أحمد ياسين.. زعيم الانتفاضة ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس

في عام 1938 العام الذي شهدت فيه أرض بيت المقدس أول ثورة ضد النفوذ الصهيوني -المدعوم من قبل الانتداب- ولد الشيخ أحمد ياسين في قرية الجورة بعسقلان حيث كانت حينئذ ترزح تحت وطئة الانتداب البريطاني، فكان مولده مولد ثورة لن تنطفئ. عاش يتيمًا بعد وفاة والده إسماعيل وهو لم يبلغ الخامسة، وهنا بدأت القصة…

قصة بدأت بالتحضير الرباني لأحمد منذ صغره فعايش اليتم والشلل والتهجير والفقر، حيث عاصر الشيخ أحمد الهزيمة العربية الكبرى أو ما يطلق عليه بالنكبة عام 1948 م، حيث هُجّرت عائلته إلى غزة مع آلاف العوائل بعد طرد العصابات الصهيونية لهم من أرضهم وأرض أجدادهم، وعايش الفقر في غزة كما عايشها آلاف المهّجرين معه، كان قد بلغ 12 سنة حينها، وابتلاه الله بالشلل في سن الـ 16 حيث أصيب بحادث أدى لشلله بشكل كامل، وهكذا كانت البداية، بداية صنع الله -عز وجل- لأحمد الطفل اليتيم المهجّر..

هذه الابتلاءات كانت تصنع في داخل أحمد رجلًا قائدًا كما قادة الفتح الإسلامي الذي انطلق من الجزيرة العربية لسائر بقاع العالم، فقد بدأت حياته الفكرية والسياسية تتبلّور آخذة طريقًا واضح المعالم، طريق الاعتماد على أهل البلد أنفسهم -بعد الله عز وجل- لاسترداد أرضهم وتسليح أنفسهم غير منتظرين الدول العربية أو حتى المجتمع الدولي.

فتحدث الشيخ أحمد ياسين عن النكبة فقال: “لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب الكيان الصهيوني السلاح من أيدينا بحُجَّة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هُزمت هُزِمنا، وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث”.

مدرس وداعية

أحمد ياسين
الشيخ أحمد ياسين المدرس والمربي لجيل قهره الاحتلال.

أصبح مدرسًا -بعد دراسته الثانوية 1958- في غزة، فقد آمن أن الاحتلال لن يزول بالجهل بل بالتعليم والتربية، وراوده سؤال عن صحة العمل ضمن منظومة الاحتلال (في التدريس) فقد كانت رواتب المدرسين تأتي من سلطات الاحتلال الصهيوني، فآثر التدريس لغلبة المصلحة على المفسدة، فإرشاد الأطفال وتعليمهم وتربيتهم هو أحد أهم الأدوات للتخلص من المحتل المغتصب للأرض، أما ترك التدريس بمفسدة أنه شَرْعنة لدولة الاحتلال ففيه من المفسدة على الجيل القادم الكثير، فغلبت المصلحة المفسدة وتم الأمر وأصبح مدرسًا للغة العربية.

لم يكتفي الشيخ أحمد ياسين بالتدريس في المدارس وبهذا المستوى التعليمي؛ بل قام بدفع طلبته المجدين والمتميزين لدروس المسجد وأنشطته المختلفة المتنوعة فمنها الرياضي والثقافي والاجتماعي، فقد أيقن الشيخ تمامًا أن الجيل يجب أن يتمتع بعدة خواص لكي يعوَّل عليه في التحرير المرتقب، ومن أهم تلك النواح الالتزام الديني والوعي بالقضية والإيمان بها.

ومن إيمانه المنطلق بأهمية التعليم والتربية عمل على جلب التبرعات من المحسنين في الداخل والخارج لدعم مسيرة التعليم للأطفال بعد عام النكسة 1967 م. وقد قال الشيخ مرة مخاطبًا العدو:

بيننا وبينكم هذا الجيل.

جهاده

ذاك القعيد الجالس على كرسيه ليل نهار زلزل الأرض تحت عرش إسرائيل والظلمات، فلنتحدث قليلًا عن بعض محطات ذاك العمل الجهادي ولمحات عن تطور هذا العمل:

العدوان الثلاثي 1956

كان أحمد ياسين رحمه الله مجاهدًا خطيبًا فذًا وبرز ذلك في مشاركته في الاحتجاجات في قطاع غزة ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 م، فقد كان الشيخ يأبى الظلم على القريب والبعيد، ومن إيمانه بلحمة المسلمين وتكاتفهم -أينما كانوا- صدع بالحق رفضًا للظلم المطبّق على مصر آنذاك.

النكسة 1967

أحمد ياسين

بدأ نشاطه بالمقاومة ضد إسرائيل بعد النكسة التي أحلت بالبلاد العربية، فقد بدأ بتجميع إخوانه وتنظيمهم لبناء مقاومة إسلامية، فكانت هذه الفترة بالنسبة له فترة مهمة لنشر الوعي بين المسلمين لأهمية الجهاد، وضعف العدو المغتصب، فكان عنوان هذه المرحلة نشر الوعي، فاتخذ من المساجد منابر لنشر الوعي ومن النشرات والكتب أدوات لنشره.

فقد عمل على تجميع النواة الأولى لعمل المقاومة الإسلامية، فكان منهجه يبدأ بالتربية الدينية والخلقية والرياضية والثقافية، لحين بلوغ الفسائل أشدها، ومن ثم الانتقال للتنظيم السري والعمل ضد الطغيان الذي عم بلاده، فكان الشيخ يعمل على مبدأ الأسر الصغيرة فكل مجموعة صغيرة مؤلفة من 3 إلى 4 إخوة تتدارس كتبًا معينة، ضمن منهج مقرر؛ ليكتمل البناء لدى الجميع على ركيزة واحدة فلا تظهر الطفرات لاحقًا.

المجمع الإسلامي 1976

عَهْدُ المجمع الإسلامي -أو إن صح التعبير نواة حماس-، أسس الشيخ وإخوانه ما يسمى بالمجمع الإسلامي والذي يعتبر أحد أوائل التجمعات الإسلامية في ذاك الوقت، كانت أنشطته متنوعة حيث بدأت بالرياضة ومن ثم تجميع الشباب ضمن أسر لتدارس العلوم الدينية بشكل سري، وفعلًا كان إقبال الشباب جيدًا لهذه التجمعات.

وكما أي بناء سليم يبزغ منه النور، ضيق عليهم الصهاينة بعد أن تولى الشيخ أحمد ياسين رئاسته، فقد عمل الشيخ على ترخيص المجمع بشكل رسمي من قبل الاحتلال؛ كي لا يغلق، فما كان من الاحتلال إلا أن أخذوا الشيخ أحمد إلى التحقيق وبعد مشادّة طويلة استطاع الشيخ أحمد ياسين أخذ ترخيص للمجمع كمنشأة دعوية تربوية رياضية وحتى إمكانية فتح مراكز طبية تابعة للمجمع، ولكن كعادة الاحتلال بالكذب والمراوغة لم يسمحوا له بالكثير من النشاطات، فحدثت مجابهة كبيرة بين الشيخ أحمد كأمين للمجمع والاحتلال الصهيوني؛ بسبب منع نشاطاتهم.

الجامعة الإسلامية 1980

لا بد من ذكر هذا العام لنعلم بعض أسرار العمل الإسلامي لدى الشيخ أحمد ياسين وأصوله، ففي هذا العام تم تأسيس الجامعة الإسلامية في غزة والتي تعتبر أول صراع بينه وبين منظمة التحرير الفلسطينية، حيث حدث صراع داخلي في الجامعة “لعلمنتها” ولكن إصرار ياسين ومن معه على إسلامية الجامعة أدى لمناوشات بينهم وبين المنظمة، أثبتت الحركة الإسلامية -بعدها- المتمثلة في المجمع الإسلامي وزنها وانتشارها في غزة، وأنها أصبحت طرفًا فاعلًا محركًا للشباب الغزاوي الملتزم.

التنظيم المسلح 1983

بدأت الحركة الإسلامية الوليدة بشراء السلاح وتخزينه، حيث عمل الشيخ ياسين وأصحابه على طلب الدعم المالي من الإخوة في الخارج والداخل، وبدأوا بتنظيم الشباب، وتدريبهم على مهارات الحرب والسرية وألاعيبها، فكان التدريب داخليًا وخارجيًا -داخل القطاع وخارج البلاد-، وقاموا بعدة عمليات صغيرة انتهى بها الأمر بانكشاف مكان السلاح المخبئ عن طريق عملاء الصهاينة، فأتى وقت الاعتقال للشيخ القعيد أحمد ياسين بعد التحقيق القذر بأساليب التعذيب للشباب الذين تم اعتقالهم. -وسنأتي على مرحلة الاعتقال لاحقًا-.

الانتفاضة وولادة حماس 1987

كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس التي أسسها الشيخ أحمد ياسين.

استمر العمل في أنشطة المجمع الإسلامي رغم اعتقال الاحتلال قيادات كثيرة له، ولم تتوقف على قيادات الصف الأول للمجمع؛ فقد أسست الحركة الإسلامية في المجمع مؤسسة هرمية قوية قادرة على ملئ مكان أي قيادي يغيب أو يعتقل، وعاد الشيخ أحمد ياسين للعمل الإسلامي بشقه الحركي في عام 1986 م بعد عام من خروجه من السجن، وصدر من الحركة في 17.11.1987 أول قرار لتنفيذ عمل عسكري ضد الاحتلال، وبعد فترة وجيزة كان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي تبنت الحركة تفجيرها.

أعلنت الحركة الإسلامية أول بيان يدعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، فكان انطلاق حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وقد تضمن البيان الأول كلمة قالها الشيخ أحمد ياسين، تناقش فيها الخبراء الإسرائيليون كثيرًا فلها ما بعدها:

وأنا الغريق فما خوفي من البلل.

فهكذا تكلّلت جهود أحمد ياسين ومن حوله من الصادقين بتحويل العمل الإسلامي الدعوي والتربوي إلى عمل منظم مقاوم مسلح، يهدف لرد الحقوق ودفع الظلم ونصرة المظلوم.

طلب اليهود من الشيخ أحمد ياسين في اعتقاله الثاني عام 1989 م -وسنأتي على ذكره- بخمد الانتفاضة بكلمة موجهة للشعب، مهددين إياه بالترحيل خارج البلاد، ولكنه رفض وأبى فهي من الله ولله وما شأن ياسين.

تحوّل الشيخ أحمد ياسين بعد اندلاع الانتفاضة إلى زعيم للانتفاضة، كونه القعيد الذي هز إسرائيل من كرسيه بكلماته وأفعاله وجهده وتعبه وصبره، ولكنه نفى أن يكون زعيمًا للانتفاضة قائلًا: “إنه الشعب”.

عودة الأسد للساحة 1997

عاد الشيخ أحمد ياسين للعمل الإسلامي بعد خروجه من السجن 1997 -كما سيأتي لاحقًا ذكره- فبدأ بإعادة تنظيم الصف الإسلامي داخل حركة المقاومة الإسلامية حماس من جديد، فكان يؤمن بأهمية التطوير والتعلّم من التجارب السابقة للوصول للأفضل، واستمرت هذا المرحلة مع ما شابها من فرض الإقامة الجبرية عليه -من قبل السلطة الفلسطينية- حتى تاريخ استشهاده.

السجون

أحمد ياسين
الشيخ أحمد ياسين في فترة سجنه في السجون الصهيونية.

للشيخ ياسين تجربة في السجون والمعتقلات فقد زار كثيرًا من السجون الصهيونية في مسيرة حياته، فبنت منه هذه التجربة الإنسان الصبور المحتسب، فصبر على ظلمات السجون، وبردها، وحرها، غير ما لقي منها من التعذيب والإساءة والتعرّض لعائلته فيها في الزيارات، ولا ننسى الحرب النفسية القاسية، التي مورست عليه فيها في بعض الأوقات، فتأثرت صحته الجسدية كثيرًا نتيجة التعذيب وقلة الاهتمام الطبي فيه -رحمه الله- رغم ما يعانيه من أمراض وعلل في جسده، ونتحدث في الفقرات القادمة عن كل تجربة على حدا بإيجاز، فالمقام أضعف من أن يحوي التجربة ككل:

الإخوان المسلمون 1965

اُعتقل في مصر ضمن حملة طالت الإخوان فقد كان مفوّهًا خطيبًا، مما شدّ الأنظار إليه من قبل المخابرات المصرية في عهد جمال عبد الناصر، فتم اعتقاله لمدة شهر ومن ثم تركوه، فكانت أولى تجاربه في المعتقلات، والتي أظهرت أنه بتمتع بصفة الجهر بالحق ولو كان على حساب حريته.

إبادة دولة إسرائيل وإقامة دولة إسلامية 1984

ففي نيسان من هذا العام حدث ما لم يكن متوقعًا بسبب أخطاء فردية حصلت في إحدى العمليات لشباب الحركة الإسلامية بعد ما بدأ تسليحها، كان هذا الخطأ هو السبب بكشف مكان أحد مستودعات الأسلحة -التي كانت الحركة قد اشترتها وخزنتها لبدء عملياتها- وعن طريق التعذيب الجسدي لمن اُشتبه فيه من قبل الصهاينة، لحق المحققون الخيط حتى وصلوا لقيادات المجمع الإسلامي، وعلى رأسهم أمينه الشيخ أحمد ياسين، فكان الاعتقال..

استمر التحقيق معه لمدة 45 يومًا متواصلة عانى فيها الكثير، حيث مُورست عليه معركة نفسية كبيرة، وحاولوا إسقاطه في أمور أخلاقية ليعترف ويُهزم نفسيًا، فما كان منه إلا الصبر والاحتساب وحساب كل كلمة يقولها؛ كي لا تؤخذ عليه.

التهمة “إزالة دولة إسرائيل وإقامة دولة إسلامية”!! بهذه التهمة واجه الشيخ أحمد ياسين قرارًا بالسجن لمدة 13 سنة، فتنقّل إثرها في عدة سجون، وقد عانى الشيخ ياسين في السجن؛ إثر وجوده في زنزانة لا تتعدى المتر عرضًا والمتر والنصف طولًا مع وجود ثلاثة معه، غير أن نافذة التهوية الوحيدة كانت ضيقة ومرتفعة، فعانى من الحرارة العالية لله دره..

وبعد مرور ما يقارب العام جاء فرج الله، فقد خرج الشيخ ياسين من السجن في صفقة تبادل أسرى مع الجبهة الشعبية مصاحبًا 1200 معتقل آخر مقابل 3 جنود صهاينة، فتنفس الشيخ الصعداء وأخذ عامًا نقاهة، وعاد بعدها للعمل التنظيمي في الحركة الإسلامية وليعلن بعدها نشأة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عام 1987 م.

المؤبد لأحمد ياسين 1989

أحمد ياسين
زيارة الملك حسين وياسر عرفات للشيخ أحمد ياسين في المشفى في عَمان بعد تحريره بصفقة تبادل 1997.

بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وإعلان حركة حماس البيان الأولى لها، حصل خطأ في إحدى العمليات الأمنية لمجموعة من مجموعات حماس السرية، فتم القبض على أحد موجّهي المجموعات، والذي اعترف على الشيخ أحمد ياسين، أنه المسؤول عن عمليات حماس، بعد ما تلّقى من التعذيب في المعتقل.

تم حصار منزله واعتقاله مع ابنه عبد الحميد والذي عذّب أمامه في التحقيق؛ لكي يعترف الشيخ أحمد، إضافة لتعذيب الشيخ ياسين بشكل مباشر جسديًّا ونفسيًّا، حيث استمر التحقيق معه مدة أربعة أيام مستمرة دون انقطاع، ودون نوم أو راحة حتى وقع مغميًّا عليه.

صدر الحكم عليه في العام التالي 1990 م بالمؤبّد بتهمة القتل!! وهو القعيد المشلول جسدًا الطليق روحًا ونَفْسًا، يقهر صموده الاحتلال في السجون، فكان السجن رغم ضيقه ومساوئه متنفسًا له، فوجد حلاوة الإيمان على حد تعبيره، وقد استكمل بعض العلوم الشرعية في السجن، وأكمل حفظ القرآن الكريم.

صدق قول ابن تيمية -رحمه الله- فيه:

ما يَصنَعُ بي أعدائي؟ إنَّ جَنَّتي وبُستاني في صَدري، أين رُحت: فَجَنَّتي مَعي ولا تُفارِقُني، إنَّ حَبسي خلوةٌ، وإخراجي مِن بلدي سياحةٌ، وقتلي شهادة.

فكان سجنه خلوة له؛ ليكمل علمه الشرعي وليصبح أيقونة للانتفاضة الفلسطينية الأولى، فقد لقب بزعيمها الروحي، مما دعى الصهاينة للضغط عليه للخروج بكلمة للشعب داعيًا له للتوقف عن الانتفاضة، مهددين إياه بالترحيل إلى جنوب لبنان، فرفض ذلك رفضًا قاطعًا.

حاول الصهاينة التضييق على الشيخ ياسين، من حيث الاتصال بالعالم الخارجي، وتضييق الزيارات له، غير وضعه الصحي السيء والذي كان آخر هم السجّانة، ولكن حسب ما ذكر الشيخ أحمد حاولوا الحفاظ على حياته كي لا تثور الناس أكثر من ذلك عليهم.

وبعد المعاناة التي مضى عليها ما يقارب الـ 8 سنوات ونصف في السجن، وعدة محاولات لإخراجه من السجن مقابل تبادل أسرى، جاء الفرج من الله في عام 1997 م، حيث تمت صفقة تبادل أسرى في عملية معقدة -كان على رأسها الملك حسين- إثر محاولة اغتيال السياسي في حماس خالد مشعل في العاصمة عمّان، بسُمّ حًقن به، فتم إلقاء القبض على اثنين من عناصر الموساد الإسرائيلي هناك -الذين قاموا بالعملية- وتم تبادلهم مع الشيخ أحمد ياسين، وخروجه للأردن، وعودته لقطاع غزة بعد ثمانية أيام، وقد أخذت هذه العملية صدى سياسيًا عالميًا، تدخل فيها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لإعطاء الأردن مصل العلاج من السم.

الإقامة الجبرية من قبل السلطة الفلسطينية 1991

وبعد خروج الياسين من السجن وعودته للعمل والنشاط الإسلامي، وخاصة التنظيمي لـ حماس، بدأت الضغوط الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية لفرض الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد ياسين، غير الخلافات التي اشتدت آنذاك مع السلطة الفلسطينية، مما استدعى السلطة أن تفرض عليه الإقامة الجبرية عدة مرات.

الاغتيال

المحاولة الأولى 2003

تعرّض اجتماع لمعظم قيادات حركة المقاومة الإسلامية “حماس” للهجوم من قبل العدو الصهيوني في 6.12.2003، حيث كان الهدف بالنسبة للصهاينة غنيمة لا تفوت؛ فقد ضم الاجتماع قيادات الصف الأول في حماس، وكان سبب الاجتماع إعادة تنظيم وهيكلية للحركة، فاستغل الصهاينة هذا الاجتماع لاغتيال الصف الأول كاملًا، بصاروخ يحتوي نصف طن من المواد المتفجرة ألقيت من مروحية حربية في وسط مدينة غزة.

ولكن هو لطف الله ورحمته بعباده الصادقين، فقد نجا الشيخ بجروح طفيفة، فمن كُتب له الحياة والجهاد فلن تؤثر فيه خطط وكيد أعداء الله، ولن يهين عزيمته تدبريهم وحقدهم.

شهيدًا جميلًا 22.03.2004

الكرسي المتحرك الخاص بالشيخ أحمد ياسين.
ما تبقى من الكرسي المتحرك الخاص بالشيخ أحمد ياسين -بعد استهدافه بثلاثة صواريخ-، الذي أرعب من فوقه قادة وهزّ عروش.

في فجر الاثنين يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله، اصطفى الله عبده أحمد ياسين لجواره صائمًا، فقد خرج لصلاة الفجر جماعة في مسجد المجمع الإسلامي الذي تولى أمانته، القريب من منزله، وعند عودته من الصلاة كانت تنتظره الأباتشي، لتتسابق لجسده المنهك المشلول الصواريخ الثلاث ليقع شهيدًا جميلًا -بإذن الله تعالى- وليصبح رمزًا من رموز الجهاد في فلسطين والعالم الإسلامي، كما كان رمزًا للانتفاضة وزعيمها.

المؤسس والزعيم الروحي لحركة المقاومة الإسلامية حماس ابن الجورة أحمد ياسين -أبو محمد-، يسقط أرضًا ويرتفع في كتب التاريخ ذكره، ويصبح ذاك القائد القدوة، فمن كرسيه المتحرك، ومن جسده العاجز، وعينه التي لا يبصر به، وسمعه الضعيف، تخرج روحه لتُخْرِج ثورةً من قلوب من حمل القرآن في قلبه دينًا، ومن تبنى رد الظلم عقيدة، فلله درك من معلم وموجّه وقائد..

زوال إسرائيل 2027

لدى الشيخ أحمد ياسين نظرية استشفها من فهمه للقرآن الكريم، حيث يعتبر أن الربع الأول من القرن الحادي والعشرين وعام 2027 م تحديدًا سيكون سقوط الاحتلال وزوال الظلم، واعتمد على تعاقب الأجيال كمبدأ لها، فعمر الجيل في القرآن -حسب قوله- أربعون سنة، مستندًا إلى التيه الذي دخل فيه بنو إسرائيل عند رفضهم دخول الأرض المقدسة فدخلوها أربعين سنة، حتى تبدّل جيلهم وجاء الجيل الجديد فدخلها بحق.

فعام 1948 م كانت بداية الأربعين، وهي أربعون النكبة، فتبعتها الأربعون الثانية، وهي أربعون المقاومة، والأخيرة تنتهي في نهاية عام 2027 م، أربعون النصر والتحرير -بإذن الله-.

وقال الشيخ أحمد ياسين:

إسرائيل قامت على الظلم والاغتصاب، فكل كيان يقوم على الظلم والاغتصاب مصيره الدمار…

مناقبه

الشيخ أحمد ياسين.
الشيخ أحمد ياسين.

تمتع الشيخ أحمد ياسين بصفات جعلت منه بحق العلم والرمز للجهاد والانتفاضة في أرض فلسطين خاصة والإسلام عامة، فكان رحمه الله يذخر بما يأتي:

شجاعًا

اعتلى المنابر فخطب بالناس جاهرًا بالحق، فلم يخف في الله لومة لائم، فنصح وأرشد الناس رغم تضييق الصهاينة عليه وتهدديهم له في بعض مراحل دعوته.

حاول الاحتلال أخذ كلمة منه ليطفؤوا بها الانتفاضة الأولى، فرفض، فتلك انتفاضة شعب، لا انتفاضة ياسين، حاول الصهاينة في فترة سجنه أن يأخذوا منه الكلمات، ليقول إن المقاومة إرهاب -في مقابلاتهم التليفزيونية معه- ولكن أبى إلا أن يجهر بالحق ويصدح باحتلالهم لأرضه وأرض أجداده وأنهم غزاة محتلون لا تاريخ ولا أرض لهم.

صابرًا

كما سيرة القادة في العالم الذين يبقى ذكرهم في الأرض عامرًا بالحق، بقي ذكر الشيخ أحمد ياسين صابرًا مناضلًا مجاهدًا، فقد صبر في مطلع حياته على الاحتلال؛ كي يبني جيلًا ينصر الله به الأمة، وصبر في معرض حياته على الإعداد والتنظيم لشباب الأمة، وصبر في آخر حياته على التضييق المطبق عليه وعلى تنظيمه، من قبل السلطة الفلسطينية وقتئذ، فرفض أن يتحول الصراع بين أهل الأرض والمحتل، إلى أهل الأرض بين بعضهم، فكان متخلّقًا بأخلاق حسن البنا، فيقول مثل قوله: “سنقاتل الناس بالحب”.

فهذا ديدن المغيرين في الأرض؛ أن يلقوا الأذى من أهل دارهم ومن حولهم، فيصبرون حتى يجعل الله لهم فرجًا ومخرجًا.

شهادة العدو

وتحدث ضابط عسكري -يخدم في الجيش الإسرائيلي، وعمل سجانًا في سجن كفار يونا- في شهادة حق يقدمها عدو لعدوه الكبير -لم يكشف اسمه- إلى برنامج دردشات الذي تبثه القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي السبت 3/4/2004 فقال:

إنه لم يكن يلمس أي تصرف أو قول يدل على أن الشيخ كان ذا عقلية إرهابية أو تفكير عدواني.. كنت أشعر بالراحة لمجرد الوقوف بقربه، وأعتقد أنه كان يغمر أتباعه “رفقاءه” بهذا الإحساس؛ ولذلك أحبوه… كنت أتابع وضعه داخل السجن وعلاقته برفيقيه، وطالما اعتقدت أنّ عناصر حماس سيحرقون الأرض إذا مسّه أي مكروه، لقد كان أبًا روحيًا بحق.

فإن كان هذا كلام العدو المحتل فكيف بالصديق!! ويطول الكلام عن مناقبه -رحمه الله- فنكتفي بهذا القدر رفعت الأقلام..

المصادر

  1. البيان الأول لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
  2. أحمد سجاني الشيخ ياسين: مجلة المجتمع الكويتية العدد 1595، 3/4/2004.
  3. شبكة الجزيرة الإخبارية، نجاة الشيخ أحمد ياسين من محاولة اغتيال إسرائيلية.
  4. شبكة الجزيرة، شاهد على العصر، الجزيرة، 1999.
  5. حكايتي مع الشيخ، رواية مرافق الياسين في السجن

قصي عثمان

شامي المنشأ مقدسي الهوى تركي المسكن، أكتب في النهضة وما دلّ إليها من سبيل، غايتي… المزيد »

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. كتاب: حديث الإفك
    د. أكرم حجازي

    “أكثر ما يميز مذبحة مسجد ابن تيمية في رفح جنوب قطاع #غزة عن سابقاتها أنها كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، وهيأت لفتح ملف « #الإخوان » و « #حماس » على مصراعيه لنتبين أقوال القوم في الحادثة وأبرز أقوالهم في القضايا الكبرى ابتداء من تطبيق الشريعة وانتهاء بالاعتراف بإسرائيل، لذا فقد رأينا أنه من المناسب وضع مقالات المذبحة مع مقالات السلسلة المفتوحة: « ثمانون عاما وهي خاوية على عروشها» بين دفتين، وعلى جزأين، لتشكل وثيقة جامعة يمكن الرجوع إليها وقت الحاجة. وليطلع على جماعة « #الإخوان_المسلمين » وبعض فروعها، بما فيها «حماس» كل من غابت عنه الحقيقة أو جرى تغييبها. ليس طعنا فيها أو حقدا علي ها، بل ليدرك القارئ المتخصص والبسيط كيف تتعامل الجماعة مع قضايا الأمة وثوابتها؟ وما هو الدور الذي تلعبه راهنا وستلعبه مستقبلا؟ وكيف يكون الولاء والبراء في عرف الجماعة وفروعها؟ وكيف تكون التحالفات مع الأمريكيين والإيرانيين فضائل عظمى لا تقل عن فضائل الكذب والفجور في الخصومة؟ وكيف تكون الشعارات مجرد زيف وتضليل وأباطيل وابتزاز للأمة من جماعة تزعم أنها إسلامية وهي تنمو وتترعرع في أحضان العلمانية؟ وتجاهر برفضها تطبيق الشريعة؟ وكيف يكون تحريف الدين والعبث بأحكامه سهلا يسيرا حين يصدر عن جماعة إسلامية؟!!! وكيف يكون استغفال الناس وعقولهم سلعة رخيصة وهدفا للغدر والخداع لدى الجماعة وأخواتها.”
    http://ilmway.com/site/hansib/ar/news.php?readmore=725
    ????

  2. الشيخ المجاهد أحمد ياسين شيخ المجاهدين بفلسطين يصدق فيه قول ربنا تعالى ” إن إبراهيم كان أمة ” فنقول إن الشيخ أحمد ياسين كان أمة وصدق عندما قال الشيخ للصهاينة ” بيننا وبينكم هذا الجيل” فصدق في كلامه والله نسأل الله تعالى أن يثبتنا وأن يجعلنا خير خلف لخير سلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى