أين الطريق: المؤهلات الشخصية التي تساعدك للخروج من الظلمات إلى النور

في المرة الماضية، رأينا كيف تهيأت نفوس الجماعة المسلمة لتستقبل نور الرسالة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأجبنا على سؤال يدور في أذهاننا جميعًا ألا وهو “كيف أنتفع بسنة النبي؟”. واليوم سنتعرف على المؤهلات التي يساعدك اكتسابها -بإذن الله- على الخروج من الظلمات إلى النور، فهيا بنا.

ماذا تحتاج الدعوة منك؟

من الظلمات إلى النور

هل ظننت يومًا أن جل ما تحتاجه منك الدعوة هو حرارة عطائك وكثرة بذلك؟

يؤسفني أن أقول لك أنك مخطئ يا أخي، فبالإضافة إلى إخلاصك وصدقك وعطائك وبذلك، فإن الدعوة تحتاج إلى ذكائك وإلى حيلتك. وحتى لا يساء فهم كلمة “الحيلة” فهي وسائلك البارعة التي تستخدمها بحنكة وفِطنة حتى تنجح دعوتك وتصل إلى مبتغاك.

سيدنا إبراهيم وحسن التدبير في الدعوة

وليُعلّم الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- التدبير لأمر الدعوة بمثال تطبيقي، ساق الله إليه سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ليكون أنموذجًا. فقد وجد إبراهيم -عليه السلام- قومه يعبدون الأصنام. هب أنك في نفس موقف سيدنا إبراهيم، كيف ستكون ردة فعلك وماذا أنت فاعل؟

حسنًا، ربما ستوجه غضبتك إلى الأصنام وتأتي بها أرضًا أليس كذلك؟

لكن إبراهيم -عليه السلام- كان من الحكمة التي جعلته يضبط انفعالاته ويقنن غضبته، فلم يكسر الأصنام جميعًا أو يكسر كبيرهم الذي هو عظيم الشأن ففي نفوسهم، وقال: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) وكسر الصنم الصغير! وكان هذا الفعل حيلة أراد إبراهيم أن يلقيها في قلوب قومه؛ علهم يستفيقوا من غيهم لأنفسهم.

لقد كانت حيل إبراهيم لإنجاح دعوته، تعلم النبي التدبير والحكمة في الدعوة.

كيف كانت حكمة النبي وحسن تدبيره لدعوته؟

من الظلمات إلى النور

إن الحكمة النبوية اقتضت اعتماد منهج التدرّج في الدعوة أثناء الانتساب للإسلام وذلك عبر:

  1. الدعوة السرية: والذي يعتبر أفرادها نواة المجتمع المسلم، وقد امتدت طيلة ثلاث سنوات.

ولعل ما يثبت أيضًا حكمة النبي وحسن تدبيره وحسن انتقائه لهذه النواة المسلمة أن تتأمل كيف استطاعت هذه الفئة المؤمنة ضبط أنفسهم بعد معرفة الحق وكتمه دون الجهر به طيلة هذه السنوات؟

وقد كان كتمان السر في الدعوة سببًا من أسباب نجاح الدعوة، فحينما أمر الله عزوجل نبيه بتبليغ الدعوة كان أول من أبلغهم النبي هو علي بن أبي طالب، وكان من جميل تربية علي أنه كان لا يبتّ في أمرٍ حتى يرجع إلى أبيه، فحينما عرض النبي عليه الدعوة فقال: أرجع إلى أبي، فقال له النبي: “إما أن تُسلم، وإما أن تكتم”. لقد انتقى النبي أفرادًا يحفظون خبر السماء ويكتمون سر الدعوة.

  1. الدعوة الجهرية: والتي بدأت عند نزول قول الله تعالى: (وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ)؛ ذلك لأن عشيرته قد تنصره وتحميه وتؤيده. فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن أذعن، وسار إلى جبل الصفا وصعد عليه وقال: “يَا بني فِهْرٍ، يَا بني عَدِيٍّ، أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيكُمْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟”، قالوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قال: “فَإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ” فَقَالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟”.

كمدعو إلى هذه الدعوة ماذا عليَّ أن أفعل؟

من الظلمات إلى النور

سيكون عليك أن تطرح على نفسك عدة تساؤلات وتجيب عليها بصدق:

  1. هل كان النبي سيختارني ويدعوني لهذا الدين؟
  2. هل كنت ممن سيُختار مُبكرًا؟ أم أنني كنت سأؤخر؟
  3. هل من الممكن أن أكون من فاقدي الصلاحية للانتقاء؟
  4. كيف أكون أهلًا لأن توجه إليَّ الدعوة؟

كيف تكون أهلًا لأن توجّه إليك الدعوة؟

هنالك سمات عليَّ أن أتحلى بها لأكون أهلًا لأن توجّه إليَّ الدعوة وانتفع بها، مؤهلات تجعلك مستحقًا للانتساب لهذا الدين. وصدق أو لا تصدق فمن الممكن أن تتواجد هذه الصفات في الفرد وإن كان على كفر والعياذ بالله، وتهيأ قلبه لقبول هذه الدعوة، فالنبي يقول: “خِيَارُهُمْ في الْجَاهِليَّةِ خِيَارُهُمْ في الْإِسْلَامِ إِذَا فقُهُوا”.

فـ أفضلهم في الجاهلية سلوكًا وخُلقًا هم خيارهم في الإسلام إذا أدركوا معنى الدين وأحاطوا به. فقد نظر النبي إلى الكفار ووجد ببعضهم خيرًا، حتى أنه قال: “اللَّهمَّ أعزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذينِ الرَّجُلَيْنِ إليكَ بأبي جَهْلٍ أو بعُمرَ بنِ الخطَّابِ” وكان موضع نظر النبي في هذين الرجلين ثقل خصالهم وصفاتهم الحميدة حتى إذا أسلموا كانوا ذخرًا لهذا الدين.

وفي مشهد آخر أثنى النبي على رجل فقال له: “إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ”، وفي بعض الروايات أنه قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما، أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خَلّتين يحبهما الله ورسوله.

إذًا، فقد كان لحاملي هذا الدين قبل إسلامهم من الصفات والسمات ما جعلتهم رأس مال للإسلام بعد إسلامهم، فكانوا إضافة ونقطة قوى لمنتسبي هذا الدين.

صفاتك التي تربيت عليها وحصيلتك التربوية هي رأس مال يستفيد وينتفع الإسلام به.

وهنا يجب عليك أن تقف وقفة صادقة بينك وبين نفسك تشخص فيها ذاتك يعقبها تقويم، تحضر فيها ورقة وقلم وتدوّن إجابتك على الأسئلة التالية -إذا أردت أن تنتفع بهذه الدعوة بحق:

  • ما هي صفاتك التي ترى أنها نقاط قوى تستثمرها لنصرة دينك؟
  • هل أنت شخص مستقيم؟ أم مخادع وملتوي؟
  • هل تحب الخير للناس كافة؟ أم أنك تحترق لما عند الآخرين وينقصك؟
  • هل إذا وجدت في أخيك المسلم صفة سيئة تجلده؟ أم تدعو له بإخلاص بأن يخلصه الله من هذه الصفة، وتحادثه بلطف وبحب؟
  • هل أنت متقن لعملك؟
  • هل أنت صادق؟ أم كاذب؟
  • هل تضيع أوقاتك فيما لا ينفع؟
  • هل تحسد غيرك وتحقد على من هم أفضل؟

والأسئلة عدة، والغرض منها أن تفتّش في داخلك وتستعرض نفسك بصدق وتجرد ثم تُقوِّم خصالك.

إذًا واجبك العملي هنا:

  1. شخِّص داءك.
  2. قوَّم وجوّد من صفاتك.

وسائل تعينك على تقويم صفاتك لتكون إضافة لهذا الدين

يُقصد بتقويم صفاتك، أن تستعرض نقاط ضعفك ولا تغفل عن نقاط قوتك، فتعالج خصالك الذميمة وتزيد من صفاتك الحسنة. ولعل أبرز ما يساعدك على هذا، هو مسجدك، فالمسجد هو محضن نور الله ودعاء الملائكة وتسبيحهم، والمسجد هو مصنع الرجال، به تجد بيئة إيمانية تعينك.

 إذًا:

  • ازرع نفسك في بيئة الخير، وتعرف على الصالحين وجاورهم (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ.. ).

الزم الصـالحين ستقترب يومًا.

  • ابحث واقرأ في سير الصحابة والصحابيات لتتعرف على صفاتهم التي أهلتهم لقبول هذه الدعوة، واجعلها لك منهجًا تتأسى به في رحلتك.

من الذين دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الدعوة؟

من الظلمات إلى النور

لقد كان من مظاهر نجاح الدعوة السرية، أنه لم يرفض أحد ممن عرض النبي عليهم الدعوة، ولم يؤخر النبي بعضهم عن الدعوة إلا وكان قلبه متلبسًا بما يمنعه عن قبولها. وهذا يبين لك مدى دراية النبي وعمق نظرته فيمن اختارهم لتلقي الدعوة.

اختار النبي كرام الناس، أصحاب الخلق القويم، فانتقى علي بن أبي طالب الذي “لم يسجد لصنم قط” وانتقى خديجة المرأة الذكية الرشيدة، وأبا بكر التاجر الذي يألفه العرب، وعثمان بن عفان التاجر السمح الكريم المغدق المحبب إلى قريش.

كانت شخصيات ثقيلة تربويًا، فانظر إلى سعد بن معاذ الذي بإسلامه أسلمت قبيلة بني عبد الأشهل كلها! بل وتأمل في إسلام حمزة عم النبي، وكيف اهتز المجتمع القرشي لإسلامه على الرغم من أن إسلامه تلي مرحلة الدعوة السرية ومرحلة الانتقاء، لتعرف كيف كان إسلام الواحد منهم بأمة.

لذا فقد اختار النبي:

  1. كرام الناس، ذوي الخلق القويم.
  2. المتجرد للحق الذي من الممكن أن ينتفع به.
  3. من لديهم ثقة في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فانظر إلى أوائل من أسلموا، لتدرك ثقة خديجة -رضي الله عنها- وأبي بكر، وعلي وعثمان وطلحة وأبي عبيدة والزبير في النبي.

وعلى الطرف الآخر، فلم يدع النبي -صلى الله عليه وسلم- من لديه “مشكلات تربوية متأصلة” فقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب ولم يدع أباه الذي هو عمه! عمه الذي مات على الكفر والذي عاش حياته كلها ينصر النبي ويقر بصدقه إلا أنه لم يذعن إليه! والسبب في ذلك، أن ابا طالب كان يقدس قبيلته وعشيرته أكثر من الحق!

ما أهمية مرحلة الانتقاء في الدعوة؟

هنالك فرق بين الفكرة المجردة التي ليس لها أنصار، والفكرة التي تأتي للمجتمع بأنصارها. فالاستجابة للفكرة كفيل بأن يؤثر في المجتمع، فانظر كيف اغتاظ الكفار من مؤمن أل ياسين وقتلوه ولم يغتاظوا من الأنبياء الثلاثة المرسلين؟ (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ). ذلك؛ لأن الأنبياء المرسلين هم توجيه للدعوة أما هذا الرجل المؤمن كان بمثابة استجابة للدعوة، واستجابة شخص تعني أن هذه الدعوة صالحة.

وانظر كيف كان مؤمن آل فرعون بمثابة صَدْعٍ في بيت فرعون؟ لاستجابته للدعوة!

 لذا فقد كان الانتقاء في مرحلة الدعوة السرية لإنشاء النماذج المستجيبة للدعوة فتكون ذخرًا ودعمًا لهذا الدين قبل أن تنتشر الحملات المضادة! وكلما كان الانتقاء صائبًا، كلما كانت النماذج نقاطَ قوةٍ وخيرٍ مشجّعٍ لاستجلاب أنصار ومنتسبين جُدد.

من لم يحقق في نفسه صفات الخير يفقد أهليته للدعوة!

من الظلمات إلى النور

لا، فربما تحرّك قلبه للدعوة من باب آخر، فهناك من أسلم بمعجزة القرآن، وهناك من أسلم إعجابًا بقوة المسلمين وانتصاراتهم. لكن الفارق بينهم في الإسلام مبكرًا (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون) و(وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ..) و(..وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

ولعل من الأمثلة أيضًا التي تبين لك أن بعض الصفات قد تصدك وتمنعك عن الاستجابة للدعوة، ملكة سبأ (وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ..).

ختامًا

تذكر واجبك العملي، جلستك، ومسجدك وصُحبتك المعينة، تعرف على الطيبين، كن على صفات الخير حتى تكن لديك الجاهزية لاستقبال نورانية الإسلام.

في التقرير التالي بإذن الله، سنعرف المقومات التي يغرسها الإسلام في نفس المسلم ليستجيب لنداء الاستقامة.

فكونوا بالجوار.

يمنى حمدي

مُعلمة وفيزيائية، مهتمة بأحوال المسلمين، وأسعى لأن أزرع شيئًا في النفوس لا يمكن اقتلاعه.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى