الهجرة إلى أوروبا عبر المخاطر.. بين الغاية والوسيلة

ترددتُ مرارًا في الكتابة عن هذا الموضوع، خاصةً أنّ شعوبنا المسلمة عاطفية بامتياز وتنظر إلى الأمر من منظورٍ واحدٍ غالبًا -إلّا من رحم الله- دون النظر إلى الأمر من منظورٍ منطقي أو إعطاء اعتبار للناحية الشرعية، ولولا هذا، ربّما لم نكن لنكون بما نحن فيه الآن.

مؤخرًا تدفّق سيل من المهاجرين السوريين إلى أوروبا وبالتحديد ألمانيا، أنا بنفسي أعرف العديد من أقاربي وزملائي ممن صاروا هناك، وما أودّ أن أقوله هنا هو أنّ الوضع ليس مثلما ينظر الجميع إليه.

حقائق عن رحلة الذهاب

أولًا، دعنا نعلم بعض الحقائق عن رحلة الذهاب، غالبًا ما تكون عن طريق المرور بتركيا، من مدينة أدرنة التركية ومن ثمَّ تشقّ طريقك إلى اليونان وعبر الدول الأوروبية الأخرى لتصل إلى وجهتك (ألمانيا، فرنسا.. إلخ)، هذه الرحلة تكلّف حوالي 1500$ إلى 2000$ كمتوسط للشخص الواحد فقط، احتمالية الموت، السرقة، الاغتصاب والضياع هائلة جدًا على الطريق. ربّما يتم السماح لأفراد من الأسرة بالمرور في دولة أوروبية ما بينما يتم الإبقاء على البقية بسبب الفئة العمرية، ربّما تحصل العديد من الأمور.

مما سبق تستنتج أنّ من يذهب إلى هناك -بالطريقة المذكورة وليس بالطريقة النظامية- غالبًا ما لا يكون من فئة “الفقير البائس اللاجئ الهارب من الحرب”، بل في معظم الأحيان يكون من الطبقة الميسورة، فالطبقة الفقيرة أو حتّى المتوسّطة أحيانًا لا تستطيع دفع 2000$ للشخص الواحد، فكيف لو كانت العائلة 5 أشخاص مثلًا؟ نعم يمكن لشخص واحد الذهاب فقط وبعدها يقوم بعمل “لمّ الشمّل” الذي يسمح له بجلب عائلته، ولكن هذا الأمر يحتاج سنة كاملة ليتحقق بعد وصول ذلك الشخص إلى أوروبا، وأين ستسكن بقية الأسرة إذًا؟

أضف إلى ذلك أنّ من يذهب إلى هناك عليه المرور بتركيا، هذا يعني أيضًا أنّه ليس لاجئًا هاربًا من الموت، فهو لم يخرج من اللاذقية إلى اليونان، يمكنه البقاء في تركيا إن أراد وسيبقى سالمًا هو وعائلته، وبهذا تبطل حجّة “لاجئ هارب من البراميل المتفجّرة”، فمعك 2000$ والدولة تستقبل السوريين، فلماذا تريد حصرًا الذهاب لألمانيا بحجة الهروب من البراميل المتفجّرة…؟

أيّ أنّك لست لاجئًا -لأنّك تملك نقودًا كافية- ولست هاربًا من الموت مباشرةً -لأنّك مررت بالعديد من الدول التي يمكنها أن تحميك ولكنّك لم تبق بها- فلماذا تذهب إذًا؟ الجواب واضح وقد ذكرته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخرًا: لأنّك تبحث عن الرفاه الاقتصادي.

الرفاه الاقتصادي

افرض أنّ دولة مثل هنغاريا أو المجر أو اليونان عرضت عليك البقاء عندها في مخيم للاجئين، وسيتم التكفّل بطعامك وشرابك ومعيشتك ووضع أبنائك في المدارس والجامعات؟ هل ستقبل بهذا بديلًا لألمانيا؟ معاذ الله، ربّما 75% من الذاهبين هناك لن يفعلوا، لأنّهم لا يبحثون عن الأمان والحماية والعيش كما يردد الإعلام طوال اليوم.

إنهم يبحثون عن التطوّر والتكنولوجيا والاقتصاد القوي والجامعات الألمانية التي تحتل مرتبة متقدّمة في جامعات العالم والـ 500 يورو التي ستعطيهم إياهم الحكومة شهريًا واللغة المجانية وشوارع برلين وفرانكفورت، ولنكن صريحين: قبل الأحداث، لو حصل وفتحت السفارة الألمانية باب الهجرة كما هو الآن إلى ألمانيا، ألم نكن لنصطف بالطوابير للمغادرة؟ فكيف الآن والوضع أسوء بعد الأحداث؟ والجواب واحد: الرفاه الاقتصادي.

الدول العربية والإسلامية لا تستقبل اللاجئين

refugee-map

من قال أنّ هذه الدول لم تستقبل اللاجئين؟ لماذا نصرّ على نكران الجميل؟ الأردن لوحده به ضعف عدد اللاجئين الذي استقبلته أوروبا كلّها -نتحدّث عمّا قامت به الشعوب المشكورة لا الحكّام الطغاة بالطبع- وعلينا أن نفهم أنّ الميّت لا يحمل ميّتًا، الأردن الآن أغلق أبوابه أمام المزيد من اللاجئين ونعرف ذلك، ولكن يجب علينا أن نتذكّر أنّ هذه الدول تعاني بالأساس من غلاء المعيشة وغيرها من أصناف ضنك العيش، والكلام غير موجّه بالطبع إلى دول الخليج التي ساهم معظمها بتشريد هذا الشعب المسكين وغيره، حكوماتٍ وليس شعوبًا بالطبع.

كفى

لماذا نقول كلّ ما سبق؟ هل فقط لكي نطعن باللاجئين؟ طبعًا لا، بل لنقول لهم كفى“! انظر إلى هذا، أليست صورًا تقطّع القلب؟ ألم يكن حقًا بإمكان أهاليهم البقاء في واحدةٍ من الدول القريبة، بدل الذهاب عبر مراكب الموت إلى أوروبا عبر البحر والغرق بهذه الطريقة رغم أنّهم دفعوا مئات الدولارات؟ هل يهون على الإنسان أن يرى أبنائه أمواتًا أمام عينيه بسبب تصرّفاته غير المحسوبة؟

نقول كلّ ما سبق لكي نقول للنازحين السوريين ألّا يخاطروا كلّ هذه المخاطرة بأنفسهم من أجل الجنّة الأوروبية الموعودة، وأنّه دومًا يوجد لهم مكان رغم ما يُقال في دول مثل تركيا وغيرها للبقاء والعيش، وأنّ الجنّة الأوروبية الموعودة لن تفيد المرء في حال فقد أولاده وأهله على طريق الوصول إليها.

لا تخلوا كلّ حالةٍ من استثناء.. وربّما يتحتّم على بعض الناس أحيانًا المجازفة بسبب بعض الأسباب، مجبرٌ أخاك لا بطل، وأودّ أن أنوّه إلى أننا هنا نتحدّث عن الهجرة غير الشرعية عمومًا وعبر البحار والغابات، وليس الهجرة النظامية. فتلك لها وضعٌ آخر.

وأخيرًا أحبّ أن أختم بهذا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (متفق عليه):

إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

محمد هاني صباغ

شاب مسلم، مؤسس عدد من المبادرات العربية والعالمية عن البرمجيات الحرّة والمفتوحة. مبرمج ومدوّن. كاتب… المزيد »

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. تركيا دفعت ثم أخذت ما دفعته من الاتحاد الأوروربي
    أوضاع المعيشة خارج المخيمات صعبة جدااااااااا فضلا على أن الأتراك -أغلبهم- يرون السوري فرصة لاغتنامه والتمييز في المدارس وقبولات الجامعة الصعبة والفساد الأخلاقي والإنحطاط في أقصى درجاته والسرقة المتفشية وتصعيبات شؤون السيارات والتأمين الصحي وحقد الأتراك على السوريين فلا يدخلون إلى محاله التجارية ويأكلون حقه باستخدام أشنع الأساليب الاحتيالية وغيره. . . . .

  2. طبعا يريدون و نريد الحياة الإقتصادية و الرفاهية ما المشكلة بالموضوع ؟ ما دام الإنسان اضطر ان يهاجر من بلده فاليختر بلدا تكرمه و تعطيه جنسية محترمة و معيشة محترمة .
    مقال خاطئ الاولى كان ان تفتح دول الخليج ابوابها للاجئين و تكرمهم كما تفعل المانيا . لعنة الله على دول الخليج واحدة واحدة .

  3. بارك الله فيك على طرح هذا الموضوع المهم.
    وكان الاولى بالرجال والشباب على الخصوص، بدلا من تسليم آلاف الدولارات للمهربين، ان يشتروا بتلك الاموال أسلحة وينظموا للثورة المسلحة ليجاهدون في سبيل الله! عار على كل رجل وشاب ان يهاجر من سوريا ويترك الجهاد في سبيل الله! اذا كان الرافضة والروس، وهم على كفر وباطل، يهاجرون الى سوريا للقتال، فكيف بالذكور من اهل السنة يهربون من سوريا ويتركوها للرافضة والنصيرية والروس والامريكان!!!؟؟؟

    1. احلى شيء كلام الفلسفة تبع حضرتك . لما تعطوا السوريين اسلحة مضادة للطائرات وقتها ستجد كل الشباب يقاتل . اما مسدس و بندقية ضد طائرات و صواريخ . لن تنفع . و اقص يدي لو ان العاب نارية انطلفت امامك لتهرب مفزوعا منها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى