ماذا يعني فوز ترامب للعرب؟ «شخصية ترامب وعلاقته بالكيان الصهيوني»
كما انتخابات 2016م والتي تميزت بالتنافس الشديد والجدل وتزايد الهواجس تجاه شخص المرشح ساعتها دونالد ترامب، مضت انتخابات 2024م على نفس الوتيرة مع ذات المرشح الرئيس السابق والذي فاز بها بسهولة هذه المرة. لقد اُنتخب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، في حين يستعد حزبه الجمهوري ليحصد أغلبية مجلس النواب والشيوخ ليحوز ترامب قوة تنفيذية وتشريعية تمكنه من مفاصل القرار في أمريكا.
لم يمثل فوز ترامب هذه المرة صدمة كبيرة كما فترته الأولى 2016م؛ نظرا للتخبط الذي رافق حملة الديموقراطيين والانقسام في المجتمع الأمريكي ونجاح حملة ترامب في مخاطبة غالبية المصوتين وأسباب أخرى لا مجال لها هنا، لكن ظلت الانتقادات الشديدة له بسبب الخوف الكبير على النموذج الأمريكي للحريات والديموقراطية في الداخل الأمريكي، في ضوء إمكانية تبنيه مشروع 2025م1 الذي يطالب بتغييرات جذرية في الثقافة السائدة في المجتمع الأمريكي وفي نمط الإدارة التنفيذية وقضايا الهجرة والحدود والأسرة وغيرها من القضايا التي احتواها نص المشروع الذي يقارب 1000 صفحة.
يدخل ترامب فترة ولايته الثانية بفهم أكبر لآلية عمل واشنطن ومؤسساتها المختلفة بدءًا بالبيت الأبيض وباقي مؤسسات صنع وتنفيذ القرار الأمريكي من ناحية، وبفهم أعمق لطبيعة تفكير قادة الأنظمة العربية ونقاط ضعفهم وقوتهم التي عليه التعامل معها من أجل الحفاظ على رؤيته أمريكا العظيمة أولا، وهو بخلاف وضعه في فترة رئاسته الأولى حيث افتقد لتلك الخبرات داخليًا وخارجيًا.
فعلى صعيد إدارته المقبلة استطاع ترامب أن يُكوّن شبكته المخلصة من المستشارين والتنفيذيين الذين سينفذون سياسته، بالإضافة إلى سيطرة أكبر على حزبه تستحق دراسة منفصلة. وسيطرة حزبه على الكونجرس مما سيُسهل تنفيذ رؤيته لتجديد البيروقراطية الفيدرالية بالموالين له ولحزبه والمضي قدمًا بأجندته وتشريعاته داخل الكونجرس، بالإضافة إلى رؤيته الخاصة للتعامل مع أهم القضايا التي تقلق أمريكا وتهدد مصالحها في الشمال والجنوب والتي سيترتب عليها إعادة صياغة السياسة الأمريكية في الخارج بثقة أكبر من فترته الرئاسية الأولى.
وبعيدا عن الجدل المصاحب لرئاسته القادمة كما في فترته الأولى والمخاوف من تنفيذه مشروع 2025 الذي طرحه بعض المقربين منه، يحاول هذا المقال التركيز على كيفية تعامل ترامب مع قارتنا العربية في السنوات الأربع القادمة؛ إن قدر له البقاء، من خلال عرض لشخصيته ولطريقة تفكيره ورؤيته للكيان الصهيوني.
شخصية ترامب وكيف يفكر؟
على الرغم من اكتسابه الكثير من الخبرات طوال السنوات الثماني الماضية، إلا أنه حسب ما تدل عليه تصريحاته وخطبه ولقاءاته لم يتغير شيء في شخصيته ولا توجهاته ومعتقداته الرئيسية التي تشكل قرارته وتتحكم فيها فيما يتعلق بالداخل الأمريكي أو الخارج. ويعود ذلك بحسب رأيي إلى أن ترامب ليس مجرد رجل أعمال جاء إلى الحكم مصادفة، أو نتيجة ظرف تاريخي أمريكي وعالمي صعد فيه اليمين الشعبوي لسدة الحكم في غالب العالم، وإنما لأن ترامب يجسد النموذج المثالي لأولياء الشيطان أعداء الرحمن في عصرنا.
إن ترامب هو كائن مفترس مادي لا يعرف سوى الربح والفوز والقتال في سبيلهما، كائن يمثل لحظة تاريخية نادرة يتجسد فيها النموذج الغربي الاستعماري عاريًا من كل فضيلة لطالما تحلّى بها متحيزًا إلى معسكر الشيطان الذي ظل قرونًا يُخفي انتماءه إليه بكافة الحيل الفارغة من القيمة. فرؤى وتصرفات وقرارات دونالد ترامب ليست فقط مجرد تعبير عن جوهر الحضارة الغربية، وإنما هي خير تمثيل حقيقي ولحظة نماذجية تكشف عن وجه تلك الحضارة الشيطانية المتوحشة الراغبة في افتراس العالم دون أي اكتراث بالإنسان ولا خوف من الرحمن.
ولعل أفضل وصف لترامب من داخل النموذج الأمريكي والغربي، هو وصف الصحفي الشهير بوب وودوارد في كتابه (الحرب) عندما وصف ترامب بأنه: «رجل الأعمال المحتال والشخصية الفريدة التي تمت رعايتها وتنميتها بعناية.. شخصية ترامب تركز على الفوز والقتال والبقاء على قيد الحياة والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي الغريزة». وبكلماته هو كما نقلها بوب وورد عندما وصف طريقة اتخاذه لقراراته بأنه يتبع «الغريزة، فالغريزة أهم بكثير من أي عنصر».2
ترامب يعيش الحياة كحرب، والصراع هو أساسه، ومن ثم فالأوقات الصعبة قادمة دائمًا، ولذلك فمبدأه، وبكلماته هو «توقع الأوقات الصعبة انتظرها وامضِ دائمًا مع الضربات… (واحذر) إذا علم الناس أنك شخص يتراجع… إذا علم الناس أنك ستكون ضعيفا سيلاحقونك… النقطة أنه إذا تنازلت ستسبب لك مشاكل أكثر مما تستحق… فكن صارمًا. عد إلى كونك صارمًا. هذا ما يجب عليك فعله… عليك أن تعرف جمهورك… بالنسبة لبعض الناس كن قاتلًا، بالنسبة لبعض الناس كن كالحلوى، بالنسبة لبعض الناس كن كِلَيهما».3 هكذا يجب أن ندرك ترامب؛ كي نستطيع أن نفهم توجهاته ونتوقع قرارته فيما يخص قارتنا العربية طوال السنوات الأربع القادمة؛ إن قُدّر له البقاء.
شهدوا على أنفسهم
ولو عدنا لفترة رئاسته الأولى لوجدنا مصداق ذلك في تصريحاته وقرارته فيما يتعلق بقارتنا العربية. فقد واجه في بداية حكمه العديد من التحديات نقتصر منها على واحد من التحديات الذي يخص قارتنا العربية، وهو العلاقة المتوترة مع المملكة العربية السعودية، جراء مقتل (عدنان خاشقجي) كقضية حقوق إنسان وما يتعلق بعدم تحمل السعودية تبعات العلاقة الأمريكية معها كما ينبغي، وهما وجهان لوظيفة الرئيس وحكومته كما يعلنها النظام الأمريكي: الحفاظ على الأمن القومي ونشر القيم الأمريكية في العالم، فوجدناه يتعامل بطريقة أذهلت بعض من لا يعرفونه.
فقد قاد العلاقات الأمريكية السعودية لآفاق لم يتوقعها أحد ولا هو نفسه، إنه فقط تبع غريزته التي كانت صحيحة فيما يتعلق بتلك العلاقات، وذلك من خلال شخصيته المحتالة وطبيعة المقاول الذي لا يعرف قيمة سوى الربح عندما أعلن بوضوح فيما يتعلق بتلك العلاقة أن: «الرئيس الأمريكي لن يُخْضع مصالح بلاده لأي “معايير معينة”؛4 [ويقصد بها حقوق الإنسان والحريات وغيرها] التي لو اتبعناها فلن يتبقى لدينا حلفاء من أي دولة تقريبًا». ومن ثم استطاع أن يحصل من المملكة على دعم مادي ومعنوي للمصالح الأمريكية كانت غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي.
بل إننا لو تابعنا كواليس كيف وصل إلى تلك المكاسب، فإن حوارًا أُجري مع صهره (جاريد كوشنر)؛ منذ عام تقريبا،5 يكشف لنا ذلك، ولوجدنا فيه شخصية ترامب التي وصفناها بوضوح: يحكي (كوشنر) كيف فتحت السعودية خزائنها وقلبت سياستها وتعاونت مع ترامب كما لم تتعاون مع رئيس أمريكي قبله، حيث يقول: ««خلال الفترة الانتقالية طلب مني العديد من الأصدقاء مقابلة ممثل من المملكة العربية السعودية. قلت لهم: «لا أريد مقابلتهم»، لكنني عدت والتقيت بهم وقالوا: «حسنًا، نريد إجراء تغييرات». وقلت لهم: «حسنًا، يجب إجراء تغييرات على كيفية معاملتكم للنساء… عليك أن تبدأ في العمل مع إسرائيل، ويجب أن تدفع المزيد من حصتك العادلة، ويجب أن توقف الوهابية التي يتم نشرها. مرة أخرى..» قال الرجل الذي كنت معه، هذا الرجل (فهد تونسي)، وهو وزير محترم للغاية هناك، (جاريد)، «أنت لا تعرف الكثير عن المملكة العربية السعودية، أليس كذلك؟» قلت، «لا، لا، لا أعرف. هذا فقط ما قيل لي أو ما قرأته». فقال فهد: «حسنًا، دعني أفعل هذا. نريد أن نكون حلفاء عظماء لأمريكا. لقد كنا تقليديًا حلفاء عظماء لأمريكا. هل يمكنني العودة إليك باقتراح حول الطرق التي يمكننا من خلالها إحراز تقدم في جميع المجالات المختلفة التي لدينا فيها مصالح مشتركة؟»»
يكمل كوشنر: ««في تلك المرحلة من الزمن، كان الشرق الأوسط في حالة من الفوضى، وربما كانت أكبر مشكلة واجهتنا بعد داعش هي المعركة الأيديولوجية. ولذا عندما كنت أفكر في التحدث عن الجنرالات المختلفين وما هي القدرات التي تمتلكها الولايات المتحدة لمحاربة التطرف والمعركة الأيديولوجية حقًا، أدركنا أن المملكة العربية السعودية باعتبارها الوصي على أقدس موقعين في الإسلام، مكة والمدينة، ستكون أفضل شريك للعمل معه إذا كانوا على استعداد لذلك. ولكن لسنوات، لم يكونوا على استعداد حقًا للانخراط في هذه المعركة.
لذلك قلت، «بالتأكيد، قدم اقتراحًا». فعادوا، وقدموا اقتراحًا، وقالوا، «انظر، إذا قمت بأول زيارة للرئيس ترامب إلى المملكة العربية السعودية، فسنفعل كل هذه الأشياء المختلفة. سنزيد من إنفاقنا العسكري وتعاوننا، وسنواجه كل تمويل الإرهاب». صفقة لا تصدق. لذلك أخذت الاقتراح، وذهبت إلى الجنرال (فلين). قلت، «إذا فعلت المملكة العربية السعودية هذه الأشياء، فهل سيعتبر هذا كبيرًا …» رد قائلا: «لا يصدق، لكنه لن يحدث أبدًا». قلت، «حسنًا، إنهم يخبرونني أنهم يريدون القيام بهذه الأشياء. وهذه هي النقطة التي بدأنا منها».
ثم أعتقد أنه بعد شهر تقريبًا، أجرى الرئيس ترامب مكالمة هاتفية مع الملك سلمان، وقبل المكالمة كنا في المكتب البيضاوي وكان هناك وزير الدفاع (ماتيس) ووزير الخارجية (تيلرسون) يقولون بشكل أساسي، «عليك أن تتعامل مع محمد بن نايف. محمد بن نايف هو الرجل الذي كان شريكنا طوال هذه السنوات. إنه رئيس الاستخبارات وكان شريكًا رائعًا». قلت، «حسنًا، إذا كان شريكًا رائعًا، فلماذا لدينا كل هذه المشاكل التي تشكو منها مع السعودية؟» ثم قلت، «لقد قيل لي أن لدينا هذا الاقتراح من محمد بن سلمان الذي هو ولي ولي العهد وهذا هو الشخص الذي يجب أن نتعامل معه في هذا الأمر». وهكذا بدأت المكالمة الهاتفية واستمع الرئيس ترامب لكلينا، وفي المكالمة الهاتفية مع الملك سلمان، قال الرئيس ترامب، «حسنًا، سنناقش كل هذه الأشياء. هذه هي الأشياء التي نريد إنجازها». قال، «حسنًا، مع من يجب أن نتعامل؟» قال الملك سلمان، «تعامل مع ابني، ولي ولي العهد محمد بن سلمان». لذلك قال الرئيس ترامب على الهاتف، «دعه يتعامل مع جاريد». لأنني أعتقد أنه كان يعلم أنه إذا كان قد وضعه مع الرجال الآخرين، فإنهم لم يكونوا مؤمنين بما لديه من قدرة على القيام به، وهكذا تم تكليفي بالعمل معه.
عدت إلى مكتبي بعد ذلك، وتلقيت بريدًا إلكترونيًا منه، وتحدثت معه لأول مرة، ثم ذهبنا للعمل. كان الكثير من الناس يراهنون ضد تلك الرحلة، فقد اعتقدوا أنها لن تكون ناجحة، وكانوا يراهنون ضده وكان يتم التقليل من شأنه، لكنه كان يقوم بعمل رائع والشرق الأوسط بأكمله مختلف اليوم بسبب العمل الذي قام به»».
يوضح كوشنر في هذا الاقتباس الطويل عن طريقة تعامل ترامب وإدارته مع الدول التي تنم عن شخصيته وكيفية تفكيرها واتخاذها القرارات. وفي ذات المقابلة مع كوشنر، يوضح لنا طبيعة شخصية ترامب؛ وكوشنر من المقريبن إن لم يكن من أقرب المقريبن إليه، فيقول: «إنه يعقد صفقات تجارية. إنه يعمل مع حلفائنا، ويحملهم على دفع حصتهم العادلة في حلف شمال الأطلسي. إنه يجري حوارًا مع الصين وروسيا. إنه يضعف إيران. لذا أعتقد أن العمل الذي قام به كرئيس للسياسة الخارجية كان هائلاً. أعتقد الآن أن المزيد والمزيد من الناس بدأوا يدركون ذلك. لذا فإن أملي وصلواتي هي أن يُعاد انتخاب الرئيس ترامب وأن يتمكن من استعادة النظام والهدوء والسلام والازدهار في العالم. من مكان القوة هذه هي الطريقة الوحيدة التي يعرفها للقيام بذلك».
هذا هو ترامب باختصار: رجل أعمال يتبع خطوات الشيطان، ولا يعرف عن العرب سوى أن لديهم ثروات هائلة لا يستحقونها، ولديهم دين هو الخطر الأكبر على مشروع أمريكا الاستكباري في الأرض؛ ويرى أهل فلسطين هم أخطر حلقات المشروع الجهادي الرحماني الذين يجب القضاء عليهم أو تحييدهم حتى لا يكونوا نواة البعث الجديد لأمة طال ليل سباتها.
كيف يرى ترامب الكيان الصهيوني؟
على الرغم من أن ترامب قد أعرب عن رغبته في رؤية نهاية الحرب في غزة قبل توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، لكنه لم يُفصّل علنًا رؤيته لليوم التالي كما هي عادته في استخدام الغموض وعنصر المفاجأة في اتخاذ قرارته. ولكن بتتبع دعمه للكيان الصهيوني غير المسبوق في ولايته الأولى فمن غير المرجح أن تكون هذه الرغبة مصحوبة بأي عمل على أرض الواقع يمس بأمن الكيان الصهيوني، ولا أن توحي بأي تغيير في رؤيته لهذا الكيان ولا للشعب الفلسطيني وأرضه المحتلة.
فعلى الرغم مما رأيناه من عدوانية لفلسطين والفلسطينيين من بايدن متلبسة بالصهيونية التي في حمضه النووي، لكن يظل ترامب هو أكثر الرؤساء الأمريكيين عداوة للعرب والمسلمين عمومًا وللفلسطينيين خصوصًا.
فترامب هو الذي فتح طريق التطبيع مع دول الخليج؛ وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، علانية لتصفية ومحاصرة القضية الفلسطينية والتي بلغت ذروتها في اتفاقيات (إبراهيم)،6 والانسحاب من (الاتفاق النووي الإيراني)، وضيق على إيران اقتصاديًا، واغتال قائد فيلق القدس قاسم سليماني؛ لتحجيم دور إيران في دعم المجاهدين في فلسطين.
وهو الذي تبنّى صفقة القرن، وهو الذي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو الذي اعترف بالسيادة الصهيونية على هضبة الجولان. وهو الذي اعتبر اعترافه بالقدس ذروة أعماله في سنة حكمه الأولى تنفيذًا لوعده الانتخابي، موضحًا أن قراره ذاك قد أزال القدس عن طاولة المفاوضات، وكان يقصد بذلك (أن القدس هي عاصمة إسرائيل) حتى يغلق باب التفاوض حول أي حديث عن كونها عاصمة لفلسطين ولو في أي جزء منها مهما ضَؤُل، وقال في تصريح له يعبر عن مقدار دعمه للكيان الصهيوني: «إذا كنا ننوي إبقاء قوات في هذا القسم من العالم؛ يقصد قارتنا العربية، فسبب واحد لعمل ذلك، هو إسرائيل». وقال متباهيًا في حوار نشر في مجلة التايم منذ بضعة أشهر: «لقد كنت مخلصا جدًا لإسرائيل، مخلصا أكثر من أي رئيس آخر. لقد فعلت من أجل إسرائيل أكثر من أي رئيس آخر. نعم، سأحمي إسرائيل».
فترامب هو بالفعل قبل القول كنز استراتيجي لإسرائيل، كما أن الكيان الصهيوني هو مفتاح الكنز العربي الذي لا تستغني عنه أمريكا طالما بقي حال العرب على ما هو عليه. ومن ثم فليس عجيبًا أن تتلاقى رؤى ترامب ونتنياهو ويتفقان في تقييم كل منهما للآخر، فنتنياهو الذي اعتبر فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأخيرة «بداية جديدة» و«نصر عظيم»،7 هو نفسه نتنياهو الذي كان قد وصف، تولي ترامب الرئاسة في أمريكا بالـ«فرصة العظيمة» لإسرائيل،8 كما وصف ترامب في 2018 بأنه «يفتتح عهداً جديداً في علم السياسة تجعل من آراء مكيافيللي في (الأمير) لعب أطفال: هل قال الفيلسوف الذي عاش في عز ازدهار عصر النهضة الاوروبية «ما هو مفيد فهو ضروري؟» ترامب يقول ذلك بشكل أوضح وبأمثلة عملية تطبيقية».
كما وصفت محادثتهما الأخيرة بمناسبة إعلان فوز ترامب الرئاسة الأمريكية بأنها كانت «دافئة وودية»، حيث اتفقا على العمل معًا من أجل «أمن إسرائيل» وناقشا «التهديد الإيراني». وكان نتنياهو هنّأ ترامب، في وقت سابق، على العودة «التاريخية» للبيت الأبيض. وقال إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض «تقدم بداية جديدة لأمريكا وتمثل إعادة الالتزام القوي بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأمريكا».9
ولا تختلف رؤية ترامب لنتنياهو عن رؤية نتنياهو له بل تتطابق، فترامب يرى نتنياهو قائدًا عظيمًا. وكشف طوال فترة حملته الانتخابية الأخيرة «أنه يجري محادثات “شبه يومية” مع (بيبي) حسبما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن علاقتهما “قوية للغاية”، وسنعمل معًا بشكل وثيق للغاية».10
وربما تظهر كلمات صهره (جاريد كوشنر) عن نتنياهو رؤية ترامب له في ظل تطابق وجهات نظرهما تجاه نتنياهو، إذا يقول في المقابلة السابق الإشارة إليها: «بيبي هو بالتأكيد شخصية تاريخية. بيبي هو شخص فعل الكثير من أجل دولة إسرائيل، ولديه فهم هائل لأجهزة الأمن. ولديه علاقات عالمية هائلة. لذا في أزمة مثل هذه [يقصد الحرب على غزة]، أعتقد أن بيبي هو الزعيم الذي تريده، إذا كنت إسرائيليًا، أن يكون في هذا المنصب. أعتقد أنه طموح فيما سيسعى إلى تحقيقه. إنه يفهم دوره في التاريخ كشخص ساعد في تعزيز إسرائيل اقتصاديًا وعسكريًا. ولا أعتقد أنه يريد أن يرى إرثه شخصًا ترك إسرائيل أكثر ضعفًا مما كان يجب أن تكون عليه. لذلك أعتقد أنه في هذا الصدد، سيكون قويًا بشكل لا يصدق. ولكنني أعتقد أيضًا أنه سوف يحرص على حساب المخاطر التي يخوضها، وألا يزيدها عن الحد المطلوب».11
وفي ضوء ما سبق سيعمل ترامب مع فريق إدارته الجديد خلال الشهرين ونصف الشهر القادمين مع أركان الإدارة الصهيونية للترتيب لبناء العلاقة الأمريكية الصهيونية في ضوء آخر المستجدات منذ السابع من أكتوبر 2023م، وكيف يمكن الحفاظ على أمن الكيان وهيمنته على قارتنا العربية، في حين يعمل في الوقت نفسه على صياغة استراتيجية وتطوير العلاقات مع فرق انتقال إدارة ترامب القادمة، من أجل التوصل إلى تفاهم على أجندة استراتيجية مشتركة.
مستقبل السياسات الترامبية تجاه الكيان الصهيوني
وأخيرا يمكننا القول أن سياسة ترامب تجاه الكيان الصهيوني خلال السنوات الأربع القادمة ؛ في ظل ثبات كافة عوامل الصراع وتوازنات القوى في العالم والإقليم، قد تتمثل في:
- دعم الكيان الصهيوني بشكل كامل من خلال تجديد الشراكة الاستراتيجية التي أبرمها بايدن عام 2022م بسخاء أكبر في كافة المجالات بحيث تكون الأولوية الأولى في ذلك هي استعادة الأمن الصهيوني الكامل. وربما يفاجئ الجميع بتوقيع معاهدة دفاع ثنائية مع الكيان الصهيوني لطالما حلم بها قادته ليكون هو؛ لا جو بايدن، هو أول رئيس أمريكي وقع معاهدة دفاع مع إسرائيل.
- العمل على توسيع اتفاقات التطبيع لتشمل السعودية وأكبر عدد من الدول العربية والإسلامية وعلى رأسهما السعودية وإندونيسيا وماليزيا.
- تحجيم الخطر الإيراني على الكيان، سواء بإرسال رسائل محددة للمقاومة وإيران أنه ستكون هناك عواقب إذا حاولوا التصعيد مرة أخرى، أو بالتفاوض على اتفاق نووي جديد، أو توجيه ضربة عسكرية لها وهو الاحتمال الأضعف، أو توقيع اتفاق سلام معها على غرار كامب ديفيد في حالة انكشاف طبيعة النظام الإيراني كما يرى البعض أو نتيجة لسقوط النظام الحالي وتولي نظام شبيه بنظام (الشاه) الحكم في طهران، وهو الاحتمال الأكثر ضعفًا، لكنه يظل قائمًا في ظل انقلاب الأحوال في قارتنا العربية.
- بناء نظام أمني إقليمي جديد بقيادة الكيان الصهيوني يضمن الهيمنة الأمريكية على المنطقة ويؤخر قدر المستطاع نزاع القوى الصاعدة لقمة النظام العالمي الظالم لعالمنا ممثلة في الصين وروسيا والهند من أن تتشارك معه الهيمنة على المنطقة التي تتحكم في غالب موارد العالم الحيوية وتتحكم في طرق الملاحة البحرية والبرية والجوية التي تصل العالم ببعضها تجاريًا واقتصاديًا وتعد نقطة ارتكاز رئيسية في أي مواجهة عسكرية.
- العمل على وقف الحرب على غزة، وفي ذات الوقت محاولة تصفية القضية الفلسطينية عبر تطوير صفقة القرن وإعادة تسويقها حسب الظرف الراهن من جديد من خلال تأييد نسخة من حل الدولتين مع ضم أراضٍ إسرائيلية واسعة النطاق حسب ما تسمح الأوضاع في الأردن ومصر ولبنان، أو في حالة عدم تهيؤ الظروف لتحقيق ذلك تتخذ وسيلة لاستهلاك الوقت حتى انتهاء فترة رئاسته يستطيع فيها الكيان قضم ما يمكن مما تبقى من أرض فلسطين إن بقي الحال على ما هو عليه.
- محاولة تصفية حماس أو إضعاف قوتها العسكرية لأقصى حد ممكن واستبعادها من أي حل سياسي قادم، والعمل على خلق بديل فلسطيني جديد يشبه وجوه (دايتون)12 التي لم تعد صالحة للاستهلاك المحلي الفلسطيني ولا حتى الصهيوني.
الهوامش
- للمزيد من المعلومات حول مشروع 2025 يمكن الرجوع إلى : https://www.project2025.org/ ↩︎
- بوب وود ورؤد. الحرب.الترجمة العربية، ص10، ص18. ↩︎
- المصدر نفسه، ص18-19. ↩︎
- إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة دون السعودية، موقع RT بالعربي. ↩︎
- نص حوار جاريد كوشنر مع ليكس فريدمان. ↩︎
- تم إطلاق اسم (اتفاق أبراهام) على اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي. وقد وقعت كل من البحرين والسودان والمغرب على اتفاقات مماثلة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد ذلك. ↩︎
- تهاني وتبريكات لترامب من زعماء العالم، i24news. ↩︎
- نتنياهو يهنيء ترامب ويصفه بالصديق العظيم لإسرائيل، موقع مصراوي. ↩︎
- تهاني وتبريكات لترامب من زعماء العالم، i24news. ↩︎
- ترامب يتباهى بتواصله شبه اليومي مع نتنياهو، العربي الجديد. ↩︎
- حوار جاريد كوشنر السابق. ↩︎
- عملية لإعادة هيكلة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تحت إشراف الجنرال الأميركي كيث دايتون، بحيث تعمل على إحباط العمليات الفلسطينية على “إسرائيل”، وتفكيك البنية العسكرية ومصادرة سلاح المقاومة في الضفة وغزة. ويمكن الرجوع لكتاب كوندوليزا رايس: ذكرياتي في واشنطن، ويمكن تحميل النسخة العربية من الكتاب من هنا.
لمزيد من التفاصيل عن ذلك. وانظر أيضا لنص الخطة بالعربية، موقع جماعة العدل والإحسان، النص الكامل لخطة دايتون ↩︎