من هو يحيى السنوار.. مهندس الطوفان وكابوس الصهاينة
«سيرى العدو منا ما يسوؤه، سنجعل نتنياهو يلعن اليوم الذي ولدته فيه أمه، وسنجعله يتمنى أن لو تغرق غزة في البحر»
بهذه الكلامات أنذر يحيى السنوار -أبو إبراهيم- العدو الصهيوني من قادم الأيام والتي رأيناها بأم أعيننا في السابع من أكتوبر المجيد لعام 2023م، فمن هو يحيى السنوار القائد القسامي الذي هزّ عرش إسرائيل وزلزل الأرض من تحتها في طوفان الأقصى؟
نشأته ولمحات من تاريخه النضالي
يحيى إبراهيم السنوار -أبو إبراهيم- ابن مخيم خان يونس ولد في 1962م، هُجرّت عائلته من عسقلان في عام النكبة، تربى على يدي الشيخ المؤسس أحمد ياسين، ويعتبر أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس وله الفضل الكبير في بناء الجانب الأمني للحركة وتحصينها من الاختراق، حيث امتلك العقلية الأمنية الفذة، وصاحب فكرة «طوفان الأقصى».
شغل بعض المهام في مجلس الطلاب بالجامعة الإسلامية حين كان يدرس اللغة العربية فيها، وتدرج حتى وصل إلى أن يكون نائب رئيس المجلس ومن ثم أصبح رئيس مجلس طلاب الجامعة، وتميُّز السنوار القيادي هو ما رشحه لتولي أدوار قيادية في حركة حماس عقب إعلان تأسيسها عام 1987م.
أسند إليه الشيخ أحمد ياسين مهمة تشكيل جهاز الأمن والدعوة «مجد» عام 1986م بعد اقتراح من السنوار نفسه، حيث وعى أبو إبراهيم باكرًا أهمية العمل الأمني وأخذ الحيطة والحذر للمجاهدين؛ فالعدو يستعرض عضلاته بأجهزة استخباراته وعملائه، فكانت مهمة «جهاز مجد» ملاحقة عملاء إسرائيل في غزة، إلى جانب تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية.
فقد أراد السنوار تنقية الحاضنة الشعبية للمقاومة من الاختراقات؛ فقد تميز العدو الصهيوني بإسقاط الشباب في مستنقع العمالة؛ مستغلًا حاجة الشباب لأساسيات الحياة أحيانًا وللعلاج خارج قطاع غزة أحيانًا أخرى وتتعدد الأسباب.
انتُخب عضوًا في المكتب السياسي لحماس في 2012م بعد خروجه من غياهب السجون ثم اختير لقيادة الحركة في قطاع غزة عام 2017م.
وفي السابع من أكتوبر لعام 2023م أعلن محمد الضيف بداية معركة طوفان الأقصى والتي زلزلت عرش إسرائيل وغيرت معادلة الصراع في المنطقة، وأوقفت قطار التطبيع العربي مع إسرائيل، حيث يعتبر السنوار العقل المدبر لمشروع الطوفان.
وفي آخر مسيرته المكتظة بالأحداث عينته حماس رئيسًا للمكتب السياسي خلفًا لإسماعيل هنية بعد اغتيال الأخير في طهران في أغسطس 2024م.
الاعتقال والسجون
كحال المضطهدين في هذا العالم اُعتقل 3 مرات وحُكم عليه في الأخيرة بالسجن 420 عامًا سنة 1988م؛ لخطفه وقتله جنديين للعدو إضافة لقتله عملاء للعدو وذلك بعد إنشائه لـ «جهاز مجد» -بحسب مزاعم العدو-، قضى منها 23 سنة في السجون الإسرائيلية؛ وخلال السجن كان مسؤولاً عن سجناء حماس، وخاض مواجهات في السجن مع الأجهزة الأمنية الصهيونية، وحاول الهروب مرتين ولكنهما لم تفلحا.
استثمر السنوار سجنه بتعلم لغة العدو العبرية والتعمق في دراسة السياسة الإسرائيلية، وكان ذا صوت مسموع أثناء فترة سجنه، فقد قاد مفاوضات بين إسرئيل وقيادات حماس في الخارج.
وكذلك جوهر الإعداد، وهو استثمار الأوقات لتجهيز العدة لحين انطلاق المعركة، فلم يقض السنوار سنوات سجنه حزينًا أو متأففًا من جدران زنزانته، بل استثمر وقته في فهم العدو بشكل عميق، للتحضير لموعد خروجه، مع أن حكمه كان 420 سنة! ولكنها الفسيلة التي أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغرسها ولو قامت القيامة! فما كان للسنوار أن يكون ذلك القائد الفذ الذي غير التوازنات السياسية في العالم عام 2023م إن اكتفى بالإعداد الذي كان عليه قبل سجنه عام 1988م.
أُفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار لعام 2011م، نتيجة عملية تبادل الأسير جلعاد شاليط الذي ساهم أخوه محمد السنوار في أسره واعتقاله لسنوات في قلب قطاع غزة، وهنا كانت بداية انطلاق جديدة وخروج للقرنفل المسجون ولكن لسجن أكبر وهو قطاع غزة الذي يعاني قسوة الحصار وضيق العيش.
وبهذا تأخذنا قصة السنوار لروايته الشهيرة الشوك والقرنفل..
الشوك والقرنفل
ألّف يحيى السنوار عدة كتب وتَرجم أخرى ولكن هنا نشير لروايته اليتيمة وهي «الشوك والقرنفل» والتي لا تتجاوز الـ350 صفحة ولكنها تعدل سِفر من الألم والقهر لشعب يناضل لأخذ حريته وتحرير أرضه من رجس الصهاينة.
حيث ألفها السنوار عام 2004م في ظلام زنازين سجن بئر السبع، حيث تدور الرواية في 30 فصلًا لترويَ لنا سيرة النضار الفلسطيني منذ عام النكسة وحتى بداية انتفاضة الأقصى المباركة.
حيث يبدأها السنوار بقوله:
«هذه ليست قصتي الشخصية وليست قصة شخص بعينه، على الرغم من أن جميع أحداثها حقيقية. كل حدث منها أو كل مجموعة من أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك. الخيال في هذا العمل هو فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي، عشته وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه هم أهلهم وجيرانهم على مدار عشرات السنوات على أرض فلسطين الحبيبة. أُهديه إلى من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء والمعراج، من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط».
ونهاية الرواية التي تركها السنوار مفتوحة تُختم في الواقع باستشهاده بعد كتابة الرواية بـ20 عامًا!
الاستشهاد
قال خُبيب بن عديّ رضي الله عنه لما أسره المشركون وأجمعوا على قتله:
فلستُ أُبالي حِينَ أُقتَلُ مُسلِماً .. على أيِّ جَنْبٍ كانَ في اللهِ مَصرَعي
وذلكَ في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ … يُبارِكْ على أوصالِ شِلْو مُمَزَّعِ
فكذلك لم يبالِ أبو إبراهيم السنوار بالموت طالما كان في سبيل الله، ففي يوم الأربعاء في الـ16 من أكتوبر لعام 2024م بعد عام على «طوفان السنوار» استشهد أبو إبراهيم مقبلًا غير مدبر، مرتديًا جعبته حاملاً سلاحه وفي جيبه كتاب أذكاره ومسبحته، استشهد بعد اشتباك مع قوة إسرائيلية على وجه الأرض مع قيادي آخر وعنصر في رفح، وحتى آخر رمق قاوم السنوار عدو الأرض والعرض الصهاينة المغضوب عليهم، فلم يستسلم ولم يبع القضية، فهو القائل:
«فإن تراخينا أو توانينا سيضيع منا المسجد الأقصى، وسيسجل علينا التاريخ وصمة عار في جباهنا»
وبهذا تنتهي قصة قائد من قادة المسلمين طوت صفحات التاريخ قصته، وسيخلفه قادة آخرون، فالأمة ولّادة، كما ذهب الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي والجعبري والغول والمقادمة، والقائمة تطول فكذلك ذهب السنوار وسيأتي ألف سنوار بعده بإذن الله.