طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.. داء المجتمع العربي ودواؤه
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ليس كتابًا بل لهيبًا مُستعرًا من النار المُؤجَّجة التي تُحرق ظهر كلّ ظالم مُستبد. ولا غرابة من سعي كلّ نظام قمعيّ لمنع هذا الكتاب من النشر، وليست مسألة مُطاردة هذا الكتاب حديثة بل قديمة قِدَم تأليفه؛ حيث طُورد عبد الرحمن الكواكبي في سوريا حتى هرب منها إلى مصر، كما كان يكتب ما يريد في شكل مقالات ممهورةً باسم مُزيَّف كي لا يتوصَّل إليه.
ولو نظر القارئ الكريم في هذا الكتاب أقلَّ النَّظر لعرف السبب في مطاردة هذا الكتاب منذ القديم. وبالعموم هو أحد أفضل الكتب العربيَّة الحديثة.
من أين أتتْ قوَّة هذا الكتاب؟
وإنْ أردنا أنْ نلخِّص أسباب نجاح الكتاب في أقلّ عدد من العناصر لقلنا إنَّه قوَّة الأسلوب وغزارة المعاني. والأوَّل سمة للكواكبي في كلّ ما كتب فقد كان يكتب عن طبع وسليقة كما كان النقَّاد قديمًا يقسِّمون الشُّعراء إلى شعراء طبع -أيْ موهوبين بالفطرة يقرضون الشعر عن سجيَّة- وإلى شعراء صنعة -أيْ يصنعون العمل الفنيّ صُنعًا-. فكذلك الكواكبيّ هو من كُتَّاب وأدباء الطبع؛ تنصاع له الألفاظ والتراكيب انصياعًا دون عناء، بل تتشكَّل على يديه الكلمات في أشدّ الصور تأثيرًا. إلى الدرجة التي تُشعِر القارئ وكأنَّ بركان يخرج من الكتاب يدمِّر عروش الظلم والطغيان.
يعضِّد هذا الأسلوب المتين غزارة في المعاني التي يأتي بها؛ وسبب غزارة هذه المعاني هو حديثه عن أمور بحثها طويلًا وقرأ عنها وناقش فيها وتشرَّبها تشرُّبًا فخرجتْ على يديه في منتهى النضوج. وكتابنا هذا دليل على طُول تفكُّره في ظاهرة الاستبداد وآثارها فما نقرأه فيه نتاج بحث وتفكير ومُدارَسَة سنوات وسنوات. وهكذا كلُّ الأعمال القيِّمة لا تأتي بالاستسهال والتسرُّع بل عن ثبات وإيمان بالموقف وتسلُّح بما يحتاجه إنتاج الفكر أو العلم.
وهنا نأتي لأمر يعدُّ سلبيًّا في أعمال مفكِّرنا وهي ولوعه بالحضارة الغربيَّة -أو بدقَّة- بتفوُّق الحضارة الغربيَّة الذي رآه حقًّا ثابتًا في جانبها وتجاهل أنَّه حال يتحوَّل على كلّ أمَّة متى اتخذت له عدَّته وعتاده. ونتيجةً لذلك الولوع بدأ يرسم خريطة الداء والإصلاح على منهج هو بينَ بينَ نُظُم الحضارة الغربيَّة والحضارة الإسلاميَّة، وبدأ يُأسْلِم المعاني الغربيَّة أيْ يحاول صبغها بصبغة الإسلام ويُضفي عليها الشرعيَّة. لكنَّه في النهاية مُفكِّر مُسلم قد تأثَّر ليس أكثر. ويجب علينا الانتباه لهذا التأثّر في تناول أعماله والاستفادة منها.
ومثالاً على ذلك تأثير التشريعات الفرنسيَّة، والتنظير الفرنسيّ بائن في كلامه. خاصَّةً كتاب “رُوح الشرائع” للفيلسوف مونتسكيو. وهو نفسه أعرب في هذا الكتاب عن مدى تأثره بالغربيِّيْنَ، وأنَّه اقتبس الكثير منهم في كتابه. وأشار إلى مونتسكيو نصًّا
قيمة الاستبداد عند الكواكبيّ
لا شكَّ أنَّ مَن عَرَفَ الكواكبيّ يعرف أنَّ الاستبداد عنده هو أُسُّ الداء في أمَّة المُسلمين. فهو عنده مُقدَّم على غيره من الأدواء والمِحَن التي يمرُّ بها العالَم الإسلاميّ. وذلك لأنَّه يراه مُنشِئًا لكُلِّ أدواء المُسلميْنَ. ومكانة الاستبداد في قضيَّة تأخُّر المسلمين هي مكانة القلب والعقل معًا من الجسد البشريّ.
والكواكبيّ يقصد هنا بالاستبداد الاستبدادَ السياسيَّ لا غيره. ولا أدلّ على ذلك من أنَّه عقد له كتابًا كاملاً طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، وأفرد له الحديث بين ثنايا كتابه الآخر. يقول في صدر كتابه طبائع الاستبداد عن تجارب اكتشاف داء المسلمين: “قد تمحَّصَ عندي أنَّ أصل هذا الداء هو الاستبداد السياسيّ”. وسنكتفي بالإشارة إلى تعريفه لداء الاستبداد، ثمَّ نعرُّج على وسائل تصحيح النهج المجتمعيّ.
تعريف الاستبداد، وأنواعه، ومراتبه
يعرّفه: “هو تصرُّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة، وبلا خوف تبعة”. وكذلك “صفة للحكومة المُطلقة العنان؛ فِعلاً أو حُكمًا. التي تتصرف في شئون الرعيّة كما تشاء؛ بلا خشية حساب، ولا عقاب مُحقِّقين”.
وهناك أنواع للاستبداد. منها: حكومة الفرد المُطلَق الذي تولَّى الحُكم بالغلبة أو الوراثة. والحاكم الفرد المُقيَّد المُنتخَب؛ إذا لمْ يتحلَّ بالمسئوليَّة المُلقاة على عاتقه. وكذلك حكومة الجمع ويقصد بها التي يشترك أفراد كثيرون فيها، حتى إنْ جاءوا بالانتخاب. فاستبدُّوا برأيهم دون الشَّعب. فهي عنده شرٌّ من الحكومة الأولى. والسبب الذي لمْ يقله هو أنها مُكتسبة للشرعيَّة الجمعيَّة مع أنَّها تعبِّر عن اتجاه واحد. أيْ أنَّ القول المُصدَّر للشعب وللدول الأخرى أنَّ هذا هو رأي المجتمع كلِّه مع أنَّه على وجه التحقيق رأي فئة واحدة تستولي على مقاليد الأمور.
ويضمُّ لها أيضًا الحكومة القائمة على دستور لكنّ سلطاتها التشريعيَّة، التنفيذيَّة، الرِّقابيَّة مُفرَّقة كُلَّ الفُرقة بلا رقابة من المُشرِّعين، الذين هم مسئولون أمام الشعب. وهذا يُدلُّنا على تفقُّه الكواكبيّ في الأنظمة الحاكمة. فلم ينخدع بالحكومات التي ترفع شعار التعدُّديَّة وإنْ فحصتَ أمرها ستجدها استبداديَّة أيضًا.
والاستبداد عنده مراحل. أعلاها وأشدُّها هو حكومة الفرد المُطلَق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينيَّة. فهذا على حدّ قوله: “يُتعوَّذ بها من الشيطان” في الشرّ. ويضع الكواكبيّ معايير لقياس الاستبداد في الأمَّة. منها: قلَّة عدد الشعب من كثرته، وكيفيَّة توزيع الثروة على الشعب، وترقِّي الشعب في العلوم والمعارف. وبالعموم يرى أيَّة حكومة استبداديَّةً؛ إلا أنْ تكون هذه الحكومة تحت مراقبة شديدة من الشعب، وحساب لا تسامح فيه منهم. هذه هي مقاييس الاستبداد عنده.
أثر الاستبداد على حياة المجتمعات
يعدد الكواكبيّ مجالات تأثير الاستبداد على المجتمعات. ومنها:
- المجال العلميّ: المستبد هو عدو العلم بإطلاق؛ فإنهما ضدّان لا يتقابلان. والمستبد لا يخاف علوم اللغة والدين -وهذا ما نخالفه فيه بالقطع-. بل ترتعد فرائصه من علوم الحياة مثل: الحِكمة النظريَّة، والفلسفة العقليَّة، والحقوق، وعلم الاجتماع، والسياسة، والتاريخ، والخطابة الأدبيَّة. ولا حاجة للتصريح بعلاقة الكراهية بين هؤلاء وبين الحُكَّام. وأكثر المُشتغلين بهذه العلوم كراهيةً من الحكام هو الذين يتوجهون للشعب بالتوعية والتوجيه، يُعلمونهم حقوقهم وواجباتهم. وخوفًا من وعي الناس بالحقوق والواجبات، وبغيرها من العلوم الكاشفة لأحوال الأمم الأخرى للشعب الجاهل يحرص الاستبداد حرصًا على أنْ يظلَّ الشعب جاهلاً.
- المجال الماليّ: الاستبداد هو تصرُّف غيرُ حكيم في أموال الغير -هُم الشعب-. والمستبد يعتمد في حُكمه على أموال الشعب، ليستذلَّ الشعب (وهذا ما نراه أمام عيوننا الآن). ويُقسِّم الاستبداد المجتمع إلى طبقات؛ حيث الأغنياء أوتاد المُستبدِّيْن. حيث يتهدَّد أموالهم فيخضعون له، ويطلب عون مالهم فيُؤتُونه. وبسبب هذه العلاقة الآثمة يرى الكواكبيّ أنَّ الذُّلَّ يرسخ في الأمم التي يكثر أغنياؤها. وهناك الفقراء يخاف المستبد صيحة مُطالبتهم بحقوقهم، ويرتعب من زئير ثورتهم عليه. فما يكون له من صُنع إلا أنْ يجمع أموال الغنيّ ليقهر بها الفقير، ويُقسِّم المجتمع، ويصنع الضغائن، ويُفرِّق الأقوات بالظلم والجبروت.
- المجال الأخلاقيّ: حيث يجعل الاستبداد الناس ضعاف الخُلُق. فهو يجعل الإنسان كافرًا بنعمة ربِّه؛ لأنَّه لا يملكها، يجعله حاقدًا على أهله، وينزع من قلبه الانتماء للوطن والعشيرة. يجعله يكره المجتمع الذي لا يرى منه إلا القبح. فيتكالب الناس ساعتَها على اللَّذات البهيميَّة، ويُضنَى من أجل لقمة العيش. فيحتال إلى حيوان بما في الكلمة من معنى، وينزل عن إنسانيّته، بما فيها من شرف وكرامة. ولعلَّ ما يقوله الكواكبيّ موافقًا للإسلام فقد كان الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يستعيذ في دُعائه من الفقر وذلّ الرجال.
الإصلاح المجتمعيّ عند الكواكبي
نورد أولاً بعض الأمور التي نبّه الكواكبي عليها، وجعلها ركيزة الإصلاح المجتمعيّ في ظلّ تحديده لداء الأُمَّة بالاستبداد السياسيّ:
- أنَّ الإسلام جاء مُؤسَّسًا على الحِكمة والعزم، هادمًا للشِّرك بكلِّ صوره. مُحكِمًا قواعد الحريّة السياسيَّة وأزال السلطات التغلُّبيَّة.
- الخلفاء الراشدون فهموا القرآن فهمًا صحيحًا. لذلك أنشأوا حكومة عادلة وغذُّوا شعور الأخوّة والروابط الاجتماعيَّة.
- تبيين حقيقة أنَّ البدع التي شوَّشت الإيمان تسَلْسَلَ بعضها من بعض من غرض واحد هو الاستعباد.
- القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوي. حتى في القصص منه.
- الفهم الخاطئ للدين والبُعد عنه سهَّلا دعوى المُستبدِّين الأُلُوهيَّة. حتى أنَّ كلَّ مستبد سياسيّ يتخذ صفة قدسيَّة يشارك بها “الله” -تعالى-. لذا يجب العودة إلى التوحيد الذي يجعلنا أحرارًا بعبادتنا للإله وحده، لا شريك معه في تقديس ولا تعظيم.
- الله أرسل رسولاً من أنفسنا؛ ليؤسس لنا أفضل الحكومات. قاعدتها “كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رَعيَّتِه”. وهي أبلغ وأسمى ما قاله مُشرِّع سياسيّ من الأولين والآخرين. ويجب تنقيتها من الفهم الخاطئ لها بأنَّها مقصورة عن مسئوليَّة الفرد عن عائلته فقط.
- يتعجّب قائلاً: “وكأنَّ المسلمين لم يسمعوا قول النبيّ -عليه السلام-: “الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربيّ على عجميّ إلا بالتقوى” (هذا الحديث ضعيف جدًّا أورده الألبانيّ في الأحاديث الضعيفة، لكنَّ معنى شطره الثاني صحيح بلفظ آخر) .. وأنَّ الله -جلَّ شأنه- قد ساوى بين عباده مؤمنين وكافرين في المَكرُمة بقوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) -سورة الإسراء 70-.
- تذكَّر الناس أقوالاً بفهم خاطئ مثل: الدنيا سجن المؤمن. ونسوا حديث الرسول -صلَّى الله عليه وسلّم-: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم غرسة فليغرسها”. بما في ذلك من أمر في إعمار الحياة بكلِّ الخير.
- فهم الناس خطأً مفهوم القضاء والقدر. ونسوا أنَّ “مثلما تكونوا يُولَّ عليكم” (هذا الحديث أيضًا ضعيف، ولا يعني ضعف الحديث ضعف معناه)، وأنَّ الدين أمرهم بمقاومة الظلم، وبأنَّ أصلاً من أصول الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولمَّا حرَّف المسلمون فهم الدين على هذه الشاكلة وصل حالهم إلى هذه الزراية، ولعلَّ أحوالهم تبدأ في التقدّم إذا ما عادوا إلى فهم الدين الإسلاميّ فهمًا صحيحًا. بعيدًا عمَّنْ حرَّف ليسود على رقاب الناس، ومَن ساعد ونشر ليجد حظوة عند ذي السلطان. وقد بلغ الحنق بـ الكواكبي بالحال في الدول العربيَّة أنْ قال في شأن تركهم كلّ ما جاء به الدين الحنيف من إصلاح ورضائهم الشرك والاستبداد والحال المعيب:
لولا حِلم الله لخسف الأرض بالعرب.
أصالة الشورى في التشريع الإسلاميّ
أتى القرآن مُؤيِّدًا للشورى من كلّ وجه، مُضادًّا للاستبداد من كلّ وجه. حيث قال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) – آل عمران، آية 159-. وهو يفسر آية القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) -النساء، آية 59- على أنَّ “أولي الأمر” هُم أصحاب الرأي والشأن منكم. وهُم العلماء والرُّؤساء على ما اتفق عليه أكثر المفسّرين”.
وجاء الرسول فكان الطراز السامي من الرياسة. وقال:
كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته.
وقد قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) -آل عمران، الآية 104-. والمراد منه سيطرة الجماعة المؤمنة بعضها على بعض، لا سيطرة طائفة عليها.
وإنْ لم يظهر في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة لحكومة الشورى؛ فلقد “أظهر للوجود حكومة كحكومة الخلفاء الراشدين التي لم يسنح الزمان بمثال لها بين البشر. ولم يخلفهم فيها بين المسلمين أنفسهم خلَفٌ؛ إلا بعض شواذ كعمر بن عبد العزيز، والمهتدي العباسيّ، ونور الدين الشهيد” (يقصد نور الدين محمود).
هذا المعنى نجده عند الإمام الحافظ “ابن كثير” في كتابه “البداية والنهاية” (في المُجلَّد السابع صـ190 من طبعة “دار الغد العربيّ”): “والعجب أنَّ خلافة النبوَّة التالية لزمان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كانت ثلاثين سنةً كما نطق بها الحديث الصحيح … ثُمَّ كانت مُلكًا فكان أوَّل ملوك الإسلام من بني أبي سُفيان معاويةُ بن أبي سفيان (رضي الله عنه)”.
أمثلة على الشورى في القرآن
الملحوظ على المثاليْن اللذيْن ساقهما الكواكبيّ أنَّهما جريا في حُكم المجتمعات غير المؤمنة.
- مملكة سبأ: هو قول بلقيس ملكة “سبأ”، من عرب “تُبَّع”ـ تخاطب أشراف قومها: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ) – النمل، الآيتان 34،33-. يعلِّق الكواكبيّ على هذه المحاورة الشوريّة: “هذه القصة تعلِّم كيف ينبغي أن يستشير الملوك الملأ، أيْ أشراف الرعيّة، وألا يقطعوا أمرًا إلا برأيهم. وتشير إلى لزوم أن تحفظ القوة والبأس في يد الرعية، وأن يخصص الملوك بالتنفيذ فقط”.
- حكم فرعون: قال تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) – الأعراف، الآيات 111:109-. وفي سورة أخرى (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ) – طه، الآية 62-. فانظر كيف تداول “فرعون” الأمر مع حاشيته، لمّا أحسّ الخطر مُحدِقًا به؛ من جهة “موسى” -عليه السلام-.
هذا هو الحيِّز الذي من الممكن الاستفادة به من فكر الكواكبيّ في كتابه دون نزوعه ناحية الديمقراطيَّة الغربيَّة ومُحاولة أسلمتها. وهكذا يجب أنْ نقرأ الكتُب قراءةً ناقدة مُفرِّقة بين ما يمكن الاستفادة منه وبين ما يحسن تركه في موضعه دون إعمال.