بين موسى وفرعون.. مراحل صراع الحق والباطل

لقد قَص الله سبحانه وتعالى قصة فرعون وجنوده في صورة واسعة جدًا في القران الكريم واختلفت كل صورة عن الأخرى في الشرح والاختصار حيث ورد ذكر فرعون حوالي 76 مرة وفي الغالب كان ذكر فرعون يتبعه ذكر الملأ والسحرة والجند والأعوان.

إن قصة سيدنا موسى وفرعون هي من أهم قصص تصادم قوى الحق والباطل والتي أظهر فيها الحق قوته وأظهر فيها الباطل تخبطه.

بدأ الصدام العقدي

ابتدأ سيدنا موسى بالحوار مع فرعون في صميم العقيدة، ثم بين سيدنا موسى لفرعون أن له ولآبائه رب واحد هو مالك الملك ورب المشارق والمغارب وأنه يجب على فرعون طاعته. فهبَّ في فرعون جنون العظمة واتهم سيدنا موسى بالجنون وهدده بالقتل والسجن أن لم يتخذ فرعون ربًا من دون الله، البعض يظن هنا أن المصريين القدماء كانوا يعبدون فرعون ولكن الحقيقة أنهم كانوا يعبدون آلهتهم مثل “آمون” ولكن فرعون كان “المُشرِّع” والآمر والناهي لهم فجعل من نفسه إلهًا في الأرض من دون الله.

معركة الدليل والبرهان

بعد النقاش عرض سيدنا موسى على فرعون عدة معجزات ودلائل ليجعل فرعون يتأكد من أن هذه المعجزات لا تُناقش أو توضع في السجن، فقال فرعون للملأ: (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)، فآتاهم سيدنا موسى بالسحر، وأظهر فرعون الديموقراطية! حيث أنه يستشير الملأ من حوله ليحاول اجتذابهم لصفه ويستفز فيهم حرصهم على ملكه ومكانتهم بجواره على الرغم من أنه قال (أَنَا رَبّكُمْ الْأَعْلَى) وطريقة اللين يذهب إليها كل طاغوت وكل متجبر ليحاول اجتذاب الناس لصفه حينما يظهر برهان أو دليل يحاول إسقاط ملكه.

وهنا جاء تصرف الملأ وأدركوا أنها مسألة عقائد تحتاج إلى أهلها فذهبوا ليستنجدوا بعكاز الطواغيت في كل زمان ومكان “رجال الدين والكهان”، فقال الملأ لفرعون (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ) أي أجل المواجهة مع موسى وهارون (وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) فجمع السحرة واتفق معهم (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) وهنا تأتي خطوة هامة وهي جمع الناس.

جمع عامة الناس ليشهدوا الصدام

(وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) وهنا نرى ثلاث لافتات مهمة: –

  • الأولى: – كيف لفرعون أن يسمح للناس باتباع السحرة إلا إذا كان مسار السحرة هو نفس مسار فرعون؟!
  • الثانية: – أن الناس دائمًا تتبع الدليل والبرهان حتى وإن تم إيهامهم بهذا الدليل.
  • الثالثة: – أول خطوات النصر ظهرت في اتباع الناس للسحرة بعد ظهور حجة وقوة برهان سيدنا موسى.

لماذا جاء السحرة لتلك للمواجهة؟

(فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) فهم جاؤوا للأجر وليس للمواجهة فقال لهم فرعون: (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فقد اختار لهم أحب الأشياء للناس وهو التقرب للحاكم ولذلك نرى جميع الإعلاميين مقربون من الحكام في هذا العصر فهم في مكانة السحرة الآن.

بدأ الصّدام

حينما اتفق السحرة على أن يلقوا اختاروا شعارهم كما يختار عُبَّاد المناصب وعُبَّاد السلاطين (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) ولكن الله لا ينسى عباده وانتصر سيدنا موسى عليهم وقال السحرة: (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، وهنا علم فرعون أن حائط السلطة الأول قد وقع على رأسه!

فأشهر أحد أسلحته وهم “الجند والأعوان” وقام بالتهديد للسحرة (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)، فلما هاجر من آمن مع سيدنا موسى جاء دور الآلة الإعلامية (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ).

جاءت لحظة انتصار الحق

سار سيدنا موسى ومعه سيدنا هارون ومن آمن معهم حتى رأوْا البحر أمامهم وفرعون وجنوده خلفهم! إن هذا اللحظات التي تتزلزل فيها النفوس وتزيغ فيها الأبصار وتبلغ فيها القلوب الحناجر هي لحظات النصر! فعندما رأى من آمن هذا الموقف قالوا (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ).

كلما انقطعت بِنَا الأسباب ازداد رجاؤنا في رب الأرباب

وهذه النقطة نفتقدها في أيامنا هذه ونستعجل النصر ونرى تقطع الأسباب ولكن علينا أن نفعل مثلما فعل سيدنا موسى. كان سيدنا موسى كان على ثقة بربه فقال: (كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) فانفلق البحر ونجى موسى وأصحابه وغرق فرعون وأتباعه.

دروس جانبية

الملأ: هم شركاء في كل جريمة يرتكبها الطاغوت فهم المستشارون والعوان وكبار الجند والحاشية فهم شركاء في التسلط والطغيان. فهم المتكبرين (الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) والمترفين (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ).

وهم دائمًا موجودون في ثلاثة أمور:

  • أن السلطان يرتكز إليهم ويرتكزون إليه.
  • لهم دور في تثبيت حكم الطاغية.
  • لهم نفس العقاب والمصير كما ذكرهم القرآن الكريم.

أما الجند: فحالهم كحال الملأ فهم جزء منهم والطبقة الأساسية في تكوينهم وهم السند الحقيقي ولذلك هم شركاء في كل شيء معهم. فقال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) فخطيئتهم واحدة (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ).

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم . جزاكم الله خير على هذا السرد الجميل والانتقائية بالمواضيع . الهادفة . شكرا لكم اخوكم علي العراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى