ماكرون.. مفجِّر (ثورة الأزمات) الفرنسية!

حالة من السَّخط والإحباط والغضب تنْتاب قطاعات كبيرة من الفرنسين بسبب سياسات الرئيس ماكرون وقرارتِه على المستوى الداخلي والخارجي، خاصةً بعد إقرار رفْع سنِّ التقاعد من 62 إلى 64 عاما، واستخدام المادة 49.3 من الدستور التي تُخَوِّل لِلحكومة تمريرَ القانون دون إقْرار البرلمان له، وهو ما دفع العديد منهم للتعبير عن غضبهم بعنفٍ شديد في مشاهدَ صادمة للكثيرين، سواء من قِبل المُتظاهرين الذين يُتْلفون الممْتلكات العامَّة والخاصة بالحرق والتدمير، أو من قِبل الشرطة في عُنفها المفرط تجاه المتظاهرين السلميين.

عنف الشرطة تجاه المتظاهرين

ويُدرك المشاهد لأغْلفة المجلَّاتِ الفرنسية اليوم كم هي معبرة بشدة عن حالة الأزمة التي تعيشيها فرنسا كدوْلةٍ وأمة ومجتمعٍ في ظل الولاية الثانية للرئيس ماكرون الذي تسبب -كما تقول بعض المجلات الفرنسية- في: «أزمة للنظام، وغضب اجتماعي، ومأْزق ديمقراطي، ومؤسسات غاضبة.. إنها المأساة الفرنسية !!».

ونرصد في هذا التحقيق ما تناولتْه بعض الصحف والمجلات الفرنسية والعالمية حول الأزمات الكثيرة والكبيرة التي صنعها ماكرون في فرنسا، أو على الأقل ما يحمله الفرنسيون مسئوليتها، وهو ما يزال في العام الأول من ولايته الثانية.

ونبدأ مع ما أوْردته مجلة (ديرشبيجل) الألمانية (1) حول الأزمة الكبيرة التي تعيشها ‎فرنسا بسبب قرارات الرئيس ماكرون. فتحت عنوان:

«مُحبط.. هل فشل حامل الأمل السابق؟» قالت المجلة: «يقولون إنه مصاب بجنون العظمة…».

«أراد إيمانويل ‎ماكرون تجديد البلاد، لكنه الآن استعْدى معظم الفرنسيين بإصراره على تنفيذ قانون إصلاح المعاشات التقاعدية المثير للجدل، لقد جعل من ‎فرنسا جمهورية مضطربة وغاضبة!

ففي انتخابات 2017 صوَّت قرابة 21 مليون فرنسي 66% من الناخبين لصالح ماكرون، ولكن بعد ست سنوات خيَّب ‎ماكرون آمال الفرنسيين، واستعدى نسبة كبيرة منهم، حيث صار أكثرُ من ثلثي الفرنسيين غير راضين عنه، وذلك وفقًا لاستطلاع حديث، فـ ـ28% من السكان فقط يعتبرونه رئيسا جيدًا.

ولم يعد سخط الفرنسيين على ماكرون متعلقًا بمسألة إصلاح المعاشات التقاعدية فحسب، بل ما يعتبرونه هجوما وتعديا من ماكرون وحكومته على الديمقراطية في ‎فرنسا».

وتنقل المجلة عن محلل سياسي فرنسي قوله: «أعتقد أن الوضع مُقلق، فالصراع حادٌّ للغاية ولا أرى كيف سيخرج ‎ماكرون منه، فهو لم يتوقع هذه الأزمة، وقد أساء الحكم على المزاج العام في ‎فرنسا لأنه فَقَدَ الاتصال بشعبه وانعزل في مقر إقامته الرسمي، الذي تسميه الصحف في فرنسا بـ«le chäteau» «القلعة»!

حديث ماكرون عن أن الإسلام يعيش في أزمة

«ويقول أحد مستشاري ماكرون السابقين: «إن ‎ماكرون يفتقر إلى الذكاء الاجتماعي، والإدراك الحقيقي لما يجري في البلاد، ويعتقد العديد من المراقبين أن أزمة ماكرون أكبر من أن تحلَّها الاسترْضاءات الصغيرة، ففرنسا بحاجة إلى تغييرات أساسية، وبدونها، سوف تستمر الأزمات والاضطرابات».

‏رئيس لا يحظى بشعبية

وأوردت المجلة الألمانية الاستطلاع التالي: ما هو رأيك في إيمانويل ‎ماكرون؟ 

في مايو 2017 قال 62%: رئيس جيد.

في مارس 2023 قال 28% فقط: رئيس جيد.

وعن السؤال: كيف تعمل الديمقراطية في فرنسا؟

في مارس 2023 قال 64% من الفرنسيين: ليست جيدة!

أما مجلة (سوسايتي) الفرنسية (2)  فصدَّرت عددَها بصورة لماكرون تحت عنوان: «يمشي وحده.. كيف عزل إيمانويل ‎ماكرون نفسه عن الفرنسيين؟ ماكرون.. والمحطة الأخيرة» وقالت:

«إن القرارات المنفردة الأخيرة للرئيس أشعلت النيران في البلاد، وأعطت صورة بأن رئيس الجمهورية وحده ضد الجميع».

‏وقالت: «تخبرنا الأحداث الجارية عن إيمانويل ‎ماكرون أن الفجوة تتَّسع بين طريقته في الحكم وبين توقعات الفرنسيين.. ويبدو أن العنف حتمي!!

فقد أدرك العديد من الفرنسيين أن العنف أفضل من الإجراءات الديمقراطية القديمة حتى يُسمع صوتهم.. وهذا هو السبب في أن اللحظة الحالية خطيرة للغاية»!

عنف المتظاهرين تجاه الشرطة

ماكرون الليبرالي.. لديه مشكلة مع حرية الآخرين

أما صحيفة ليبراسيون الفرنسية فقد أجْرت استطلاعًا للرأي بين 31 مارس و4 إبريل 2023 ونشرته تحت عنوان: «ماكرون والفرنسيون.. السقوط!».

وكانت نتائج الاستطلاع في غاية الدلالة على انهيار تام لشعبية ‎ماكرون.

وتحت عنوان: «صورة ماكرون في الشارع» جاء الاستطلاع كما يلي:

هل لديك رأي إيجابي جدًا، أو إيجابي إلى حد ما، أو سلبي، أو سلبي جدًا، أو سلبي إلى حد ما.. حول إيمانويل ماكرون كرئيس للجمهورية؟

  • سلبي: 65%.
  • سلبي جدًا: 43%.
  • سلبي إلى حد ما: 22%.

ملامح صورة إيمانويل ‎ماكرون اليوم

هل تقول إن ماكرون:

  • لديه المهارات لإخراج فرنسا من الأزمات الحالية: 61%: لا
  • يمكن أن يقدم حلولًا مفيدة للفرنسيين: 63%: لا
  • قادر على الجمع بين اليمين والوسط: 64%: لا
  • يمثل الناس أمثالك بشكل جيد: 71%: لا
  • قريب من الناس: 75%: لا

هل تقول إن سياسة إيمانويل ماكرون كرئيس للجمهورية هي:

  • مستبد: 53% نعم
  • رجل تقدمي: 57% لا
  • يمكنه مواجهة تحديات المستقبل: 65% لا
  • قادر على حماية الفرنسيين: 85% لا
  • واضح: 66% لا
  • يخدم المصلحة العامة: 68% لا
  • يحترم المعارضة السياسية: 69% لا

الثقة لبقية فترة حكمه

هل تثق في ‎ماكرون لمعالجة القضايا التالية؟

  • مكانة فرنسا دوليا: 53% لا
  • المخاطر الاقتصادية: 59% لا
  • مكان العمل في مجتمعنا: 61% لا
  • القضايا البيئية: 65% لا
  • القضايا الديمقراطية: 54% لا
  • الطريقة التي تمارس بها السياسة: 66% لا
  • القضايا الاجتماعية: 68% لا

تطور سمات شخصيته

مقارنة ‎ماكرون بما كان عليه في عام 2017 عند انتخابه الأول؟

  1. استبدادي: 61% نعم
  2. شجاع: 28% نعم
  3. تقدمي: 21% نعم
  4. يصلح للرئاسة: 21% نعم
  5. كفؤ: 19% نعم
  6. صادق: 15% نعم
  7. مطمئن: 11% نعم
  8. قادر على جمع الفرنسيين: 11% نعم
  9. قريب من الفرنسيين: 9% نعم
  10. أخيرًا: الحريات في فرنسا منذ عام 2017

هل تقول إنه منذ أن أصبح إيمانويل ‎ماكرون رئيسًا للجمهورية، فإن الحريات في فرنسا: 

  • تتراجع: 55%
  • في زيادة: 11%
  • لا زيادة ولا تراجع: 23%

‏وتقول الصحيفة: «كان ‎ماكرون في حواره الأخير قد شبَّه المتظاهرين ضدَّ إصلاح نظام التقاعد بالأمريكيين المؤيِّدين لترامب، والبرازيليين المؤيدين لبولسونارو، الذين هددوا الديمقراطية بمظاهراتهم العنيفة. وجاءتْ نتائج هذا الاستطلاع لتضَع ماكرون مع ‎ترامب و بولسونارو.. لقد كان بنفس السوء»!

جارتها تشهد على أزمتها!..

أما مجلة ذا ويك البريطانية (4) فصدَّرت غلافها بصورةِ ماكرون داخل قصره وهو يرتدي زيَّ نابليون وخلفه باريس تحْترق، وكتبت: «فرنسا في أزمة.. هل تمادى ماكرون أكثر مما ينبغي؟». وقالت: «إن العالم حين ينظر إلى فرنسا سيرى بلدا على وشك الانفجار».

ورغم ذلك، يُصرُّ ماكرون على أن يمضي قدما في تطبيق قانون التقاعد من أجل مصلحة الأمة على المدى الطويل -كما يقول- لكن عدم مرونته، ورفضه إيقافَ هذه الإصلاحات ولو مؤقتًا، يؤجِّجان مزاجًا خطيرًا في البلاد، فـ«باريس غارقة في القمامة، وفرنسا في قبضة الفوضى!!».

عندما يضيق صدر ماكرون بـ«حرية التعبير»!..

وكان من تداعيات التَّصعيد الحادث في فرنسا، وحسب موقع LA VOIX DU NORD أنْ تمَّ القبض على امرأة فرنسية تدعى (ڤاليري) تبلغ من العمر 50 عاما لأنها وصفت ماكرون في منشور لها على فيسبوك بأنه «الخردة غير المرغوب فيه» وستحاكم 20 يونيو القادم بتهمة «إهانة رئيس الجمهورية!!».

فـماكرون الذي دافع عن «حرية التعبير» حين تمت الإساءة في فرنسا للنبي ﷺ بالرسوم المسيئة ورفَض منعها، لا يحتَمِل مجرد رأي لامرأة فرنسية خمسينية!!

الديمقراطية الفرنسية.. نداء استغاثة!

ووفقًا لمسح أجراه معهد (فيافوايس) الذي أَعدَّه لصالح صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية (5) فإن 76% من الفرنسيين يعتقدون أن الديمقراطية الفرنسية في «حالة سيئة» وأن مؤسسات الدولة تتآكل بسبب استبداد ماكرون وانفصال الحكومة عن الشعب، وتسود لدى الفرنسيين حالة من عدم الثقة.

وتحت عنوان: «استطلاع الديمقراطية المريضة» نشرت الصحيفة نتائج الاستطلاع كما يلي:

  1. في رأيك، هل الديمقراطية الفرنسية:
  • في حالة سيئة: 76%
  • في حالة سيئة للغاية: 39%
  • في حالة سيئة إلى حد ما: 37%
  • في حالة جيدة: 16%
  • في حالة جيدة إلى حد ما: 14%
  • في حالة جيدة جدا: 2%
  1. لماذا تقول إن الديمقراطية في فرنسا في حالة سيئة؟
  • لأن المسؤولين المنتخبين بعيدون عن واقع الفرنسيين: 74%
  • لأن السلطة تمارَس بطريقة استبدادية جدا: 49%
  • لأن مؤسساتنا لم تعد تعمل بشكل صحيح: 48%
  • لأن المعارضة السياسية ليست مسؤولة بما فيه الكفاية: 28%
  • لأن الفرنسيين لم يعودوا مهتمِّين بالسياسة: 27%
  1. استخدام المادة 49.3 من الدستور:

هل تقول إن استخدام الحكومة للمادة 49.3 لدفع مشروع قانون إصلاح المعاشات التقاعدية يمثِّل:

  • ممارسة غير مشروعة في جميع الأحوال: 35%
  • ممارسة غير مشروعة في هذا الموضوع بالذات: 27%
  • ممارسة مشروعة في مواجهة مناظرة مسدودة: 15%
  1. استبداد ماكرون:

حسب رأيك، ممارسة إيمانويل ماكرون للسلطة:

  • سلطوي جدا: 54%
  • ليس سلطويًا جدا: 22%
  • غير موثوق فيه بما فيه الكفاية: 13%

ماكرون ونقطة اللاعودة

ونختم بما أورته مجلة البريد الدولي الفرنسية (6) في موضوعها الرئيسي مع صورة لماكرون في حالة من السقوط الحر، تحت عنوان: «ماكرون: نقطة اللاعودة». حيث قالت: «إن الرئيس الفرنسي ماكرون يبدو أكثر عزلة من أي وقت مضى، ويبدو أنه فقد السيطرة تماما على الأحداث، أما من الناحية السياسية، فستكون التكلفة كبيرة ومؤثرة على الرئيس الفرنسي، لأنه على الرغم من إصدار إصلاح المعاشات التقاعدية، فإنه قد فتح على نفسه بابا يصعب إغلاقه، والعودة للوراء، مهمة شبه مستحيلة»!!.

المصادر

  • ( 1 ) Der Spiegel – 08.04.2023
  •  ( 2 ) Society – 30.03.2023
  • ( 3 ) Libération – 07.04.2023
  • ( 4 ) The Week UK – 01.04.2023
  • ( 5 ) Libération 17.04.2023‎
  • ( 6 ) Courrier International – 20.04.2023

حسن قطامش

خبير إعلامي.. كاتب مستقل الفكر.. منحاز للحق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى