المقاطعة الاقتصادية: أضعف الإيمان .. يُحدث التغيير

المقاطعة أقل درجات المقاومة، وإنكار للمنكر بالترك، ومشاركة معنوية للمظلوم ورسالة تأنيب للظالم، ورأينا أثرها الفاعل على شركات داعمة للاحتلال الغاشم، ومع استمرار الحرب على غزة علينا مقاطعة كل مساند للحرب النازية التي تولت كبرها أمريكا وأخواتها.

د. محمد الصغير

بعد السابع من أكتوبر 2023م، تعرض الكيان الإسرائيلي لضغوط هائلة نتيجة للمقاطعة الاقتصادية والسياسية التي فرضتها عليه العديد من الدول والمنظمات والأفراد، والتي لم تكن مجرد رد فعل عابر، بل كانت ضربة موجعة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، وتسببت في تراجع الصادرات وتوقف الاستثمارات الأجنبية من قبل العديد من الشركات العالمية، وهو ما ترك الشركات الإسرائيلية في مواجهة تحديات غير مسبوقة، أدت إلى تراجع معدلات الإنتاج الخاصة بها وارتفاع معدلات البطالة.

أما على الصعيد السياسي، فقد زادت العزلة الدولية لإسرائيل، وزادت كثافة الأصوات التي تدعو لمحاسبتها على أفعالها والجرائم التي تقوم بارتكابها بشكل وحشي في حق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وبعد مرور عام على هذه الحرب فقد حققت المقاطعة نتائج هائلة التأثير سواء على الكيان أو على الدول والشركات الداعمة له، ويمكن التعرف على هذه النتائج من خلال هذا المقال.

مفهوم المقاطعة

ما هي المقاطعة

المقاطعة في اللغة: هي صيغة مُفاعلة من فعل القطع، قال ابن فارس: «القاف والطاء والعين أصل صحيح واحد، يدل على صرم وإبانة شيء من شيء».

وجاء تعريف المقاطعة في المعجم الوسيط بكونها: الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًا أو اجتماعيا وفق نظام جماعي مرسوم.

 أما المقاطعة الاقتصادية كمفهوم جامع فهي: الامتناع عن معاملة الآخر اقتصاديًا وفق نظام جماعي مرسوم بهدف الضغط عليه لتغيير سياسته تجاه قضية من القضايا.

أو هي: جذم حبل المعاملات الاقتصادية، وبتر العلاقات الاجتماعية، مع فرد أو مجموعة مؤذية، أو مؤسسة أو دولة معتدية، سواء كان القطع حكوميًا أو أهليًا، مؤقتًا أو دائمًا، جزئيًا أو كليًا؛ سعيًا لتوهين الاقتصاد، وتقليله، أو إرهاقه وتدميره.

كما عرّفت الموسوعة العربية العالمية، المقاطعة الاقتصادية بأنها: رفض التعامل مع شخص أو منظمة أو دولة.

أنواع المقاطعة الاقتصادية

يمكن تقسيم أنواع المقاطعة الاقتصادية إلى فرعين أساسين، الأول: هو المقاطعة من حيث الجهة الفارضة، والثاني: هو المقاطعة من حيث عملية الممارسة.

يتضمن الفرع الأول ثلاثة أنواع وهي:

  1. المقاطعة الأهلية: ويقصد بها المقاطعة التي لا تتم من قبل الجهات الحكومية وتعرف باسم المقاطعة الشعبية، يتم فرضها والعمل على تنفيذها من قبل أفراد أو هيئات غير رسمية، نتيجة التأثر بمجموعة من العواطف أو الحماسة، تدفعهم للتوقف عن استخدام بضائع ومنتجات الشركات المستهدفة أو الدولة المعتدية ومنع التصدير إليهم بالإضافة إلى الامتناع عن التعامل مع أفرادها.
  2. المقاطعة الرسمية: يتم فرضها من قبل السلطات العليا في الدولة وبموجبها يمنع على الجميع التعامل مع جماعة أو دولة معتدية محددة.
  3. المقاطعة الجماعية: وهي مقاطعة يتم إقرارها من قبل منظمة دولية استنادًا على السلطة والصلاحية التي تمتلكها بموجب المواثيق الدولية المتفق عليها، وتكون المقاطعة في حق إحدى الدول التي قامت بانتهاكها.

وينقسم الفرع الثاني للمقاطعة -من حيث عملية الممارسة- إلى صورتين أساسيتين هما كما يلي:

  • الصورة الإيجابية: تتمثل في القيام بتوفير الخدمات والسلع المحلية من أجل دعم المقاطعة التجارية والاقتصادية مع الدول المعنية بالمقاطعة.
  • الصورة السلبية: الامتناع عن الدخول مع الدول المعتدية في أي نوع من العلاقات الاقتصادية سواء في التعاملات التجارية أو المالية أو النقدية.

نماذج بارزة للمقاطعة الاقتصادية على مر التاريخ

شهد التاريخ العديد من صور المقاطعة الاقتصادية البارزة، والتي أثبتت مدى فاعلية هذه العملية في تحقيق الأهداف والمساعي التي يرغب بها الطرف المقاطع، ومن أبرز هذه الصور ما يلي:

  • قبل الإسلام، كان هناك صراع اقتصادي بين الإمبراطوريات الكبرى مثل الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية، حيث كانت التجارة بين هذه القوى تتعرض بشكل متكرر للمقاطعات أو للضرائب المرتفعة أو لمنافسات اقتصادية بهدف إحكام السيطرة على الأسواق من قبل طرف واحد فحسب.
  • ما قام به كفار قريش ضد المسلمين، حين أجمعوا أمرهم على مقاطعة كل من بني هاشم وبني عبد المطلب، وتمثل ذلك في أن لا ينكحوا منهم أو ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم، وكانت مدة هذه المقاطعة هي سنتين أو ثلاث سنوات.
  • ما فعله ثُمامة بن أُثال رضي الله عنه –الذي يُعَدّ أول من فرض الحصار الاقتصادي في الإسلام من أجل نصرة النبي صلى الله عليه وسلم– حين قال لكفار قريش في مكة: «والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حِنطَة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم» [صحيح البخاري: 4372].
  • البيان الذي قام حزب الوفد المصري بإعلانه في العام 1912م، بعد اعتقال رئيسه سعد زغلول والذي صدر فيه قرار المقاطعة الشاملة للإنجليز، وذلك من خلال حث أفراد الشعب المصري على سحب ودائعهم المالية الموجودة في بنوك الإنجليز، وتشجيع التجار المصريين على عدم استيراد بضائعهم من الخارج عبر السفن الإنجليزية، بالإضافة إلى مقاطعة أي نوع من التعامل مع الأفراد الإنجليز.
  • قيام العديد من الأوروبيين بالتوقف عن شراء البضائع الألمانية الصنع بعد قيام الحرب العالمية الثانية اعتراضًا على ما تتعرض له بلادهم من احتلال.
  • دعوة الزعيم الهندي غاندي، للقيام بمقاطعة البضائع الأجنبية بل وحرقها بشكل علني في مدينة مومباي، لوضع حلقة جديدة في سلسلة الأعمال الاحتجاجية القائمة ضد الاستعمار البريطاني للهند.
  • مقاطعة السود في مدينة مونتغمري بولاية ألاباما الأمريكية لنظام سير الحافلات الخاص بالمدينة؛ اعتراضًا على سياسة الفصل العنصري الاجتماعي داخل الحافلات منذ الستينات.
  • رفض العديد من المستهلكين في العديد من الدول حول العالم شراء أي نوع من البضائع من جنوب أفريقيا؛ احتجاجًا على سياسة التفرقة العنصرية وقد استمرت هذه المقاطعة من مطلع الستينيات وحتى بداية التسعينات من القرن العشرين.
  • قيام الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود بحظر البترول السعودي عن كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعد قيام حرب 1967م، كما تَزعّم حركة حظر البترول التي قامت بها الدول الخليج كافة بعد قيام حرب 1973م، والذي كان لها أثر كبير في نتائجها.
  • من أبرز صور المقاطعة التي مازالت مستمرة حتى اليوم قيام العديد من الدول العربية بمقاطعة إسرائيل بسبب قيامها باحتلال الأراضي الفلسطينية، وهو ما يتم بيانه بشكل مفصل فيما يلي: 

تاريخ المقاطعة الفلسطينية

حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها PDS

كانت بداية تاريخ المقاطعة الاقتصادية في مدن وقرى فلسطين المحتلة في عشرينات القرن الماضي إبان الاحتلال البريطاني، حيث ظهرت العديد من الدعوات من قبل الحركات الوطنية والثورية الفلسطينية من أجل مقاطعة المنتجات الإسرائيلية التي بدأت بالهجوم على الأسواق المحلية.

تزامن ذلك مع زيادة الجهود المبذولة من قبل حكومة الكيان الصهيوني لتوسيع رقعة المستوطنات الإسرائيلية داخل فلسطين، وهو الأمر الذي زاد من حنق السكان الفلسطينيين؛ خاصة وأن البضائع الإسرائيلية أصبحت تنافس المنتجات المحلية بشكل كبير من الجودة والسعر، وذلك نتيجة استخدام المؤسسات الصناعية الصهيونية للأساليب والآلات الحديثة التي تم إحضارها من أوروبا، والتي تسببت في خفض تكلفة الإنتاج بشكل كبير مما زاد من قيمة المكاسب الإسرائيلية المالية، وامتد الأمر ليشمل المنتجات الزراعية أيضًا وبشكل خاص البرتقال اليافـاوي الذي كان يمثل أحد أهم الصادرات الزراعية الفلسطينية التي يتم تصديرها إلى العديد من الدول الأوروبية.

وكان الهدف الأول من وراء مشاريع التنمية الاقتصادية الإسرائيلية، هو العمل على تمكين المستوطنات الصهيونية الناشئة والنهوض بها، وهو ما زاد من سيطرة حكومة الاحتلال على القطاع الزراعي وصادراته.

مع تدهور الوضع؛ ظهرت أول محاولة حقيقية للحركة الوطنية الفلسطينية لاستخدام سلاح المقاطعة وذلك في العام 1922م، حيث قرر الفلسطينيون مقاطعة انتخابات المجلس التشريعي التي يتم تنظيمها من قبل حكومة الانتداب البريطاني والتي كانت تهدف لتمكين الحركة الاستعمارية الصهيونية من إحكام قبضتها على المؤسسات العامة في فلسطين، وتبع هذه الحملة القيام بمقاطعة المشاريع الخاصة بتوليد الكهرباء التي قامت حكومة الانتداب بنقل صلاحيتها إلى الحركة الصهيونية.

هذه الحملات وغيرها ظلت قاصرة التأثير، وذلك لعدم وجود أحزاب وحركات سياسية ناضجة في فلسطين، إضافة للافتقار الكلي لاستراتيجية شاملة، وواضحة، وممنهجة يمكن من خلالها التصدي للمشاريع الاستيطانية الصهيونية، ولكن هذا الافتقار بدأ في التناقص مع بدايات القرن العشرين نتيجة لنشأة وتطور الصحافة الفلسطينية، مما ساعد على النهوض بالعمل السياسي، ورفع الوعي لدى الشعب الفلسطيني، والذي وصل لذروته مع بلوغ عام 1936م تزامنًا مع تطور الأحزاب السياسية الفلسطينية، مما نتج عنه إعلان العصيان المدني، وقيام المواطنين الفلسطينيين بحملة مقاطعة كاملة لمختلف القطاعات التي سيطر عليها الاحتلال البريطاني، مما اضطر المندوب البريطاني السامي إلى طلب الدعم من الحكومات والوجهاء العرب من أجل اقناع القيادات الفلسطينية بوقف الإضراب واللجوء إلى المفاوضات مع سلطات الاحتلال عوضًا عن ذلك، وقد تم لهم ذلك.

صَبّت المفاوضات العربية السابقة في مصلحة سلطة الانتداب، وتمكنت من الانتصار على الثورة المسلحة الفلسطينية نتيجة لفقدانها المساندة الشعبية الفعالة، ومع شرارات بداية الحرب العالمية الثانية كانت الثورة الفلسطينية قد انتهت وذلك في عام 1939م، ومع اقتراب موعد رحيل قوات الانتداب عن الأراضي الفلسطينية عمدت المليشيات الصهيونية للاستعداد بشكل كامل من أجل إحكام سيطرتها على فلسطين، تمثل ذلك في تلقيها تدريبات مكثفة وتزويدها بأسلحة شديدة القوة، كما تمرس العديد من أفرادها في مختلف الأمور الحربية نتيجة المشاركة في الوحدات اليهودية الداعمة لبريطانيا خلال الحربين العالميتين.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتأسيس جامعة الدول العربية في عام 1945م، قامت الدول العربية بالإعلان عن حملة مقاطعة لمختلف المنتجات الصهيونية، ولكن هذه الحملة جاءت في وقت متأخر، فقوات الحركة الصهيونية كانت قد بدأت في شن حربها للسيطرة على المدن والقرى الفلسطينية، وذلك عن طريق ارتكاب العديد من المجازر الدموية وتهجير ما يقارب من نصف السكان من منازلهم وأراضيهم، ومع انسحاب قوات الانتداب البريطاني من فلسطين بشكل كلي قامت هذه المليشيات في يوم 15 مايو 1948م بالإعلان عن قيام دولة إسرائيل بشكل رسمي.

سعت جامعة الدول العربية في رد فعل متأخر للتصدي للدولة حديثة النشأة –بعد سيطرتها على ما يقارب من 78% من الأراضي الفلسطينية- ففي منتصف عام 1949م تم الإعلان عن إنشاء مكاتب رسمية لمقاطعة الكيان، وكانت لبنان من الدول الأولى التي سَنّت قانونًا رسميًا للمقاطعة عُرف باسم “قانون مقاطعة إسرائيل”، تلتها العديد من الدول العربية في إقرار قوانين مشابهة، فكانت البداية التي حولت سلاح المقاطعة من فعل محلي إلى سلاح إقليمي يسعى لتضيق الخناق على الكيان الصهيوني، ويعاقب بشكل شديد الأثر الشركات العالمية الداعمة له.

استمرت الدول العربية في العمل بقوانين المقاطعة ضد إسرائيل حتى ثمانيات القرن الماضي، عندما قام الرئيس المصري أنور السادات بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، التي كانت بمثابة إعلان مصري رسمي بالتخلي عن القضية الفلسطينية، ونتج عن ذلك إلغاء البنود الخاصة بالمقاطعة في القانون المصري في العام 1992م، وتلتها معظم الدول العربية بفعل مشابه خاصة بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني فيما عرف باسم اتفاقية أوسلو في العام 1993م.

استغل الكيان عمليات التطبيع لتحسين صورته امام أنظار العالم أجمع، وذلك من خلال عدد من البرامج والنشاطات التطبيعية التي كانت تحظى بالدعم الرسمي الفلسطيني في أحيان كثيرة، واستمر ذلك حتى انطلاق انتفاضة الأقصى في العام 2000م، والتي ترتب عليها استخدام الكيان لأساليب ممنهجة من أجل تدمير المدن والقرى الفلسطينية، وتنفيذ أعداد كبيرة من المجازر بحق المدنيين العزل، ووصل الأمر إلى ذروته بعد مجزرة مخيم جنين في عام 2002م، والذي ترتب عليه نشاط حركات المقاطعة مرة أخرى خاصة في الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، ففي عام 2003م –والذي كانت بداية حملات المقاطعة المنظمة في الجامعات البريطانية- أصدر بيان يدعو لمقاطعة الكيان الصهيوني أكاديميًا، تلاه الإعلان عن بيان للمقاطعة الأكاديمية والثقافية خلال العام 2004م، ومع حلول عام 2005م أطلقت المؤسسات الأهلية الفلسطينية حركة رسمية لمقاطعة الكيان الصهيوني عرفت باسم “حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)” والتي مازالت أنشطتها قائمة حتى اليوم.

تأثير المقاطعة على الداخل الإسرائيلي

على الرغم من محاولاتها المستمرة للظهور بصورة الكيان الذي لا يهزم، فإن حملات المقاطعة العربية والإسلامية ضد إسرائيل لها تأثيرات شديدة الفاعلية على الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا وفق ما أعلنته وزارة المالية الإسرائيلية في تقريرها الرسمي الصادر في عام 2013م، والذي تناول خمسة سيناريوهات مختلفة للمقاطعة تختلف في تأثيرها على الداخل الإسرائيلي وفق السيناريو الخاص بكل منها، ومدى انتشاره، ومدته الزمنية، هذه السيناريوهات هي على البيان التالي:

  • المقاطعة الطوعية، والتي تتم من قبل بعض الدول والمستهلكين، ويترتب عليها خسائر تقدر بـ(130 مليون) دولار، وفقدان (460) وظيفة بشكل سنوي.
  • قيام دول الاتحاد الأوروبي بمقاطعة كافة البضائع المصنعة داخل إسرائيل، مما ينتج عنه تقليص تصدير البضائع بنسبة (1%) وخسارة نصف مليار دولار، و(1800) وظيفة بشكل سنوي.
  • المقاطعة الشاملة لمختلف البضائع الإسرائيلية سواء المصنعة في الداخل أو عبر شركات الاحتلال المتواجدة في الخارج، وخسارة هذه المقاطعة تصل قيمتها إلى (10) مليارات دولار سنويًا وخسارة (40) ألف وظيفة.
  • توقيع وفرض عقوبات اقتصادية على الشركات الإسرائيلية في الداخل والخارج، كما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا خلال ثمانينات القرن الماضي، وهو السيناريو الأشد رعبًا للحكومة الإسرائيلية لما قد يترتب عليه من خسائر اقتصادية يصعب التنبؤ بها. 

فاعلية المقاطعة بعد الطوفان

مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال

لَقِيَ الكيان الصهيوني منذ بدء حربه الأخيرة على قطاع غزة دعمًا كبيرًا من العديد من الشركات العالمية من خلال وكلائها المعتمدين في الداخل الإسرائيلي، كان من أبرزها محلات الوجبات السريعة الشهيرة في العالم، فمطاعم “ماكدونالدز” على سبيل المثال أعلنت تقديم ما يقارب من (4 آلاف) وجبة بصورة يومية لدعم جنود الاحتلال.1

كما قامت مطاعم “برغر كينغ”، و”دومينوز بيتزا” بنشر صور ومقاطع فيديو تتضمن عبارات باللغة العِبرية كُتبت على وجبات الطعام الخاصة بها مثل «خرجنا لتقوية الأمة، فرقنا تعمل بجد لمواصلة التربع بآلاف الوجبات لأبطالنا، برغر كينغ يرسل التعازي إلى عائلات الضحايا» ومثل عبارة «من يستطيع أن يهزمنا»، كما شاركت في هذا الدعم أيضًا مطاعم “بيتزا هت” ومتاجر “كارفور” والعديد من العلامات التجارية العالمية الأخرى الموجودة داخل تل أبيب. 

في المقابل لم تقف الشعوب العربية والإسلامية صامتة أمام ذلك، بل سعت لتدشين حملات مقاطعة ممنهجة ضد الشركات الداعمة للكيان الصهيوني من خلال دعوات جماعية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي كانت بمثابة انتفاضة للاعتراض على ما ترتكبه قوات الاحتلال في حق أهالي قطاع غزة، ويقف أمامه العالم في صمت وعجز، وقد ساهمت هذه الحملات في التأثير على الكيان الإسرائيلي بشكل فعال، وتم الاستدلال على ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات التي ظهرت في عدد من الجوانب هي كما يلي:

أولاً: على المستوى الدولي والحكومات 

  • قيام الاتحاد الإفريقي بالإعلان عن التعليق الفعلي لدور إسرائيل كعضو مراقب.
  • إعلان صندوق التقاعد النرويجي –وهو من أكبر الصناديق السيادية في العالم- في شهر نوفمبر للعام 2023م عن القيام بسحب كافة استثماراته من السندات الحكومية الإسرائيلية والتي تصل قيمتها إلى نصف مليار دولار.
  • وافقت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس الشيوخ التشيلي في 3 يناير 2024م على سن قانون يحظر المعاملات التجارية المختلفة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967م، أي تلك التي تقع في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، ومرتفعات الجولان.
  • قام البرلمان الكندي بالتصويت على وقف عملية تصدير الأسلحة لإسرائيل في 18 مارس 2024م، كما دعا ما يزيد عن (130) نائبًا في بريطانيا لحظر بيع الأسلحة إليها.
  • قامت مدينة برشلونة الإسبانية بقطع علاقاتها مع إسرائيل بشكل كامل بسبب ما ترتكبه من جرائم حرب في حق الفلسطينيين في غزة، وهي أول مدينة أوروبية تقوم بذلك.
  • صوتت مدينة هايوارد بولاية كاليفورنيا الأمريكية في 25 يناير 2024م على القيام بسحب استثماراتها مع أربع شركات متورطة في الانتهاكات التي يقوم بها الكيان الصهيوني ويخالف حقوق الإنسان والقوانين الدولية.

ثانياً: على مستوى الشركات

  • نتيجة لقرار محكمة العدل الدولية، وبعض الضغوطات من قبل التحالف الشعبي الذي تشارك فيه مجموعة المقاطعة في اليابان (BDS Japan)، قامت كل من شركة (Nippon Aircraft Supply)2 و(Itochu Aviation)3 بإنهاء عقود العمل الخاصة بهما مع شركة (Elbit Systems) الإسرائيلية لتصنيع الأسلحة.
  • أُجبرت شركة “ماكدونالدز” الأمريكية لإسقاط دعوى الترهيب التي قامت برفعها ضد المقاطعة في ماليزيا (BDS Malaysia) في مارس للعام 2024م، كما أعلن المدير المالي للشركة عن فشلها في تحقيق المبيعات المستهدفة لأول مرة منذ سنوات نتيجة لحملات المقاطعة، كما أضاف أن المبيعات الدولية ستنخفض بشكل متتابع، وهو ما سينتج عنه انخفاض أسهم الشركة بنسبة (2%) في التعاملات المبكرة.
  • شركة الألبسة الرياضية الألمانية (PUMA) قامت في شهر ديسمبر للعام 2023م، بالإعلان عن عدم تجديد عقدها مع الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم وذلك امتثالًا لضغوط حركة (BDS).
  • قامت شركة (بن العميد) الأردنية بإغلاق كافة فروعها في مراكز كافور التجارية، كما اضطر كارفور لاحقًا لإغلاق كامل فروعه على الأراضي الأردنية نتيجة حملات المقاطعة ضده نتيجة لدعمه الإبادة الجماعية التي تحدث في قطاع غزة.
  • تم استبعاد شركة (أكسا) للتأمين من قائمة الرعاة للجامعة الأميركية في القاهرة بناء على قرار إدارة الملتقى التوظيفي بالجامعة، والذي جاء استجابة لنداء طلاب الجامعة، بسبب الاستثمارات التي تقوم بها الشركة في البنوك الإسرائيلية.

ثالثاً: على مستوى المؤسسات (النقابية الأكاديمية، الثقافية، الرياضية، الدينية)

  • قام مجلس الطلبة في كلية الحقوق في جامعة هارفارد بإصدار قرار يدعو كافة الإدارات والمؤسسات والمنظمات التي تتْبع مجتمع الجامعة بسحب أي نوع من الاستثمار الذي يُستخدم لدعم نظام الاستعمار و”الأبارتهايد”4 الإسرائيلي الإبادي.
  • قام الطلاب في جامعة “كاليفورنيا ديفيس” بالولايات المتحدة الأمريكية بالتصويت لصالح سحب ميزانيتها البالغة 20 مليون دولار من الشركات المتواطئة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
  • في تاريخ 30 يناير 2024م، صوت مجلس أعضاء هيئة التدريس بجامعة “ميشيغان” في الولايات المتحدة الأمريكية لصالح سحب الاستثمارات من الكيان الإسرائيلي.5
  • قامت الكنيسة الأسقفية الميثودية الأفريقية -وهي أكبر وأقدم كنيسة للأمريكيين السود- بالتأكيد على أن إسرائيل تقوم بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ودعت الولايات المتحدة إلى «السحب الفوري لكل التمويل وأشكال الدعم الأخرى من إسرائيل” لإنهاء تواطئها».6
  • ألغت سينما “جيرونا” في إسبانيا مهرجان السينما والتلفزيون الإسرائيلي “سيريت”، الذي يتم برعاية السفارة الإسرائيلية ووزارة الثقافة وذلك بعد ضغوط داخلية من مجموعات التضامن الكتالونية.
  • طالب اتحاد غرب آسيا لكرة القدم (WAFF) بعزل اتحاد كرة القدم الإسرائيلي كوسيلة للضغط على الكيان لإنهاء حربه الإبادية على قطاع غزة.
  • أصدرت اللجنة التنفيذية للجمباز الأوروبي بيانًا تؤكد أن “تل أبيب” لن تقوم باستضافة بطولة أوروبا 2025م للجمباز الفني، كما أعلنت بطولة كرة الماء الأوروبية بتغيير مكان البطولة لعام 2024م إلى خارج إسرائيل.

كيف نزيد من فاعلية المقاطعة؟

فاعلية المقاطعة - نتائج المقاطعة

تثبت النتائج السابق ذكرها أن المقاطعة سلاحٌ شديد الفاعلية، وإن كانت نتائجها تحتاج لبعض الوقت لتصبح ملموسة الأثر، ولكن؛ وفي ظل الصمت القاتل للحكومات العربية والغربية تجاه جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة أمام أنظار العالم منذ ما يزيد عن العام، يصبح الاستمرار فيها لمحاولة إحداث تغيير فرضًا على المسلمين أولًا وعلى أصحاب الضمير والإنسانية ثانيًا، وهناك العديد من الأساليب التي يمكن استخدامها لزيادة فاعلية المقاطعة، منها ما يلي:

  • زيادة مستوى التنسيق بين المقاطعين من الأفراد أو الهيئات والمؤسسات؛ سعيًا لإحداث أكبر قدر من التغيير، بالإضافة إلى تبني خطاب واحد للمقاطعة يتم تعميمه والترويج له من خلال المؤسسات الإعلامية.
  • إدخال الحكومات والمنظمات الرسمية في عملية المقاطعة سواء كان ذلك بصورة مباشرة من خلال إعلانات صريحة، أو بصور غير مباشرة عن طريق استخدام الهيئات الإعلامية، والفنية، والثقافية، والدينية، والتشريعية للدعوة لها والتشجيع عليها.
  • التوسع في رقعة المقاطعة ونطاقها لتشمل مختلف الجوانب السياسية والثقافية والأكاديمية والرياضية والإعلامية والفنية، ولا تكون قاصرةً على الجانب الاقتصادي فحسب.
  • تشجيع دخول كل من الجمعيات والنقابات والأحزاب وكل مؤسسات المجتمع المدني، لتصبح طرفًا ذا فاعلية وتأثيرًا في نتائج المقاطعة.
  • العمل على إطالة أمد المقاطعة فتتحول من حدث عابر محدود التأثير إلى نظام قائم شديد التأثير والمخاطر عند استمراره لفترات طويلة يضع الشركات والمؤسسات الداعمة للكيان في حالة من الضغط يجبرها على إعادة النظر في موقفها الداعم لإسرائيل.
  • توفير البديل المناسب خاصة في الشوارع العربية والإسلامية، من خلال تحسين جودة المنتجات المحلية، مما يجعل الطريق ممهدًا للاستغناء الكلي عن منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل، ويضعها في تحدٍ حقيقي.

صور من مكاسب البدائل المحلية بعد المقاطعة

ساهمت حملات المقاطعة للشركات التى تدعم الكيان الصهيوني في ازدهار العديد من المنتجات المحلية في العديد من الدول العربية، وبشكل خاص في مصر، للعمل على توفير بديل عال الجودة ينافس المنتجات العالمية، ومن أبرز المكاسب التي تم تحقيقها:

  • شركة “سبيروسباتس” للمشروبات الغازية ارتفعت مبيعاتها بنسبة (350%) حيث تنتج الشركة في الوقت الحالي ما يقارب من (150) ألف باكت في اليوم الواحد.
  • ازدادت مبيعات “بسكويت الشمعدان” لما يقارب نسبة (20%) وفق ما أعلنه مجلس إدارة الشركة، وذلك بعد مقاطعة منتجات البسكويت والشيكولاتة العالمية.
  • أعلن رئيس شركة “مصر كافيه” عن زيادة ملحوظة في عملية الشراء على منتجات الشركة، وفي حال استمرار الزيادة سيتم اتخاذ قرارات تهدف لزيادة عملية الإنتاج لتغطية حاجة السوق المحلي.
  • ارتفعت مبيعات شركة “فريدال” للمنظفات والعطور المصرية بنسبة (40%)، حيث زاد الإنتاج الشهري بما يقارب (4) ملايين عبوة، مما نتج عنه تشغيل (3) خطوط جديدة لرفع الطاقة الإنتاجية.

تطبيق البديل

موقع بديل badeel

موقع البديل هو أحد المواقع المجانية الحديثة التي تم إنشاؤه من قبل مجموعة من الشباب في مصر، يهدف إلى تعريف المستخدمين بمختلف المنتجات التي تندرج تحت بند المقاطعة، ومعرفة مختلف التفاصيل التي ترتبط بالشركات المُصنِّعة، والأسباب المثبَتة التي تدعو للمقاطعة، كما أنه يوضّح للمستخدم أبرز المنتجات المصرية المحلية البديلة، مما يساهم بشكل كبير في مساندة ودعم شركات الإنتاج المحلي، ويؤثر بشكل إيجابي في نمو الاقتصاد المصري، وتوفير فرص عمل للشباب، كما أن التطبيق يوفر معلومات عن المنتجات البديلة في العديد من الدول العربية.

ويمكن الاستفادة من مختلف خدمات التطبيق من خلال رابط موقع البديل.

وفي النهاية… فإن دعم المقاطعة الاقتصادية والسياسية للكيان الإسرائيلي يصبح مع مرور الوقت ورقة ضغط شديدة التأثير من أجل إنهاء الحرب الحالية على قطاع غزة، كما أن هذه المقاطعة تُعزز من عزلة إسرائيل الدولية وتُضعف اقتصادها، مما يجعلها مجبرة على إعادة النظر في سياساتها العدوانية، كما تُظهر المقاطعة مدى التأثير الذي يمكن تحقيقه في حال قيام شعوب العالم عامة والشعوب العربية خاصة بالتضامن والاتحاد؛ لرفع الظلم والعدوان ونصرة المستضعفين، فالمقاطعة هي أقل درجات المقاومة، وإنكار للمنكر بالترك، ومشاركة معنوية للمظلوم ورسالة تأنيب للظالم.

الهوامش

  1. مقاطعة داعمي “إسرائيل”.. كيف نُعظّم النتائج؟ ↩︎
  2. Nippon Aircraft Supply Corp. to sever ties with Israel’s Elbit Systems ↩︎
  3. التزاماً بقرار محكمة العدل الدولية.. شركة Itochu Aviation اليابانية تلغي عقدها مع Elbit Systems الإسرائيلية. ↩︎
  4. استُخدم مصطلح “أبارتهايد” في الأصل للإشارة إلى نظام سياسي في جنوب أفريقيا تمثل في فرض التفرقة العرقية والهيمنة والقمع بوضوح من جانب فئة عرقية على فئة أخرى. ومنذ ذلك الحين، اعتمد المجتمع الدولي هذا المصطلح لإدانة وتجريم مثل هذه الأنظمة والممارسات أينما تقع في العالم. انظر: نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. ↩︎
  5. University of Michigan Faculty Senate Assembly votes for divestment from any company invested in the Israeli war in Gaza. ↩︎
  6. Council of Bishops Calls for Immediate Withdrawal of Financial Support from Israel. ↩︎

رضوى التركي

كاتبة، آخذة بعنان قلمي في سبيل الله، تخصص تربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى