الحرب على الإسلام بين الصليبية العالمية والأمراء والعلماء
بعد سقوط الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين المنصرم، وقع المسلمون تحت سيطرة ونفوذ الغرب الصليبي مباشرة، حيث احتلت جيوشه بلاد المسلمين احتلالًا مباشرًا، وقام بتعيين نواطير على مصالحه في العالم الإسلامي الذي تم تفتيته إلى دول ودويلات لا تملك من أمرها شيئًا، وتم فرض اتفاقيات ومعاهدات على العالم الإسلامي من أخطر وأهم بنودها إلغاء الخلافة العثمانية ومنع قيام دولة إسلامية أو إعادة الخلافة أو الحكم بالإسلام أو إعادة الوحدة بين أملاك الدولة العثمانية التي تم تفتيتها وتقسيمها بين بريطانيا وفرنسا أهمها اتفاقية سايكس-بيكو، وتم فرض معاهدة “سان ريمو” عام 1920 ومعاهدة “لوزان” 1923 على تركيا التي أصبحت فقط حدودها في هضبة الأناضول.
وبعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة للضعف الذي أصاب بريطانيا وفرنسا بسبب الحرب وخروجهما منها مهلهلتين مترنحتين انتقلت زعامة الغرب الصليبي من بريطانيا وفرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت كقوة عظمى فتية صاعدة، عملت على انتزاع مناطق نفوذ بريطانيا وفرنسا وسيطرتهما المباشرة وأملاكهما اللتين سيطرتا عليها من الدولة العثمانية، ولكن أسلوب السيطرة والنفوذ الذي اتبعته الولايات المتحدة يختلف عن أسلوب بريطانيا وفرنسا المباشر، حيث قامت باستبدال الاستعمار المباشر باستعمار غير مباشر بواسطة الاستعمار الاقتصادي، حيث أنشأت البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أجل إغراق هذه الدول بالديون ووضع يدها على اقتصاداتها.
والأسلوب الآخر الذي استخدمته أمريكا في السيطرة على العالم الإسلامي كان بواسطة عملاء جاءت بهم إلى السلطة بانقلابات عسكرية مع الإبقاء على بعض الدول كما هي دون تبديل ولكن نقلتها إلى سيطرتها غير المباشرة وأبقت إرادتها منزوعة.
فنتيجة هذا التبديل في نظام النفوذ والسيطرة الصليبية التي أجرته الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية من المباشر إلى غير المباشر، أخذت دول العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية تشهد ما سُمي بالانقلابات العسكرية المتتابعة، ومن أجل خداع الأمة سموا هذه الانقلابات بالثورات وقادتها بالثوار والضباط الأحرار، وما هي بثورة ولا هم بثوار ولا أحرار، وإنما خيانات وعملاء ومؤامرات وجواسيس وإعادة صياغة لنفوذ وسيطرة الصليبية العالمية بقيادة أمريكا على العالم الإسلامي.
وبذلك أصبحت الولايات المتحدة تحكم العالم الإسلامي بواسطة عملائها بدون جيوش مع إيجاد قواعد لها في كثير من الدول، وبعد أن أجليت جيوش بريطانيا وفرنسا عن المنطقة سُمي هذا الجلاء المتفق عليه بين بريطانيا وفرنسا من جهة وأمريكا من جهة أخرى ب “الاستقلال” من أجل ذر الرماد في العيون، وسُميت هذه الفترة “فترة الاستقلال”.
فترة الاستقلال والتحرر الوطني والنهوض القومي ومحاربة الاستعمار
وما هو باستقلال وإنما عبودية واستعباد من نوع جديد وبصيغة جديدة أشد وطأة من الاستعمار المباشر، انطلى على الأمة مما جعل الجماهير والشعوب في العالم الإسلامي تغني وترقص وتطبل وتتمايل لهذا الاستقلال المزور والمزيف والعبودية المغلفة بالحرية والاستقلال، وصارت تهتف للعملاء.
أبطال الانقلابات الأبطال المزورين والمزيفين
وصورت أمريكا للجماهير بأن جلاء جيوش الاستعمار بريطانيا وفرنسا عن ديارهم وأوطانهم هو من فعل هؤلاء أبطال الانقلابات العسكرية الجواسيس، حتى أنها قامت بإجلاء قواعد أمريكية من المنطقة بعد فقدانها لأهميتها نتيجة اختراع البوارج وحاملات الطائرات العملاقة والتي هي بمثابة أهداف متحركة وليست ثابتة فلا يسهل استهدافها كالقواعد الأرضية الثابتة.
ونتيجة لهذا الاستقلال وهذه البطولة المزورة والمزيفة أخذ هؤلاء العملاء والجواسيس المجرمون يبطشون بالأمة ويسحقون كرامتها وإنسانيتها، ويرفعون كل وضيع وذليل وخسيس فوق رؤوس العباد، ويدوسون على كل عزيز كريم، وصاروا يطاردون كل شريف، وكل ذلك تحت غطاء وابل من الشعارات البراقة.
الحرية والوحدة والاشتراكية وتحرير الإنسان وتحرير فلسطين ومحاربة الاستعمار.
وهم في نفس الوقت يفعلون غير ذلك تمامًا، فما هم إلا ممثلون على المسرح قاموا بأدوارهم التي رسمت لهم بتدمير الأمة وكيانها وخراب ديارها بكل نجاح منقطع النظير، وكل من كان يعترض عليهم يُتهم بأنه عميل للاستعمار والرجعية ومتأمر وخائن ويتم التخلص منه.
إن المشروع الغربي الصليبي بعد الحرب العالمية الأولى بقيادة بريطانيا وفرنسا أو بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة أمريكا لم تتغير نظرته للإسلام وروح العداء التي يحملها للإسلام والمسلمين، وبأن الخطر الداهم على نفوذه وسيطرته في العالم الإسلامي هو الإسلام، لذلك استمرت حربه على الإسلام، بل تصاعدت وبكل الوسائل حتى يبقى المسلمون قطيعًا من الأغنام وغثاء كغثاء السيل يتحكم بحركتها ومستقبلها كما يشاء.
من أجل ذلك حارب عقيدة الجهاد وحرم عليهم السياسة والتفكير بها والاهتمام بأمور المسلمين وما يجري في ديارهم، وأبقى السياسة حكرًا على من حملهم على رقابنا وعلى بطانات الشر والسوء التي تحيط بهم من كل جانب، وصار هؤلاء المحمولين على رقاب الأمة يُرددون كما يريد الغرب الصليبي.
لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة
ولاحقوا كل من يقول ربي الله ويهتم بأمر المسلمين ويرفض الانصياع لجبروتهم وبطشهم، ففتحوا لهم المعتقلات وعلقوا لهم المشانق وأذاقوهم العذاب ألوانًا، وصار الإسلام مُحاربًا ومطاردًا في دياره وبين أبنائه وعلى يد من يزعمون بأنهم ينتسبون للإسلام.
وأخذوا يحاربون الإسلام باسم الإسلام، فشجعوا الحركات والجماعات التي تنتسب إلى الإسلام، والتي تحول الإسلام إلى طقوس وثنية وتحرم الجهاد واستخدام القوة ضد أعداء الله أو الخروج على الظالمين وتحرم الاهتمام بالسياسة.
فشجعوا على انتشار الطرق الصوفية القبورية التي تنحاز دائمًا إلى فسطاط أعداء الإسلام وتعتبرهم قدر الله الذي لا يجوز الاعتراض عليه ولو بكلمة.
واستخدموا مشايخ وعلماء وبعض الأشخاص الذين ينتسبون للعلم الشرعي ومن أصحاب العمائم وبدون عمائم من أصحاب النفوس المجبولة بالخسة والوضاعة والذلة والمهانة والحقارة من الذين عندهم استعداد أن يبيعوا دينهم بدنياهم بثمن بخس وبلعنات هؤلاء الظالمين الخونة العملاء أعداء الإسلام الذين يوالون أعداء الله، فكانوا بمثابة الكهنة في المعابد الوثنية الفرعونية الذين يحملون المباخر ويؤلهون الفرعون، فأسسوا لهم هيئات وجمعيات ومؤسسات واتحادات وروابط ومجامع دينية.
وسموهم بكبار العلماء ليعطوهم هيبة عند المسلمين، وبأنهم ورثة الأنبياء ومن يعترض عليهم إنما يعترض على الله ورسوله والعياذ بالله، وصاروا يقولون لنا لحوم العلماء مسمومة وهم السم الناقع نفسه الذين سمموا عقول الأمة وجعلوها غثاء كغثاء السيل.
وأغدقوا عليهم الأموال والمنافع الدنيوية ليسهل السيطرة عليهم وليعطوا فتاويهم صفات الإجماع، وحتى يؤدوا رسالتهم في تحريف الإسلام بما يخدم أولياء نعمتهم فتحوا لهم وسائل الإعلام المختلفة التي تدر عليهم أموالًا طائلة فجمع الكثير منهم ثروات ضخمة.
فصاروا يتسابقون على محاربة أي بادرة خير في الأمة بإصدار الفتاوى التي تخرج هذه البادرة من الإسلام وتحكم عليها بالكفر والخروج عن ولاة الأمر من أجل أن يبقى للصليبية العالمية على المسلمين سيطرة ونفوذًا حتى لا تنهض الأمة من جديد.
وفي مصر عمل العميل الأمريكي الخطير “عبد الناصر” زعيم انقلاب 23 يوليو 52 على تخريب الأزهر، وجعل تعيين شيخ الأزهر من صلاحياته ليستخدمه في الحرب على الإسلام كما يريد، وصار يعين شيوخًا للأزهر من سقط المتاع، واستمر هذا الحال في عهد من جاؤوا من بعده، فأخذ هؤلاء يزينون للحكام أفعالهم المشينة والمخزية وظلمهم، ويمدحون حربهم على الإسلام، ويحللون لهم ما حرم الله ويحرمون ما حلله، حتى أنهم حللوا الربا وأكل لحم الخنزير، وبعضهم ألف كتبًا بِمدح كفر وإلحاد هؤلاء الحكام، فجعلوا الاشتراكية النظام الاقتصادي للشيوعية الماركسية الملحدة من الإسلام، فألفوا كتبًا بعناوين الاشتراكية من الإسلام، وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أول اشتراكي وشيوعي والعياذ بالله.
وجعل هؤلاء العلماء من فشل الحكام على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية إنجازات وبطولات تاريخية والأمة تذبح من الوريد للوريد على أيديهم وأيدي أسيادهم، وبدلًا من الحض على نهوض الأمة والدعوة لتحكيم شرع الله والجهاد في سبيل الله وقول الحق ومجابهة الظالمين تجدهم يدعون إلى التسامح مع أعداء الله وخفض جناح الذل لأعداء الأمة والكفار أجمعين، بل ويعتبرون اليهود على حق عندما يقتلون المسلمين في فلسطين لأنهم يدافعون عن أنفسهم، فجعلوا من اليهود مظلومين ومسالمين ووديعين وولاة أمر للمسلمين ومن قاتلهم أو اعترض عليهم فهو يستحق القتل، وكأن اليهود لم يغتصبوا فلسطين ويقتلوا أهلها ويشردوهم في الأرض، ولا يحتلون المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث المسجدين ومسرى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلم.
فهُم يفتون بذلك من أجل أن ينالوا رضى اليهود والنصارى ومن والاهم من الحكام؛ لذلك تجدهم يتسابقون ويتبارون ويبذلون كل جهد ممكن من أجل تحريف آيات الله لإقرار ظلم الحكام وحربهم على الإسلام لكسب رضاهم، حتى أنهم اعتبروا كل من لا يقر بأن هؤلاء الحكام ولاة أمر شرعيين رغم ظلمهم والكفر البواح الذي هم فيه، بل حرضوا على قتله، بل واعتبروا قتله من أقرب القربات إلى الله وكثيرًا ما حصل هذا وهو يحصل الآن في مصر والعراق والشام.
لقد وصل الأمر ببعض هؤلاء العلماء إلى تأليف دين جديد من بنات أفكارهم الشيطانية سموه “الدين الوسطي” ليكون بديلًا لدين الله الذي سماه الله بالإسلام لينال رضى أعداء الله والصليبية العالمية، وبموجب هذا الدين أفتوا للعسكر الأمريكيين الذين ينتسبون للإسلام بالاشتراك في الحرب الصليبية ضد المسلمين التي أعلنها الرئيس الأمريكي “بوش” عام 2001، حتى أن مؤسس هذا الدين سارع لإنقاذ الأصنام التي قررت حركة “طالبان” هدمها حسب شرع الله ولكن الحركة لم تستجب لطلبه.
ونتيجة لهذا الدور القذر الذي قبل أن يقوم به هؤلاء الذين ينتسبون للعلم الشرعي نزع الله منهم هيبة العلم واحترام المسلمين وأصبحوا مضرب المثل في النفاق والكذب والدجل والارتزاق بدين الله، وفقدوا ثقة عامة المسلمين بهم فلا أحد يثق بهم ولا بفتاويهم، فهؤلاء يستحقون عن جدارة أن يسموا بعلماء السلطان والشيطان، فهم لا يفتون إلا بما يرضي السلطان والشيطان.
فحال هؤلاء العلماء مع الحكام في النار يصفه الله سبحانه وتعالى بهذه الآيات:
- (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) [غافر:47]
- (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ* وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ) [البقرة: 166]
- (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا*رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا )[الأحزاب: 67-68]
فالهدف الأول والأخير للغرب الصليبي بقيادة أمريكا هو العمل بكل الوسائل والسبل على تدمير الإسلام، لأنه السد المنيع أمام أطماعهم وروحهم الصليبية التي تعادي الإسلام، وهو الصخرة الصلدة التي تتحطم عليها كل دسائسهم ومؤامراتهم وأطماعهم في ديار المسلمين، ويشكل الخطر الحقيقي على الشجرة الخبيثة التي غرسوها في أرضنا المباركة وسموها “إسرائيل”.
فالإسلام هو الكابوس الرهيب والشبح المخيف الذي ترتعد له فرائص الصليبية العالمية، فهم يعرفون بأننا بالإسلام كنا خير أمة أخرجت للناس وقدنا العالم وأصبحنا أمة لها حضارة مشعة وتاريخًا مجيدًا وسيادة في العالمين تهابنا الأمم.
وهم يعلمون بأن الإسلام الحقيقي الصحيح كما هو في القرآن والسنة ثورة على الظلم والقهر والفساد والجهل والتخلف الحضاري والعلمي، فهم يريدون القضاء على الإسلام من أجل القضاء والإجهاز على أمتنا حتى لا تقوم لها قائمة وتبقى في حالة انكسار دائم وتعيش في مستنقع المبادئ والعقائد والأيدولوجيات التي أرادوا أن يستبدلوا الإسلام بها، فحاربوا الإسلام بكل الوسائل ومنها محاربة الإسلام بالإسلام بواسطة هؤلاء الذين اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا والذين توعدهم الله بالويل، ولولا أن الله تكفل بحفظ دينه لتم القضاء على دين الله بواسطة هؤلاء الحكام والعلماء.
فالحمد لله الذي تكفل بحفظ دينه والله متم نوره ولو كره الكافرون.
مقال رائع جدا احسنت
دكتور لك التحية هذا المقال الرائع والذي ثردت فيه كل مراحل الفكر الغربي وتخطيطهم الدقيق لتفتيت الامة الاسلامة كنت عميقا جدا وحصيف في كل مراحل التقرير لهؤلاء المضلين الذين قبلو ان يبدلو دين الله ارضاء لامريكا وروسيا واوربا سممو افكار الامة الاسلامية حتي بات المسلم لايعلم في امر دينه الا الصلاة والصوم والحج لمن استطاع اليه سبيلا وبات يعتقد جازما ان قوانينهم الوضعية هي ترضي الله رب العالمين وبابعادهم الدين عن الدولة يخدمون ولي امرهم ولا ابالغ ان قلت ربهم الاعلي امريكا ولكنهم يغفلون ان الله سبحانه وتعالي هومن خلقهم وخلق امريكا واوجد الارض وانه سطر اقدارها ومئالاتها وانهم لن يعجزو الله وانه سبحانه قادر علي ازالتهم متي شاء.