القدس في العهد الإسلامي.. الفتح الإسلامي للشام في عهد الخلفاء الراشدين
بعد أن فرغ الخليفة أبو بكر الصديق من أمر المرتدين تفرغ وجيش المسلمين لفتح البلاد، فأمر أبو بكر –رضي الله عنه- “أبا عبيدة بن الجراح” بالتوجه للشام، وعندما احتاج أبو عبيدة للمساندة أُرسل له جيشاً بقيادة “خالد بن الوليد” الذي تحرك من العراق إلى الشام في حركة عجيبة وإعجاز عسكري فريد قطع فيها الصحراء الملتهبة في خمسة أيام فقط، وصل خالد -رضي الله عنه- وكان المسلمون منتظمون في أربعة جيوش، فقام ووقف فيهم خطيباً وقال: “إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر أو البغي، أخلصوا جهادكم وابتغوا الله بعملكم، فإن هذا اليوم له ما بعده”. واقترح عليهم أن يوحدوا الجيوش جميعاً في جيش واحد، ويتولى كل قائد جيش قيادة الجيش الموحد يوماً من أيام الحرب، فتم الإتفاق وتم تعينه قائداً في أول يوم.
بدأت المعارك المتتالية بين المسلمين والروم، وكان أعظمها معركة أجنادين التي وقعت جنوب غرب القدس في 13 للهجرة، وشارك فيها الصحابي الجليل “معاذ بن جبل” الذي خطب في المسلمين في بداية المعركة وقال لهم: “يا معشر المسلمين اشروا أنفسكم -أي بيعوا أنفسكم- اليوم لله، إن هزمتموهم اليوم كانت لكم هذه البلاد دار سلام أبداً”. وصدق – رضي الله عنه- وانتصر المسلمون انتصاراً عظيماً، وكانت من عادة الروم أن يربطوا كل عشرة مقاتلين في سلسلة حرصاً عليهم من الفرار والضعف، ذلك لأنهم كانوا مجبورين على دخول المعركة، فكان هذا حلاً بالنسبة لهم لكنه كان وبالاً عليهم أيضاً. وتوالت بعد ذلك فتوحات المسلمين في الشام، فتحت دمشق وبعلبك في لبنان ثم حمص وغيرهم. وفي نفس هذا العام توفي “أبو بكر الصديق” –رضي الله عنه- وتولى الخلافة من بعده أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” -رضي الله عنه-.
في 5 رجب 15 هـ، كانت المعركة العظيمة معركة اليرموك، حيث تجمع الروم في مائتي ألف فارس، وكان المسلمون ستة وثلاثون ألف مقاتل، شعر المسلمون بخطر شديد لكن قوة إيمانهم بالله وعزيمتهم كانت أقوى وأعظم. في تلك الأثناء انسحب أبو عبيدة من حمص وأعاد أموال الجزية لأصحابها التي أخذها منهم مقابل إعطائهم الأمان والدفاع عنهم، وذهب ليساند المسلمين في معركة اليرموك، وكان بذلك أول من يعيد أموال يأخذها من الناس، أعاد حقهم لهم؛ لأن هذا هو العدل في دين الإسلام، ما كان له أن يخون عهداً ويأخذ أموالهم ويرحل. في أثناء المعركة استغل خالد بن الوليد قرب الروم من هاوية فتم حصارهم وسقط منهم ثمانون ألف مقاتل في الهاوية، فكان إذا سقط أحدهم سحب معه عشرة، وقتل منهم خمسون ألف أيضاً، واستشهد من المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل. وتم الانتصار للمسلمين في معركة اليرموك. هزم الروم هذا الإنتصار العظيم وما كان من “هرقل” حين وصلته الأخبار بالهزيمة إلا أن انسحب من الشام ودمشق تاركاً جيوشه وراءه، وقال جملته الشهيرة : “السلام عليك يا سورية”، وكان من عادته إذا زار سورية أو فلسطين أن يقول: السلام عليك يا سورية سلام عائد، لكن هذه المرة يقول السلام عليك يا سورية سلام مفارق، وبعد هذا تحرك “عمرو بن العاص” بجيشه نحو القدس.
فتح القدس
في عام 15هـ – 636م، عُزل أمير المؤمنين خالد بن الوليد عن رئاسة الجيش، وعُين مكانه أبو عبيدة، فأرسل أبا عبيدة إلى قادة الجيوش يستشيرهم إلى أين يتوجه فأشاروا أن يستشير عمر -رضي الله عنه -، فأشار عليهم بالقدس، فكانت فرحة المسلمين بذلك فرحة عظيمة، فكانوا ينتظرون بفارغ الصبر الصلاة في المسجد الأقصى، وتحركت الجيوش نحو القدس، وكان فيها خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنه وغيرهم من كبار الصحابة، وبدأ الحصار على أسوار القدس، وعندما وصل أبا عبيدة وجيشه إلى القدس رآه المسلمون فكبروا تكبيراً عظيماً، فانتشر الرعب في قلوب الروم وظنوا أن أمير المؤمنين وصل بنفسه، ولما عرفوا أنه لم يأتي إلى القدس استمروا في القتال.
حصار القدس
طال حصار القدس واستمر أربعة أشهر، قطع فيها المسلمين على الروم كافة سبل النجاة وضيقوا عليهم، ولكن الروم لم يستسلموا وبعد ضيق شديد أصابهم طلب البطريك من المسلمين عبر الرسائل أن يصفوا له أميرهم، فلما وصفوه ووجد الروم أن وصفه مطابقاً للوصف الموجود في كتبهم المقدسة عرف أن هزيمة الروم آتية لا محالة، فبعت للمسلمين يتسائل عن سبب فتحهم للقدس، فأجابه أبا عبيدة بأنها بلاد الأنبياء ومسرى الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأنهم لن يتركوها أبداً إلى أن يملكهم الله إياها كما ملكهم غيرها. فسألهم عن مطلبهم، فأجابوا بأنه إحدى ثلاث إما الإسلام أو الجزية والصلح أو القتال، فرضي البطريرك بالصلح، ولكنه قال لهم بأن لا يدخلها إلا عمر –رضي الله عنه- فوافق المسلمين على ذلك.
أمير المؤمنين في القدس
أرسل أبو عبيدة –رضي الله عنه- إلى أمير المؤمنين بطلب الروم، فقال عمر: آتيك. وتحرك من المدينة مع غلام له على بعير واحد، وكانوا يتناوبون على ركوبه، وكان بإمكانه –رضي الله عنه- أن يخرج وخلفه جيوش مجيشه وفي موكب مهيب من الفرسان، لكنه أراد أن يترك رسالة إلى ملوك الأرض عن التواضع والعزة بالله وحده لا بغيره.
ولما وصل القدس –رضي الله عنه- كان دور الغلام ليركب البعير، وأراد الغلام أن يقدم أمير المؤمنين عليه لكنه أبى ودخل القدس ماشياً يجر البعير، فلما رآه أبو عبيدة لم يحتمل ذلك، فاستعجل إلى أمير المؤمنين وقال: يا أمير المؤمنين قد صنعت اليوم صنعاً عظيما عند أهل الأرض، فهل لك أن … فضربه عمر في صدره مؤنباً وقال قولته التي تحمل كل معاني العزة فقال: “أما لو قالها غيرك يا أبا عبيدة، لقد كنا قوماً أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، وكنا ضعافاً فقوانا الله”.
هال الروم ذاك المنظر من هيئته – رضي الله عنه- كما هال البطريرك أيضاً، وعظم شأن الغلام في نظره، وقال لقومه: إن أحداً في الدنيا لا يستطيع الوقوف في وجه هؤلاء القوم، فسلموا لهم تنجوا، وبذل سلم الروم للمسلمين وكتب العهد بينهم، وكانت العهدة العمرية والتي ما زالت موجودة ومحفوظة إلى اليوم في كنيسة القيامة، والتي أعطى فيها أمير المؤمنين للروم الأمان في القدس، وآمن عبادتهم وكنائسهم ومقدساتهم بأنها لا تهدم ولا تمس، واشترط عليهم أن لا يسكن معهم بإيلياء أحداً من اليهود ومنع اليهود من دخول القدس وكان المنع بطلب من النصارى أنفسهم، ووافق أمير المؤمنين على ذلك، فكان ذلك شاهداً على أخلاق المسلمين ورحمتهم وها هي قد عرفت القدس أرحم فاتح لها على خلاف الملوك ممن كانوا يغزون القدس فيهدموها كاملة ويقتلوا أهلها.
أخذ أمير المؤمنين يتجول في القدس باحثاً عن المسجد الأقصى فلم يجده فسأل البطريرك عنه فقيل له: أهو ذاك الذي كان يعظمه اليهود؟ فقال: نعم. فدلّه عليه، فوجده -رضي الله عنه- وقد جعله النصارى مكب نفايات فشمر عن ساعديه وبدأ ينظف ويكنس المسجد، فلما رآه المسلمون شرعوا جميعاً في تنظيفه، ووضع عباءته وصلى عليها ركعتين، وأذن بلال –رضي الله عنه- في المسجد الأقصى، وكان لم يؤذن منذ وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأمر بعدها أمير المؤمنين ببناء المسجد، فبناه المسلمون من خشب يتسع لثلاثة آلاف مصلي، وبدأ المسلمون يتوافدون للصلاة فيه.
مغالطات تاريخيه كبيره جدا وقصص اقرب الى الخرافه منها الى الواقع