أُسّ الداء في ثورة الشام وكيفية علاجه!

من أراد علاج مرض فلا يجوز له الاهتمام بالآلام ووصف أدوية لتهدءتها وكبتها فحسب، بل لابد من تشخيص الداء المسبب للآلام وتحديد العلاج الفاعل لقلع الداء كاملا! أما كبت الآلام وتهدءتها فتجعل المريض لا يشعر بتطور المرض واستفحاله، إذ يفقد الإحساس بالمنبهات (الآلام) لوجود مرض، فلا ينتبه حتى تصبح مثبطات الآلام فاقدة لفاعليتها والمرض بدأ يقضي جليا وبسرعة وشراسة على جسمه، ساعتها يكون دخل مرحلة الاحتضار ولا يبقى له إلا انتظار خروج الروح!

وهذه الطريقة في التعامل مع المشاكل هي التي تطغى في بلاد المسلمين وبين المسلمين!

فخذ مثلا الصراع الذي نشب مؤخرا، إبَّان انعقاد مؤتمر آستانا، بين فتح الشام وعدة فصائل ممن دخلت في مفاوضات مع الغرب وروسيا، فقد انقست ردود فعل الساحة إلى قسمين أساسين:

  1. قسمٌ، وهم الغالبية من ناحية العدد على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حمَّل الجبهة حصريا مسؤولية الصراع بين الفصائل، وذهب كثير منهم إلى وصف الجبهة بالخوارج وحرض على قتالها واستئصالها، الخ.
  2. والقسم الثاني، اِعتبر فعل الجبهة اعتداءً وبغيًا، ودعا إلى وجوب تَوَّقف الجبهة عن السيطرة على مواقع فصائل “المعارضة” السورية أو ما يُسمى “الجيش الحر”، واللجوء لمحاكم شرعية لحل أي مشاكل وخلافات!

والذي غاب في غالب تعليقات وتحليلات القسمين، هو البحث في لب الداء، في الأسباب التي أدت إلى الصراع بين الجبهة وفصائل “المعارضة”!

الصراعات الواقعة اليوم!

الغالبية تتعامل مع الصراعات الواقعة اليوم بين الفصائل وكأن مؤتمر الرياض لم يحصل، المؤتمر الذي انعقد في أواخر سنة 2015م برعاية وأمر أمريكي، والذي تمخض عنه تزاوج بين عدد من الفصائل المقاتلة في ثورة الشام، ومنها أحرار الشام، مع الائتلاف الوطني السوري (الذي أسسته أمريكا مبكرا في قطر في شهر نوفمبر 2012م – بوساطة الإخوان المسلمين)، الزواج الذي سمِّي “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”الهيئة العليا للمفاوضات”! الائتلاف الذي أُسِّس لِتُمهَّد به عمالة الفصائل وتُقنَّن، كما حصل من قبل مع فصائل المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي والبريطاني والإيطالي والأمريكي، وكما حصل مع فصائل المقاومة في فلسطين!

الغالبية تتعامل مع الصراعات الواقعة اليوم بين الفصائل وكأن مؤتمرات جنيف 1 و2 و3 لم تنعقد قط، المؤتمرات التي لعبت دورا مُهِمًّا في ترويض الفصائل المقاتلة، لتدخل خطوة خطوة في العمالة والخيانة التامة، فتتخلى عن السلاح والقتال وتقبل بالحلول السياسية التي يفرضها الغرب ويهدف بها إلى إبقاء الشام تحت هيمنته، مرتبطة به تشريعيا وسياسيا وأمنيا ومخابراتيا، كما فعل من قبل مع فصائل المقاومة ضد الاستخراب (الاستعمار) وحديثا مع فصائل المقاومة في فلسطين والعراق وغيرها من البلدان الإسلامية!

الغالبية تتعامل مع الصراعات الواقعة اليوم بين الفصائل وكأن اتفاق هدنة 29 كانون الأول/ديسمبر 2016م، المذل المهين لأهل الشام والثوار لم يَحْدث، الاتفاق الذي استسلم فيه الموقعون لروسيا وإيران ونظام آل الأسد، وأقروا رسميا إيقافهم للقتال، بعدما أوقفوا القتال فعليا قبل الاتفاق بأشهر بل وسنتين أو ثلاثة، وسلموا حلب لنظام آل الأسد وإيران والروس! الاتفاق الذي أقروا فيه بشرعية التدخل العسكري الإرهابي الروسي في الشام، بل ورفعوا روسيا الى مرتبة الوصي على ثورة الشام والضامن لاتفاقاتها وسياساتها، وأقروا بتصنيف فتح الشام جماعة إرهابية وبحق روسيا وتركيا والتحالف الدولي قصفها وإبادتها!

الغالبية تتعامل مع الصراعات الواقعة اليوم بين الفصائل وكأن مؤتمر الآستانة المذل والمهين للثوار لم يكن، المؤتمر الذي خرجت فيه روسيا وإيران وتركيا ببيان من أهم بنوده قتال فتح الشام بمشاركة وتواطؤ فصائل “معارضة الثورة”، وإقامة دولة علمانية تهيمن عليها الأقليات النصيرية-الرافضية-العلمانية الكافرة، دولة يُصاغ دستورها من قبل روسيا أو الأمم المتحدة!

الغالبية تتعامل مع الصراعات الواقعة اليوم بين الفصائل وكأن مؤتمر جنيف “4” الذي يُعزم عقده قريبا لن يحدث، المؤتمر الذي يريد قطف ثمار سياسة الترويض والترغيب والترهيب التي مارستها، عبر الأشهر والسنوات الماضية، تركيا والدول الإرهابية وعلى رأسها نظام آل الأسد وروسيا وإيران وأمريكا، والتي تفضي إلى محاربة كل مسلم وكل فصيل يريد دولة إسلامية في الشام، محاربة كل من لا يرضى بالخضوع لإرادة النظام الدولي، مؤتمر يوطد لنظام رافضي-نصيري-علماني في سوريا!

الغالبية تتعامل مع الصراعات الواقعة اليوم بين الفصائل وكأن التمويل والتسليح الذي تحصل عليه الفصائل وقياداتها العسكرية والشرعية والسياسية ليس له أي دور في الفشل الذي لحق بالثورة، وفِي الصراع الحاصل بين الفصائل وتشرذمها وعدم قدرتها على التوحد!

الحلول اللازمة لوقف الاقتتال في الشام

أستغرب كيف لا يتطرق رجال لهم شيء من الإيمان بالإسلام، وشيء من المعرفة بأحكامه المتعلقة بالسياسة الشرعية، لهذا الداء الخطير الذي عرضنا جزءًا مُهِمًّا منه، أستغرب كيف يرضى مؤمن عن هذه الائتلافات والمؤتمرات التي يرعاها الغرب وينظمها ويحدد غاياتها!؟

أستغرب كيف قلما تجد من يرى في هذه الائتلافات والمؤتمرات التي يرعاها الغرب وينظمها ويحدد غاياتها، خيانة عظمى وأس الداء، وبسببها حصل شرخ في صفوف الثورة، وسيحصل اقتتال دموي واسع إذا تُركَ الداء يستشري في ساحة الثورة الشامية!؟

فمن أراد أن يكون جادا ومنصفا ورشيدا، فعليه التحدث عن هذا الداء الذي عرضنا جزءًا مهمًا منه، والذي تسبب في صراع الفصائل في ساحة الثورة الشامية، وعليه تقديم حلول شرعية جذرية فعالة، وليس الاقتصار على محاولة تهدئة الصراع بكلمات عاطفية سطحية:

  • عليه العمل على قلع الداء المتمثل في ارتباط الفصائل ماليا وتسليحيا وسياسيا بتركيا وقطر والسعودية، ودفع الفصائل بقوة لتعمل على تطوير وصناعة ما تحتاج إليه من أسلحة وتعتمد على تمويل ذاتي وتبرعات آحاد المسلمين من أبناء الأمة وليس من الدول!
  • عليه العمل على قلع الداء المتمثل في اللجوء للأمم المتحدة والرضى بقراراتها وبشرعية “المجتمع الدولي”!
  • عليه العمل على قلع الداء المتمثل في مفاوضات جنيف وآستانا، المفاوضات التي منحت الشرعية لدول كافرة والأمم المتحدة لتحديد مصير ثورة الشام وأهدافها، ولإحداث شرخ في صفوفها. فعليه تجريم، صراحةً، مفاوضات الخيانة والذل والاستسلام، وعدم الإدلاء بتصريحات رمادية، لا ضد ولا مع، تصريحاتُ تدل على قلب غير مطمئن بإيمانٍ قاطعٍ بما جاء في القرآن وسنة الرسول من حرمة الولاء للكفار ووجوب التبرؤ منهم ومن الظلمة، فينتظر لعله يخرج شيء من الخير من الغرب ومؤتمراته للمسلمين في ثورة الشام!
  • عليه رفض كل مؤسساتٍ وتجمعاتٍ وائتلافاتٍ أسسها الغرب أو تركيا أو السعودية أو قطر! فلا تُعطى الشرعية لهذه الائتلافات والمؤسسات ولا يُسمح لها التحدث باسم الثورة، وتُؤمر كل الفصائل المقاتلة الانسحاب من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”الهيئة العليا للمفاوضات” ورفع الشرعية عنها!
  • عليه الإقرار بأنه من الواجب الاستباق لإيقاف كل مخططات القضاء على الثورة، و”تأديب” الفصائل التي تشارك الغرب، عن خبث وخيانة أو جهل، في إجهاض الثورة والقضاء على الفصائل والأفراد الذين لا يقبلون بتدخل النظام الدولي والذين يسعون لِتَمَكُّن المسلمين في الشام من دولة إسلامية، لها سلطة ذاتية مستقلة فِعْلاً في سياساتها وقراراتها ومواقفها عن كل دول العالم، بما فيهم تركيا والسعودية!
  • والغرض من هذا “التأديب” لفصائل الآستانة وجنيف ليس تكفير تلك الفصائل ولا قتل جنودها، بل إلزامهم تسليم كل نقاط الرباط والمقرات والحواجز التي تحت أيديهم، لأنهم اختاروا أصلا وقف إطلاق النار والاستسلام، فلا يُؤتمنون على ثغور المسلمين ما دام اختاروا الركون للكفار وللحل السياسي الذي يفرضه الغرب، فلهم الحق في تملك أسلحتهم الفردية الخفيفة للدفاع عن أنفسه والخروج بها والتزام بيوتهم أو تجاراتهم الخ!

هذه بعض النقاط الأساسية التي تُبين لب الداء وتضع حلولا جذرية عملية لهذا الداء، فإذا أُهمل هذا الداء الخطير، وتم استصغار خطورته، والدعوة لِ”أخي وحبيبي” و”أخوة الإسلام”، لا تقتتلوا الخ، فالداء سيكبر ويصل لدرجة قاتلة، تقضي على الثورة تماما ومعها أهل السنة في الشام!

وليعلم كل ذي لُبٍّ وفَهْمٍ في السياسة الشرعية، أن داءً من هذا النوع لا يُحَل أبدا عن طريق محاكم شرعية، فكيف يُحتكم لمحاكم “قضاتها” هم من أفتوا بالذهاب لجنيف وآستانا، “قضاة” يدينون بإسلام أمريكي، ليس عندهم أي مانع في الركون للغرب والتحاكم للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ليس عندهم أي مانع أن تنتهي الثورة في الشام بإقامة دولة علمانية تحكم بغير ما أنزل الله! فليتحرى كل مخلص بشيء من الواقعية الشرعية والعملية، ولا يدعوا لحلول خرافية تزيد الطين بلة!

أليس في أمة محمد اليوم رجال ذوي رُشْدٍ ورباطة جأش كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي لولا قوة رأيه وعزمه وحسمه، لقُضي على دولة الإسلام بعد وفاة الرسول!؟

فكم نحن في أمس الحاجة اليوم لرجال ذوي رباطة الجأش، ثابتين على دين الله مهما كان حجم وكَمُّ المحن، ليحافظوا على ثورة الشام ويقودوها، ويقودوا بالتالي الأمة الإسلامية، في الطريق الصحيح للتحرر، …

فاروق الدويس

مسلم مُتابع للأحداث في البلدان الإسلامية خاصة، يحاول المساهمة في معركة الأمة المصيرية بأبحاث ومقالات… المزيد »

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى