حقوق المرأة على والديها

سنبيّنُ هنا مكانةَ المرأةِ في الإسلام بنتًا وأختًا وزوجةً وأمًا، ونذكر الحقوقُ التي خصَّها الله –عزّ وجل- بها دون الرِّجال. لقدْ أعطى النِّظامُ الإسلاميُّ للمرأةِ مكانةً واحترامًا، وجعلها موضعَ رعايةٍ واهتمامٍ[1].

حقوقُها على والديها

للبنت حقوقٌ على الوالدين، مثلَ ما للولد من الرِّعايةِ والعنايةِ والتَّربيةِ؛ لأنَّ الإسلامَ –كما هو معروفٌ- قدْ ألغى الفروقَ بينَ البنين والبناتِ في هذا المجال، لأنّ تلك الحقوقَ عامَّةً لا تتأثّرُ بالفروقِ الطبيعيَّة بينَ البنتِ والولدِ.

أوَّلُ الحقوقِ: الحبُّ والرَّحمةُ

حقوق المرأة

وروى التّرمذيُ بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أبصرَ الأقرعُ بنُ حابسٍ النّبي ﷺ، وهو يقبل الحسن –رضي الله عنه-. فقال: إن لي من الولد عشرة ما قبلت أحدًا منهم، فقال رسول الله :

إنّه مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ[2].

وروى الإمام أحمد بسنده قال رسول الله : “إنْ أراد الله بأهلِ بيتٍ خيرًا أدخلَ عليهمُ الرِّفقَ، وإنَّ الرِّفقَ لو كانَ خُلُقاً لما رأى النَّاسُ خُلُقاً أحسَن منه، وإنّ العنفَ لو كان خُلُقًا لما رأى الناس خُلُقًا أقبح منه”[3].

ثاني الحقوق: عدمُ تفضيلِ الولدُ على البنت

وذلك أنّ تفضيلَ الولدِ على البنت ظلمٌ في قسمةِ الحبِّ على الأبناءِ جميعًا. وهو في الوقت نفسه اعتراضٌ ضمنيٌّ على إنجابِ البناتِ وهو فعلُ أهل الجاهليَّة، ثمَّ هو عملٌ غير منطقيٍّ؛ إذ ما ذنبُ البنتِ أن كانَتْ بنتًا وماذا فعلَ الولد أنْ جاءَ ولدًا؟!

روى الحاكمُ في المستدركِ بسندِه عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: قالَ رسولُ الله : “منْ ولدَتْ له أنثى فلمْ يئدِها ولم يهنها ولم يُؤْثِر عليها ولده -يعني الذَّكر- عليها أدخلهُ الله بها الجنَّة”[4].

ثالثُ الحقوق: التَّعليم والتَّربية

وأوَّلُ التَّعليمِ وأهمُّه ما كان ضروريًّا لمعرفةِ أركان الدِّين وأصولِهِ وخلقِه وآدابه. قال سفيان الثّوريُّ عن منصورٍ عن رجلٍ عن عليٍّ -رضي الله عنه-، في قوله تعالى: ﴿قوا أنفسكم وأهليكم ناراً﴾؛ يقول أدّبوهم وعلّموهم. وقال عليُّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاس: ﴿قوا أنفسكم وأهليكم﴾ يقول اعملوا بطاعةِ الله واتقوا معاصيَ الله وأمروا أهليكُم بالذكّر ينجيكم الله من النَّار[5].

رابع الحقوق: التطبيع على محاسن الأخلاق

وذلك حقٌّ أساسيٌّ للأبناء على الآباء، فإنّ الأخلاقَ ومعظم الصِّفاتِ السُّلوكيَّة إنَّما يتعلَّمُها الأبناء ويطبعون عليها في بيوتهم وعلى أيدي أبويهم، ومن فاتَه ذلك من أبويه فقلّما يحصّلُه من غيرهما. روى التّرمذيُّ بسندِه عن أيُّوب بن موسى عنْ أبيه عنْ جدّه قال: قال رسول الله : “ما نحلَ والدٌ ولداً منْ نَحْلٍ أفضلَ من أدبٍ حسنٍ”[6].

خامس الحقوق: النَّفقةُ من غير تقتيرٍ ولا إسرافٍ

حقوق المرأة

وما لمْ يلتزم الأبُ بالنَّفقةِ على أبنائِه ضاعوا، ولقى الأب ربَّه آثمًا، وليسَ الأبُ مطالبًا بأن ينفق إلَّا من سعته، إذْ لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعَها، لكنَّه لا يستطيعُ أن يتخلّى عن النّفقة بحالٍ.

روى الإمامُ مسلمُ بسندِه عن رسولِ الله أنّه قال: “دينارٌ أنفقْتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفقته في رقبةٍ، ودينارٍ تصدّقت به على مسكين، ودينارٍ أنفقته على أهلك… أعظمُها أجرًا الذي أنفقته على أهلك”[7].

وروى الإمام أبو داود بسنده عن النّبي أنه قال: “كَفَى بالمَرْءِ إثمًا أنْ يُضَيّعَ مَنْ يقوت”[8].

هذه حقوق الأولاد على الآباء في صورةٍ مجملةٍ، وهي حقوقٌ لهم وفي الوقتِ نفسِه هي واجباتٌ على الآباء أوجبها عليهم الإسلام، وجعل على فعلِها الثوابُ وعلى تركها العقابُ.

أمَّا ما تميّزتْ به البنت في الاهتمام بتربيتها، وضرورةِ العنايةِ بها؛ فإنَّ الإسلامَ جعل للوالدِ الذي يرعى ثلاث بناتٍ أو أخواتٍ أو اثنتين ويؤدّبهُنَّ ويحسن إليهن، جعل له في مقابل ذلك أعظم جزاء يطمع فيه مسلم وهو الجنة.

فقد روى الترمذي بسنده قال: قال رسول الله : “من كان له ثلاث بناتٍ أو ثلاث أخواتٍ أو ابنتان أو أختانِ فأحسنَ صحبَتهنَّ واتَّقى الله فيهنَّ فله الجنَّة”[9]، وفي رواية: “وزوَّجَهنَّ”.

وروى الترمذي بسنده قال: قال رسول الله :[10]

من عالَ جاريتين دخلتُ أنا وهو الجنَّةَ كهاتين (وأشار بأصبعيه).

وفي تعليم البناتِ أوِ النِّساء عمومًا نجد الإسلامَ قد حرصَ على ذلك كلَّ الحرص، بل جعلَ ذلك واجبًا، فقد التزم رسول الله بأنْ يجلسَ للنِّساءِ يعلِّمُهنَّ ممّا علّمه الله. روى البخاريُّ بسندِه أنَّ النّبيّ كان يخصُّ النّساءَ بأيَّامٍ يعلِّمُهنَّ فيها ممّا علّمه الله، وذلك لما جاءَتْه امرأةٌ فقالت: يا رسول الله، ذهب الرِّجالُ بحديثِكَ، فاجعلْ لنا من نفسِكَ يومًا نأتي إليك فيه تعلِّمُنا ممّا علّمك الله، فقال : “اجتمعْنَ يوم كذا وكذا”[11]. فاجتمعن، فجاء رسول الله فعلّمَهنّ ممّا علّمه الله.

وليس تعلّمُ البنتِ مقصورًا على تعلّمِ أمورِ الدِّينِ وحدَها، ولكنَّه يتجاوز ذلك إلى تعلّم كلِّ ما يعودُ عليها بالنَّفعِ في دينِها ودنياها، وما يلائمُ وظائفَها في الحياةِ وفطرتّها التي فطرها الله عليها.

ومن البديهيّ أنَّ تعليمَها القراءةَ والكتابةَ مطلبٌ أساسيٌّ للدّينِ والدُّنيا معًا، وبديهيٌّ كذلك أن تعليمها وتثقيفها وحصولها على أرقى المؤهِّلات العلميَّة المتاحة الملائمة لها حقٌّ أساسيٌّ كذلك، لا ينكره عليها أحدٌ، طالما كان ذلك في وسع والدها أوْ وليدِها.

غيرَ أنّ الإسلام يشترط في ذلك التَّعلّمِ شرطين أساسيّين:

أولهما: ألا تختلط في تعلّمها بالرِّجالِ، لأنّ ذلك غيرُ جائزٍ، لما تتعرّضُ له من مخالفاتٍ شرعيَّةٍ، ولما يحتملُ أن تقعَ فيه من الحرجِ أوِ الإثمِ. وسدُّ بابِ الحرجِ مطلبٌ شرعيٌّ.

وثانيهما: ألَّا تتعلّم علمًا لا يلائمُ طبيعتَها وفطرتَها التي فطرَها الله عليها، أو يحولَ بينَها وبين وظيفتها الأساسيّة في الحياة وهي الزوجيَّةُ والأمومة، والدَّعوة إلى الله على بصيرةٍ[12].

المصادر

  1. محمود، علي عبد الحليم، المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الثالثة، 1413هـ/ 1992م. صـ81- 86 بتصرف.
  2. أخرجه مسلم، كتاب: الفضائل، باب: رحمته ﷺ، الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، حديث رقم (2318).
  3. رواه أحمد في مسنده، حديث (24481)، مسند السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-(24788).
  4. رواه الحاكم في المستدرك، كتاب: البر والصلة، حديث رقم 7348/109.
  5. ابن كثير، أبي الفداء، تفسير القرآن العظيم، الجزء الرابع، صـ417.
  6. رواه الترمذي، كتاب: البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب: ما جاء في أدب الولد، حديث رقم (1952).
  7. رواه مسلم، كتاب: الزكاة، باب: فضل النفقة على العيال والمملوك، وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم، حديث رقم (994).
  8. رواه أبو داود، في كتاب: الزكاة، باب: في صلة الرحم، حديث رقم (1692).
  9. رواه الترمذي، في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في النفقة على البنات والأخوات، حديث رقم 1912.
  10. رواه الترمذي، في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في النفقة على البنات والأخوات، حديث رقم 1916.
  11. رواه البخاري، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: تعليم النّبي ﷺ أمته من الرجال والنساء ممَّا عَلَّمهُ اللهُ ليس برأي ولا تمثيل، حديث رقم 7310.
  12. المرجع السابق، صـ94 ــ 96 بتصرف.

د. شيرين لبيب خورشيد

الكاتبة لأدب الأطفال والحاصلة على شهادة الدكتوراه من جامعة الإمام الأوزاعي في لبنان في فن… المزيد »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى