أربع قضايا غيَّرت وجه تاريخ أمتنا الإسلامية
من المعلوم أن التاريخ البشري في مجمله يتكون من نقاط أساسية تمثل أحداث وظواهر مفصلية، تكون في الغالب علامةً تميز كل حقبة عن أخرى، وفي تاريخ أمتنا الإسلامية نتعرض لوقائع كبرى وقضايا مهمة ساهمت نحو تغيير مساره، فانتهت بالتالي إلى نحت وجهه وتشكيل صورة جديدة له على مدى أربعة عشرة قرنًا، وسنستخرج أربع قضايا ومسائل غيَّرت بشكلٍ أو بآخر معالم تاريخنا، مما جعله خاضعًا لسنة التغيير والاستبدال.
توقف الفتوحات الإسلامية
تعرف الفتوح الإسلامية في الفقه بجهاد الطلب، وهي تلك العمليات العسكرية التي قادها المسلمون لإيصال رسالة الإسلام إلى شعوب العالم، وإزالة حواجز قوى الكفر والظلم والطغيان. وتعتبر الفتوحات من مميزات الفترة المبكرة من التاريخ الإسلامي وصدر الإسلام، بداية بعهد النبي–صلى الله عليه وسلم-الذي شمل فيه الإسلام منطقة شبه الجزيرة العربية، ثم العهد الراشدي حيث تضاعف فيه مجال الدولة الإسلامية بأضعاف، واستمرت عمليات الفتوح في زمن الدولة الأموية بصورة واسعة فوصلت إلى المحيط الأطلسي غربا ثم إلى حدود الصين شرقا.
وقد عُرفت الفتوحات الإسلامية في هذا الوقت بسرعتها المذهلة، وتحقيقها في زمن قياسي، فقد أصبح مجال أمة الإسلام ضخمًا وتكون في مساحة هائلة من العالم بعد ما يقارب قرن فقط من البعثة النبوية، لكن عمليات الفتوح هذه ما لبتت أن توقفت في أواخر العهد الأموي وبداية العصر العباسي، وذلك لأسباب سياسية وحضارية، حيث توقفت في منطقة الغرب بعد معركة بلاط الشهداء الشهيرة 114هـ، والتي تراجع على إثرها النفوذ الإسلامي من فرنسا نحو الأندلس، وفي منطقة الشرق تزامنًا مع التقلبات التي عرفتها الدولة الأموية أواخر عمرها.
ثم انطلاق الثورة العباسية من بلاد خراسان. وصحيح أن العباسيين أعادوا فتح مناطق تمردت على حكم المسلمين في أطراف دولتهم وأضافوا شيئًا؛ إلا أن الانقسام السياسي الذي عرفه العالم الإسلامي في عصر الخلافة العباسية قد حال دون عودة الفتوح الواسعة، كما أن الدولة العباسية عرفت بما يمكن أن نسميه “بالمحافظة على الموجود” أي الاكتفاء بالأراضي التي يحكمها المسلمون واستغلالها وتنميتها، إضافة إلى الاهتمام بالعلوم والآداب حتى عرفت هذه الفترة بالعصر الذهبي للحضارة الإسلامية، ونجد بعض الفتوحات قد حدثت في فترات كثيرة من العصر العباسي الطويل، كفتح الهند والأناضول وغرب إفريقيا، إلا أنها تحدث في مراحل متقطعة وليس بشكل مسترسل كما في صدر الإسلام.
وتوقف الفتوحات –والتي تعني انتشار الإسلام ودعوته في الأرض-وانقطاعها، هو حدث وظاهرة فاصلة غيرت التاريخ نتيجة عوامل عدة كالصراعات السياسية وظهور الطوائف المتناحرة والفرق الباطنية أو الأعداء الداخليين، فضلا عن الانحراف التدريجي في نظم حكم المسلمين.
سقوط بغداد
كان لحدث سقوط عاصمة الخلافة العباسية بغداد أمام الاجتياح المغولي منتصف القرن السادس الهجري وقع كبير وصدى عظيم في أرجاء العالم الإسلامي، فقد ابتليت الأمة الإسلامية في بدايات هذا القرن ببلاء التتار الذين اكتسحوا الشرق الإسلامي ودمروا حواضره واحدة تلو الأخرى، بعد سلسلة من المجازر الوحشية في حق الأهالي، ثم إحراق المساجد والمكتبات ودور العلم، فكانت مدن خراسان شاهدة على هذه الفاجعة مثل بخاري وسمرقند ومرو وطوس وترمد وباقي حواضر بلاد فارس وآسيا الوسطى، وقد توجت هذه الأعمال الفظيعة بسقوط بغداد وتدمير الدولة العباسية وقتل أخر الخلفاء العباسيين عام 656ه/1258م، فكان ذلك كارثة بكل المقاييس، فلأول مرة تحرق دار الخلافة بهذا الشكل ويذبح أهلها، وتنتهي بالتالي مكانة بغداد العظيمة التي كانت تسمى يومًا بحاضرة الدنيا، كما جاء هذا الحدث نتيجة تخريب الشرق الإسلامي بأكمله والذي لم يشهد نهضة فعلية منذ ذاك الوقت.
كما سبب هذا بنهاية الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمس قرون، وانتقال بقايا العباسيين إلى مصر تحت سلطان المماليك، ليتم إحياء الخلافة بصورة رمزية في القاهرة، وهنا انتهى بشكل رسمي دور العرب في قيادة العالم الإسلامي، ولم يرث التتار المكانة الحضارية للمسلمين في بلاد المشرق لكون طبيعتهم عسكرية تخريبية مع أنهم أسلموا في النهاية، وقد كانت لهذه الواقعة الكبرى أثر بالغ الأهمية حيث تغيرت شاكلة الدول الإسلامية وتحولت إلى وضع دفاعي مع محاولة الإبقاء على صورتها وقدراتها.
زوال الأندلس
كانت الأندلس من أهم أقطار الجناح الغربي لعالم الإسلام، وظلت بلاد تفيض بالحضارة الإسلامية على مدى ثمانية قرون، كما أنها كانت ثغرًا كبيرًا بمنطقة الغرب الإسلامي في مواجهة النصرانية الأوروبية، وسقوط هذه البلاد في أواخر القرن التاسع الهجري والخامس عشر الميلادي؛ غير موازين الأمة الإسلامية قاطبة بل والعالم أجمع.
فقد كان سقوط غرناطة سنة 897هـ/1492م وزول أخر مملكة إسلامية في شبه الجزيرة الأيبيرية فاتحة عصر جديد، حتى إن قسم كبير من المؤرخين الأوروبيين أعده حدثًا فاصلا وبدايةً للعصر الحديث، وذلك لتزامنه مع انطلاق الرحلات الأوروبية وما عرف بالاكتشافات الجغرافية التي استهدفت العالم الجديد والقارة الأمريكية، كما قامت كل من الإمبراطورية الإسبانية والبرتغالية على ميراث المسلمين و على أخر دولة إسلامية في الأندلس دولة بنو الأحمر، ومن تم افتتاح عهد جديد من تاريخ الحروب الصليبية ضد أمة الإسلام، وبدأ عملية تطويق العالم الإسلامي وحصاره.
ومن جانب أخر فقد كانت كارثة سقوط الأندلس بداية حقبة الركود والتراجع لدى المسلمين، بعد أن ضاعت الأندلس التي كانت تمثل منارة للعلم والحضارة الإسلامية، وفي المقابل بدأت النهضة الأوروبية تطفوا إلى السطح، كما مهدت الأحداث لظاهرة “الاستعمار” والتي انطلقت منذ ذلك الوقت نتيجة التفوق الغربي الذي مهد ليشمل كافة المجالات، وكل ذلك في ذات الفترة الذي بدأت فيه الأمة الإسلامية تفقد مجالها وحيويتها. وصحيح أن العالم الإسلامي لا يزال يحافظ على بعض قوته الهجومية والذي تمثلت في الفتوحات العثمانية في شرق أوروبا، إلا أن الجمود قد تسرب إلى النظم الإسلامية، في الوقت الذي تطور أوروبا من نفسها، فعملت على تجاوز العالم الإسلامي مما سيترتب على الهجوم عليه واحتلاله من قبل هؤلاء الأوروبيين.
إلغاء الخلافة الإسلامية
في سنة 1924م أعلن رسميا إلغاء نظام الخلافة الإسلامية في إسطنبول على يد كمال أتاتورك، وجاء هذا بعد سقوط الدولة العثمانية غداة الحرب العالمية الأولى، وقد أثار هذا الإعلان صدمة بالعالم الإسلامي، فلأول مرة تختفي الخلافة وتزول دولة الإسلام وينعدم الحكم بالشريعة.
تسلم الأتراك العثمانيون الخلافة من بقايا العباسيين بالقاهرة بعد زوال دولة المماليك في بداية القرن السادس عشر الميلادي، واستطاع العثمانيون أن يوسعوا دولتهم لتضم أهم مناطق العالم الإسلامي، ودخلوا أوروبا وشكلوا إمبراطورية واسعة دافعت عن الأمة لقرون، وقد تزامن هذا الأمر مع حالة من التدهور المستمر للبلاد الإسلامية، ونهوض أوروبا التي بدأت باحتلال أجزاء من الأمة.
وقد أصاب الضعف الدولة العثمانية مند القرن الثامن عشر، وتكالبت قوى الأعداء عليها من الداخل والخارج، وصار موضوعها أهم ملفات المؤامرات الدولية الاستعمارية، فتدخلت الدول الغربية في شؤونها فاخترقتها رغم المقاومة التي أبدتها زمن السلطان عبد الحميد الثاني، الذي حاول بكل جهد أن يعيد الهيبة إلى الخلافة العثمانية ويوحد الأمة الإسلامية، لكن سيطرة القوميين الاتحاديين على الدولة وانتهاء حكمه، قد جر العثمانيين إلى ويلات الحرب الكبرى، فكان المصير المحتوم هو سقوطها تحت مدافع الحلفاء، الذين سارعوا بتنفيذ خطط تقسيمها وإخضاع ما تبقى من العالم الإسلامي لسيطرتهم، فكانت اتفاقية سايكس بيكو التي حولت البلدان الإسلامية إلى دويلات قومية وطنية هزيلة ومتناحرة خاضعة للاحتلال الغربي.
مآلات القضايا الأربع
كانت هذه الأحداث فاصلة في تاريخنا، إذ انتهت إلى هدم الخلافة الإسلامية وتفكيك العالم الإسلامي وتمزيقه، واستطاع الأعداء أن يطبقوا على الأمة الإسلامية دفعة واحدة وللمرة الأولى في التاريخ، ومن ثَمَّ جعل المسلمين خاضعين للنظام الدولي الذي تأسس–بصورته الحالية-منذ ذاك الوقت، والذي لا يزال يهيمن على العالم العربي والإسلامي، وقد أقام تحت سلطانه دول مصطنعة صاغها ووظف أنظمتها لتعزيز سيطرته على الأمة، وذلك عبر أدوات ومؤسسات والقوانين التي تحارب الشريعة، كما تم تنصيب حكام عملاء هدفهم محاربة الإسلام ومنع تأسيس دولة إسلامية، وبالتالي جرى الظلم والاضطهاد في حق أبناء الأمة فضعف المسلمون كثيرًا فتفرقت كلمتهم، واستولى اليهود على فلسطين بدعم مطلق من الغرب وقوى الأعداء، كما تسربت الأفكار والفلسفات الوضعية من العلمانية والليبيرالية والإلحاد والاشتراكية، إلى نفوس المسلمين حتى باتت تهدد ما تبقى لهم من العقيدة.
لا شك بأن هذه النقاط الأربع شكلت انعطافات مؤثرة في تاريخنا الإسلامي والتي أنتجت هذا الحاضر الذي نعيشه، لكن بما أن التاريخ يتشكل من نقط تحولية تؤسس لفترات انتقالية، تغير الظروف والملامح، فإن المنعطف التاريخي القادم–إن شاء الله-سيشكل نقطة تصحيحية تعيد المجد والعزة والرفعة للإسلام والمسلمين، لتنهض الأمة من جديد وتمارس دورها في التاريخ، ونحن الآن من دون ريب على أعتاب كل هذا.
الله يحفظك خويا مقال شيق ومفيد كم نحن بحاجة للكثير منها
هذا العصر هو عصر غياب المسلمين من الساحة العالمية بفكرهم و حضارتهم و نفوذهم و علمهم و بدء العملاق يفيق من سباته (كما قال توينبي ) و حتى يبقى في غيبوبته بدا الاعداء الماكرين يكثرون من الجرعات من التخدير حتى يدوم تخديره اطول ليسلبوا ثرواته و خيراته و طاقته العلمية من البشر و باسم العلم يجهلونه ويبعدونه عن ايمانه و شخصيته و تاريخه و شككونه في مسلماته بالمعتقدات الربانية و يجرونه الى الشهوات و الامعقول و الاوهام و الخرافة باسم العلم الكاذب الصهيوني …