هل سيغير (ترامب) العالم.. وكيف؟

بسبب طبيعته غير المتوقعة، وأسلوبه الفوضوي، وتفكيره غير المتسق، هل ستتمكن الولايات المتحدة في عهد (ترامب) الثاني، من تحقيق استقرار عالمي، أم أن سياسات (ترامب) ستؤدي إلى مزيد من الفوضى؟

يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية من شأنها أن تعيد تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية بطرق أكثر عمقًا وعنفًا وتعقيدًا، لكن هذه العودة تأتي في سياق مختلف تمامًا عن ولايته الأولى؛ فالعالم اليوم أكثر اضطرابًا، والتحالفات الدولية التي كانت ركيزة للاستقرار أصبحت هشة، بينما ازدادت المخاطر الاستراتيجية على مستوى العلاقات مع القوى الكبرى مثل الصين وروسيا، فضلًا عن تداعيات مستمرة في الشرق الأوسط.

لقد أثارت حملة (ترامب) الانتخابية وأيامه الأولى في البيت الأبيض تساؤلات محورية حول كيفية تعامله مع تلك التحديات، خصوصًا أن نهجه السياسي قائم على العلاقات الشخصية والمصالح المباشرة، بدلًا من الرؤى الاستراتيجية طويلة الأمد، فهل ستشهد ولايته الثانية استمرارًا لأسلوبه غير التقليدي في اتخاذ القرارات، أم أن تغير الظروف العالمية سيدفعه إلى إعادة النظر في بعض توجهاته؟

كتب “بيتر دي. فيفر” وهو أكاديمي ومتخصص في السياسة الخارجية الأمريكية، وله خبرة في تحليل السياسات الأمنية والاستراتيجية، مقالًا في دورية “فورين أفيرز” الأمريكية بعنوان: (كيف سيغيّر ترامب العالم.. ملامح وتداعيات السياسة الخارجية في ولايته الثانية)، يحلل فيه المرتكزات التي ستقوم عليها سياسة (ترامب) الخارجية في ولايته الثانية، وكيف ستنعكس قراراته على مستقبل الحلفاء التقليديين، والتوازنات الجيوسياسية، ومستقبل النفوذ الأمريكي عالميًا، وسلّط الضوء على أبرز الملفات التي ستشكل محور اهتمامه، بدءًا من العلاقة مع أوروبا وحلف الناتو، مرورًا بأوكرانيا وروسيا، والتصعيد مع الصين، وصولًا إلى الشرق الأوسط وإيران. كما تناول تأثير سياساته الخارجية على الداخل الأمريكي، وتداعياتها الاقتصادية والسياسية.

يحلل المقال المرتكزات الأساسية التي ستقوم عليها سياسة ترامب في ولايته الثانية كما يلي:

  • سياسة خارجية قائمة على الصفقات

سيواصل ترامب نهجه القائم على الصفقات قصيرة المدى بدلًا من الاستراتيجيات طويلة الأمد، وسيحاول تحقيق مكاسب فورية، كما فعل مع كوريا الشمالية في ولايته الأولى، لكنه قد يواجه مخاطر أكبر إذا طبق هذا النهج مع الصين أو روسيا.

  • تحالفات عالمية تحت الضغط

قد تشهد علاقات أمريكا بحلفائها التقليديين، خاصة في أوروبا وحلف الناتو، مزيدًا من التوتر، حيث يعتقد (ترامب) أن الحلفاء عبء مالي، مما قد يدفعه إلى الانسحاب جزئيًا أو كليًا من بعض الالتزامات الأمنية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار العالمي.

  • أوكرانيا وروسيا.. تغيير في المسار؟

يتوقع أن يسعى ترامب إلى حل تفاوضي سريع للحرب في أوكرانيا، حتى لو كان ذلك على حساب كييف، مما قد يعتبر انتصارًا استراتيجيًا لروسيا ويشكل سابقة خطيرة في السياسة الدولية.

  •  توترات مع الصين

سيواصل (ترامب) سياساته الحمائية ضد الصين، عبر فرض تعريفات جمركية مرتفعة، لكن التساؤل الرئيسي هو ما إذا كان سيذهب أبعد من ذلك ويتبنى نهجًا أكثر عدائية عسكريًا، سواء في بحر الصين الجنوبي أو من خلال دعم أقوى لتايوان.

  •  إعادة النظر في الشرق الأوسط

من المرجح أن يحافظ ترامب على دعمه غير المشروط لإسرائيل، وربما يدفع لمزيد من اتفاقيات التطبيع العربية. في المقابل، قد يتخذ موقفًا أشد عدائية تجاه إيران، مما يزيد من احتمالات تصعيد عسكري في المنطقة.

  •  سياسات داخلية متأثرة بالعالم الخارجي

قرارات ترامب الخارجية ستنعكس على الاقتصاد الأمريكي، سياساته التجارية قد تؤدي إلى تضخم أعلى وارتفاع في الأسعار، بينما سياسات الهجرة الصارمة قد تُعقّد العلاقات مع أمريكا اللاتينية.

  •  هل العالم مستعد لترامب 2.0؟

المرحلة القادمة ستشهد تحديات غير مسبوقة، حيث قد تؤدي سياسات ترامب إلى إعادة تشكيل النظام العالمي أو دفعه نحو مزيد من الفوضى وعدم اليقين.

يرى الكاتب أن (ترامب) لن يكون مجرد نسخة مكررة من فترته الأولى، بل ستكون سياسته الخارجية أكثر جرأة، وأكثر عدائية، وأقل تقيدًا بالقواعد التقليدية، مما يضع العالم أمام سيناريوهات غير متوقعة، حيث سيعتمد (ترامب) على شخصيات أكثر تطرفًا في إدارته الجديدة، مما يزيد من احتمالية مواجهات دبلوماسية حادة.

يخلص الكاتب إلى أن العالم قد يكون أمام مرحلة جديدة من الفوضى وعدم اليقين في عهد (ترامب) الثاني، ويرى أن المجتمع الدولي أقل استعدادًا للتعامل مع نهج (ترامب) هذه المرة، الذي قد يؤدي إلى مزيد من الاضطراب وعدم اليقين.

نص المقال

واجهة مقال: هل سيغير (ترامب) العالم.. وكيف؟

“كان فوز (ترامب) في عام 2016 مفاجأة أكبر بكثير من فوزة بالولاية الثانية، وتمحور أغلب النقاش بعد يوم الانتخابات حول كيفية حكمه ومدى التغيير الذي قد يحدثه في دور الولايات المتحدة في العالم، وبسبب طبيعته غير المتوقعة، وأسلوبه الفوضوي، وتفكيره غير المتسق، لا تزال بعض هذه الأسئلة مطروحة إلى اليوم. 

لكن لدينا الآن معلومات أكثر بكثير بعد أربع سنوات من متابعته في السلطة، وأربع سنوات أخرى من تحليل فترة حكمه، وسنة من متابعة حملته الثالثة للبيت الأبيض، بناءً على هذه المعطيات، يمكننا توقع بعض ما سيحاول (ترامب) القيام به في ولايته الثانية، أما الشيء المجهول فهو كيف سيرد العالم على ذلك وما ستكون النتيجة النهائية.

عوامل واضحة في نهج (ترامب)

هناك أمران رئيسيان واضحان: أولاً، كما هو الحال في ولاية (ترامب) الأولى، وكما هو الحال في جميع الإدارات الرئاسية، فإن الأشخاص الذين يختارهم سيكون لهم تأثير كبير في تشكيل السياسات، وستتنافس التكتلات المختلفة على النفوذ، بعضها يحمل قناعات راسخة حول إعادة تشكيل الدولة على المستوى الإداري الداخلي، وعلى مستوى السياسة الخارجية الأمريكية، بينما يحمل آخرون وجهات نظر أكثر تقليدية، ولكن هذه المرة، ستحظى التكتلات الأكثر تطرفًا بنفوذ أقوى، وستسعى لاستبعاد الأصوات المعتدلة، وإضعاف صفوف المهنيين من المدنيين والعسكريين الذين يعتبرون جزءًا مما يسمونه “الدولة العميقة”، وسوف تستخدم أدوات الحكومة لاستهداف معارضي (ترامب) ومنتقديه.

ثانياً، يظل جوهر نهج (ترامب) في السياسة الخارجية كما هو، الاعتماد على المقايضات دون مبادئ واضحة، لكن السياق الذي سينفذ فيه أسلوبه الفريد من الصفقات قد تغيّر بشكل كبير، فالعالم اليوم أكثر خطورة بكثير مما كان عليه، وخلال ولايته الأولى، قدم (ترامب) خلال حملته الانتخابية رؤية كارثية للعالم، وصوّر نفسه وفريقه كمحترفين وواقعيين يدركون المخاطر، لكن ما قدموه لم يكن واقعية بقدر ما كان ضربًا من الواقعية المتخيلة، وتباهٍ فارغ بحلول سطحية لا تعكس فهمًا حقيقيًا للتهديدات التي تواجه الولايات المتحدة.

قدرة (ترامب) على حماية المصالح الأمريكية في هذا المشهد المعقد، تعتمد على مدى سرعة تخليه هو وفريقه عن الصورة الكاريكاتورية التي أقنعوا بها نصف الناخبين الأمريكيين تقريبًا، واستعداده لمواجهة الواقع كما هو.

السياسة والأفراد

يخطط فريق (ترامب) لتجاوز عمليات التدقيق الأمنية التقليدية التي يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ومنح التصاريح الأمنية بناءً على تدقيق داخلي للحملة فقط، مما قد يسمح بتعيين شخصيات مشبوهة لم يكن ليُسمح لها عادةً بتولي مناصب حساسة.

حتى لو لم يعين (ترامب) شخصيات أكثر غرابة، فإنه سيجلب معه فريقًا مصمَمًا على تنفيذ الخطط التي لم يستطع تنفيذها في ولايته الأولى، ففي ولايته الأولى، كان المُعيّنون السياسيون للأمن القومي في إدارة (ترامب) ينقسمون إلى ثلاث فئات:

  1. محترفون تقليديون: أشخاص يتمتعون بخبرة حقيقية، وكانوا سيحصلون على مناصب في أي إدارة جمهورية عادية، لكنهم شغلوا أدوارًا عُليا غير متوقعة في إدارة (ترامب) الفوضوية.
  2. مسؤولون ذوو خبرة لكن بأجندات خاصة: مثل “جون بولتون”، الذي حاول توجيه سياسات (ترامب) وفقًا لرؤيته الخاصة.
  3. أتباع مخلصون وفوضويون: وهي شخصيات مستعدة لتنفيذ أوامر (ترامب) دون النظر إلى العواقب، وهم الذين دفعوا باتجاه الانسحاب السريع من أفغانستان والانسحاب من الالتزامات تجاه الناتو في نهاية الولاية الأولى.

في الولاية الثانية، سيكون للفئة الثالثة تأثير أقوى، مما قد يؤدي إلى إضعاف المؤسسات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية، حيث قد يسعى (ترامب) إلى فرض اختبارات ولاء على كبار المسؤولين لضمان دعمهم الكامل لأجندته.

الفئات المؤثرة في الإدارة

سياسة ترامب

كانت هناك مجموعة أصغر، لكنها أكثر تأثيرًا، من المسؤولين المخضرمين الذين كانت لديهم أفكار محددة حول الاتجاه الذي ينبغي أن تسلكه السياسة الأمنية الأمريكية، كانوا يعتقدون أنهم قادرون على تحقيق تلك الأهداف رغم نزعة (ترامب) الشديدة نحو الصفقات الشخصية، وذلك عبر التأكيد على أن أي بديل سيُظهرهم كضعفاء. 

من الأمثلة على ذلك، “هربرت ماكماستر” و”جون بولتون”، اللذان شغلا منصب مستشار الأمن القومي الثاني والثالث لـ(ترامب)، على التوالي، ففي مذكراتهم، يشيرون إلى ما اعتبروه إنجازات حقيقية، حيث أقنع “ماكماستر” (ترامب) بالموافقة على زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان عام 2017، بينما نجح “بولتون” في دفعه للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، لكن في النهاية، غادر كل من “ماكماستر” و”بولتون”، وغيرهم من كبار المسؤولين الذين اتبعوا هذا النهج الإدارةَ، بعدما أدركوا أن (ترامب) كان دائمًا يجد وسيلة للتحرر من القيود والتراجع عن أي سياسة لا تلائمه.

أما الفئة الثالثة، فكانت تتألف من مجموعة صغيرة لكنها مؤثرة من المؤمنين الحقيقيين بحركة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” وعناصر الفوضى الذين سعوا لتنفيذ أوامر (ترامب) دون أي توضيح أو اعتبار للعواقب، كان لديهم مفهوم محدود للولاء، معتقدين أن الرئيس يجب أن يحصل على ما يطلبه دون مناقشة لأي تداعيات لقراراته.

في الإدارة الجديدة، سيظل هناك جمهوريون تقليديون يبحثون عن فرصة وظيفية فريدة ومستعدون للمخاطرة بمستقبلهم السياسي إذا أغضبوا (ترامب)، كما سيظل هناك أيديولوجيون يعتقدون أنهم يعرفون الاستراتيجية الصحيحة ويأملون في توجيه (ترامب) لاتخاذ القرارات التي يرونها مناسبة، مثل التخلي عن أوكرانيا لصالح روسيا، مع تعزيز الردع الأمريكي ضد الصين، وهي مقاربة قد تبدو ذكية على الورق، ولكن من المحتمل ألا تنجح في الواقع.

سيكون هناك الكثير من وكلاء الفوضى الذين سيجعلون إحدى سمات (ترامب) 2.0، تدمير النمط الحالي لسياسات الأمن القومي، وهو النهج الذي حافظ على المصالح الأمريكية لمدة 80 عامًا، هذه الفئة ستكون أكبر وأكثر نفوذاً من ذي قبل.

يشكل هذا الأمر تحديًا كبيرًا للقائمين على النظام الحالي لصنع القرار الأمني القومي، من العسكريين النظاميين، أو في الخدمة المدنية، الذين يمثلون الغالبية العظمى من الأشخاص المكلفين بتنفيذ أجندة أي رئيس، وقد أوضح (ترامب) وفريقه أنهم يضعون الولاء لهم على رأس أولوياتهم، وربما تكون لديهم وسيلة اختبار بسيطة، كسؤال أي مسؤول رفيع المستوى عما إذا كان يعتقد أن انتخابات 2020 قد سُرقت منهم! أو ما إذا كان هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول يُعد تمردًا! كما أوضح نائب (ترامب)، “جي دي فانس” لا يوجد سوى إجابة واحدة يقبلها (ترامب) على هذه الأسئلة.

اختبار الولاء والسياسة العسكرية

قد يسمح اختبار الولاء هذا لـ(ترامب) بتسييس المناصب العليا في الجيش وأجهزة الاستخبارات عبر ترقية الأفراد الذين يراهم “ضمن فريقه” فقط، سيتمتع أعضاء الخدمة المدنية بحماية وظيفية أكبر وعزل عن الضغوط السياسية، إلا إذا مضى فريق (ترامب) قدمًا في خطته لإعادة تصنيف آلاف الموظفين المدنيين المحترفين كمُعينين سياسيين يخضعون لإرادة الرئيس، مما يجعلهم عرضة للإقالة لأسباب سياسية.

من غير المرجح أن تتخذ المؤسسة العسكرية أو الخدمة المدنية أي إجراء استفزازي يؤدي إلى حركة التطهير هذه أو يبررها، فهم يدركون أنهم ليسوا “المعارضة المخلصة” وهو دور يقوم به حزب الأقلية في الكونجرس وهيئات الرقابة في وسائل الإعلام والمعلقون السياسيون، ووفقًا لقَسَم الخدمة وأخلاقياتهم المهنية، سيقوم المحترفون في دولة الأمن القومي بإعداد أنفسهم لمساعدة (ترامب) بأفضل ما في وسعهم.

لكن (ترامب) قد يقرر أنه يستطيع الحصول على التعاون أو الاستسلام الذي يسعى إليه، بمجرد ترك التهديد بالتطهير معلقًا في الهواء للتخويف، ومن المحتمل أن يقوم على الأقل بإقالة بعض الشخصيات البارزة، على غرار نصيحة “فولتير” بالقضاء على بعض الجنرالات الفرنسيين لبث الخوف في قلوب الآخرين.

الحلفاء والخصوم

حلفاء ترامب

اختار الناخبون الأمريكيون (ترامب)، والآن ستتكيف آلة الحكومة في واشنطن معه بطريقة أو بأخرى، ولكن ماذا عن بقية العالم؟ معظم حلفاء الولايات المتحدة نظروا إلى فوز (ترامب) برعب، معتبرين أنه بمثابة الضربة القاضية لقيادة أمريكا العالمية التقليدية، نعم هناك الكثير من الانتقادات التي يمكن توجيهها للسياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يتوقف الحلفاء الأمريكيون عن التعبير عن شكاواهم، لكنهم أيضًا كانوا يدركون أن العصر الذي تلا الحرب كان أفضل لهم بكثير من الفترة التي سبقته، حيث تخلّت واشنطن عن مسؤولياتها، ودفع ملايين البشر الثمن النهائي نتيجة لذلك.

عندما انتخب الأمريكيون (ترامب) لأول مرة، لجأ الحلفاء إلى استراتيجيات احترازية متنوعة، هذه المرة، هم في وضع أضعف بكثير بسبب التحديات الداخلية التي يواجهونها، فضلًا عن التهديدات التي يشكلها “فلاديمير بوتين” والزعيم الصيني “شي جين بينغ” سيحاول الحلفاء الأمريكيون استرضاء (ترامب) وتقديم التنازلات التي من شأنها ضمان علاقة جيدة معه، وسيسعون للحصول على أفضل ما يمكنهم من اتفاقيات دون تقديم تنازلات كبيرة في المقابل، وهو نهج دبلوماسي قد ينتج عنه تعاون سطحي في أحسن الأحوال، أو يؤدي إلى تفاقم المشكلات في أسوأها.

على النقيض من ذلك، سيجد خصوم الولايات المتحدة فرصًا وفيرة في عودة (ترامب)، فقد وعد (ترامب) بمحاولة إجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات إقليمية لروسيا، مما قد يرسخ مكاسب بوتين من الغزو، وعلى عكس العديد من وعود الحملات الانتخابية، يبدو أن هذا الوعد قابل للتنفيذ، خاصة أن (ترامب) أحاط نفسه بمستشارين مناهضين لأوكرانيا ومؤيدين لبوتين، السؤال الوحيد هو ما إذا كان بوتين سيقبل استسلامًا جزئيًا على أمل انتزاع المزيد لاحقًا، أم أنه سيطالب بخضوع كامل وفوري.

أما بالنسبة للصين، فالفوائد المحتملة أقل وضوحًا، إذ إن بعض مستشاري (ترامب) الرئيسيين يعتقدون أن الولايات المتحدة يمكنها التضحية بمصالحها في أوروبا مع تعزيز الردع في شرق آسيا، قد تبدو بعض خطوات إدارة (ترامب) الجديدة في آسيا عدائية في البداية، مثل فرض تعريفات جمركية ضخمة على السلع الصينية، لكن من غير المرجح أن تُغير هذه السياسات مسار الصين، كما أن التصعيد الظاهري قد لا يُترجم إلى تعزيز عسكري مستدام في المنطقة.

خلال حملته الانتخابية، صوّر (ترامب) ونائبه “جي دي فانس” نفسيهما على أنهما دعاة سلام، واتهما خصومهما مثل نائبة الرئيس “كامالا هاريس” بأنهم دعاة حرب، لكن يجب الحذر من تصوير (ترامب) كحمامة سلام، فهذا لا يتوافق مع سياساته في ولايته الأولى، حين هدد كوريا الشمالية بـ”النار والغضب” واغتال قائدًا عسكريًا إيرانيًا بارزًا.

يبدو أن سياسة (ترامب) الانعزالية التي روّج لها خلال الحملة الانتخابية قد تعوق سياسته الخارجية بدلًا من أن تمنحها القوة، لكن (ترامب) معروف بقدرته على تغيير موقفه سريعًا، وقد يستغل مساعدوه الأكثر دهاءً ذلك لمصلحته، بإقناعه بأن القيام بما يرفضه خصومه هو دليل على قوته، إلا أن هذا التكتيك قد ينجح لفترة قصيرة فقط، إذ إن (ترامب) في نهاية المطاف سيتجه في اتجاه مغاير تمامًا، وربما يؤدي هذا التهور إلى كبح، بدلًا من تعزيز، نفوذ الكتل الأكثر تطرفًا في فريقه.لقد حصل (ترامب) على الفرصة لتحديد سياسة الأمن القومي الأمريكي، وسيستخدم سلطاته الواسعة مع فريقه الذي لديه ثقة كبيرة بقدراته، والسؤال الذي سيجيب عليه المستقبل هو ما إذا كان يمتلك أيضًا الحكمة اللازمة لاستخدامها بفعالية”.

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى