عن فساد السلطات في أمريكا
هذا المقال ترجمة لمقالة بعنوان: It cannot happen here لكاتبه: Robert Arvay في موقع: americanthinker. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.
الكاتب: روبرت آرفاي
الترجمة: ربى الخليل
تحرير: عبد المنعم أديب
أرخى الفساد[1]، في حقبة الثلاثينات، قبضته المُحكمة على دول مثل روسيا وألمانيا واليابان، بينما كانت عيون شعوبهم شاخصة، وقلوبهم وجلة وهم يرقبون انزلاق بلدانهم إلى غياهب فسادٍ قاتم، في وقت كان كل يوم يمر عليهم يخبو فيه بصيص الأمل، بتقويم السبُل المنشودة وإعادة الناس إلى رشدها؛ بغية ردع دعاة الأيديولوجية المتطرفة وسياساتهم التدميرية، ومع مضي الأيام كانت الأوضاع تتفاقم سوءًا باطراد.
يبدو أن علينا في أمريكا أن نتذوق من نفس الكأس إن أردنا استشراف حقيقة شعورهم آنذاك.
تنامت قوة وسلطة الحكومات الأمريكية، وتقمصوا دور الأبوية في استقطاب الناس لخدمتهم، دون أن يستثنوا حتى الأطفال الصغار، وتحتم عليهم تقديم أواصر الطاعة للدولة.
قد لا تكون أوجه التشابه بين حقبتي الثلاثينات والألفية مكتملة الأركان[2]، لكن هذا لا يدحض إمكانية المقاربة بينهما؛ حيث يتربع ثلَّة من الأشخاص حاليًا سدَّة السلطة الأمريكية، ويقودون بممارساتهم المجتمع إلى الهاوية، مُستعينين بآلاف من أتباعهم؛ لتبوأ مناصب حيوية في مختلف أركان الدولة، ولضمان استمالة وسائل الإعلام وتحويلها إلى ذراع دعائية للحزب الحاكم، والتحكم بالبنى التحتية الأساسية، وقيادة دفّة الصناعة، وانتهاءً بإشباع الجهات الرسمية الحكومية بالبيروقراطيين الكفيلين بتنفيذ الأجندة القذرة.
تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الأساليب لم تكن لتمر في حقبة الثلاثينات، دون أن ترتطم بجدار من الممانعة والمعارضة -حتى العنيفة منها- تجاه ممارسات العبودية تلك؛ حيث استُهدف عديد المقاومين آنذاك بالاغتيال، وأُزهقت أرواح المئات منهم في الشوارع على يد العصابات الحكومية، فيما زُجَّ بعدَّة آلاف منهم في السجون، في حين اختفى ذِكر بعضهم بين جدرانها. وفي نهاية المطاف، سادت إرادة الحكومات وكانت لها الكلمة الفصل.
في أعقاب عمليات نهب اقتصاد وخيرات بلدهم، ألقت الأنظمة باللائمة على تقاعس منافسيها السياسيين في البلاد. بالعودة إلى ألمانيا واليابان (وإلى حد ما روسيا)، نحت حكومتاهما إلى الغزو الخارجي ونهب ثروات الدول المجاورة؛ لتعويض إخفاقاتهما الداخلية في بلديهما، فيما اقتادوا جيلًا من شبابهما إلى مصرعهم، وعاثوا خرابًا بمُدُنهم وأطبق البؤسُ براثنَه على خناق الشعوب على نحو غير مسبوق.
ومع أفول نجم تلك الحقبة، ركع طُغاة ذلك المحور مُستسلِمِين أمام أعدائهم المتحضرين الذين لم يظهروا إلا الرحمة لقُساة القلوب (ممن كان حظهم وفيرًا باختيار طبيعة أعدائهم).
إلا أن أعداء الحضارة الغربية في الوقت الراهن لا يتمتعون بميزة التحضر أو حتى الرحمة. ففي خارج البلاد؛ هُم إرهابيون قتلة، وفي داخل البلاد؛ هُم أشخاص يعمدون إلى إلغاء الطرف الآخر من منافسيهم، والميل إلى سجنهم، مُتغافلين عن القاعدة التي تقول: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، وتوظيف السجن الاحتياطي على ذمة التحقيق نوعًا من العقاب الاحتياطي.
بَيْدَ أنَّ أكثر ما يُثير الحيرة والاستغراب هو ميل ملايين الناخبين إلى غضِّ أبصارهم عن عمدٍ وهُم يرقبون بأمّ العين تدهورَ عُملة بلادهم؛ بينما يُطبِّلون للمُختلسين ويُصفِّقون لمَن يُلقي بنا إلى براثن الفقر. الناخبون الذين يتغافلون عن إجرام توجُّه سياسيٍّ جنونيٍّ -دفع بشركات البيع بالتجزئة للإفلاس، مُتملِّصًا من العقاب؛ بل أعاد المُتحكِّمين إلى مناصبهم، ليعيثوا المزيد من هذه السياسة التخريبية في البلاد-؛ هُم الناخبون الذين يشهدون تعرض أطفالهم إلى مخاطر ممارسات الانحراف الجنسيّ التي تنشرها الحكومة، وتراهم يُعيدون انتخاب الجُناة أنفسهم. إنه لأمر يدعو إلى الحيرة والإحباط معًا.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه؛ يكمن في سبب حدوث هذه الظاهرة وكيفية حدوثها.
يعجز اللسان عن ذكر مُبرِّر منطقيّ لهذا التعظيم اللاعقلانيّ الذي يُكنُّه الشعب الأمريكي لسياسات التعسُّف التي تمارسها حكومتنا. لكن يمكن التنويه إلى الاهتمام البالغ الذي أولته الحكومات تباعًا في رعاية المؤسسة التعليمية والثقافية بما يخدم أهدافها. لكن ما يصعُبُ تفسيره هو جُنوح عدد من البالغين -ممَّنْ لمسوا الأهوال المتوقعة على مدار عامين من التاريخ المُعاصر- للانتخاب لصالح استمرارية هذه الأهوال.
وما يزال العديد من أولئك الناخبين ينكرون أن ارتفاع الأسعار ينبثق من سياسات بايدن التدميريَّة؛ وهو ارتفاع كنا قد حذرنا من حتميَّة حدوثه، في حال وصوله لرأس السلطة. إن انفصال هؤلاء الناخبين عن الواقع أمر عصيّ عن التفسير. ومن العبث مناقشته معهم، فإن فعلت ينقضون على منتقديهم باتهامات مثل “نازيين” و”عنصريين” و”رافضين للانتخابات”.
شهد عددٌ من المؤرخين اليساريين صعود الطُّغاة الاستبداديين في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي، ومنهم كان “هارولد راغ” الذي استبصر من خلال أعماله (في عام 1930) خطر نشوب الحرب العالمية الثانية. إذا أغفلنا إدراكنا الحاليّ للتجارب السابقة، وعدنا بالزمن إلى تلك الأيام؛ سندرك عندها طبيعة الإحساس بالعجز، وأنت تراقب تسلق الشموليين في تلك الحقبة سُلَّم السلطة، تراهم وهُم يُوطدون هيمنتهم على شعبهم وسَوْقهم إلى فظائع لا تخطر بذهن إنسان. وما كان يبدو مستحيلًا للوهلة الأولى؛ انتهى به المطاف إلى حتميَّة حدوثه، دون القدرة على إيقافه، وواصل الأشرار انتصاراتهم وسَحْق كل من يتصدى لهم.
إلى أين سيصل الجنون الحالي للحكومة الأمريكية؟! ونحن نرقب جُنُوحها المتفاقِم عن السيطرة، تمارس سياساتها التدميريَّة دون حد أدنى من المحاسبة. وفي كل مرة ندحض فكرة الانجراف إلى ما هو أسوأ، نرى وقوعنا فيه. وفي كل مرة نتأمل صحوة الشعب الأمريكيّ، نرى الكثير منهم يسيرون في نومهم مغيبين، وحناجرهم تصدح بشعارات جوفاء ساجدين لأسياد وشياطين المال والثروة.
سبق أن أطلق الرئيس ريغان تحذيرًا بأننا الأمل الأخير والأمثل للديمقراطيَّة؛ التي لم تجد مكانًا آخر لها. وعلى خلاف الألمان والروس واليابانيين في عام 1932، هل سيكون بوسعنا إحداث تغيير لهذا الواقع؟ وهل هناك مهمة أكثر أهمية وإلحاحًا؟
[1] هذا المقال هو مثال واحد من عديد التشقُّقات التي في الجسد الأمريكي الآن، ويرى فيه القارئ الكريم حقيقة الوضع الديمقراطيّ الذي لا نشهد له وجودًا؛ إلا في التشدُّق به على ألسنة الرؤساء الغربيين. وفيه يطالع كيف تُنفَّذ الخطة نفسها في تلك البلاد؛ فأي معارض للحُكم القائم يُتهم بأنه إرهابي، وإقصائي؛ لأنه اعترض على أجندة نشر الشذوذ أو غيرها من الأمور التي تواليها السلطة القائمة.
[2] هنا يُقيم الكاتب مقارنة بين الانتخابات في الثلاثينات والانتخابات الحالية؛ من حيث أوجه فساد السلطة المتولية.