مذبحة سربرنيتسا.. آلاف المسلمين قضوا نحبهم على مرأى من العالم!

مذبحة سربرنيتسا هي القصة التي ستظل عالقة في الضمير، فالذاكرة الجريحة لا تموت مهما أوهمنا النسيان بذلك، مذبحة سربرنيتسا هي القصة التي من الضروري أن تُحكى ويُخبر بها مرارًا وتكرارًا.

فهل كلمة سربرنيتسا مألوفة لديك؟ هل تذكرك بالأعمال الوحشة واسعة النطاق؟

في هذا التقرير سنتعرف على مذبحة سربرنيتسا، ولماذا وقعت تلك الجرائم، وما هي الخلفية التي حركتها، ولماذا حدث ذلك في مسلمي البوسنة والهرسك، وما معنى عمليات التطهير العرقي..

وأخيرًا بعد مرور أكثر من ربع قرن على أسوء جريمة مروعة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، هل انتهى البوسنيون من دفن قتلاهم؟!

إن هذا التقرير يناشدك ألا تنسى ما لا يجب أن يُنسى، وقد وصى بهذا الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش حينما قال:

لا تنسوا الإبادات الجماعية، فإنها تتكرر لدى نسيانها.

البوسنيون.. من هم؟

إن البوسنيين هم أمة قديمة من سكان أوروبا الشرقية، وهم من سكانها الأصليين. وخلال الحرب العالمية الثانية تعرض البوسنيون لأشد أنواع التعذيب من تحت أيدي اليهود على أراضي يوغسلافيا سابقًا؛ وذلك لرغبة الصرب في التوسع وتطهير البلاد من أي ديانات غير المسيحية على حد تعبيرهم.

يوغسلافيا

سكن البوسنيون يوغسلافيا والتي كانت إحدى دول أوروبا الشرقية، وقد ظهرت يوغسلافيا في عقب الحرب العالمية الأولى، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية تم احتلالها من قبل الألمان والإيطاليين، وبعد هزيمة ألمانيا استقلت يوغسلافيا وسيطر الشيوعيون عليها.

أما عن موقعها فإنها تقع في غرب جزيرة البلقان وفي جنوب وسط أوروبا وعلى الساحل الشرقي لبحر الأدرياتيك. من الشرق تحدها بلغاريا ورومانيا ومن الشمال المجر والنمسا ومن الشمال الغربي إيطاليا ومن الجنوب اليونان وألبانيا.

مساحتها تقدر بحوالي 255,804 كيلومتر مربع.

جمهوريات يوغسلافيا

سيكون علينا أن نتعرف على جمهورياتها، لندرك عمق الصراع الذي دار بين مواطنيها، قد تكونت يوغسلافيا من ست جمهوريات هي:

  • جمهورية صربيا.
  • جمهورية كرواتيا.
  • جمهورية مقدونيا.
  • جمهورية سلوفينيا.
  • جمهورية الجبل الأسود.
  • جمهورية البوسنة والهرسك.

بالإضافة إلى ثلاثة أقاليم هي:

إقليم كوسوفو وإقليم فويفودينا وإقليم سنجاق.

سكانها

في يوغسلافيا السابقة شكل المسلمون الغالبية العظمى من سكان البلاد والتي تتمركز في جمهورية البوسنة والهرسك، كما انتشرت الديانة المسيحية بمذهبها الكاثوليكي والأرثودوكسي.

وذخرت يوغسلافيا بعدة أعراق بشرية مثل: الكروات والصرب المسيحيون والذي يطلق عليهم السلاف، والبشناق المسلمون، والأتراك والألبان وبعض الجماعات الأخرى.

ويبلغ عدد سكان جمهورياتها خمس وعشرون مليون نسمة أو أكثر.

انتشار الإسلام في يوغسلافيا

يرجح البعض انتشار الإسلام في هذه المنطقة بعد فتح العرب لجزيرة صقلية، والبعض الآخر يرجع الفضل إلى التجار المسلمين. ولعل ما ساعد أهل البوسنة البشناق على قبول الإسلام، هو ظهور المذهب اليوجوميلي أو الكنيسة البشناقية.

وكانت هذه الكنيسة تعارض المذهب الأرثودوكسي والكاثوليكي السائد، وطالبت بعودة المسيحية الحق التي تؤكد أن عيسى هو عبدٌ لله ورسوله، وترفض التثليث والوساطة بين الفرد المسيحي وربه عن طريق رجال الدين. فكانت عقيدتهم أقرب ما يكون إلى التوحيد.

وقد فتح السلطان محمد الفاتح يوغسلافيا في عام 878 هـ الموافق 1463 م، فتعرف البشناق على الإسلام عن قرب ووجدوا أن تعاليم الإسلام شديدة الصلة بالمسيحية التي كانوا يدينون بها، وتأثروا بدعوة الإسلام لمكارم الأخلاق والعدل والسماحة.

فبدأ البشناق في اعتناق الدين الإسلامي، ولم يمض سوى قرن واحد واعتنق جميع البشناق الإسلام وحسن إسلامهم. وبدأوا في بناء مدنهم الجديدة التي تحمل طابعًا إسلاميًا في مساجدهم ومدارسهم الإسلامية.

الإبادات العرقية الممنهجة ضد شعب البوسنة المسلم

لكن، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تصاعدت وتيرة الأزمات بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية، كان على أثرها نشوب الحرب بين الإمبراطورية النمساوية والدولة العثمانية، وهددت هذه الحرب بشكل خاص مسلمي البوسنة؛ وذلك لأنهم كانوا يعيشون في الأطراف الحدودية من الدولة العثمانية.

وأمام ضعف العثمانيون في الحفاظ على مكتسباتهم من دول البلقان، اضطروا إلى تسليم مناطق البوسنة والهرسك لإمبراطورية النمسا والمجر.

وهنا علينا أن نشير أنه قبيل الحرب، أطلق كارل السادس نداء إلى شعب البوسنة بأنه سيمنحهم الأمان لكنه لن يسمح لمعتنقي أي ديانة عدا المسيحية بالبقاء داخل إمبراطوريته!

وقد هاجر العديد من مسلمي البوسنة في هذه الأثناء إلى تركيا والبلاد الإسلامية شرقًا وغربًا؛ خوفًا من التنكيل بهم، ومن لم يستطع الخروج اُجبر على التنصير.

وفي عام 1887م احتلت قوات النمسا والمجر أراضي البوسنة والهرسك، وقد دفع هذا الاحتلال ظهور أول مقاومة مسلحة من مسلمي البوسنة؛ ذلك لأن البوسنيون قد ارتأوا في إسلامهم هوية ومصدر عزة وفخر لهم، فكان إعلان سيطرة دولة أخرى عليهم بمثابة كسر لهوية كونهم مسلمون ولهم الحق في أن يستظلوا تحت عباءة حكم إسلامي.

وقد قُدر عدد مسلمي البوسنة المتواجدين في صربيا بعشرة آلاف وذلك في عام 1930م، وعندما حصلت صربيا والجبل الأسود على الحكم الذاتي بموجب قرار مؤتمر برلين 1878، قررت صربيا إجبار المسلمين على المغادرة وخاصة مسلمي بلغراد.

أما في الجبل الأسود فقد فُرض على المسلمين اعتناق المسيحية، وجرى تعميد المسلمين بصورة علنية في حفل يحضره عدد كبير من رجال الشرطة والدين! وهو بخلاف طقوس الكنيسة التي تقوم بتعميد الشخص بشكل فردي.

واستمرت المذابح ضد المسلمين في أثناء الحرب العالمية الثانية 1945-1941.

أسباب اضطهاد الصرب للمسلمين

يصل عدد الصرب إلى ستة ملايين نسمة يسكنون في جمهورية صربيا، وقد كان غالبية قيادات الجيش اليوغسلافي من الصرب ومعظم الأسلحة لديهم؛ لذلك تولد لديهم شعور أن باستطاعتهم بسط السيطرة على جمهوريات يوغسلافيا بأكملها لتكوين ما يسمى بـ صربيا الكبرى.

وقد شعر الصربيون النصارى بأن البشناق كانوا سببًا في أن يدخل العثمانيون إلى يوغسلافيا ويغيروا من طبيعتها الديموغرافية، فتولد لديهم حقد وعنصرية دينية تجاه البشناق.

وأيقنوا أن في حال قويت الطائفة المسلمة في البوسنة والهرسك، وطالبوا بالانفصال والاستقلال عن يوغسلافيا المتحدة فإن الصرب سيعيشون كأقلية. بالإضافة إلى أن الصرب سيفقدون سيطرتهم على البحر الأدرياتيكي مما يفقدهم عدد من المزايا السياسية والاقتصادية.

سربرنيتسا.. الفصل الأخير

سربرنيتسا مدينة تقع في أقصى شرق البوسنة وفيها حدثت أبشع مذبحة عرفها التاريخ الحديث، مذبحة سربرنيتسا والتي عُرفت باسم الإبادة الجماعية في سربرنيتسا والتي راح ضحيتها ما يزيد عن ثمانية آلاف مدني.

ما قبل المذبحة

بعدما سقطت يوغسلافيا الإتحادية، وازدادت الهوة بين الثلاثة أعراق المكونة للبوسنة والهرسك، فاتخذت البوسنة والهرسك قرارها بالانفصال عن يوغسلافيا وأيدها في ذلك الكروات، بينما عارض الصرب القرار.

وفي أكتوبر لعام 1991 تم إعلان البوسنة والهرسك جمهورية مستقلة، وتم الإعلان عن استفتاء شعبي، فجاءت الأصوات بنسبة 99.7% مؤيدة لقرار الاستقلال، وقد قاطع الصرب هذا الاستفتاء.

وحصلت جمهورية البوسنة والهرسك على اعتراف الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بها كدولة مستقلة لها سيادة في إبريل من نفس العام.

وكان هذا النجاح بمثابة فتيل لإطلاق عمليات الإبادة الجماعية الممنهجة التي حدثت ضد البوشناق، والتي تم فيها إبادة كل ما هو غير صربي، رغبةً في تكوين منطقة صربية تمامًا لتصبح “صربيا الكبرى” على حد زعمهم.

بداية المذبحة

اندلعت الحرب في السادس من يوليو 1992 باحتلال قوات الصرب مدينة سراييفو -عاصمة البوسنة والهرسك- ولقي 312 ألف شخصٍ حتفهم، 38% كانوا من المدنيين البوشناق، فاضطر فوق ما يزيد عن مليوني من البشناق إلى الهجرة.

وبعد مرور ما يقرب من عام، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار بجعل منطقة سربرنيتسا/ سربرنيتسا / سربرنيكا منطقة آمنة منزوعة السلاح. وهذا يعني أنه على كلٍ من القوات البوسنية والقوات الصربية بتسليم أسلحتها.

لذا فقد تم إرسال مجموعة من قوات الحماية (الناتو) التابعة للأمم المتحدة إلى سربرنيتسا في مايو 1993. ونتيجة لذلك توافد آلاف من مسلمي المدن المجاورة إلى سربرنيتسا اعتبارًا أنها ملاذهم الآمن من وحشية وسيطرة جيش صرب البوسنة، فتضاعف عدد سكانها من سبعة آلاف إلى ثلاثين ألف.

كان الهدف من مذبحة سربرنيتسا هو تطهير المنطقة من مسلميها، ورسم رادوفان كاراديتش خطته بعناية، فوجه أفراد جيش صرب البوسنة إلى ضرورة تضييق الخناق على سربرنيتسا وزعزعة أمن واستقرار سكانها، فتقع في أيديهم بسهولة!

وأطبق جنود صرب البوسنة قبضتهم على سربرنيتسا بما يقرب من 2000 جندي، وحالوا دون إيصال المساعدات الطبية والغذائية. فتدهور الوضع الإنساني داخل المدينة، ولقى البعض حتفهم من الجوع والعطش.

في السادس من يوليو 1995 انسحب بعض جنود الحماية بعد زيادة تدفق جنود صرب البوسنة ومداهمتهم لنقاط المراقبة ومهاجمة مراكزهم.

في التاسع من يوليو 1995 أمر رادوفان كاراديتش جنوده بالتقدم للسيطرة على سربرنيتسا.

العاشر من يوليو 1995 طالب قائد القوات الهولندية الدعم الجوي من طائرات حلف شمال الأطلسي للدفاع عن سربرنيتسا، لكن القصف المتتالي من قوات صرب البوسنة على المدينة جعل العملية تفشل!

وقبيل هذا التقى الفرنسي برنار قائد قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة راتكو ملاديتش؛ لتحرير الرهائن الفرنسية، مقابل ألا تكون هناك ضربات جوية من قوات الحماية على قوات صرب البوسنة!!

راتكو ملاديتش.

وقد تم تهديد القائد من قبل قوات صرب البوسنة بإعدام الرهائن العسكرية من الفرنسيين والهولنديين، وكذلك قصف لمجمع بوتوتشاري التابع للأمم المتحدة وبعض المواقع المحيطة به.

الحادي عشر من يوليو 1995 حالة من الهلع والخوف تنتاب مسلمي البوسنة، ولم يجدوا مكان للاختباء سوى مجمع بوتوتشاري التابع للكتيبة الهولندية التابعة للأمم المتحدة.

تجمع ما يقرب أكثر من 30.000 لاجئ بوسني مدني يطلب الحماية. كان الوضع مأساوي، فالمكان مكتظ بالمدنيين، الحرارة مرتفعة، وهنالك القليل من الطعام والشراب!

تقدم رادكو ملاديتش يسأل النساء عن أحوالهن وطمأنهن، وقام بتوزيع الحلوى على الأطفال، وأمر جنوده أن يسمحوا للنساء والأطفال بالمرور أولاً وهو يقول لهن: “انتبهن، لا تضيعن الأطفال.. لا تخافوا لن يؤذيكم أحد”.

 في هذه الأثناء كانت عدسات الكاميرات التابعة للقوات الصربية تصور المشهد؛ لتبين مدى وداعتهم، وفي نفس التوقيت كان الواقع مغايرًا، فخطة ملاديتش السادية مُعدة وجاهزة للتنفيذ خلال أقل من أسبوع!

وقد تم فصل النساء عن الرجال في اليومين التاليين، وفي هذه اللحظة أدرك جنود الأمم المتحدة ما سوف يجري بحق هؤلاء المدنيين العُزل. كانت غالبية المدنيين من النساء والعجائز والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى الرغم من هذا فتم السماح لخمسة آلاف مسلم بالدخول إلى مجمع بوتوتشاري، وطردت قوات الحماية أكثر من خمس وعشرون لاجئ بوسني من الذكور، رغم علمها بأن الرجال سيتعرضون للقتل من قبل قوات صرب البوسنة!!

فلجأ البقية إلى المزارع والغابات المجاورة، وتم اقتياد الرجال إلى أحد المنازل، أما النساء والأطفال فقد استقلن عربات وتم إرسالهن إلى الأراضي البوسنية.

وحاول بعض رجال سربرنيتسا الفرار خلسة إلى الغابات باتجاه توزلا لكن، بعد يومين وليلتين من القصف المتواصل في الغابات يئس جميع المسلمين وخرجوا.

الثاني عشر من يوليو 1995 أضرم عدد من قوات صرب البوسنة النيران في منازل البوشناق، وتسللوا إلى المجمع وقاموا بقتل بعض الرجال.

تعددت روايات الناجين من هذه المذبحة، غير أنها اتفقت جميعها على قساوة المشهد، فالبعض يذكر كيف رأى الصرب يقتلوا بعض الأطفال ويغتصبوا النساء بجوار مقر قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة، ولم تحرك قوات الحماية ساكنًا!

ويروي أحد الشهود أن الجنود قد أخذوا ثلاثة أشقاء ليلًا، وحينما بحثت عنهم والدتهم وجدتهم عراة وحناجرهم مقطوعة! كان المشهد دموي، حتى أن البعض قد حاول الانتحار من هول المشهد.

في السادس عشر من يوليو العاشرة صباحًا وصلت الحافلات التي تقل المعتقلين المسلمين، تم اقتيادهم إلى أحد المنازل القريبة وأجبروا سائقين الحافلة على قتلهم ليضمنوا صمتهم في المستقبل.

أما بقية المعتقلين فقامت المجموعة العاشرة للتخريب باصطفافهم وقتلهم واحدًا تلو الآخر حتى امتلأت المزرعة بالجثث!

وقد وُثق اعتراف لـ درازن أرديموفيتش -وهو أحد ضباط المجموعة التي شاركت في هذه المذبحة -أمام محكمة يوغسلافيا: انهم قاموا في مزرعة برانيفوو العسكرية بتصفية ألف ومئتي (1200) مدني مسلم بدم بارد، تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والسادسة والسبعين (14-76)!

بالإضافة إلى مذبحة دار الثقافة في بليتش والتي قتل فيها خمسمائة رجل (500) بعد أن أطلقوا النيران عليهم بعشوائية، ولم يكتفوا بهذا بل ألقوا عليهم القنابل حتى تناثرت أشلاؤهم في كل مكان! ثم بعد ذلك، تم نقل الجثث إلى مزرعة برانيفوو والتي كانت بمثابة مقبرة جماعية.

وانتهت المذبحة بعد وقت قليل من توقيع اتفاق دايتون للسلام، والتي تسببت في إبادة 300.00 شخص، باعتراف الأمم المتحدة.

مذبحة سربرنيتسا التي تم اغتصاب ما يقرب من خمسين ألف مسلمة بشناقية بشكل ممنهج، والحقيقة أن العدد يفوق هذا الرقم، فكثير ممن تم اغتصابهن مُتنَ في الحرب والأخريات يرفضن الحديث عما جرى.

ما بعد المذبحة

لم يكتف جيش صرب البوسنة بالمذبحة، لكنهم حاولوا طمس آثار جريمتهم، فقاموا بنبش القبور الجماعية في مزرعة برانيفوو العسكرية، ونقلوا رفات الضحايا إلى أماكن متفرقة. وقد كشف تحليل الحمض النووي لجثة واحدة وجدت في خمس مناطق مختلفة، بين كل منطقة وأخرى 30 كيلو متر!

هذا وقد بلغ عدد القتلى الذين تم حصرهم حتى الآن ما يزيد عن ثمانية آلاف شخص، ولازالت عمليات البحث جارية عن المفقودين وبعد مرور ما يزيد عن ربع قرن عن المذبحة.

وحتى يومنا هذا لازالت هنالك أسر بوسنية تبحث عن مفقوديها ويدفنون رفات ضحاياهم بعد التعرف على ما تبقى منهم في نفس اليوم الحادي عشر من يوليو في كل عام. ولايزال العديد من صرب البوسنة ينكرون المذبحة ولا يعترفون بأن ما حدث هو إبادة جماعية للمسلمين!

في السادس عشر من نوفمبر 1995 وجهت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة اتهام لكلٍ من رادوفان كاراديتش رئيس جمهورية صرب البوسنة وراتكو ملاديتش قائد جيش جمهورية صرب البوسنة، لتورطهما في مذبحة سربرنيتسا ضد البوشناق المسلمين.

في عام 1999 أقر كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك التوقيت بأنه على المجتمع الدولي أن يتحمل نصيبه من المسئولية تجاه التطهير العرقي في سربرنيتسا.

وعلى مدى أكثر من ستة أعوام تم إنشاء عدة لجان للتحقيق في مذبحة سربرنيتسا، وفي العاشر من نوفمبر 2004 أصدرت حكومة جمهورية صرب البوسنة اعتذارًا رسميًا بعد مراجعة الحكومة لتقرير لجنة سربرنيتسا.

وقد انشأت جمهورية صرب البوسنة مجموعة عمل لتحديد الجناة المحتملين، وفي الأول من أبريل 2005 تم رصد أكثر من 890 من الجناة لايزالون يعملون لدى جمهورية صرب البوسنة!

في الأول من يونيو 2005 تم تقديم شريط فيديو كدليل على تورط أفراد من الشرطة الصربية في مذبحة سربرنيتسا. ويعتبر هذا الفيديو هو النسخة الوحيدة التي لم يتم إتلافها، وقد تحصلت عليه المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة. والتي على إثره اعتقلت الحكومة الصربية بعض الجنود المتورطين في المذبحة والذين تم التعرف عليهم من خلال المقطع.

وفي الرابع من أكتوبر 2005 ذكرت المجموعة أنها حددت ما يقرب من 25.000 شخص متورط في المذبحة إما عن طريق إصداره الأوامر أو مشاركته بشكل مباشر في المذبحة.

في الحادي والثلاثين من مايو 2007 ألقت قوات الشرطة الصربية القبض على زرافكو توليمير الجنرال السابق في قوات صرب البوسنة، والذي استمرت محاكمته حتى يوليو 2010 بعدة تهم منها ارتكاب ابادة جماعية، وفي الثاني عشر من ديسمبر 2012 حكم عليه بالسجن مدى الحياة.

رادوفان كاراديتش، أحد مجرمي الحرب والمشاركين في المذبحة.

أما رادوفان كاراديتش فقد تم توجيه إليه تهم مماثلة، وقد تم القبض عليه في الحادي والعشرين من يوليو 2008 بعد ثلاثة عشرة عامًا من التخفي والفرار، واستمرت محاكمته حتى يوليو 2010.

وأُلقي القبض على ملاديتش في السادس والعشرين من مايو 2011، ووجهت إليه قائمة من الاتهامات منها: ارتكاب جرائم حرب والإبادة الجماعية. وقد حكمت المحكمة عليه بالسجن مدى الحياة.

هذا ويعيش في سربرنيتسا بين 7.000 إلى 10.000 شخص من البوشناق البوسنيين والصرب، بنسبة 70% لصالح الصرب ويمثل البوشناق بقية النسبة!

ولعل هذه النسبة سيدي القارئ تبين لك ما الذي خلفته مذبحة سربرنيتسا من تغيير الطبيعة الديموغرافية بعد أن كان البوشناق البوسنيين يمثلون الغالبية العظمى بنسبة تصل إلى 80% أصبحوا الأقلية المسلمة في موطنهم بعد ما جرى من التطهير العرقي هناك وأصبحت سربرنيتسا بأغلبيتها الآن من الصرب الكاثوليك والأرثوذوكس.

إن قصة مذبحة سربرنيتسا تعرفها آلاف النساء المسلمات التي تم اغتصابهن، ويعرفها آلاف النساء التي فقدن أزواجهن وابنائهن، ويعرفها مئات الأطفال مجهولي الهوية جراء اغتصاب الجنود الصربيين البوسنيات المسلمات!

يمنى حمدي

مُعلمة وفيزيائية، مهتمة بأحوال المسلمين، وأسعى لأن أزرع شيئًا في النفوس لا يمكن اقتلاعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى