أنت إعلامية مسلمة

لأن العالم أضحى يضج بمنابر الدجل والفبركة، ولأن الإعلام تلوث بمهنة الكذب والافتراء، ولأن الأمة بحاجة لإعلام صادق ونزيه ينقل لها المعلومة السليمة الصحيحة ويكشف لها الحقائق كما هي دون تدخل أهواء حكام متسلطين أو أئمة مضللين أو ضباع متسلقين، لأجل هذا وأكثر، أصبح ثغر الإعلام بحاجة مستمرة لمن ينبري ويسد حاجته ويقوي بنيانه ويزيد من سواد الأتقياء فيه، ولا أراها إلا فرصة لك يا ابنة الإسلام العظيم.

ذلك أن الكمّ الهائل من المعلومات التي تتناقلها المواقع في كل يوم بحاجة لتنقيح ورصد دقيق، بحاجة لتمييز الغث من السمين ، بحاجة لفحص وتحقيق قبل أي تسليم، لقد أصبح اليوم لك -لهذه الضرورة- موطأ قدم وفرصة مواتية لتطلقي مشروعك الإعلامي، الذي بقدر نيتك فيه يكون إنجازك ، وبقدر صدقك فيه تكون بركته.

البداية

البداية تكون دائما بإلمام واسع بهذا الاختصاص، وهذا يتطلب منك قراءة ومطالعة لفنون الإعلام ، كفن الصحافة وتحرير الأخبار، كفن الدعاية والتسويق ، كفن النقد والتحليل، كفن المتابعة والتدوين، في الواقع، أنت أمام بحر زاخر بفنون متشابكة بعضها ببعض، لو أتقنت بعضها لكان في ذلك فرض كفاية لانطلاقة مبشرة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

بعد أن تراقبي المنابر الإعلامية الناجحة كيف تعمل وتسجلي ملاحظاتك وفوائدك المنتقاة، يمكنك أن تطلقي منبرك على مواقع التواصل، ولست بحاجة لإنشاء مؤسسة إعلامية والتي قد تكون هدفا مستقبليا، ولكن البداية اجعليها بجمع الأخبار الصحيحة والمعلومات المفيدة وكل ما يدخل في دائرة إعلام المسلمين بما يهمهم ويخصهم ويشغل بالهم ويقوي إيمانهم ويرفع درجة وعيهم، مع دقة في النقل وتبين قبل النشر وانتقاء للأهم فالأهم. ثم اجعلي من صفحتك على مواقع التواصل قبلة الباحثين عن الحقيقة تغنيهم عن عناء البحث ويثقون مصدرك فيأمنون منشوراتك.

أنت بهذه الخطوة دخلت ميدان الإعلام، ويمكنك توسيع قدراتك فيه بحسب طاقاتك، وبحسب المعونة التي قد تتلقينها من إعلاميين طموحين أيضا، ولك أن تتخيلي كيف يصبح وجودك مع الوقت مهما لدى شريحة من المسلمين، وكيف تكسبين ثقتهم وإن كان عددهم قليلا! فقليل دائم خير من كثير منقطع، والاستمرار والثبات لاشك سيكسبك مكانة، مع العلم أن عليك أن تبحثي عن سبل كسب سمعة طيبة، من جهة بتفانيك في العمل وتغطيتك الاعلامية الاحترافية ومن جهة بتوطيد علاقات نافعة تمكنك من تقوية صوتك ليصل صداه لأوسع نطاق ممكن.

متابعة التفاصيل اليومية

إن المتابعة الدقيقة والعناية الفائقة بالتفاصيل اليومية للأخبار والأحداث التي تمر بها أمة الإسلام مع الارتكاز على مفاهيم الإسلام العظيمة سيسمح لك من بلورة فهم سليم وفكر نيّر يمكنك أن تؤثري به من خلال تحليلاتك وتصويرك للواقع ببصيرة تقرأ ما بين السطور وتشع بنور الإيمان واليقين. ذلك أن جموع المسلمين بحاجة ماسة لمن يكشف لهم الطريق بكشاف الحقيقة ويساعد في تجلية معالم طريق النجاة وفق تعاليم ديننا وشريعة ربنا.

أهمية ميدان الإعلام

ولا أرى ميدان الإعلام يقل أهمية عن ميدان الدعوة، فالأخير يداوي النفوس ويحرض الروح على الفرار إلى الله وذاك يرفع من درجة الوعي ويبصّر المسلم بما عليه أن يعلمه ويحذر منه لأجل أن يحقق مهمته في هذه الأرض ويكون على قدر تحمل الأمانة وتبليغ الرسالة ونصرة هذا الدين وهذه الأمة، والميدانان معا إنما هما بمثابة معسكرا تدريب للمسلمين وساحات إعداد ضرورية لاقتحام معترك الصراع المحتدم ولنصرة المسلمين فيه بتفاني.

لا شك أن الإعلام يساعدنا في تمييز صديقنا من عدونا، يرسم لنا خريطة الصراع بجميع مكوناتها ويبسط لنا مشهد التدافع لندرك في أي مرحلة نحن وماذا لنا وعلينا.

ويسمح الإعلام بربط الأمة الإسلامية قاطبة من شرقها لغربها لجنوبها لشمالها لتكون كالجسد الواحد لا يفرقه حدود مصطنعة ولا سياسات طغاة ظلمة، مترفعين عن فتات القومية والوطنية الضيّقةـ فنحيي بذلك من جديد روح الأمة الواحدة وهذا بلاشك سيكون من أسباب عودتها من جديد لمرتبة القوة والريادة المنتظرة.

ثم الاحتكاك المستمر بالوسط الإعلامي سيسمح لك باكتساب الكثير من المهارات وقد يولد لك العديد من الأفكار المتميزة والملهمة، لهذا فوسعي دائرة اطلاعك وكوني باحثة وطالبة علم مثابرة، مجتهدة في التعلم وإن كنت كهلة أو مسنة! فالعطاء لا يرتبط بعمر محددة ولا بحالة اجتماعية معينة، عطاء المسلمة يشع في فضاء اليقين لا يقبل حدودا ولا شروطا، لأنه ينشد جنة عرضها كعرض السماوات والأرض لاشك أن كل تفصيل وكل فرصة مقبلة ستكون مهمة بالنسبة لك كمسابقة حتى الدقيقة والثانية.

إن العمر رحلة قد تطول وتقصر ليس لنا ما فات منها ولكن لنا ما نحن فيه، فلا تنظري بنظرة يأس لأي مشروع تنوين العمل عليه، لأنك غدا ستندمين إن لم تخطفي تلك الفرصة، ولا زال الوقت كالسيف إن لم تقطعيه قطعك.

من الصعب أن ألخص أسرار مجال متشعب كالإعلام في مجرد سطور ولكنها البداية التي إن استلمت لواء الانطلاقة فيها لاشك ستتعلمين الكثير وستعشقين ساعات بذلك خلالها، بل ستصبح جزء منك لا يمكنك الانفصال عنه، ذلك ببساطة لأنك حملت همّا هو همّ دينك وأمتك، ومن حمل همّا بهذه العظمة أنى له أن يكسل أو يغفل أو يتراجع أو يستكين!

إن لم تنجح محاولتك الأولى حاولي مجددا

ثم لاتقارني حجم إنجازك بمحاولة أولى، قد تكون ناجحة وقد تتعثر، في حين لديك فرصا كثيرة في ميدان الإعلام الواسع، فيمكنك اصطيادها بعد بحث ورصد، منها الانضمام لفريق عمل متفاني ظهرت عليه ملامح الجد والرصانة، فتقبلي عليه لتشدي أزره وتواصلوا معا البذل فتكون هدية لنفسك وهدية لرفقاء دربك. وأهم ما عليك أن تحرصي عليه عند اختيار الفريق العامل هو أهدافه ووسائلة، درجة صدقه واجتهاده وقبل هذا وذاك، عقيدته ومنهجه، فلا يمكن أن تنضمي لفريق إعلامي يسبح بحمد الديمقراطية المضللة أو يدين بالولاء لظالم طاغية أو يعمل لحساب دول وتيارات لا يهمها إلا مصالحها الذاتية، إنك إن بحثت بجد لابد أن تجدي بعض الصادقين قد انبروا لسد هذا الثغر، فاسألي الله أن يهديك سبله فإنما أنت أمة من عباده الذين يرجو رحمته.

وبالنظر في تصريحات الخبراء والمراقبين فإن ساحة الإعلام غدت ميدان مواجهة وصراع لا ينفك عن أصل صراع هذه الأمة في جميع الميادين التي يتواجه فيها الحق مع الباطل، ودخولك في هذا الميدان تحديدا، هو نوع من الجهاد، جهاد ينصر الحق ويدحض الباطل، فكشفك لدسائس الأعداء ومكر الخونة  كافِ لأن يقدم كثيرا لترجح به كفة النصر لصالح المسلمين، وذلك برفع درجة الوعي لديهم وتجلية معالم الطريق لهم بحيث يدخل هذا في تجييش الأمة وتعبئتها لتغير حالها بقوة عزمها، وإن غيرت من حالها، انكشف الغمام لتشرق شمس الإسلام كما وعدنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فها قد بسطت لك مسودة مشروع الإعلام أمامك وقد يلائم اهتماماتك وقدراتك، فإن وجدت في نفسك القبول فجربي الخوض بفضول، وإن لم يتسن لك ذلك أو استثقلتي هذا الثغر، فكوني بالقرب، سأنثر لك تفاصيل مشروعنا الآتي لعله وعسى ينفعك وينفع أمتك.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى