ماذا تعرف عن وثيقة ويلي لانش؟
إن أردت ضمانًا بحماية موقعك المرموق والرائد سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وقد أقضّ مضجعك صيحات وتمرد تلك الدمى التي ما تتعامل معها وكأنها ما صُنعت إلا لك، فليس عليك سوى أن تصنع عبدًا. تلك كانت ومازالت سياسة القوى العظمى لتحقيق طموحها، ونيل ما تريده دون أي مقاومة تُذكر من المعُتدى عليه.
ومن هذه السياسات وثيقة ويلي لنش، تلك الوثيقة التي رسمت لنفسها خطة بعيدة المدى، وهي من أكثر الوثائق تداولًا بين الإقطاعيين الأمريكيين، منذ أن كان “ويلي لانش” -مالك عبيد بريطاني- في القرن الثامن عشر واقفًا على ضفة نهر جيمس في مستعمرة فيرجينيا عام 1712م، خاطبًا في أصحاب المزارع الأمريكان “كيف تصنع عبدًا”، بعد أن تمت دعوته ليقدم أساليب جديدة لمالكي العبيد هناك.
كان غرض تلك الخطبة حينها ترويض الزنوج وزيادة المحاصيل وإيقاف تمرد العبيد على أصحاب المزارع. لكنهم كانوا تلامذة نجباء استمتعوا بتطبيق قواعد “ويلي” حتى القرن الحادي والعشرين. واتسع نطاق التطبيق ليشمل العالم أجمع وتقف أمريكا في برجها العاجي تختال من الزهو بما أنجزت، فلا تستطيع قوة في الأرض أن تضع لتسلطها حدًا أو تقف عائقًا أمام أعمالها.
فن صناعة العبيد
من أهم بنود الوثيقة تأثيرًا على الواقع سياسة التمييز بين أبناء الطبقة الواحدة استنادًا على تركيز صبغ الميلانين في الجلد؛ فصاحب البشرة الأكثر سوادًا يُذل أكثر ممن هو أفتح. وترك أبناء الطبقة العليا بلا أي معوقات تزعزع عملهم.
كان جُلّ تركيز ويلي في خطته على الأجيال القادمة وخصوصًا النساء والصغار. أدرك أن سياسة روما القتالية لن تجعل منهم عبيدًا مُروَضين، بل ثائرين متمردين؛ فصبّ اهتمامه على جيل من العبيد المروضين من أولئك الأطفال، وبهذا يضمن أجيالًا أخرى لا تنتهى. أما النساء فيما تمتلك من عاطفة فطرية تجاه أبناءها وما ترى أمامها من تنكيل بمن يطالب بالعيش كإنسان فلا تثنى أولادها عن طريقة ومنهجية ويلي. ركز ويلي على طبيعة العبد البشرية، العبد الذى يأمل في صناعته فأدرك أنه لابد أن يجرد الأسود من طبيعته البشرية وقد نجح!
إن المتأمل في سياسة لنش يستطيع بكل بساطة إدراك كم هذا الرجل ذكي، لم يتعامل معهم اعتباطًا، بل وضع أُسسًا ثابتة.. أسس تجعله يرقد في قبره وهو على يقين بأن أجيال من العبيد المروضين لن تتوقف عن الإنتاج. درس العنصر البشري داخل هذا الأسود ماذا يحب؟ وماذا يكره؟ كيف يتصرف؟ كيف يغضب؟ كيف يفرح؟ بل كيف يعبر عن فرحه؟ درس الشخصية بجميع جوانبها وأدرك ما يطورها وما يثبطها؟ ما الذي يجعلها منتجة؟ وما الذي يجعلها راكدة؟ درس ميول العبد وكيف يحب أن يعيش؟
إن كان يحب حياة الجبال فهو قوي لديه القدرة على التكيف مع أصعب الظروف، وإن كان يحب العيش في المدينة فلن يكون من السهل ترويضه؛ لأنه في هذه الحالة سيكون ملمًا بأحوال أهل المدينة وانفتاحهم، بل درس الاختلافات بين العبيد أنفسهم، وعندما نقول الاختلافات لا نقصد الاختلافات في مكنون الشخصية، بل الاختلافات في كل شيء، وبدأ بالسن وهذا دليل آخر على حدة ذكائه؛ فسبب اختياره لهذا البند ليكون رقم واحد لأنه يبتدأ بحرف الـ (a) أول حرف من أحرف الهجاء.
كما درس الاختلاف فيما بينهم في العمر فإن تنشئة طفل صغير على العبودية أسهل ألف مرة من جعل والده يرضخ للذل. كما درس الاختلاف فيما بينهم نوعية الشعر من حيث كونه مجعد أم لا، وكذلك الجنس وحجم المزرعة وعدد العاملين بها. درس التفاوت في جانب الثقة لدى كل عبد، فمهزوز الثقة لن يكون كالواثق من ذاته مؤمنًا بها، ودرس الذكاء ومستواه لدى كل عبد. ومما ركزّ عليه لنش أيضًا اللغة. حرص ألا يتعلم العبد لغته فمن تعلم لغة قوم أمن مكرهم، وتعلم اللغات يعنى الانفتاح على بما تحمله الكلمة من معنى. وهذا ما لم يكن يريده، إنه كان يريد مسخًا لا يفقه لا يتعلم ولا يتكلم، فقط يسير كيفما شاء مالكه أن يسير وكأنه دمية تتحرك بالخيوط في المسار الذى يحدده من يمسك بأطراف الخيط.
باختصار درس “لينش” جميع الجوانب، بدأ بدراسة الفرد دراسة جيدة بتمهل، حتى استطاع قراءة الحالة العقلية والقلبية للعبد، من خلال تفاصيل وجهه الأسود. ثم انتقل إلى دراسة الخطوة التالية وهى دراسة تفاوت القدرات ما بين العبد والعبد، حتى ألمّ بجميع الاختلافات فيما بينهم وبين أنفسهم، وبعدها بدأ في التنفيذ وكانت أيسر خطوة لديه فمن يعمل على جهل يهدم أكثر مما يبنى، وكان لنش قد أسس أرض صلبة للتنفيذ.
بهذا يكون لنش قد وضع لأصدقائه من المزارعين في أمريكا كيفية ترويض العبيد وضمان مصالحتهم وزيادة الإنتاج.
وفي القرن العشرين بعد ثورة مالكوم إكس ضد العنصرية ووجوب التسوية بين السود والبيض، رضخت أمريكا بالشكل الذى يجعلنا نعتقد أنها حققت المساواة، لكنها كانت طيلة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تمهد لتطبيق قواعد لنش على العالم بيضًا وسودًا. أعطت السود حقهم في أمريكا واحتلتهم تحت مسمى السلام في إفريقيا. اختلقت لنا فكرة صناديق الاقتراع والديمقراطية لنشعر بأن لنا رأيًا والأمر محسوم فيما بينهم.
نص الوثيقة
تحية طيبة,
أيها السادة أرحب بكم هنا على ضفة نهر جيمس. بداية أود أن أشكركم -سادة مستعمرة فيرجينيا- لإحضاري إلى هنا. إنني هنا لأحل بعض مشاكلكم مع العبيد. لقد وصلتني دعوتكم في مزرعتي المتواضعة بجزر الهند الغربية حيث قمت بتجريب عدد من أحدث الوسائل -والتي لا تزال أقدمها- للسيطرة على العبيد. روما القديمة كانت لتحسدنا إذا تم تنفيذ برنامجي.
بينما كان يبحر قاربنا جنوبًا في نهر جيمس -المسمى على اسم ملكنا اللامع صاحب الكتاب المقدس الذي نعتز به- رأيت ما يكفي لأدرك أن مشكلتكم ليست فريدة من نوعها. ففي الوقت الذي كانت تستخدم روما أوتاد خشبية كصلبان للأجساد البشرية الواقفة على طول طرقها الرئيسية بأعداد كبيرة، أنتم هنا تستخدمون الشجر والحبال من حين لأخر. فبالكاد شممت رائحة عبد ميت مشنوق في شجرة على بعد عدة أميال. إنكم لا تخسرون بشنقهم رصيد قيم فحسب، ولكنكم تواجهون ثورات، والعبيد يهربون، أحيانًا يتركون محاصيلكم في الحقول لفترات طويلة لتحقيق أكبر فائدة، وتعانون أحيانًا من الحرائق، وتُقتل حيواناتكم.
أيها السادة!
أنتم تعلمون جيدًا ما هي مشاكلكم وإنني لست بحاجة إلى مزيد من التفاصيل. فأنا لست هنا لأذكر لكم مشاكلكم، ولكني هنا لأقدم لكم طريقة حلها. في حقيبتي هنا لدي برهان كامل لطريقة التحكم في عبيدكم السود. وأنا أضمن لكل واحد منكم إذا ما اتبع هذه الوسيلة بطريقة صحيحة، فإنه سوف يتحكم في العبيد لمدة 300 المئات من السنين على الأقل. طريقتي لذلك بسيطة يمكن أن يستخدمها أيٍ من أفراد أسرتكم أو الملاحظين الذين يعملون لديكم. لقد قمت بتحديد عدد من الاختلافات بين العبيد، ثم جعلت هذه الاختلافات أكبر من حجمها الطبيعي.
إنني أستخدم الخوف، وعدم الثقة والحسد بغرض السيطرة. وقد نجحت هذه الطرق في مزرعتي المتواضعة بجزر الهند الغربية، وسوف تنجح في جميع أنحاء الجنوب.
على رأس هذه القائمة، ستجد Age؛ لأنه يبدأ بحرف الـA، والثانية هي اللون.
وهناك أيضا الذكاء، والحجم، والجنس، وحجم المزرعة، وحالة المزرعة، وميول صاحبها وإذا ما كان العبيد يعيشون في وادي أم تل في الشمال أم في الجنوب في الشرق أو الغرب، وإذا ما كان لديه شعر ناعم أو مجعد أو طويل أم قصير. الآن لديكم قائمة بالاختلافات وعلى أن أحدد الخطوط العريضة للعمل.
ولكن قبل ذلك على أن أؤكد أن انعدام الثقة أقوى من الثقة، والحسد أقوى من المداهنة والاحترام والإعجاب. بعد استقبال العبيد لذلك التلقين فإنهم سوف يواصلون لمئات السنين وحتى للآلاف. لا تنسى عليك أن تستخدم العبد الأسود العجوز ضد العبد الأسود الشاب والعكس. وأن تستخدم العبيد ذوي البشرة الداكنة ضد ذوي البشرة الفاتحة والعكس، والرجال ضد النساء والعكس. عليك أن تحظى بخدم وملاحظين بيض والذين لا يثقون في كل السود، ولكن من الضروري أن يثق عبيدنا بنا ويعتمدون علينا. يجب أن يحبونا ويحترمونا ويثقون بنا نحن فقط.
أيها السادة هذه الأدوات هي مفاتيحكم للسيطرة استخدموها ويجب على زوجاتكم وأطفالكم أن يستخدموها ولا تفوتوا أي فرصة. إذا استخدمت هذه الأدوات بكثافة لمدة سنة، فالعبيد أنفسهم سيظلون مرتابين على الدوام. شكرًا لكم أيها السادة.
العبودية أسلوب حياة
يقولون “اللي مالوش كبير، يشتري له كبير”، وهذا هو نهج من اعتاد العبودية، فبعد أن يتخلص من سيده، لا يلبث وأن يبحث عن آخر يقول له سيدي.. لا تستنكر كثيرًا، فأنت وأنا وهو، كلانا عبيد. لا تقول لي كيف وليس في أيدينا أغلال! ولكنها في داخلك وأعماق قلبك وفكرك. لو كانت في يديك لهان الأمر كثيرًا..
تحرر من القيود التي رسخوها في عقلك وفكرك وثقافتك، أنت عبد لمن يستحق العبودية وحده، استسلامنا له حرية، وما دونه ذل وهوان..
وإن كانت صناعة العبيد تطلبت تغييرًا في الطبيعة البشرية؛ ليتحول الإنسان الحر إلى عبد مملوك، فبلا شك العودة إلى الطبيعة البشرية ستعيد العبد المملوك إلى إنسان حر.