ألا يوجد في المليار اثنان وعشرون لاعبا؟!

ذكرت الكثير من القنوات الإخبارية والجرائد والمنتديات الرياضية خبرًا عن  الصين بلد العجائب والغرائب الذي بلغ عدده المليار وكسر نسمة، هذا الخبر قد يكون مضحكًا بعض الشيء، لكن من يتأمله سيبكي دمًا بدل الدمع. ويفيد التقرير المذكور أن السلطات الصينية تعتزم على  وضع خطة رياضية بعيدة المدى لإنشاء فريق كرة قدم ينافس أكبر المنتخبات في المنافسات القارية والدولية ولتصبح المصنفة الأولى عالميًا. وكان المضحك في الخبر أن المدارس التي زارها صاحب التقرير في بكين وحدها يبلغ عدد منتسبيها مليون طفل، إذ تعجب الناس هناك فقالوا: ألا يوجد في هذا المليون اثنان وعشرون لاعبًا يمثلون الصين ويعلوا رايتها في المحافل الدولية؟ انتهى الخبر.

أمة المليار ولكن كغثاء السيل

من يقرأ هذا الخبر أو يشاهده على التلفاز قد  يتذكر بكل حزم وأسى أمتنا الإسلامية الضعيفة والتي يبلغ عددها مليار ونصف والتي حق فيها الحديث الذي رواه الإمام احمد في مسنده عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قلنا: من قلة بنا يومئذ؟ قال :لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل”. فيتعجب المتعجب و يضع الحائر كفه على خده و يسأل نفسه: ألا يوجد في هذا العدد الهائل  ثلة من الرجال المخلصين الحاملين هموم الأمة في قلوبهم من يوصلنا إلى بر الأمان ويرفع عنا الغبن الذي أصابنا منذ سقوط الخلافة قبل عشرة عقود؟

هل من أمل في النهوض؟

إن هذا النهوض ليس بصعب إذا توفرت أسبابه ووجدت شروطه حتى وإن كانت الموانع كثيرة والعوائق عديدة ولنا في التاريخ الغابر عبرة و أي عبرة. فقد رأينا نهوض دول وإن كانت ظروف الأوائل غير ظروفنا إلا أن التحالفات من شتى المعسكرات الشرقية والغربية هي نفسها وتنتهج نفس الطرق بوسائل مختلفة وأكثر تطورا وفتكا بنا، غير أن ما ينقص المسلمين في هذا العصر هو المبادرة إلى صعود القمة. تلك القمة التي وصل إليها كل من كان يجب أن يقبع في القاع، أو أن يُرمى في زبالة التاريخ، فحثالة الشعير قشره الذي لا يُستفاد منه في شيء، فكذلك هو الحال ممن استعلى وتربع على عرش الحكم يسوس الناس ظلمًا و عدوانًا.

إن المبادرة التي نريدها هي تلك التي كانت متوافرة في الأجيال السابقة والتي بها صُنِع مجد الأمة الإسلامية مشرقها ومغربها. هناك الكثير من الأمثلة يقتدي بها كل من يطمح لكتابة التاريخ من جديد وبأحرف من ذهب، إلا أنَّ أحسن من يُمَثَل به في هذا المقام هو رجل من المغرب الإسلامي الذي شهد حوادث كثيرة منذ وصول أول قوافل المجاهدين والذي بدأ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 22هـ، إلى آخر عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي. هذا الرجل انطلق من الصحراء القاحلة في القرن الخامس هجريًا ليصل بسيفه إلى بساتين الأندلس الغناء ويضع أوروبا من جديد تحت الحكم الإسلامي بعد أن كاد يسقط في براثن النصرانية بسبب خسة بعض الحكام الذين أرادوا الدنيا وأقبلوا عليها وتركوا الآخرة وراءهم ظِهريًّا.

يتشابه زمننا مع ملوك الطوائف ويختلف في اثنتين

إن الناظر لزمان ملوك الطوائف وزماننا سيلحظ مدى التشابه بين العصرين في مجريات الأحداث وفي تصرفات أبطال المشهد التاريخي من حكام وعلماء و شعب، غير أن الاختلاف يكمن في أنه لا يوجد في حكام زماننا مثل شخصيتين:

الأولى

وهو  المتوكل على الله ابن الأفطس، أمير بطليوس، الذي رفض أن يقدم في مدة حكمه كلها الجزية للملك ألفونسو، بخلاف ما نراه الآن. إذ تنازل هؤلاء عن البر والبحر والجو للأعداء، بل خدموا العدو حتى يطيلوا القعود على كرسي ممتلئ بالأشواك والدماء! فهل نرى أحد هؤلاء الإثنين والعشرين الذين يقودون اثنين وعشرين دولة يبادر بجرأة ويقول:

لا للرضوخ لقرارات المجتمع الدولي، لا لقرارات هيئة الأمم المتحدة على المسلمين، لا لقرارات مجلس الأمن؟

الثانية

أما الشخصية الثانية تتمثل في الأمير المعتمد بن العباد حاكم إشبيلية، الذي وإن كان فاسدًا كغيره من ملوك الطوائف لكنه رفض أن يكون عبدًا للنصارى وقال كلمته المشهورة:

لأن أرعى إبل ابن تاشفين في مراكش، خيرٌ لي من أن أرعى خنازير الفونسو في قشتالة.

وهنا لي وقفة مع الذين رضوا أن يرعوا الخنازير في مراعي الولايات المتحدة على أن يكونوا رعاة إبل في مرابض أهل الإخلاص من الأمة، وأحدد منهم من جاء بالويلات للمسلمين بالسماح للقواعد الأمريكية والجيوش الكفرية بغزو بلاد الحرمين خوفًا من عدو منا يتكلم بلساننا و له سمرة وجوهنا. الذين لم يملكوا المبادرة لمّا نصحهم رجل أمين على الأمة وعلى دينها وقال أن المسلمين في جميع أقطار المعمورة سيتوجهون عن بكرة أبيهم لحماية الحرمين، أن يستعينوا بأمثال يوسف بن تاشفين خيرًا لهم من أن يستعينوا بغريب كألفونسو يستعبدهم ويذلهم فيذل المسلمين بذلهم؟!

في الختام

ليس من الصعب أن تملك الأمة حاليًا قادة مثل هؤلاء، يملكون زمام المبادرة فيعيدون القطار إلى سكته، فهم لا يحتاجون إلى جرأة ولا إلى شجاعة ولا إلى قدرة، بل يحتاجون فقط إلى نية صالحة في تخليص المسلمين مما هم فيه. شيء يسهل عليهم تحديده كما حدده ابن العباد، أن يعلموا فقط أن ذلهم للمسلمين فيه عز لهم وللمسلمين في دنياهم و آخرتهم.


إعداد: أحمد هاشم

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى