نهب ثروات وكنوز العراق.. 7 حقائق تشرح لك القصة – الجزء الثاني

قرأنا في المقال السابق “نهب ثروات وكنوز العراق.. 7 حقائق تشرح لك القصة – الجزء الأوّل” عن الخطوات الأربعة التي أسهمت في دمار الاقتصاد العراقي وتساءلنا عن الأسباب التي حدثت بالعراق إلى الانتقال من مصاف الدول الغنية بمواردها وثرواتها الإنسانية والطبيعية إلى الحال المزرية الذي أصبحت عليه اليوم من تخلف ضاربًا أطنابه في شتى القطاعات وعشرة ملايين جائع في بلد من أغنى دول العالم ذكرنا من هذه الأسباب:

  • حرب الخليج الأولى مع إيران والتي استمرت طيلة ثمان سنوات كلفت البلد ثروات مالية وانتهت بالديون والدمار في البنى التحتية.
  • جاء غزو الكويت واتحاد دول العالم لطرد العراق من الأراضي الكويتية من خلال أمطار صاروخية وغارات استمرت 43 يومًا أتت على ما تبقى من البنى والمنشئات.
  • كان الحصار الاقتصادي الذي ضرب على العراق لمدة ثلاثة عشر عامًا عاد بالبلاد إلى عصور ما قبل الطاقة وأدى إلى نتائج مخيفة في كافة المجالات.
  • وما كان من المفترض أن يرفع من معاناة الشعب العراقي ويعيد الأمل في نموه كبرنامج النفط مقابل الغذاء فقد خضع هذا الأخير للفساد الإداري والرشوات والاختلاسات وأثر سلبيًا على الوضع العراقي من حيث كان من المفترض أن يحسن الأوضاع.

لم تنته معاناة العراق عند هذا الحد. فمسلسل السقوط والانهيار الاقتصادي اتخذ طابعًا آخرًا بعد الاحتلال الأمريكي نستعرض الآن باقي عوامل الانهيار:

خامسًا: الاحتلال الأمريكي

284150_0

كان بإمكان صدام أن يوقع عقدًا نهائيًا لحكم بلاده والذي كانت واشنطن لتغض الطرف فيه عن ممارساته الديكتاتورية ومجازره الجماعية بل وربما أغمضت أعينها حين يحاول توسعة دائرة نفوذه في منطقة الشرق الأوسط كما فعل في الكويت، وذلك في مقابل اتفاقات تؤمن استمرار بلاده بإمداد أمريكا بالبترول، إضافة لبعض القروض من البنك الدولي، والتي ستتسلمها مجددًا الشركات الأمريكية الكبرى لتقوم بتحسين أنظمة البنية التحتية في العراق، وإنشاء مدن جديدة وبناء محطات طاقة نووية وكيميائية، حتى إذا كان من المحتمل استخدام تلك التقنيات في صناعة أسلحة متقدمة! ما دام في النهاية سيمد أمريكا بالبترول ويثري شركاتها الكبرى.

ولكن هذه التدابير لم تكن لتوافق مخططات صدام والتي بدت واضحة في قراره عام 2000 باستعمال اليورو كعملة وحيدة لشراء النفط العراقي مما يعني زوال هيمنة الدولار الأمريكي على النفط وانتهاء اتفاقية البترودولار، والذي كانت أمريكا تسرق به ثروات العراق وباقي البلدان، حيث يُطبع الدولار بلا غطاء من الذهب لا يكلف ثمنًا سوى ورق طباعته بينما تُسرق من خلاله ثروات الشعوب، ولذلك كان لا بد من الحرب مجددًا.

وساقت أمريكا المبررات لهذه الحرب من القضاء على الديكتاتور صدام ومصادرة أسلحة الدمار الشامل، وانطلقت وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بترويج الأكاذيب وفبركتها بالرغم من إثبات وكالة الطاقة الذرية وفرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل قبل شن العدوان عليه، ولكن أمريكا وحلفائهما لم يبالوا بالشرعية الدولية فهم يعملون بشرعية الأقوى، وانطلقت أمريكا مع حلفائها لغزو العراق في مارس 2003 بتدبير من المحافظين الجدد ورموز الإدارة الأمريكية واتساقًا مع مخططات الشركات الأمريكية الكبرى. وأجهزت الحرب على ما تبقى من ركام الاقتصاد العراقي في أكبر عملية نهب عرفها التاريخ.

بدأت الحملتين الجوية والبرية في اجتياح العراق في آن واحد وكان الغزو سريعًا سقطت الحكومة العراقية في ظرف ثلاث أسابيع. بعد سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 بدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق نُقلت للعالم كله عبر شاشات التلفاز حيث قام الجيش الأمريكي بحماية مباني وزارتي النفط والداخلية فقط وبقيت المؤسسات الأخرى كالبنوك ومخازن الأسلحة والمنشآت النووية والمستشفيات بدون أي حماية متعللة أمريكا بعدم توفر العدد الكافي من الجنود لحماية المواقع الأخرى.

ومن السرقات التي حصلت وكان لها دورًا بارزًا في الأوضاع السياسية في العراق كانت سرقة آلاف الأطنان من الذخيرة الحربية من معسكرات الجيش العراقي وسرقة مركز للأبحاث النووية والتي كانت تحتوي على 100 طن من اليورانيوم حيث قامت شاحنات بنقل محتويات هذا المركز إلى جهات مجهولة.

أما السرقات العلنية فقد قامت بها أمريكا من خلال السيطرة على حقول النفط العراقية، حيث يملك العراق أكبر مخزون احتياطي للنفط بعد السعودية وتتراوح احتياطاته النفطية ما يقرب من 200 مليار برميل، أي ما يعادل 15% من كل الاحتياطات العالمية ووفر للولايات المتحدة المحتلة للعراق ربحًا قدره 115 مليار دولار خلال عام واحد من الاحتلال، ومن خلال هيمنتها على النفط تمكنت من إضعاف نفوذ الأوبيك والتحكم بأسعار النفط وأسواقه.

سادسًا: خدعة إعادة إعمار العراق والخصخصة

يُعتبر ملف إعمار العراق، من الأكثر فسادًا في العالم، فبالرغم من مليارات الدولارات التي صرفت عليها منذ عام 2003 وحتى الآن، ما زالت البلاد تعاني من تدهور في البنى التحتية وكافة المجالات الأخرى كالصحة والتعليم. عندما تولى الأمريكي “بول بريمر” حكم العراق بتعيين من الرئيس “جورج بوش” للإشراف على برنامج إعادة إعمار العراق أصدر قوانين تحظر فرض العديد من التعريفات الجمركية، وتضع سقفًا لضريبة الشركات وضريبة الدخل لا يتعدى 15% والهدف من ذلك هو تحويل الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد يكون أكثر ترحيبًا بالشركات الأجنبية. وسحب البساط من تحت أقدام الشركات المحلية ورجال الأعمال العراقيين والقطاع العام العراقي.

كما باشر في خصخصة الصناعات العراقية، مخالفًا بذلك اتفاقية “لاهاي” لعام 1907 المتعلقة بقوانين الحرب والتي تمنع المحتل من بيع أصول أو موجودات البلاد المحتلة، وعندما وُوجه “توماس فولي: رئيس لجنة تطوير القطاع الخاص في العراق بأن الخصخصة مخالفة للقانون الدولي رد قائلًا:

لا آبه لشيء من هذا القبيل أنني لا أقيم وزنًا للقانون الدولي، فقط تعهدت للرئيس بخصخصة مشاريع الأعمال في العراق.

وكشفت العقود الهائلة في مجالات مختلفة في الصناعات العراقية إلى أن الشركات المتعددة التي تملكها الدولة العراقية سوف تخصص خلال عام واحد، وهي بحدود (48) شركة يعمل فيها 96 ألف موظف من مصانع الأنسجة والغذاء والملابس والمواد الهندسـية والكيمياء والسيراميك، وسيباع عدد كبير من المصانع الأخرى إلى شركات أجنبية.

ولا يفوتنا أن نستعرض تزاوج السلطة برأس المال وارتباطه بجريمة النهب التي حدثت في العراق مع الاحتلال، فسياسة الاحتلال كانت تقتضي تعيين مستشارين لكل قطاع صناعي كبير في العراق، ففي مجال النفط عُين “فيليب ج كارول” رئيسًا للجنة الاستشارية لقطاع النفط وهو رئيس سابق لشركتي نفط “شل” و “فلود”، ورؤيته للتغيير تقتضي أن يترك العراق منظمة الأوبك وأن يتم استخدام رؤوس أموال أجنبية للتوسع في الصناعة النفطية العراقية بشكل تدريجي في المستقبل.

أما القطاع الزراعي فقد وقع تحت إدارة “دان امستوتز” المدير الأعلى السابق لشركة “كارغيل” أضخم شركة لتصدير الحبوب في العالم، وسيتيح له منصبه الترويج للمصالح التجارية لشركات الحبوب الأمريكية وفتح الأسواق العراقية على مصراعيها.

وقد كان للشركات الأمريكية نصيب في تركة العراق والخصخصة ضمنتها لها العلاقات والمصالح التي تربطها مع البنتاغون، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. شركة هاليبرتون: منحت الدفاع للأمريكية هاليبرتون عقدًا سريًا بقيمة بليون دولار، من أجل السيطرة على حقول النفط العراقية وإصلاحها وترميمها وتشغيلها. ويزول العجب عندما نعرف أن رئيس مجلس إدارتها كان “ديك تشيني” نائب الرئيس الأمريكي.
  2. شركة بيكتل: ومجالها خصخصة مياه العراق، وحصلت على عقد من الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية لإعادة البناء والبنى التحتية وإنشاء محطات كهرباء ومياه وطرق، وقد وصل العقد من 680 مليون دولار إلى 100 مليون دولار وهو أكبر عقد في إعادة إعمار العراق. ومديرها آنذاك هو “جورج شولتز” والذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد ريغان.
  3. معهد تراينجل للأبحاث: وقد منحت الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية عقدًا بقيمة 7.9 مليون دولار وصل إلى 167.9 مليون دولار بعد عام واحد، ويشمل تقوية المهارات الإدارية والخدمات البلدية من ماء وصحة ونظافة عامة، وتؤكد رئيسة المعهد “فيكتوريا فرانشيتي هافيز” أنه وسيلة للترويج لمصالح الشركات، وهدفه بناء حكومة ديمقراطية قوية من أبناء البلد، ودعم أشخاص موالين لواشنطن مما سيجعل السياسة العراقية أكثر تعاملًا مع المصالح الأمريكية.

ويدعم المعهد الخصخصة، وجعل المصالح الحكومية بيد الشركات، وتلقي المعهد عقدًا أيضًا من الوكالة الأمريكية لإصلاح النظام التربوي ووضع خطط لإعادة كتابة الكتب المدرسية العراقية لجعلها اكثر موالاة للولايات المتحدة.

وخضع ملف إعمار العراق لفساد مالي وتم تمرير صفقات مشبوهة لشركات محلية وأجنبية. يقول الخبير الاقتصادي، سلام عادل لـ “العربي الجديد”:

أن عدد مشاريع إعمار العراق بلغ أكثر من عشرة آلاف مشروع بقيمة تجاوزت 300 مليار دولار، لكن نسبة إنجاز المشاريع بلغت 5% وهي نسبة تدل بشكل واضح على حجم الفساد في الدولة العراقية. وأشار إلى أن نحو 9500 مشروع لم ينفذ بالرغم من صرف الدولة الأموال لإنجازها.

سابعًا: سرقة آثار العراق وتهريبها للخارج

سرقة اثار العراق

على مدى سبعة آلاف سنة تأسست على أرض الرافدين حضارات كبرى كالسومرية والآشورية والبابلية وغيرهم ساهمت في ازدهار العراق وتفوقها وتركت للعالم آثارًا شتى تدل عليهم وتذكر بهم. غير أن عمليات النهب للعراق قد طالت أيضًا هذه الآثار وكأنهم يصرون على تجريد هذا البلد من كل مقوماته الاقتصادية حتى السياحية منها.

فلنلق الضوء معًا على هذه السرقة:

لمدة يومين على التوالي تعرض المتحف العراقي في بغداد لعمليات نهب وسرقة جاءت نتيجة لدخول قوات الاحتلال المدينة مما دفع الحُراس في المتحف للهروب وترك المتحف مفتوحًا على مصراعيه للسُراق يعيثون فيه فسادًا، حيث أنه لم يكن في أهمية وزارة النفط حتى يوضع له حراسة خاصة من القوات الأمريكية، بل تُرك كباقي المؤسسات الأخرى بلا حراسة في وجه عمليات النهب. وتم تمييز عمليات السرقة في المتحف العراقي إلى ثلاثة أنواع:

  • النوع الأول: وهم الناس العاديون، الذين دخلوا الدوائر الحكومية، مثلما دخل غيرهم إلى كل دوائر الدولة وأخذوا ما أخذوا من أثاث وأجهزة ومعدات وحاسبات، واهتموا بها أكثر من اهتمامهم بالآثار.
  • أما المجموعة الثانية: فدخلت إلى قاعات المتحف العراقي.
  • والمجموعة الثالثة: دخلت إلى مخازن المتحف العراقي.

هاتان المجموعتان، كانوا الأكثر دقة من حيث السرقة، حيث ثبت أن لديهم معلومات دقيقة عن الأماكن التي دخلوها، وعلى دراية جيدة بالآثار أيضًا ومما يؤكد ذلك هو أن الجماعة الذين دخلوا إلى قاعات المتحف لم يعيروا نسخًا جبسيه كانت هناك أهمية تذكر ولم تلمس أبدًا. وهذا يدلل على درايتهم بالآثار ومعرفتهم بأهمية الآثار التي قاموا بسرقتها. واختفت أكثر من (13864) قطعة أثرية من المتحف العراقي، لتسجل بذلك أكبر سرقةَ لمتحف في التاريخ.

هذا بالإضافة إلى التدمير الذي لحق المواقع الأثرية في بابل حيث تم استخدامه كقاعدة عسكرية لقوات الاحتلال من عام 2003 وحتى عام 2004 مما جعل منه مكانًا لتجوال الدبابات والمدرعات وهدفًا للقصف والتدمير.

المصادر

  1. إعادة إعمار العراق الفرص والتحديات م. د. محمد علي موسى المعموري، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية 2007
  2. الحرب وآثارها على تدهور الاقتصاد العراقي (الجريمة الاقتصادية الثانية) د. توفيق المراياتي
  3. آثار الحصار على العراق، أمين شحاته الجزيرة نت.
  4. دراسة: الكلفة التخمينية لتدمير العراق نتيجة الغزو والاحتلال الأمريكي 73 تريلون دولار ل مهند العزاوي سنة 2011.
  5. إعادة بناء العراق في المخطط الأمريكي بقلم :د. مفيـد الزيـدي
  6. إعمار العراق: شركات وهمية ومشاريع المخاصصة بغداد – سلام زيدان 12 أغسطس 2015
  7. سرقة وتدمير الآثار العراقية (دراسة3)..منشد مطلق المنشداوي/ ماجستير آثار
  8. الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق عام 2003 م بحث في الأسباب والنتائج الدكتور محمد أحمد

آلاء محمود

كن شخصاً إذا أتوا من بعده يقولون مر وهذا الأثر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى