الرِّبا، المرأة، ونظام التعليم الغربي

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Riba, Women, and the Western Education System لكاتبته: Umm Khalid في موقع: muslimskeptic.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

أعرف امرأتين شابّتين عليهما مبالغ باهظة من الديون الجامعية، دون أي وسيلةٍ لهما لسدادها. هناك الكثير والكثير من الناس الذين يُعانون من هذه المعضلة في الولايات المتحدة، وهذا هو سبب تسمِيَتها بـِ “أزمة الديون الجامعية”. لكن هاتين الشابّتين بالتحديد موجودتان ضمن حياتي الخاصة.

أنهت إحداهن دراستها الجامعية، ثم الْتحقت بكلية الطب، وحصلت أيضًا على ماجستير إدارة الأعمال من خلال “برنامج الماجستير المزدوج لإدارة الأعمال”. ثم واصلت القيام بإجراءات الإقامة، وهي الخطوة الأخيرة الشاقّة قبل أن تصبح طبيبة مُرَخّصة.

لكنها لم تُكمِلها أبدًا؛ لقد أنهت فقط عامين من برنامج الإقامة الذي يمتد لثلاث سنوات، قبل أن يتسبب الضغط الهائل والطويل في إصابتها باضطرابٍ نفسيٍّ دفعها إلى الخروج من البرنامج.

قال لها رئيس البرنامج:

إنك لا تواكبين البرنامج، إنك لا تقابلين العدد الكافي من المرضى، إننا مضطرّون للتخلي عنك.

قد طحنها النظام، مضغها، ثم بصقها.

لا يمكنها اليوم العمل كطبيبة، فلن يكون المرء مؤهلًا إذا لم يكمل البرنامج. هي امرأة في منتصف الثلاثينات من عمرها، لها ماجستير في إدارة الأعمال ولكنها لا تعمل. هناك عددٌ قليلٌ جدًا من الوظائف، وعددٌ كبير من المتقدمين يتنافسون بشدة للحصول عليها.

وحتى لو كان هناك عددٌ كافٍ من الوظائف، ولم تكن المنافسة شرسة، فهي الآن مريضة جدًّا لدرجة تمنعها من العمل. صحتها العقلية في حالةٍ يُرثى لها، إلى جانب صحتها الجسدية. لقد كانت بصحة جيّدة في السابق، وهي اليوم تنسب مرضها إلى الضغط الذي لا يصدق الذي تفرضه كلية الطب على الطلبة. إنه نظامٌ معطل مصمم لكسر الناس، وحرمانهم من النوم، وقد أثر هذا في النهاية على صحة عقلها وجسدها.

لقد سرقت كلية الطلب منها أكثر سنوات شبابها، أفضل الأوقات وأكثرها راحة في العمر؛ من أواخر سن المراهقة، إلى أوائل العشرينات، حتى أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من عمرها. وقت ذروة الطاقة والخصوبة قد ذهب، ولا يمكن استعادة تلك السنوات الثمينة.

لكن أتعس شيءٍ هو الدَّين، فعليها اليوم قروضٌ بقيمة 285 ألف دولار لتسديدها، إن هذا ثمن منزل، لكن ليس لديها منزل، ولا شهادة كذلك، إنها في ضائقة مالية شديدة، وقد غرقت في اكتئاب عميق، مع نوبات بكاء عصيبة.

إنّ الدين الذي عليها في تزايدٍ مستمر؛ بسبب الفائدة المتراكمة، فإن القروض الجامعية لا تستغني على الربا، وبالتالي، فإن الشابة تغرق أعمق وأعمق في حفرة ضخمة. عاطلة عن العمل، غارقة في دين يكبر بشكلٍ يومي، إنها داخل كابوس.

الشابة الأخرى تبلغ من العمر 30 عامًا، لها درجة البكالوريوس من جامعة الفنون الحرة في نيو إنجلاند. لقد كانت تكافح من أجل العثور على وظيفة في مجالها لسنوات، ووجدت أخيرًا وظيفة منخفضة الأجر كمساعدٍ إداري في الكلية التي التحقت بها. وعليها ديونٌ بقيمة 190 ألف دولار.

أجرينا قبل مدة قصيرة حديثًا كان مدهشًا بالنسبة لي، حيث قالت لي: “أعرف فتاة تعمل معي في نفس مكتب الجامعة، إنها تصغرني بعام واحد (29 عامًا)، وقد أنهت تسديد جميع ديونها الجامعية، واشترت لنفسها منزلًا”.

سألتها مندهشة: “ما الذي تخصصت فيه؟ ما نوع العمل الذي حصلت عليه؟”.

قالت: “حسنًا.. لقد سلكت طريقًا مختلفًا.”

قلت: “OnlyFans”؟

قالت: “قريبٌ من ذلك. لقد سجلت في أحد مواقع الـ Sugar Daddy.. (مصطلح إنجليزي يُقابله في العامية العربية مصطلح: أمُّورة بابا، والأب المقصود هنا هو زير النساء الكبير في السن والغنيُّ ماديًّا). في هذه المواقع تسجل النساء اللائي يحتجن إلى المال مع الرجال الذين لديهم المال ولكن لا يحصلون على الاهتمام من قبل النساء. فتقوم المرأة بالتسجيل، والتعارف مع أحد الرجال، ويحددان شروط علاقتهما: ما يمكنها القيام به، وما لا ترغب في القيام به، كم سيدفع، وما إلى ذلك. لذا، فقد أنشأت حسابًا هناك وبدأت في مقابلة هؤلاء الأغنياء. كانت بمثابة مُرافِقة، وكانت تُنقل دومًا لمرافقة هؤلاء الرجال في رحلاتٍ إلى باريس ولندن وميلانو… إلخ. لقد جنت ما يكفي من المال لتسديد جميع ديونها الجامعية وأكثر من ذلك، فلديها منزلها الخاص الآن”.

هذا هو نظام التعليم العالي الغربي.

وهذه هي الطريقة التي يعمل بها، وهكذا تم تصميمه. إنه يجبر الناس على التّردِّي في هوة سحيقةٍ من الديون للحصول على درجة البكالوريوس العادية، ويجبرهم على التردّي أكثر فأكثر إن راموا الحصول على درجات متقدمة أكثر.

قد تحصل على شهادتك وقد لا تحصل عليها، ولكن في كلتا الحالتين، ستظل عالقًا في حفرة القروض تلك، بلا مخرج. ثم بمجرد تخرّجك، تنضم لسباق الحصول على وظيفة، أي شيء يدفع ما يكفي لتبدأ في مشوار تغطية المبالغ المهولة التي تدين بها. إذا كنت محظوظًا، فقد تحصل على وظيفة براتبٍ يمكن أن تُباشر به ببطء عملية خروجك من الحفرة التي وضعك النظام التعليميّ فيها.

لكن، أوه لا! عليك أن تسابق الزمن، وهذا بسبب الرِّبا؛ الفائدة! أنت مجبرٌ على تسديد أكبر قدرٍ ممكن بأسرع ما يمكن! لأن الفائدة تضيف المزيد من الأموال إلى ديونك كل يوم. سوف ينتهي بك الأمر مجبرًا على تسديد ثلاثة أو أربعة أضعاف المبلغ الذي تلقيته بالفعل من المقرِضين. في تحريمِ الرِّبا حكمة؛ لأن ممارسات الإقراض هذه المستندة على نظام الفائدة، تضمن عدم خروج المستدين من الديون، إنها تخلق شكلًا من أشكال العبودية التي يصعب جدًا الانعتاق منها.

أسوأ سيناريو هو ما افتتحت به هذا المقال: وهو الحصول على قروضٍ ضخمة بغرض تحصيل درجة متقدمة، لكنك لا تتمكن من إنهائها بسبب الضغط الذي تسببه عملية الحصول على الشهادة، فينتهي بك الأمر إلى البطالة تمامًا، وفوق ظهرك جبلٌ من الديون يكبر يومًا بعد يوم. أنت محاصرٌ في رمالٍ متحركة، وكل يوم تغوص أكثر فأكثر حتى تغمرك المياه بالكامل وتختنق.

إن نموذج التعليم الجامعي هذا لا يرحم لدرجة أنه حرفيًّا دفع النساء إلى ممارسة الدعارة. هذه هي “الحلول الإبداعية” التي تلجأ إليها بعض النساء في مواجهة هذا الواقع الكئيب.

تلجأ الطالبات الجامعيات إلى أن يصبحن “راقصات عاريات” في نوادي الرجال، و “مرافقاتٍ” (عاهرات) للرجال الأثرياء الأكبر سنًّا، إذا كان ذلك يعني سداد قروضهم الجامعية. هذا هو سبب ازدهار مواقع الدعارة عبر الإنترنت، مثل موقع OnlyFans.

هذا هو الوجه الحقيقي لنظام التعليم الغربي وعواقبه المأساوية. ليست الواجهة البرّاقة المتمثلة في “تحتاج إلى توسيع آفاقك، وتعلّم التفكير النقدي!”، لا!

ماذا يحدث بعد هذا؟

في أحسن الأحوال، تقفزين إلى عجلة الهامستر، آملةً مسابقة الزمن، لتسديد قروضك الضخمة، على حساب تأخير الزواج والأسرة والأطفال. تأخير سعادتك كامرأة. وفي أسوأ الأحوال، تفقدين إيمانك ذاته، وكرامتك، وشرفك كامرأة.

بالنسبة للرجال، فإن رعاية الزوجة والأولاد واجب، ولكن حتى الرجال يجب أن يحرصوا على الابتعاد عن الربا. ولكن بالنسبة للنساء اللائي ليس عليهن التزامات بالرعاية والنفقة، لماذا قد يُخاطِرن بولوج مثل هذه المهالك؟

بصفتنا مجتمعًا مسلمًا، علينا أن نكون على دراية بهذا الجانب السفلي والبغيض من التعليم الغربي، وأن نتوقف قليلًا للتفكير قبل أن ندفع بجميع بناتنا بشكل أعمى إلى الكليات والجامعات باسم “دعم تعليم المرأة” و”حقوق المرأة”! علينا أن ننضج كمجتمع، وأن ننقل النقاش إلى ما بعد العبارة المبتذلة “لكن أول كلمة في القرآن كانت اقرأ!”.

قبل أن تنفجر الاتهامات بأنني أُرِغّب في أمية المرأة وفي التمكين للعنف المنزلي، أدعوكم للتوقف قليلًا والتفكير:

هل نحن نقدم للمسلمات الشابات أي خدمة من خلال دفعهم بشكلٍ أعمى إلى الكليات والجامعات؟ هل قمنا بفحصٍ دقيقٍ لنظام القروض الجامعية الربوي، وتأثيره الجائر على مسار حياة المرأة المسلمة في هذه الدنيا وفي الآخرة؟ ألا يجدرُ بنا تصوّر أو التطلع إلى نظامٍ تعليميٍّ أفضل لنا كمسلمين؟

كودري محمد رفيق

من الجزائر، أكتب في الدين والفكر والتاريخ، أرجو أن أكون مِن الذين تُسدُّ بهم الثغور.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى