لماذا كل خيارات «تدمير حماس» غير ناجحة ؟!

“إذا كنتم تريدون السلام: دمروا حماس! وإذا كنتم تريدون الأمن: دمروا حماس! وإذا كنتم تريدون مستقبلا لإسرائيل والفلسطينيين والشرق الأوسط: دمروا حماس !” لكن لماذا لا يمكن تدمير حماس؟

هذا السؤال طرحه كل من: (ديفيد أليبيرتي) و (دانيال بايمان) ضمن مقال نُشر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن العاصمة، تحت عنوان:

«ماذا يعني تدمير حماس؟!»

 وضع المقال الخيارات المتاحة التي يمكن من خلالها تدمير حماس، ثم شرح أن كل هذه الخيارات غير ناجحة وغير فعالة، وغير قابلة للتحقيق.

وفيما يلي خلاصة المقال:

تدمير حماس كان الهدف الذي أعلنه نتنياهو، ووافق عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، كما أن الشعب الإسرائيلي يطالب بإنهاء تهديد حماس لمرة واحدة وإلى الأبد!! ولكن ماذا قد يعني هذا عمليا؟

لدى إسرائيل ثلاث خيارات واسعة عندما يتعلق الأمر بتدمير حماس:

  • الأول: محاولة قتل أو أسر قيادة حماس والقضاء على شبكات الدعم الأوسع التي تعتمد عليها.
  • الثاني: تحطيم قبضة حماس على السلطة من خلال تقوية منافسيها، والسماح لهم بإزاحة الحركة.
  • الثالث: محاولة مواجهة أيديولوجية حماس التي تعزز “المقاومة”.

وكل هذه الخيارات صعبة التحقيق، وتحمل تحديات كبيرة.

الخيار الأول.. القضاء على قيادة حماس

لأكثر من 60 يوما، شنت إسرائيل غارات جوية وعمليات برية تهدف إلى تدمير حماس، وحتى 5 ديسمبر، قدر مسؤولون إسرائيليون أن أكثر من 5000 من مقاتلي حماس من الجناح العسكري الإجمالي البالغ نحو 30 ألفا قد قتلوا، وعلى الرغم من أهمية هذه الأعداد الكبيرة المفقودة، إلا أن حماس بعيدة كل البعد عن الهزيمة، ناهيك عن تدميرها.

وقد سأل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عما إذا كان أي شخص يعتقد أنه من الممكن تدمير حماس بالكامل، وأنه لو حافظت إسرائيل على هذا الهدف، فإن حربها لتحقيق ذلك ستستغرق 10 سنوات!

قد تكون توقعات ماكرون متفائلة، بالنظر إلى النتائج المبكرة والسوابق التاريخية لمحاولة تدمير حركات التمرد الراسخة، وبدأت الولايات المتحدة عمليات عسكرية لإزاحة طالبان من السلطة وتدمير تنظيم القاعدة في أفغانستان عام 2001م، وقتلت القوات الأمريكية آلاف المتشددين وعشرات الزعماء بينهم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

لكن الحرب ضد طالبان والقاعدة استمرت عشر سنوات أخرى، وعندما غادرت القوات الأمريكية أفغانستان، كانت طالبان منتصرة والقاعدة لا تزال قائمة، رغم أنها أضعف بكثير، فمن الصعب استهداف القادة على وجه الخصوص.

ومن المحتمل أن تكون شخصيات رئيسية مثل محمد ضيف ويحيى السنوار مختبئة في أنفاق محصنة، أو تختلط بين المدنيين، ولا تشتبك مع القوات الإسرائيلية مباشرة، وقد تقتل إسرائيل العديد من المقاومين، لكن قتل جزء كبير من القيادة يمثل تحديا أكثر صعوبة، وسبق أن فقدت حماس مرارا وتكرارا كبار قادتها بمن فيهم مؤسسها، ومع ذلك صمدت المنظمة وتمكنت بسرعة من الوصول إلى السلطة في غزة بمجرد مغادرة القوات الإسرائيلية.

 بالإضافة إلى ذلك، كما أظهرت طالبان، فإن عدد مقاتلي حماس ليس ثابتا، ويمكنهم الاعتماد على الفلسطينيين في غزة لملء صفوفهم فلم تفتقر حماس إلى المجندين منذ سنوات عديدة، ومن المرجح أن يضمن الدمار الذي خلفته الحملة الإسرائيلية وجود الكثير من الشباب الفلسطينيين الغاضبين المستعدين للقتال.

الخيار الثاني.. تحطيم قبضة حماس على السلطة بتقوية الجماعات البديلة لها

حتى في الوقت الذي أدان فيه هجمات حماس، دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن بفكرة إقامة دولة فلسطينية مع قيادة فلسطينية بديلة في السلطة، واقترح آخرون أن تتدخل دول عربية لأجل ذلك، كذلك من الناحية النظرية، يمكن للأمم المتحدة أو غيرها من مكونات المجتمع الدولي أن تلعب دورا في حكم غزة بدلا من حماس. في هذا السيناريو، لا تكمن الفكرة في تدمير حماس بشكل مباشر، بل استبدال سلطتها السياسية في غزة، مما يقلل بشكل كبير من قوتها الإجمالية.

إن استبدال حماس أمر صعب، فجذورها العميقة في غزة تسمح لها بحشد الدعم في جميع أنحاء القطاع، وسيتعين على أي منافس أن يكسب الدعم بين الفلسطينيين في غزة، وأن يكون لديه القوة لقمع حماس، في الوقت سوف تتحدى فيه السلطة البديلة.

كل من هذه البدائل له حدود، فالسلطة الفلسطينية ضعيفة وفاسدة، فهي تمسك بالسلطة في الضفة الغربية لكنها لا تتمتع بمصداقية تذكر هناك، وجزء من سبب فقدانها لمصداقيتها هو أن العديد من الفلسطينيين ينظرون إليها على أنها خادمة الاحتلال الإسرائيلي.

وإذا استولت السلطة الفلسطينية على الحكم في غزة على ظهر دبابة إسرائيلية، فإنها ستفقد المزيد من المصداقية، وفي تجربة سابقة لم تستطع السلطة الفلسطينية وحدها مواجهة حماس في غزة، وبالتالي، ستحتاج السلطة الفلسطينية إلى دعم إسرائيلي مستمر.

ومن جانبها، ليس لدى الدول العربية مصلحة تذكر في التدخل في غزة، وبالمثل، ستكون القوات الدولية على غير هدى في غزة، حيث سيكون لديهم القليل من الإلمام بالناس وسيعتبرون محتلين، وقلة من الدول على استعداد لوضع قواتها فيما يمكن أن يكون تمردا منخفض المستوى.

الخيار الثالث .. مواجهة أيديولوجية حماس

مفهوم آخر للهزيمة ينطوي على محاربة أيديولوجية حماس، فلدى حماس مزيج خاص من الإسلام السياسي والقومية الفلسطينية التي تدافع عنها، وتسعى حماس إلى تجسيد “المقاومة” كفكرة توجب تحدي إسرائيل عسكريا لأجل حصول الفلسطينيين على حقوقهم.

لقد هزمت إسرائيل في الماضي “جماعات إرهابية” مثل الصاعقة أو جبهة التحرير الفلسطينية، لكن هذا لم يغير الدعم الأوسع لمجموعات كثيرة من “الجماعات الإرهابية”!

أما في الوقت الراهن، فلا تتمتع أي أيديولوجية مضادة بجاذبية واسعة بين الفلسطينيين، أما القومية الفلسطينية الأكثر تقليدية، كما تجسدها حركة فتح، التي تشكل جوهر قيادة السلطة الفلسطينية، فهي في تراجع منذ سنوات، والأسوأ من ذلك بالنسبة لإسرائيل، أن أيديولوجية “المقاومة” أكثر شعبية، وتظهر استطلاعات الرأي التي أجراها خليل الشقاقي بعد 7 أكتوبر أن حماس تحظى بشعبية أكبر بكثير بين الفلسطينيين.

لقد وجهت حماس ضربة لإسرائيل، ودفعة معنوية لكثير من الفلسطينيين الذين يشعرون بالإهانة من الاحتلال الإسرائيلي، كما أن الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين والدمار الذي خلفه الاحتلال العسكري الإسرائيلي قد زاد من مرارة الفلسطينيين، لقد كانت تكلفة القتال في غزة مرتفعة للغاية بالفعل.

أخيرا .. ينبغي أن تشكل هذه “القيود المفروضة على النصر” استراتيجية إسرائيل للمضي قدما، ويتعين على إسرائيل أن تدرك أن أي شكل من أشكال النجاح من المرجح أن يكون محدودا، وأنها ستتعامل مع حماس ومشكلة غزة الأوسع نطاقا .. لسنوات قادمة.

حسن قطامش

خبير إعلامي.. كاتب مستقل الفكر.. منحاز للحق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى