يوسف بن تاشفين: 1900 منبر ذكر اسمه عليها!

رسائل الأقوياء

بعد أن تفرق المسلمون في الأندلس وتشتتوا، اجتمع العلماء وبعثوا من ينادي بالمرابطين ويستغيث بهم لمساعدتهم ضد ألفونسو الذي قرر اجتياح الأندلس المسلمة، وحين  تمَّ عبور جيش المرابطين  عام 1068 إلى الأندلس أرسل يوسف بن تاشفين برسالة إلى ألفونسو السادس يقول له فيها:

بلغنا يا ألفونسو أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها البحر إلينا، فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك ( وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ).أ هـ

وخيَّره يوسف بن تاشفين بين الإسلام والجزية والحرب. تَسَلَّم ألفونسو السادس الرسالة وما إن قرأها حتى استشاط غضبًا وجاش بحر غيظه، وزاد في طغيانه وكفره، وقال: أبمثل هذه المخاطبة يخاطبني، وأنا وأبي نغرم الجزية لأهل مِلَّته منذ ثمانين سنة؟!، وقد كان المعتمد ابن عباد يدفع لألفونسو الجزية، ثم أرسل ليوسف بن تاشفين متوعِّدًا ومُهَدِّدًا قائلا: فإني اخترت الحرب، فما ردُّك على ذلك؟، وعلى الفور أخذ يوسف بن تاشفين الرسالة، وقلبها وكتب على ظهرها: الجواب ما تراه بعينك لا ما تسمعه بأُذنك، والسلام على مَنِ اتَّبع الهدى.

قائد المقال

سنتحدث عن سر شخصية عظيمة ومجددة، وقائد من قادة الإسلام الذي مكنه الله في الأرض فجمع ووحد المسلمين بعد شتات طويل، وأعطاه الله بسطة في الجسم وقوة في الإيمان وشخصية رائدة عزيزة عفيفة طاهرة.

القائد المجاهد يوسف بن تاشفين الصنهاجي المرابطي الذي يصح أن نقول عنه إنه غير التاريخ وكان مفصل رئيس فيه، وامتلك صفات وشمائل وخصائص مكنته من تحقيق هذا الذي حققه، والوقوف عليها من أهم المهمات التي يجب أن يطلع عليها الجيل الحالي لعل واحداً من أفراده أن يستفيد منها ويسد بها ثغرة على المسلمين أو يرقع بها خرقاً في الثوب الإسلامي الممزق.

أسس مملكة إسلامية من قرابة وسط الجزائر حتى مراكش، ومن الأندلس شمالاً إلى غانا جنوباً، فكانت من أعظم ممالك العصر.

أنقذ المسلمين في الأندلس، وأخر سقوطهم أربعة قرون وبضع سنين، ودحر الكافرين، وأعز الله تعالى به الدين، وذلك في معركة الزلاقة الشهيرة سنة٤٧٩ه/ ١٠٨٦م.

ومن ثَم وحد الأندلس، وجمع دول الطوائف المتفرقة المتناحرة تحت راية دولته المنيفة.

أوضاع المسلمين في زمن تاشفين

إن أحوال المسلمين في زمن الإمام المجاهد يوسف بن تاشفين –في القرن الخامس الهجري- كانت حرجة إلى الغاية التي أورثتهم ما كانوا عليه آنذاك من الضعف والخَوار؛ فالخلافةالعباسية كانت ضعيفة، والدولة الباطنية الفاطمية كانت مستولية على مصر وأجزاء من بلاد الشام والحجاز، والمغرب كان بحاجة إلى قيادة تجمع ماتفرق من شتاته، والمشرق ليس بأحسن حالاً منه، وختم القرن بنزول الصليبيين على السواحل الشامية، وكان الأمر مهيئاً لظهور بطل مجاهد يحمل الراية وينصر المسلمين فكان هذا البطل هو يوسف بن تاشفين.

بداية ظهوره

بدأ الأمر مع ابن تاشفين كقائداً عسكرياً يعمل تحت إمرة ابن عمه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني وكانت هذه المرحلة من أهم المراحل التي زودته بالتجارب والخبرات، واستطاع خلالها ممارسة السلطة والاطلاع على خفاياها دون تحمل أدنى مسؤولية، واستطاع بعدها تسلم الإمارة والقيام بأعباء السلطة.

ظهرت براعة ابن تاشفين في معركة الواحات التي وقعت عام 448هـ، والتي كان فيها قائداً لمقدمة جيش المرابطين المهاجم، وبعد فتح مدينة سجلماسة عينه الأمير أبو بكر والياً عليها، وظهرت مهارته ثم غزا بلاد جزولة، وفتح ماسة، ثم سار إلى تارودنت قاعدة بلاد السودس وفتحها، وكان بها طائفة من الشيعة البجليــين نسبة إلى مؤسسها على بن عبد الله البجلى، فقاتل المرابطون الشيعة، وتحول من بقى منهم على قيد الحياة إلى مذهب أهل السنة والجماعة.

هاجم ابن تاشفين مدينة أغمات بأمر من الأمير أبى بكر، والتي كانت مزدهرة في ذلك الوقت وإحدى مراكز النصرانية القديمة، ومقراً للبربر المتهودين وكان يحكمها الأمير لقوط بن يوسف،والذى فر منها إلى تادلا بعدما رأى أن لا جدوى من المقاومة، ثم هاجم يوسف تادلا وفتحها وقتل لقوط بن يوسف المغراوي.

الشخصية المسؤولة

لن نسرد سيرة قائدنا ومجاهدنا يوسف بن تاشفين, لكننا سنحاول استكشاف سر هذه الشخصية التي تميزتوحظيت بما حظيت من قبول والتفاف للناس حولها، وهذا ما يحرص عليه المربون والدعاة، ويقرؤون التاريخ بحثا عن أسرار النصر والتمكين ومنهج الاستئناف واسترداد الأمة وإعادة مجد الإسلام ودولته.

وإن أهم ما ميز القائد يوسف بن تاشفين هو شعوره بالمسؤولية، تجاه نفسه وإخوانه وأمته ودينه وربه، وهذا ما أنعش وبث في نفسه روح الجهاد والمروءة والهمة والتضحية والإقدام.

لقد كانت شخصية يوسف بن تاشفين شخصية مبدئية, منطلقةٌ تماماً من العقيدة والشريعة, لا تحابي أحداً, ولا تجامل ولا تساير الواقع، بل تعالج الواقع بعين الشرع وتطبق حكم الله.

لم يكن شخصية عادية ترضى أن تكون على هامش الحياة, أو تخنع للدنيا وملذاتها, وتحبط وتيأس من ضغوط الحياة وهمومها, وتذل وتخضع وتستلم للقوى البشرية الحاكمة للعالم والمسيطرة عليه ظاهرياً, بل كان شخصية مسؤولة مؤمنة صادقة مبدئية سياسية اجتماعية حركية, لها ميزان ومقياس واضح وثابت, هو مقياس الله وميزانه – القرآن الكريم – ميزان الحق والعدل, بنى شخصيته وإيمانه وروحه وعقله وحركاته وسكانته بشكل متناسق ومتوافق مع آيات الله, فكان قرآنا يمشي على الأرض يهتدي بنوره ويستظل بظله.

خاتمة

يوسف بن تاشفين قائد لم يعط حقه وغيب عن الكثير من الناس مثله مثل الكثير من القادة العظام، وعلينا نحن المسلمين أن نضع سير هؤلاء النبلاء أمام أيدي جيلنا وأولادنا عسى أن يقتدوا بهم ويتأسوا بأخلاقهم وشخصياتهم، وأن يكونوا خير خلف لآبائهم الأبطال الذين لم يعرفوا الراحة ولا الكسل وظلوا دائبين على نصرة الإسلام وعزه، فأناروا لم بعدهم الطريق وزرعوا مشاعل الحق والعدل والخير والسلام، وطهروا الأرض من دعاة الباطل والشرك، لا يبتغون إلا إقامة سلطان الله في الأرض حتى ينعم الناس بحياة طيبة هنية راضية مرضية.

ترجمة موجزة لابن تاشفين

  • هو أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم الصنهاجي الحميري اللمتوني، أمير المسلمين، وأمير المرابطين.
  • ولد بصحراء موريتانيا سنة٤٠٠ تقريباً، وقيل بعد ذلك.
  • كان الفقيه المجاهد عبد الله بن ياسين قد جمع حوله جماعة من الناس، وجعل همها الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم فلقبوا بالملثمين، وقد ساعده في الجهاد أمير من أمراء البربر يدعى يحيى بن عمر اللمتوني، فلما قتل تولى أخوه أبو بكر بن عمر مكانه، الذي شغل بحرب الوثنيين في الصحراء فولّى ابن عمه يوسف بن تاشفين مكانه حتى يعود، فلما عاد وجد أن يوسف قد التف الناس حوله لصفات فيه جليلة فنزل له عن الرئاسة وخلع نفسه منها، وحكم يوسف بن تاشفين المغرب أكثر من خمسين سنة.
  • أنشأ البطل المجاهد يوسف مدينة مراكش وجعلها عاصمة ملكة سنة٤٦٥، وقيل إن الذي بدأ إنشاءها ابن عمه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني وجاء يوسف بعده فأتم بناءها.
  • وحد المغرب الأوسط والأقصى في دولة واحدة من الجزائر إلى طنجة إلى مراكُش إلى ما يعرف اليوم بدولة مالي، وصار المغرب دولة سنية بعد أن تنازعه أصحاب الأهواء والمذاهب الباطلة والعقائد الفاسدة.
  • وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها أكثر المغرب الأوسط والأقصى في دولة واحدة.
  • استنجد به أمراء الطوائف في الأندلس ضد النصارى فأنجدهم وانتصر على النصارى في معركة عظيمة هي الزلاقة سنة١٠٨٧م./٤٧٩ وبعد ذلك جمع الأندلس والمغرب في دولة واحدة ضخمة عاصمتها مراكش.
  • ولّى ابنه علياً ولاية العهد من بعده، وكان لابنه أياد بيضاء في الجهاد.
  • توفي البطل المجاهد يوسف بن تاشفين سنة٥٠٠هـ ودفن في مراكش رحمه الله تعالى، وقبره فيها اليوم معروف.
  • وكان رحمه الله بطلاً نجداً شجاعاً حازماً مهاباً ضابطاً لملكه، متفقداً الموالي من رعيته، حافظاً لبلاد هو ثغوره، مواظباً على الجهاد، مؤيداً منصوراً، جواداً كريماً سخياً، زاهداً في الدنيا متورعاً عادلاً صالحاً، متقشفاً على ما فتح الله عليه من الدنيا، لباسه الصوف، لم يلبس قط غيره، وأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها، مقتصراً على ذلك، لم ينتقل منه مدة عمره إلى أن توفي رحمه الله تعالى على ما منحه الله من سعة الملك في الدنيا وخوله منها، فإنه خطب له بالأندلس والمغرب على ألف وتسعمائة منبر.

المراجع

  • الصفات والخصائص التي أبرزت الإمام المجاهد يوسف بن تاشفين المرابطي– محمد بن موسى الشريف
  • فقه التمكين عند دولة المرابطين – د. علي الصلابي

علاء حلبوني

كاتب وباحث في نهضة الأمة - كلية الاقتصاد، جامعة دمشق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى