هل أنت مؤهل للزواج وتكوين أسرة؟

لماذا نتزوج؟  

جعل الله الأسرة نواة المجتمع والمحضن الأول والأهم لأفراده، فإذا أصيبت النواة خرجت النبتة مريضة متهالكة يذوق المجتمع كله مرارتها ويصطلي بنارها، وإن كانت صالحة خرجت النبتة مثمرة ناضجة نافعة للمجتمع كلّه.

شاء الله عز وجل أن يخلق من البشر آدم وحواء ذكرًا وأنثى ويجعل لهما من بعضهما سكنًا ومستقرًّا، وأنزلهم للأرض إيذانًا منه ببدء الخليقة على هذه الأرض، وجعل الزواج هو الرابط بين الذّكر والأنثى والوسيلة التي تستمر بها حياة الإنسان، لذا فإنّ الزواج هو وسيلة تتحقق بها مقاصد عديدة وغايات حميدة أجلُّها عبودية الله عز وجل وإقامة دينه على هذه الأرض طالما قام وفق الأسس والضوابط التي شرعها الله لكل أمة من الأمم آخرها وأفضلها أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم.

فالزواج إعفاف للنّفس وإشباع للغريزة التي وضعها الله فينا وإرواء للاحتياج العاطفي وحصول الاستقرار وسكَن النفس والإنجاب وإعمار الأرض، وهو اللّبنة الأولى لبناء المجتمع، حلم جميل يساور كل شاب وفتاة على الفطرة بتكوين أسرة ولم شمله وإيجاد سكنه ومستقرِّ نفسه.

الزواج بين الوجوب والحُرمة

يقوم عرف الزواج اليوم في المجتمع على اعتباره أمرًا حتميًا لا بُد منه لكل شاب وفتاة، مثله مثل مراحل الدراسة المختلفة، فما إن يتخرج الشاب من الجامعة حتى يبدأ الناس في سؤاله متى ستتزوج؟ وسؤال الفتاة كذلك «هل من عريس؟» فأصبح الأمر مُرسّخًا بحتمية، ومن يخرج عن تلك الحتمية أو يتأخر قليلًا يُصبح في عين المجتمع شاذًا وغريبًا.

كان أجدادنا وآباؤنا يتزوجون في أعمارٍ صغيرة، إذ كان الواحد منهم ناضجًا وقادرًا على إعالة أسرته وحمل مسؤوليتها في سنّ مبكرة وكذلك بالنسبة للنساء، ولكن اختلف الأمر اليوم مع سكن المدن وتبدّل الأحوال وتغيّر ظروف التربية والنضج للفرد المسلم صعدت سنّ الزواج لرقم أكبر بين الشباب والفتيان، ولكن رغمًا عن هذا بات الزواج يحمل معه الكثير من المُشكلات التي أثقلت كاهِل المجتمعات بدل أن يكون سكنًا وملجًأ من قسوة الحياة، فنسب الطلاق بلغت 14.7٪ خلال عام 2021 في دولة كمصر، وفي السعودية وصلت معدلات الطلاق إلى 168 حالة يوميًا خلال عام 2022، أي 7 حالات طلاق في كل ساعة.

ناهيك عن كمِّ العائلات المفكّكة والذين يعيشون مع بعضهم ولكنّهم في حكم المطلقين، وبات الزواج مصدرًا للمشاكل والعُقد النفسية وتصدير الأجيال المهزومة والمنكسرة. 

وقبل أن نتحدّث عن أهلية الفرد المسلم لتكوين أسرة نعود لشرعنا الحنيف لنُذكّر أن الزواج في الحقيقة يتراوح فقهيًا بين الأحكام الأربعة (الوجوب والحُرمة والإباحة والكراهة) وكل هذا بناءً على أهلية الشّخص وقدرته على الزواج وما إلى ذلك، لكنّ المجتمع اليوم يغض الطرف عن كل هذا، فتجد الأُم تسعى في تزويج ابنها الذي يتعاطى المخدرات مثلًا، وأخرى تكذب في مواصفات ابنتها لأجل أن تضمن لها عريسًا لقطة، كل هذا لأجل الزواج فقط دون التفكير في أساسيات الأمور التي تدفع الإنسان لاختيار شريك حياة والأساسيات التي يستطيع بها المحافظة على هذا الزواج حتى بلوغ الجنّة. 

ويذكُر الأستاذ أحمد الباز في كتابه (للروح روح) أن الزواج يرتكز على عدة ركائز تدفعُ الإنسان للقيام بتلك الخطوة أوّلها التشوّق إليه، فهو احتياج إنساني تسعى له النفس ولا تفتر عن طلبه والشعور بالاضطراب دونه، وثانيها القدرة عليه وهي ليست كلمة سطحية بسيطة بل تشمل القدرة المادية والبدنية والنفسية للزواج ثم تأتي الركيزة الثالثة وهي خشية الوقوع في الزنا.

فمن اجتمعت فيه الركائز الثلاث فالزواج في حقه واجب، ومن توفرت فيه الركيزة الأولى والثانية فالزواج في حقه بين الاستحباب والإباحة -على خلاف بين الفقهاء- ومن توفرت فيه الركيزة الأولى والثالثة دون الثانية لكن نقصه فيهما لا يصل لدرجة الإضرار بالطرف الآخر فزواجه مكروه، ومن توفر لديه الأول والثالث وكان عجزه في الثاني يبلغ درجة الإضرار بالطرف الآخر فزواجه محرَّم.

فنخلص من هذا على اختلاف التفريعات الفقهية وصورها المختلفة، إلى أنه ليس كل أحد مؤهلاً للزواج، فلا كل رجل يصلح لأن يكون زوجًا ولا كل امرأة تصلح لأن تكون زوجة، ولو أحجم عن الزواج غير المؤهلين له لاختفت كثير من مشاكلنا الاجتماعية، بسبب تحول الزواج إلى خطوة جبرية يُكره عليها رجالٌ لا يجوز أن يُستأمنوا على بنات الناس وأعراضهم وتنشئة أطفال أسوياء، ونساء لا يجوز أن يحملن مسؤولية رجل وبيت ونشء.

هل أنت مؤهل للزواج؟ 

هل أنت مؤهل للزواج

إذا أراد الإنسان القيام بخطوة أكاديمية أو مهنية في حياته تجده يتحضّر لها ويتجهّز ويقرأ ويعمل على اكتساب المهارات التي تؤهله للقيام بتلك الخطوة، فلماذا يهتمُّ النّاس بكل تفاصيل حياتهم الأخرى ويهملون حوجتهم للتحضّر للزواج وحمل مسؤولياته، يحتاج الزواج إلى العديد من المهارات والمواصفات التي ينبغي أن تتوافر في الفرد وأن يعمل على اكتسابها إن لم تتوفر عنده قبل أن يتزوج.

ونُذكّر هنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام بتكليف الصحابة على الولايات، فكان للصحابي أبي ذر رضي الله عنه رغبة فيها، فجاء للرسول صلى الله عليه وسلم يسأله الولاية قائلًا: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فقال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: ((يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها)). 

فلم يجامله صلّى الله عليه وسلم في حمل المسؤولية والأمانة بل بيّن له عدم أهليته لهذا المنصب وفقًا لطبيعته وصفاته التي علمها صلّى الله عليه وسلّم.

وهذا الحديث يمكن إسقاطه على كل مسؤولية وأمانة يتكلفها الإنسان، والزواج هو أحدها بل ربما أهمها، لأن الزواج الصالح السليم يُخرج الأجيال الصالحة، والزواج الطالح يخرج الأجيال الطالحة.

تحديد الأهلية للزواج من عدمها تنبني على العديد من الأمور التي لا يصح إهمال احدها، فلا يجب قبول زوج لا يؤدي الصلاة مثلًا لأنه غني، ولا ينبغي التنازل عن أهلية المرأة وحملها المسؤولية لأنها جميلة فقط. 

أوّل ما يجب أن يتوافر في الإنسان لحمل المسؤولية هو الصبر، فمن لا صبر له لن ينال من الزواج إلا طول النكد ودوام الأحزان وكثرة التسخط وتواصل التبرم وانقطاع الجهد وقلة البذل وجفاف العاطفة وتبدل الود.

ثم تحمل المسؤولية، فهناك مسؤوليات عدة يقوم عليها الزواج:

  1. دينية: وهي أهم المسؤوليات فالرجل مستأمن على دين امرأته وكلامها مسؤول عن غرس الدين في الأبناء.
  2. مادية: وهي مسؤولية الرجال بالمعروف وبلا إسراف وتقتير والمرأة مؤتمنة على مال زوجها ولا يجوز لها أن تكلفه فوق طاقته بل هي راعية مستأمنة على ماله.
  3. مسؤولية الطاعة: فالرجل مكلف بالقوامة والمرأة بالطاعة بالمعروف.
  4. مسؤولية جسدية وعاطفية: فالإعفاف مسؤولية مشتركة، ينبغي أن يحقق كل طرف فيها الارتواء الجسدي والعاطفي للطرف الآخر.

وآخر ما يحمل سفينة الزواج لبر الأمان بإذن الله هو التضحية، فالزواج نعمة ورحمة تتطلب بذلًا للمال والوقت والمشاعر والتفكير والجسد وغير ذلك، ولأنّ الدنيا ليست مكانًا للمُتعة الخالصة فلا بُد من تقديم التضحيات للحصول على زواج سليم وناجح، وأجمل الغايات لا تُنال إلا بالتضحية بأغلى المحبوبات.

كيف تختار الشريك المناسب؟

بعد تأهيل أنفسنا للزواج ينبغي علينا تحديد أهدافنا من الزواج، أسمى أهداف الزواج للفرد المسلم هي التعاون على تحقيق العبودية لله ثم إشباع الغرائز الجنسية وإرواء الاحتياج العاطفي والشعور بالحب وحصول الاستقرار النفسي والصفاء الذهني و الإنجاب والتناسل وإعمار الأرض وتكوين أسرة وتربية الأبناء.

وينبغي للإنسان أن يضع معايير في بحثه واختياره، أهمها: 

  1. الدين والخلق: توأمان لا ينفصلان؛ الدين منظومة متكاملة عقيدة تصلح القلب وشريعة تحكم الجوارح وتزكية تهذب السلوك.
  2. التكافؤ: توفر مساحات مشتركة ومتقاربة في الجوانب المختلفة بين الطرفين مثل العمر والدين والفكر والمجتمع والتعليم وغيرها مما يقلل الفجوة بينهما.
  3. الشكل الظاهري: فالجمال أمر نسبي يختلف من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى وتختلف معايير جمال الرجال عن معايير الجمال عند النساء فالعبرة بالقبول والارتياح.
  4. النضج العقلي: يُطلب توافره في طرفي العلاقة وإن كان التعويل على الرجل بنسبة أكبر من المرأة إذ تغلب عليها العاطفة.
  5. المحضن: هذا المعيار معيار حسّاس فالناس لا تختار أسرها ولا ظروفها فلا ينبغي الاستغراق وإلغاء وتهميش دور وتأثير المحضِن والمنبت تمامًا ولا الإمعان في تعميم دوره وتأثيره على الفرد، فكم من نماذج تربت في ظروف صعبة كانت أفضل من نماذج تربت في بيئة سويّة.
  6. استشعار المسؤولية: ينبغي على الفرد أن يتيقن من قدرة الطرف الآخر على حمل مسؤولية الزواج على اختلاف مظاهرها.

أخيرًا معايير خاصة: وهذه يضعها كل فرد بناء على رغباته ووضعه وظروفه وطبيعة حياته، ففي المسائل الحياتية التي لم يرِد فيها نص شرعي أو لا تخالف أصلًا شرعيًا كل فرد أعلم بما يُحبّه ويناسبه ويصلح له.

المصادر

مقال حالة انفصال كل دقيقتين.. نساء مصر بين تراجع الزواج وزيادة الطلاق، موقع الجزيرة.

د. إيلاف بدر الدين عثمان

إيلاف بدر الدين عثمان، خريجة صيدلة، باحثة في الدراسات الإسلامية والتاريخ وعلم الاجتماع.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى