة في نشاطاتها غير القانونية، بما في ذلك “المواقع السوداء” في أفغانستان وخليج غوانتانامو.
  • ما يشوش عليه هذا هو دور الولايات المتحدة في التطورات قبل عام 2001، بما في ذلك وجودها في أفغانستان ودورها في تمويل الجماعات العسكرية منذ الثمانينيات.
  • إن خليج غوانتانامو مدعوم بسياسات معادية للإسلام في الخارج، وهي جزء من أيديولوجية أوسع لمكافحة الإرهاب. من خلال هذا، يتم تمييز التعبير عن الهوية والمعتقد والممارسة الإسلامية كعوامل خطر وتوجهات ذات “قابلية” للإرهاب. وتصاعدت هذه إلى اتهامات بالإرهاب تستند إلى مزاعم مشكوك فيها ولا أساس لها ضد الغالبية العظمى من معتقلي غوانتانامو. لا يتم فحص الأدلة بشكل عادل حيث يتم تصفيتها من خلال عدسة الأيديولوجية “الإسلامية” الخطيرة. “الإسلامي” نفسه هو مصطلح تمت صياغته حديثًا بدون تعريف قانوني، ويضع التطرف على أنه نزعة لدى المسلمين حصرًا.
  • إن خليج غوانتانامو مليء بالمسلمين حصرًا، ويقع هذا ضمن ثقافة عالمية مكرّسة لتشويه العقيدة والممارسات الإسلامية وفتحت الباب أمام سياسات وحشية تستهدف المجتمع الإسلامي. ويتجلى هذا في الواقع في عدة أمثلة، مثل كون  المسلمين هم أكثر من يُوَقَّف في أماكن كالمطارات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من البلدان الأخرى.

الحياة بعد الإفراج

  • لا خيار للسجناء في الوجهة التي يوجهون إليها عند إطلاق سراحهم. يتم اتخاذ القرارات بشأن مستقبلهم دون استشارة أو شفافية.
  • يتم تثبيت كاميرات المراقبة في المساكن المخصصة لهم من قبل الحكومة، وكذلك تطبيقات تنصت في هواتفهم التي تصدرها الحكومة.
  • نظرًا لعدم تمكنهم من الحصول على جواز سفر من بلدانهم الأصلية أو البلدان المضيفة، وغالبًا ما يُحرمون من بطاقة الهوية التي وُعدوا بها؛ فإن السجناء السابقين يُتركون فعليًا عديمي الجنسية.
  • يموت الكثيرون أو يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، والتشرد، وعدم الحصول على الرعاية الصحية الأساسية.
  • يُسجن الكثير عند وصولهم إلى البلد المضيف (خاصة الإمارات العربية المتحدة)، حيث يواجهون المزيد من التعذيب والحبس الانفرادي.
  • لا يوجد برنامج إعادة تأهيل رسمي أو إعادة دمج، مع حرمان من فرص العمل وحقوق المواطن الأساسية.
  • يواجه السجناء السابقون وصمة العار المتمثلة في كونهم سجناء -على مستوى المجتمع والدولة-، حتى بعدما صدور حكم البراءة في حقهم.

التطورات المعاصرة

  • النضال من أجل إغلاق معتقل غوانتانامو مستمر.
  • تم الإفراج عن أعداد أكبر من السجناء بعدما تبيّن أنهم لا يشكلون أي تهديد، أو تورطهم في السابق في الإرهاب.
  • لا يزال الغموض يكتنف المستقبل، فإغلاق مركز الاحتجاز لا يضمن المحاكمات القانونية التي طال انتظارها للسجناء. من المستبعد جدًا نقل المعتقلين إلى الولايات المتحدة.

من أجل إغلاق غوانتانامو يجب اتباع هذه الخطة المكونة من 8 نقاط.

هذه خطة من 8 نقاط، أصدرها 7 سجناء سابقين، ونشرت لأول مرة في The New York Review of Books: 

  • يجب أن يُنقل جميع الذين تم الإفراج عنهم فورًا إلى بلدانهم الأصلية؛ إن كانوا فيها في مأمن من السجن التعسفي والاضطهاد.
  • إعادة فتح مكتب المبعوث الخاص والسعي إلى الدول المناسبة لاستئناف عملية إعادة التوطين لأولئك غير القادرين على العودة إلى ديارهم. 
  • يتم اتخاذ التدابير المناسبة لضمان منح السجناء السابقين الوسائل لبدء حياة ذات معنى في البلد الجديد، وحصولهم على الحماية من إمكانية انتهاك تلك التدابير من قبل الدولة المستقبلة.
  • إلغاء مفهوم “سجناء إلى الأبد”، وأولئك الذين لا يواجهون تهمًا داخل المحاكم العسكرية العسكرية يتم توطينهم أو إعادة توطينهم (على النحو الوارد أعلاه) باتباع الترتيبات الأمنية المناسبة.
  • لا ينبغي أن تتم الإعادة إلى الوطن/إعادة التوطين بالقوة، ولا يتم إعادة توطين السجناء في البلدان التي سيواجهون فيها السجن التعسفي مرة أخرى.
  • يجب استبدال تقارير مجلس المراجعة الدورية بضرورة إغلاق غوانتانامو وعدم عرقلة الإجراءات المذكورة أعلاه.
  • يجب إلغاء اللجان العسكرية ومحاكمة المتهمين وفق القانون.
  • حيثما كان ذلك مناسبًا وعمليًا؛ يتم وضع الآليات التي تمكن المدانين بارتكاب جرائم من قضاء مدة عقوبتهم في مكان قريب من ديارهم ومنازلهم.

دعوةٌ إلى العمل

غوانتانامو

إن خليج غوانتانامو ليس انحرافًا أو استثناءً، إنه أحد أبرز رموز شبكة مكافحة الإرهاب المتزايدة الاتساع، والمغطاة بالافتراضات والأفعال المعادية للإسلام. كمجتمع، يجب أن نتخذ إجراءات فعالة وواقعية وعملية لرفع مستوى الوعي حول المظالم والانتهاكات التي تحدث في الوقت الحالي. تعمل دعوتنا على مستويات متعددة: من التعلم إلى مشاركة المعلومات، إلى دعم المنظمات المكرسة لهذا العمل وإعادة فحص الروايات التي تشوه فهمنا لانتهاكات الدولة ضد معتقدات وممارسات المسلمين الملتزمين.

هذا هو الوقت المناسب لنا جميعًا للتنظيم والتحالف مع بعضنا البعض للمطالبة بالمساءلة نيابة عن أولئك الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. خليج غوانتانامو هو أكثر من مجرد رمز، إنه واجبنا تجاه المظلومين وتجاه أنفسنا. إنها علامة تشير إلى العمل الذي ينتظرنا جميعًا. يجب أن نتحد معًا ونقف بحزم لرفع أصواتنا من أجل العدالة.

كودري محمد رفيق

من الجزائر، أكتب في الدين والفكر والتاريخ، أرجو أن أكون مِن الذين تُسدُّ بهم الثغور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى